Top
Image Alt

قرارات مجمع الفقه الإسلامي

  /  قرارات مجمع الفقه الإسلامي

قرارات مجمع الفقه الإسلامي

نأتي إلى قرارات مجمع الفقه الإسلامي في مجال الضوابط ومجال التحريم والتحليل والحكم الشرعي، وما يتصل بجراحات التجميل سواء كانت للعلاج، أو للتزين، والتحسين:

ناقش مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي عمليات الجراحات التجميلية، واتخذ بشأنها قرارات عدة وبيان ذلك فيما يلي:

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته الثامنة عشر في “بوترا جايا” ماليزيا من 24 إلى 29 جمادى الآخرة 1428 هجرية الموافق من 9 إلى 14 تموز -يوليو- سنة 2007 ميلادية وبعد الاطلاع على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع الجراحة التجميلية وأحكامها وبعد استماعه -أي: مجلس المجمع- إلى المناقشات المستفيضة التي دارت حول هذا الموضوع قرر ما يأتي:

أولًا: تعريف جراحة التجميل جراحة التجميل هي تلك الجراحة التي تعنى بتحسين، أو تعديل شكل جزء أو أجزاء من الجسم البشري الظاهرة، أو إعادة وظيفته إذا طرأ عليه خلل مؤثر، إذًا الجراحة إما لتحسين عضو من أعضاء الجسم البشري، أو إعادة الوظيفة التي طرأ عليها ما يخل بها ويؤثر في أدائها.

ثانيًا: الضوابط والشروط العامة لإجراء عمليات جراحات التجميل –حسب ما قرره مجمع الفقه-:

  1. أن تحقق الجراحة مصلحة معتبرة شرعًا كإعادة الوظيفة -وظيفة العضو؛ فمثلًا: عضو لا يمشي العملية تجعله يمشي، يد لا تتحرك لا تكتب لا تأكل العملية أو الجراحة تجعلها تمتد، وتؤدي وظائفها في الكتابة، أو الدفاع، أو غير ذلك- وإصلاح العيب –كالتشويهات- وإعادة الخلقة إلى أصلها.
  2. ألا يترتب على الجراحة ضرر يربو –يزيد- على المصلحة المرتجاة من الجراحة، ويقرر هذا الأمر أهل الاختصاص الثقات؛ أي: الطبيب المختص سيبين لنا قبل إجراء الجراحة أنه ليس هناك ضرر، أو لن يترتب ضرر أكبر من الضرر الموجود؛ لأننا نسعى إلى الحصول على مصلحة، فهل نأتي بضرر يؤكد لنا الطبيب أن إجراء الجراحة لن يؤدي إلى ضرر يزيد عن المصلحة التي يريدها.
  3. أن يقوم بهذا العمل -الجراحة التجميلية- طبيب أو طبيبة من أهل الاختصاص المؤهلين لهذا العمل لإجراء هذه الجراحة التجميلية، وإلا ترتبت مسئولية على من يقوم من غير أهل الاختصاص بمثل هذه الجراحات التجميلية تترتب عليه مسئولية حسب قرار المجمع، إذًا أن يقوم بالعمل طبيب أو طبيبة مختص مؤهل لهذا العمل.
  4. أن يكون العمل الجراحي بإذن المريض طالب الجراحة، لا يجوز ولا يصح أن يكون المريض في حاجة إلى إجراء جراحة علاجية تتعلق مثلًا بالكلى أو الكبد أو الرئة، ويقوم الجراح دون إذن المريض بعمل شيء آخر لا بد أن يكون العمل الجراحي بإذن المريض.
  5. أن يلتزم الطبيب المختص بالتبصير الواعي لمن يجري العملية بالأخطار والمضاعفات المتوقعة والمحتملة من جراء إجراء العملية؛ حيث يقوم الطبيب المختص بتبصير المريض قبل أن يكتب الإذن بإجراء الجراحة أن يبصره بالآثار، والأعراض الجانبية لإجراء هذه العملية.
  6. ألا يكون هناك طريق آخر للعلاج أقل تأثيرًا ومساسًا بالجسم من الجراحة، فلا نلجأ إلى الجراحة إلا إذا تعينت، وفي الضرورة القصوى أما إذا كان هناك بدائل غير الجراحة؛ فعلينا أن نأخذ بها، ولا نلجأ إلى الجراحة.
  7. ألا يترتب عليها -أي: الجراحة- مخالفة للنصوص الشرعية كالواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة، والنامصة، والمتفلجة… إلى آخره.
  8. أن تراعى فيها قواعد التداوي من حيث الالتزام بعدم الخلوة -طبيب لا يخلو بالمرأة- ومن حيث أيضًا كشف العورة، وأحكام كشف العورات، وغيرها إلا لضرورة، أو حاجة داعية إلى ذلك، والضرورات تقدر بقدرها كما هو معلوم.

