Top
Image Alt

فتح بيت المقدس

  /  فتح بيت المقدس

فتح بيت المقدس

أ. أهمية القدس لدى المسلمين:

هناك عدة أسباب تجعل لبيت المقدس هذه المنزلة العظيمة الغالية في نفوس كل مسلم في كل زمان ومكان، منها:

الأول: أن إسراءَ رسول الله صلى الله عليه  وسلم كان إلى بيت المقدس، وكلنا نحفظ أوائل سورة الإسراء، قول الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِير} [الإسراء: 1].

فبيت المقدس لها هذه المنزلة العظيمة؛ حيث كانت هي مسرى رسول الله صلى الله عليه  وسلم، كما كان بيت المقدس هو بداية معراج رسول الله صلى الله عليه  وسلم إلى السماوات العُلَى في ليلة الإسراء والمعراج، وهذا حديث شهير معروف يعرفه القاصي والداني من المسلمين.

ومن ثم كان لهذه المدينة العظيمة هذه المنزلة الكبيرة في نفوس المسلمين.

الثاني: فهي أن بيت المقدس هو أولى القبلتين، عندما فرضت الصلاة على المسلمين كانت قبلتهم أولًا التوجه إلى بيت المقدس، وكلنا يحفظ قول الله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] طبعًا معروف أن بعد فترة أمر الله تعالى رسوله الكريم والمسلمين، بالتوجه إلى المسجد الحرام بدلًا من التوجه إلى بيت المقدس، وكلنا يعلم أن هذه المرحلة شهدت بعض اللغط من اليهود، ولكن الله سبحانه وتعالى رد عليهم، وقال في كتابه الكريم: {وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ} [البقرة: 115].

الثالث: هناك حديث مشهور عن رسول الله صلى الله عليه  وسلم، والذي أجاز فيه وأباح فيه أن تُشد الرحال إلى ثلاث مساجد، وذكرهم تعيينًا هم: المسجد الحرام -وكلنا يعرف المسجد الحرام- والمسجد الأقصى، ومسجد رسول الله صلى الله عليه  وسلم في مدينة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وأتباعه، وأزواجه، وأهل بيته وسلم تسليمًا كثيرًا.

ب. عملية فتح بيت المقدس:

لا يخفَى أنَّ فتح بيت المقدس يترتب عليه تأمين الفتوحات الإسلامية، والقضاء على السلطان السياسي للروم، سواء في بلاد الشام أو في فلسطين.

حقيقةً، اجتمع في بيت المقدس في تلك المرحلة كل فلول المنهزمين من الروم، خاصة موقعة أجنادين وكان على رأسهم أرطبون، كل هؤلاء استطاعوا أن يتحصنوا ببيت المقدس، وأن يحاولوا مقاومة حصار المسلمين لبيت المقدس، لكن الذي حدث أن عمرو بن العاص حاصرها طويلًا، وصبر طويلًا على حصارها؛ لعلها تسلم دون إراقةِ دماء، وحدث ما كان يتمناه عمرو بن العاص، حيث مال أهلها للصلح، فسارع عمرو بقبول هذه الرغبة، إلا أن البطريرك -بطريرك بيت المقدس- اشترط أن يتولى عقد الصلح الخليفة عمر بنفسه، وذلك لعظم شأن القدس، ومركزها الديني عند المسلمين والنصارى.

ومن ثم كتب عمرو بن العاص إلى الخليفة الفاروق بهذا الأمر، وفي هذه المكاتبات وافق الفاروق على المجيء بنفسه، وعلى أن يباشر بنفسه عقد هذا الصلح، فوافق عمر وخرج إلى الشام، وطلب من أمرائه في الشام والمناطق القريبة أن يقابلوه في الجابية، وبالفعل تحرك هؤلاء القواد، وكان أول مَن لقيه من قواده يزيد بن أبي سفيان، وأبو عبيدة عامر بن الجراح، وخالد بن الوليد، وكانوا على الخيل وعليهم الديباج والحرير، لما رأى الخليفة عمر ذلك كثر عليه أن يرى القوم في هذه الزينة، وهم قريبو عهد برسول الله صلى الله عليه  وسلم وخشي عليهم فتنة الدنيا وزينتها، وانغماسهم في الترف، وترك الجد من الأمور، عاتبهم على ذلك عتابًا شديدًا، بل إن بعض المصادر تقول: أنه رمى الحصى في وجوههم عندما رآهم بهذا الشكل، وبهذه الملابس التي عليها الديباج والحرير.

اعتذروا إليه بعدة أمور، أول هذه الأمور: أن السلاح تحت ملابسهم، وأن هذه الملابس تخفف من وطأة السلاح على أجسادهم، كما أنهم اضطروا إلى هذه المظاهر أمام أهل البلاد حتى لا يهونوا في أعين أهل هذه البلاد؛ لأن مقاييس هذه البلاد لا تَعترف إلا بالمظاهر حتى وإن كانت مظاهر كاذبة.

