Top
Image Alt

فتح “طبرستان”، ما وراء النهر، بلاد النوبة، والروم

  /  فتح “طبرستان”، ما وراء النهر، بلاد النوبة، والروم

فتح “طبرستان”، ما وراء النهر، بلاد النوبة، والروم

أ. فتح طبرستان:

إنَّ فتح طبرستان تم على يد سعيد بن العاص، وهذا هو قول الواقدي وأبي معشر، والمدائني، ويعد سعيد بن العاص هو أول مَن غزاها، كما ذهب هؤلاء إلى هذا الرأي، غير هؤلاء من المؤرخين قالوا: إنهم كانوا صالحوا سويد بن مقرن قبل ذلك على ألا يغزوها على مال، -بذلوا له أموالًا نظير ألا تغزى، هل هذا تم على يد سعيد بن العاص -كما ذكرت؟ أم على يد سويد بن مقرن؟ الله أعلم أي ذلك كان.

ذكر المدائني أن سعيد بن العاص ركب في جيش عظيم فيه سيدا شباب أهل الجنة: الحسن والحسين، والعبادلة الأربعة، وحذيفة بن اليمان في خَلْق كبير من الصحابة رضي الله  عنهم وسار بهم سعيد بن العاص، فَمَر على بلدان شتى، وهذه البلاد استطاع أن يعقِدَ معها الصلح.

ومن ثم بذلوا له أموالًا كثيرة هي أموال الجزية، بناءً على هذا الصلح، حتى انتهى إلى هذه المناطق في “طبرستان” فقاتلوه، يقال: حتى إنه احتاج إلى صلاة الخوف، فسأل حذيفة: كيف كان رسول الله صلى الله عليه  وسلم يصلي صلاةَ الخوف؟ فأجابه وأخبره حذيفة كيف صلَّى رسول الله صلى الله عليه  وسلم صلاة الخوف، ثم سأله أهلُ ذلك الحصنِ الأمانَ، فأعطاهم الأمان.

وعلى أية حال، تم فتح هذه المناطق، وهي إقليم “طبرستان” -بناءً على هذه الرواية- على يد سعيد بن العاص.

ب. فتح بلاد ما وراء النهر:

هذه المنطقة مِنطقة ضخمة جدًّا، وتقول الروايات: إن عبد الله بن عامر تمكن من فتح مناطق منها مثل: “مرو الروذ” و”الطالقان” و”الفارياب” و”الجَوْزجان” و”طخارستان”.

“مرو الروذ”: بعث إليهم أبا عامر الأحنف بن قيس، حاصرهم، فخرجوا إليه، فقتلهم، حتى كسرهم، واضطرهم إلى العودة إلى حصونهم، ثم تم الصلح بعد ذلك، حتى صالحوه على مال جزيل، وعلى أن يضرب على أراضي الرعية الخراج، ويدع الأرض التي كان قد قطعها كسرى لوالد الموزبان صاحب “مَرْو”.

وتقول الروايات: إن الأحنف بن قيس رضي بذلك وصالحهم على هذه الشروط، وكتب لهم كتابًا بذلك، وهو كتاب الصلح، وبعث الأحنف الأقرع بن حابس إلى “الجوزجان”، ففتحها بعد قتال وقع بينهم، قُتل فيه خَلْق من شجعان المسلمين، كذلك صار الأحنف من “مرو الروذ” إلى “بَلْخ”، فحاصرهم حتى صالحوه على أربعمائة ألف، واستناب عليها ابن عمه أسيدًا على قَبْض الأموال.

وعلى أية حال، فإن بلاد ما وراء النهر بلاد واسعة وعريضة، والأصل فيها أنها تقع ما بين نهري “جَيْحون” و”سَيْحون”، أما نهر “جيحون”، فهو يقع جنوبًا قريبًا من بلاد العرب، أما نهر “سَيْحون” فهو يقع شمالًا ويبتعد بالطبع عن “جيحون” وعن بلاد العرب، المنطقة الواقعة بينهما هي التي تسمى ببلاد ما وراء النهر، في كتاباتنا الإسلامية عندما نطلق تعبير بلاد ما وراء النهر؛ يكون من المعروف أن المقصود بهذه البلاد أو مقصود بهذا النهر هو نهر “جيحون”، وتحديد المنطقة تمامًا جغرافيًّا يكون بالمنطقة المحصورة بين نهري “جيحون” جنوبًا، و”سيحون” شمالًا.