بعد أن بين المجمع تعريف الجراحة، وبعد أن بين ضوابطها انتقل بقراراته إلى البند الثالث وهو: الأحكام الشرعية.

الأحكام الشرعية:

وهي مذكورة في عدة نقاط تعتبر ست نقاط، ونقطتان توصيتان، وكل نقطة من هذه النقاط الست، تحتها بنود:

القسم الأول:

أ. يحوز شرعًا إجراء الجراحة التجميلية الضرورية والحاجية التي يقصد منها ما يلي:

  1. إعادة شكل أعضاء الجسم إلى الحالة التي خلق الإنسان عليها، فإذا كان هناك تشويه في بعض الأعضاء، فتوضع، أو تجرى العمليات لوضع هذه الأعضاء في أماكنها الصحيحة كما يجري الآن مثلًا في التشوهات بين بعض التوائم التي تولد ملتصقة فيتم فصلها أو بعض التشوهات العضوية في مولود واحد فيتم نقلها، أو تحويلها، أو نحو ذلك من الأمور.
  2. إعادة الوظيفة المعهودة لأعضاء الجسم، الرِّجْل تتحرك، اليد تتحرك العين تنظر، الأذن تسمع، اللسان يتحرك وينطق، الأنف يشم، إذا كانت هذه الوظيفة غير موجودة والعملية الجراحية ستعيد هذه الوظيفة إلى هذا العضو هذا جائز.
  3. إصلاح العيوب الخلقية مثل: الشفة المشقوقة الأرنبية، اعوجاج حاجز الأنف الشديد، الوحمات الجلدية الظاهرة، الأصابع الزائدة، وكذلك الأسنان والتصاق الأصابع إذا أدى وجودها إلى أذى مادي أو معنوي مؤثر، كل هذا إصلاح العيوب من العمليات الجراحية التجميلية العلاجية الجائزة.
  4. إصلاح العيوب الطارئة المكتسبة؛ فهناك عيوب فطرية، ولد عليها المولود وهذه عيوب خلقية نصححها بالجراحة، وهناك عيوب طارئة مكتسبة من مصائب طارئة، مثل: آثار الحروق، الحوادث، أمراض وغيرها؛ مثل: زراعة الجلد وترقيعه، وإعادة تشكيل الثدي كليًّا حالة استئصاله، أو جزئيًّا إذا كان حاله من الكبر، أو الصغر؛ بحيث يؤدي إلى حالة مرضية وزراعة الشعر حالة سقوطه خاصة للمرأة -كما قلنا- في الصلع أو القرع.
  5. إزالة دمامة تسبب للشخص أذى نفسيًّا أو عضويًّا، عنده زوائد مثلًا في الوجه، أو زوائد في الرقبة، أو اليدين أصابع زائدة، أو نحو ذلك، هذا القسم كله اسمه جراحة علاجية للدواء؛ فهي ضرورية، أو حاجية، وتقدر بقدرها وهي جائزة.

القسم الثاني: لا يجوز إجراء جراحة التجميل التحسينية التي لا تدخل في العلاج الطبي ويقصد منها تغيير خلقة الإنسان السوية تبعًا للهواء والرغبات بالتقليد للآخرين مثل عمليات تغيير شكل الوجه -كما قلنا- قشر البشرة للظهور بمظهر معين أو بقصد التدليس، وتضليل العدالة، وتغيير شكل الأنف، وتكبير الشفاه، أو تصغيرها وتغيير شكل العينين، وتكبير الوجنات، كل ذلك القسم الذي يقصد منه التحسين لغير ضرورة، أو حاجة هذا ممنوع؛ لأنه ليس من العلاج؛ ولأنه يؤدي إلى التغيير، ولأنه يؤدي إلى التدليس، ولأنه قائم على الهوى والرغبة في تقليد الآخرين.

