Top
Image Alt

فضائل علم أصول الدعوة

  /  فضائل علم أصول الدعوة

فضائل علم أصول الدعوة

وفضل هذا العلم عظيم، وفضائله تجلّ عن الحصر وتفوق عن العد؛ فإن له ما للقيام من الدعوة من فضائل؛ لأنه بتعلم علمه يحصل المتعلم عميم الأجر وجزيل الفضل، فأجور الدعاة مضاعفة أبدًا، والدعاة الفقهاء بأصول الدعوة يترقون في مقامات الأنبياء تعلمًا وتعليمًا، قائمين على حدود الله يحفظون الدين من الوَهن ويجددون أركانه ويرعون سفينة المجتمع أن تغرق في بحار الشهوات والشبهات، وبتعلم أصول الدعوة يتوصل إلى تحقيق الحكمة الدعوية المأمور بها قرآنًا وسنة وتتحقق البصيرة بسبيل الدعوة وأساليبها ووسائلها، ويتوصل إلى أحكام الله تعالى في النوازل الملمة ومناهج التغيير ووسائله ومسائله المستجدّة، فإذا كان الدعاة ورثة الأنبياء في التزكية والبلاغ فإن الدعاة العلماء في الذروة من هذه المنزلة.

يقول ابن القيم -رحمه الله-: “إن أفضل منازل الخلق عند الله منزلة الرسالة والنبوة، فالله يصطفي من الملائكة رسلًا ومن الناس”، فكيف لا يكون أفضل الخلق عند الله من جعلهم وسائط بينه وبين عباده في تبليغ رسالاته وتعريف أسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه، وجعل أشرف مراتب الناس بعدهم مرتبة خلافتهم ونيابتهم في أممهم بأنهم يخلفونه على مناهجهم وطريقهم من نصيحتهم للأمة، وإرشادهم الضال، وتعليمهم الجاهل، ونصرهم المظلوم، وأخذهم على يد الظالم، وأمرهم بالمعروف وفعله، ونهيهم عن المنكر وتركه.

والدعوة إلى الله بالحكمة للمستجيبين والموعظة الحسنة للمؤمنين الغافلين، والجدال بالتي هي أحسن للمعاندين المعرضين. وإذا كان طلب العلم محمودًا ومعدودًا في سبيل الله -فإن طلب العلم الذي يتوقف عليه تبليغ الدين وإقامته من أعظم الجهاد، كما قال -صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر))، وإذا كان دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم وأهل السموات والأرض للدعاة عمومًا فإن الدعاة الذين نفروا ليتفقهوا في أصول الدعوة هم في الطليعة من هذا الخير، فهم أحسن الدعاة قولًا وأصلحهم في المسلمين عملًا، وإذا كان جهاد الدعوة بالكلمة له فضل كبير فإنه لا يدرك أمانة الكلمة ولا فقهها مثل الدعاة العلماء بهذا العلم النفيس، قال الله -عز وجل-: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين} [فصلت: 33] أولئك والله هم الأقلون عددًا والأعظمون عند الله قدرًا، ليحفظ الله بهم حججهم وبيناته حتى يودعوها نظراءهم ويزرعوها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة، وباشروا روح اليقين واستلانوا ما استوعره المترفون، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، وصحبوا الدنيا بأبدان متعلقة بالمحلّ الأعلى، أولئك خلفاء الله في أرضه والدعاة إلى دينه.

وإذا كانت الدعوة إلى الله من أشرف الأعمال عند الله، فإن علم أصولها من أشرف العلوم وأنفعها للداعي والمدعو على حد سواء، وكل فضلٍ ثبت للدعاة عمومًا فأرباب البصيرة بأصول الدعوة وفقهها به أولى وأحرى، قال الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]. ولا يفوت في هذا المقام أن نؤكد على أن تعلم هذا العلم -علم أصول الدعوة- من أعظم سُبل الوحدة والائتلاف، ونبذ الفرقة والاختلاف، ومن أعظم أسباب صلاح ذات البين، وما قد يوجد من مظاهر الفرقة والتخالف بين الدعاة مردّه إلى أمور كثيرة؛ من أهمها غيابُ أو ضعف العلم الشرعي الأصيل، وكذا علم أصول الدعوة وفقه ممارستها، وخفوت نور الربانية في الصدور وضعف التحقق بالأخلاق النبوية والشمائل السلفية، فلا غنى عن غلبة روح التأصيل العلمي، والتفريق بين المقبول والمردود من الخلاف والمحكم والمتشابه من النصوص والقطعي من الظني من الدلالات.

error: النص محمي !!