و هذه المنطقة تشمل مجموعة عظيمة من الأقاليم والبلدان المعروفة مثل: “طخارستان”: وهو إقليم كبير يقع على ضفتي نهر “جيحون”. وكذلك “بلخ” . ويقول ياقوت الحموي في (معجم البُلدان): إن هذه النهر -نهر جيحون- أحيانًا يطلق عليه نهر “بلخ”؛ نظرًا لقرب “بلخ” منه؛ ولأن بينهما حوالي عشرةَ فراسخ. الذي افتتح هذه البلاد في عصر عثمان بن عفان رضي الله  عنه: هو الأحنفُ بن قيس -كما ذكرنا من قبل- وكان موجهًا من قِبل الأمير – عبد الله بن عامر.

وإن كان الملاحظ: أن فتح هذه البلادكان نوعًا من التعرف على هذه البلاد، ونوعًا من الاستقرار أيضًا، ولكن ليس الاستقرار المطلق والكامل والتام؛ لأن هذه البلاد انقلبت مراتٍ عديدةً على المسلمين، وحاولت أن تتخلص من الوجود الإسلامي، ولكن الاستقرار الحقيقي للمسلمين فيها تم بعد ذلك في العصر الأموي؛ حيث استطاع الأمويون أن يبسطوا سيطرتهم الكاملة والدائمة والمطلقةَ على بلاد ما وراء النهر، وهذه من الحقائق التاريخية.

يُنسب إلى هذه البلاد طائفة عظيمة جدًّا من علماء المسلمين، والذين هم أعلامٌ في مجالهم أو في مجالات كثيرة من أنواع العلوم والفنون، التي تُعرف بها الحضارةُ الإسلامية، وخاصةً في مجال رواية الحديث. فَ رضي الله  عنهمْ أَجْمَعِينَ، وَغَفَرَ اللَّهُ لَنَا وَلَهُمْ.

ج. بلاد النوبة:

من المعروف فتح مصر تم على يد عمرو بن العاص رضي الله  عنه وفي عصر الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، ومن المعروف أن الدولة الرومانية كانت قد استردت الإسكندرية عن طريق البحر، ولكن استطاع عمرو بن العاص أن يستردها مرةً أخرى، والذي حَدَث في عصر عبد الله بن سعد بن أبي السرح أنه استطاع أن يطور الفتوحاتِ من مصر لعدة مناطق، استطاع أن يطور الفتوحات غربًا في الشمال الإفريقي -برقة وطرابلس، وغير ذلك- وكما استطاع أن يطور هذه الفتوحات جنوبًا؛ حيث تمكن من الوصول إلى بلاد النوبة ومِن فتح بلاد النوبة، كان ذلك عام خمسة وعشرين، وستة وعشرين من الهجرة النبوية.

واستطاع أن ينشر الإسلامَ في هذه المناطق -وهي بلاد النوبة- ومن ثم انطلق الإسلام من هذه المناطق إلى السودان، سواء كان شمال السودان أو وسط السودان وجنوب السودان.

وعلى ذلك تكون فتوحات عبد الله بن سعد بن أبي السرح، هي التي يرجع لها الفضل في نشر الإسلام في بلاد النوبة وفي السودان بعد ذلك.

د. تتمة فتح بلاد الروم:

هذا الأمر السبب فيه هو معاويةُ بن أبي سفيان رضي الله  عنه وكان ذلك في عصر الخليفة الراشد عثمان بن عفان.