القسم الثالث: يجوز تقليل الوزن -أي: التنحيف- بالوسائل العلمية المعتمدة كـ”الرِّجيم”، فإذا لم تكن هناك وسائل غير الجراحة جازت بشرطين؛ الشرط الأول: اصطحاب حالة مرضية، أي: ليس مجرد الدهون، وإنما الدهون معها حالة مرضية. الشرط الثاني: أمن الضرر من أشياء أخرى.

القسم الرابع: لا يجوز إزالة التجاعيد بالجراحة، أو الحقن ما لم تكن حالة مرضية وشريطة أمن الضرر. إذًا التجاعيد لا يجوز إزالتها سواء بعملية جراحية استئصال هذه التجاعيد، أو حقن ينفخ هذه التجاعيد فتزيلها هذا كله إذا جاز؛ فإنما بأمن الضرر، وأيضًا اصطحاب هذه التجاعيد لحالات مرضية بدون الحالات المرضية، أو الخوف من ضرر آخر لا يجوز إزالة هذه التجاعيد.

القسم الخامس: وهو متعلق برتق -ترقيع- غشاء البكارة الذي تمزق؛ بسبب ألعاب رياضية، أو بسبب حوادث، أو في اغتصاب، أو إكراه على الفاحشة.

يقول المجمع: يجوز رتق غشاء البكارة الذي تمزق؛ بسبب حادث، أو اغتصاب أو إكراه، ولا يجوز شرعًا رتق الغشاء المتمزق؛ بسبب ارتكاب الفاحشة، سدًّا لذريعة الفساد، والتدليس، والأولى أن يتولى ذلك الطبيبات.

القسم السادس: على الطبيبة أو الطبيب المختص أن يلتزم بالقواعد الشرعية في أعماله الطبية، وهذا يتطلب إذن المريض وأيضًا نصيحة الطبيب لطالبي هذه الجراحة، وما يتعلق بها من آثار جانبية فالدين النصيحة. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

تلك كانت تفاصيل الأحكام الشرعية من خلال مجمع الفقه الإسلامي. بعد أن بين لنا الضوابط، وعرف لنا العمليات الجراحية، وبهذا لم يعد هناك مجال للقيل، أو القال، أو الاستفسار عن مثل هذه العمليات، فقد اتضح كل ما يتعلق بها؛ ولذلك انتهى المجمع بعد هذه القرارات بالوصيتين التاليتين؛ يوصي المجمع بما يلي:

أولا: على المستشفيات والعيادات الخاصة والأطباء الالتزام بتقوى الله تعالى وعدم إجراء ما يحرم من هذه الجراحات؛ لأننا نعلم بعض الأطباء يتساهل -كما أشرنا من قبل- في موضوع الإجهاض، أو في موضوع الجراحات التحسينية، أو التغيرية التي تغير خلق الله دون حاجة، أو مرض؛ فالمجمع يوصي جميع الأطباء، وكل العاملين بالمستشفيات والعيادات الخاصة أن يلتزموا بتقوى الله تعالى، وعدم إجراء ما يحرم من هذه الجراحة.

ثانيًا: على الأطباء والجراحيين التفقه في أحكام الممارسة الطبية خاصة ما يتعلق بجراحة التجميل، وألا ينساقوا لإجرائها لمجرد الكسب المادي دون التحقق من حكمها الشرعي، وألا يلجأ إلى شيء من الدعايات التسويقية المخالفة للحقائق الواقعية، تلك كانت قرارات المجمع الفقهي الدولي، وتوصياته فيما يتعلق بعمليات، وجراحات التجميل.