ومن ثم تقول الروايات: إنَّ الفاروق قبل منهم عذرهم في هذه الأمور، وأقام في الجابية حتى جاءه وفد بيت المقدس يعرض عليه الصلح والتسليم، فصالحهم وكتب لهم كتابًا -طبعًا هذه هي العهدة العمرية التي نتحدث عنها، والتي ذكرت في المصادر- ونص الكتاب فيه كلام كثير من أهمه: هذا ما أعطى عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين أهلَ إيلياء الأمان، أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم، ولا تهدم ولا ينتقص منها، ولا من خيرها، ولا من صلبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود، وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن، وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوص، فمن خرج منهم فإنه آمِن على نفسه وماله، حتى يبلغوه مأمنه، ومن أقام منهم فإنه آمن، وعليه ما على أهل إيلياء من الجزية، ومَن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم، فيُترك وما أحب، وإنهم آمنون على أنفسهم وعلى صلبانهم، حتى يبلغوا مأمنهم.

إلى أن قال: وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله سبحانه وتعالى وذمة رسوله صلى الله عليه  وسلم وذمة الخلفاء، وأمة المؤمنين، وطبعًا هذه الفقرة من أهم الأفكار التي وردت في الصلح أو في هذه العهدة العمرية. شهد على هذا الكتاب خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعبد الرحمن بن عوف ومعاوية بن أبي سفيان، وكان ذلك في العام الخامس عشر من الهجرة النبوية.

وتقول الروايات: أنه عُقد صلح آخر اسمه صلح الرملة وضع فيه نفس الشروط، التي وضعت بين المسلمين وبين أهل بيت المقدس.

حقيقة تبع ذلك دخول الفاروق بيت المقدس وصلاته، وتقول الروايات: أنه صلى بسورة “ص” في الركعة الأولى، وفي الثانية بالإسراء أو سورة بني إسرائيل، واستطاع أن يستدل على الصخرة، ويقال: أنه ساعده في ذلك كعب الأحبار، وهنا فجر عمر رغبته في بناء مسجد، وهو المسجد الذي عرف بعد ذلك بالمسجد العمري، اقترح كعب الأحبار على الفاروق أن يجعل جهة المسجد من وراء بيت المقدس، فقال له الفاروق: ضاهيت والله اليهودية، ومن ثم خالف رأي كعب الأحبار، وجعل مسجدَه قِبلي بيت المقدس، هذا بالنسبة للمسجد العمري والمناقشة التي حدثت مع كعب الأحبار حول مسجده، وأين يبنيه؟

تقول الروايات: أن كعب الأحبار والفاروق استطاعَا أن يتعرفا على الصخرة، ومن ثم رفع القذارة التي كان أهل الكتاب يضعونها فوق الصخرة، واستطاعوا أن يرفعوها شيئًا فشيئًا، وترك رفع باقي هذه القاذورات لبقية المسلمين.

على أية حال نستطيع أن نقول: أن فتح بيت المقدس بهذه الصورة يبين إلى أي مدى كانت مشاعر المسلمين واحترام المسلمين لهذه الأماكن المقدسة واهتمامهم بها، وإذا أردنا أن نحدث مقارنة بسيطة بين تصرف المسلمين وتصرف غيرهم عندما يدخلون بيت المقدس، فسوف نجد أن البَوْن شاسع والفرق كبير، وهو في صالح المسلمين الذين يتسمون بكل مظاهر العطف والرحمة، وخاصة عند تعاملهم مع الأماكن المقدسة.

إذا نظرنا إلى هذه الوثيقة، فسوف نجد أنها حوت على مجموعة من الأفكار المهمة ، من أهم هذه الأفكار:

الأمن على النفس والمال والعقيدة، ومعروف: أن الإنسان يكافح طولَ حياته من أجل إقرار هذه المبادئ، وعلى الحاكمين أن يعملوا على نشرها بين الناس؛ لأنه لا حياةَ ولا استقرارَ في مجتمع يضيع فيه الأمان، وتهدد فيه حرية العقيدة، وامتدح الله -تبارك وتعالى- المؤمنين وامتن عليهم بنعمة الأمن والهداية، يقول تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُون} [الأنعام: 82].

كذلك من بين النقاط: الحديث عن حرية الإقامة بغير بغي ولا عدوان، والمحافظة على ما يملك الآخرون؛ لكي تتوفر حرية الإقامة لمن يريدها.

كذلك من بين النقاط: الحذر من اليهود؛ لأن العدوان في طبيعة اليهود، وتاريخهم طويل وحافل بالاعتداءات المتكررة حتى الأنبياء لم يسلموا من اعتداءات اليهود.

وهذا معروف ومذكور حتى في كتابنا الكريم القرآن، وما يحدث اليوم في فلسطين أكبر شاهد على مجازر اليهود، وعلى كيفية تصرف اليهود، وعدم احترامهم لأي قدسية، ولدماء الناس مهما كانت هذه الدماء.

error: النص محمي !!