دولة الرومان في عهد عثمان رضي الله  عنه مثَّلت نوعًا من الحذر للمسلمين ولجيوش المسلمين، من المعروف أن الجيوش الإسلامية تمكنت من إحداث زلزلة عظيمة في بلاد الرومان، وأدت إلى تحطيم أركان هذه الدولة، وسقوط الكثير من المناطق التي كانت تابعة لها، سواء في الشام، أو في مصر، أو أجزاء عظيمة من الشمال الإفريقي، واقتلعوا من جسم الدولة الرومانية أجزاءً كبيرةً كانت عزيزةً عليهم.

لا يخفى أن هذا الأمر بالنسبة للروم لم يكن أمرًا سهلًا، وكذلك فإن الروم بلا شك حاولت أن تنتقم لنفسها -إن صح التعبير- وحاولت أن تعيد هذه الأملاكَ، حاولت حتى أن تصمد أمامَ زحف الجيوش الإسلامية، التي استطاعت أن تتغلغلَ في تلك المناطق والأقاليم التي كانت تابعةً لبلاد الروم. لكل هذه الأسباب لم يغفل المسلمون عن حَذَرهم، وعن الحقد الذي أكلَ قلوبَ الروم على المسلمين.

معاوية بن أبي سفيان رضي الله  عنه كان ذَا شغفٍ كبير للإجهاز على دولة الروم، كما تمكن المسلمون من الإجهاز على دولة الفرس، وكانت له رغبةٌ عظيمة في فتح مدينة القسطنطينية، وكان معاوية رضي الله  عنه على علم بمدَى حذر الدولة ويقظة الروم له، كما كان على علم بمدى صعوبة تحقيق هذه الأماني، سواء موضوع فتح القسطنطينية، أو موضوع الانسياح في بلاد الروم، وإكمال الفتوحات في بلاد الروم حتى اقتلاعها تمامًا.

ولكن نظرًا لكثرة جبال بلاد الأناضول، ووعورة طرقها، وما يكتنفها من أهوال إذا ما غزاها برًّا، -هذا الكلام بالنسبة للقسطنطينية- فمعنى ذلك أنه يريد أن يعبر على مناطقَ ضخمة جدًّا مليئة بالقوات، ومليئة بالمدن، ومليئة بالمناطق الوعرة جغرافيًّا؛ الهضاب والجبال، وخلافه، التي لا تمكنه بسهولة من الوصول إلى القسطنطينية-؛ ولذلك كان التفكير في فتح القسطنطينية عن طريق البحر وليس عن طريق البر؛ نظرًا لصعوبة الطريق في البر، واستحالة الفتح عن طريق البر؛ ولذلك كان هدف معاوية رضي الله  عنه هو تكوين الجيش والأسطول الإسلامي، الذي يتمكن به وعن طريقه من فتح القسطنطينية، وتأمين الفتوحات، وتأمين شرق البحر المتوسط، وإكمال الفتوحات في الشمال الإفريقي، بدون أن تتعرض هذه المناطق لأي هجوم من بلاد الروم.

على أية حال، رأى معاوية رضي الله  عنه أن تخليص بلاد الشام أولًا، وتطهيرها تمامًا من خطر الجيوش الرومانية المتجمعة هنا وهناك، وخاصةً من ناحية حدود آسيا الصغرى، هو الهدف الأهم والأسمى في المرحلة الأولى على الأقل، ومن ثم نستطيع أن نقول: أن معاوية وجه جهودَه نحو هذا الهدف، ألا وهو: تخليص هذه المناطق، وجعلها خالصةً للمسلمين، واعتبر أن هذا الهدف أسمى وأهم في هذه المرحلة من فتح القسطنطينية.

وإن كانت المصادر تقول: أنه لم يكتفِ بهذا، وأنه حَوَّلَ جهوده بعد ذلك في محاولات فتح القسطنطينية. على أية حال، تم له موضوع إكمال بلاد الشام وجعله منطقة خالصة للوجود الإسلامي، تم له ذلك بين عامي 25، 26 من الهجرة النبوية. وبذلك امتدت فتوحاتُه إلى أقصى بلاد الروم، ووصلت إلى أرمينية -كما ذكرنا- التي أخضعها، وصالح أهلها، وكذلك وصلت فتوحاته إلى بلاد القوقاز، كل ذلك كان في عصر الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله  عنه.

error: النص محمي !!