وأخيرًا يقول العز بن عبد السلام: الاعتماد في جلب مصالح الدارين ودرء مفاسدهما على ما يظهر في الظنون؛ أي: ليس لدينا دليل قطعي في المصلحة ولكن علينا أن نجتهد، ويغلب على ظننا أن في ذلك المصلحة، يقول: وكذلك أهل الدنيا إنما يتصرفون بناءً على حسن الظنون، وإنما أعتمد عليها أي الظنون غالبًا؛ لأن الغالب صدقها عند قيام أسبابها؛ فإن التجار يسافرون على ظن أنهم يربحون يسافر، ويستورد، ويصدر ظنًّا منه أنه سيربح، لكنه قد يخسر؛ والمريض يتداوى لعله يشفى ويبرأ، والتجار يسافرون على ظن أنهم يربحون، والمرضى يتداوون لعلهم يشفون ويبرءون.

ويستدل على وجوب إذن المريض بقوله تعالى: { وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِين } [البقرة: 190] وبحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي بكرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم النحر بمنى: ((إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا)) ونحن نعلم أن إجراء جراحات التجميل فيه قطع، وشق للبدن، وإراقة للدم، فلا بد من إذن المريض في ذلك.

وقد قرر الفقهاء: أنه لا يجوز لأحد أن يتصرف في ملك الغير، أي: في جسد المريض بلا إذن، ومنافع الإنسان وأطرافه حقٌّ له، يدل على ذلك ما روت عائشة رضي الله عنها قالت: ((لَدَدْنَا النَّبِيَّ  صلى الله عليه وسلم  فِي مَرَضِهِ فَقَالَ: «لاَ تَلُدُّونِي». فَقُلْنَا: كَرَاهِيَةُ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ. فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: « لاَ يَبْقَى أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلاَّ لُدَّ، غَيْرَ الْعَبَّاسِ فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ»)).

اللدود واللدد: دواء يصب في أحد جانبي فم المريض؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم غضب من عدم استماعهم إلى نهيه وقال: ((لا يبقى أحد في البيت إلا لدَّ))؛ أي: شرب الدواء كما حدث مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعقب النبي صلى الله عليه وسلم بعد نهيه عن ذلك، والعقوبة لا تكون إلا بسبب التعدي.

أيضًا من الكلام الطيب في موضوع الطبيب، وتأهيله أن يكون الطبيب مؤهلًا، قال ابن القيم: إذا تعاطى علم الطب، وعمله، ولم يتقدم له به معرفة، فقد هجم بجهله على إتلاف الأنفس. وأقدم بالتهور على ما لم يعلم. قال الخطابي: لا أعلم خلافًا في أن المعالج إذا اعتدى؛ فتلف المريض كان ضامنًا، والمتعاطي علمًا وعملًا لا يعرفه متعد.

أيضًا في هذا المقام قال ابن مفلح عن الطبيب: لا تحل له المباشرة مع جهله، ولو أذن له والمتطبب الجاهل يشمل من لم يحسن الطب، ولم يمارس العلاج أصلًا، ومن عنده إلمام بسيط بعلم الطب لا يؤاخذه لممارسته، ومن لديه معرفة من فنون الطب، ثم يقدم على الممارسة في تخصص غيره؛ ففي كل هذه الحالات يكون المعالج متطببًا جاهلًا، إلى غير ذلك من التفاصيل التي أردت أن أنبهكم إليها للرجوع إليها.

ومن أحكام كشف العورة ما ورد في (شرح الكبير): وللطبيب النظر إلى ما تدعو الحاجة إلى نظره إليه من بدنها -أي: من بدن المرأة- من العورة وغيرها؛ لأنه موضع حاجة، ولكن قاعدة إباحة المحرم بعلة الاضطرار مقيدة بقاعدة أخرى، وهي أن الضرورة تقدر بقدرها؛ فلا يتوسع في المحظور، وإنما يترخص بقدر ما تندفع الضرورة، وتنتهي الحاجة.

ونخلص في النهاية إلى أنه ما كان للدواء، وللعلاج لإزالة أضرار، ولجلب منافع كل ذلك جائز شرعًا، وعلى قدر الضرورة والحاجة، وما كان للتحسين دون مرض موجود، ودون حاجة إلى ذلك إلا للهوى، والتشبه هذا فيه تغيير وفيه تدليس فهو حرام خصوصًا إذا كان في الدوائر التي نهي، أو ورد النص بالنهي عنها كالواصلة، والمستوصلة، والواشمة، وتغيير خلق الله سبحانه وتعالى.

error: النص محمي !!