Top
Image Alt

قضـاء بعض الصلاة بسبب سبق الإمام، السهو عن الركوع

  /  قضـاء بعض الصلاة بسبب سبق الإمام، السهو عن الركوع

قضـاء بعض الصلاة بسبب سبق الإمام، السهو عن الركوع

قضاء بعض الصلاة:

يعني: من فاتته ركعة واحدة، أو فاته أكثر من ركعة. مَن فاته الركوع، من فاته السجود، من فاتته التكبيرة، أو غير ذلك من الأركان التي سبَق بيانها في المقرّر السابق.

ماذا قال فيه ابن رشد؟ وما مواقف العلماء من ذلك؟

أمّا القضاء الذي يكون في فوات بعض الصلوات، فمنه ما يكون سببه النسيان، ومنه ما يكون سببه سبْق الإمام للمأموم، يعني: أن يفوت المأمومَ بعضُ صلاة الإمام.

1. قضاء بعض الصلاة بسبب سبْق الإمام:

تحت هذا العنوان، قسّم ابن رشد أو فرّع على هذا عدّة مسائل:

قال: قضاء بعض الصلاة بسبب سبْق الإمام للمأموم، وفرّع على هذا العنوان ثلاث مسائل: فأمّا إذا فات المأموم بعض الصلاة فإنّ فيه مسائل ثلاثًا.

القواعد الثلاث في الصلاة للمسبوق:

إحداها: متى تفوت الركعة؟ هل تفوت بفوات القيام؟ أو بفوات الركوع ورفع الإمام رأسه؟ أو بفوات السجود؟ متى تفوت الركعة على المأموم؟

الثانية: هل إتيان المأموم بما فاته بعد صلاة الإمام يُسمّى أداءً أو قضاءً؟

الثالثة: متى يلزم المأموم حُكم صلاة الإمام؟ ومتى لا يلزمه ذلك؟

إذًا: نحن أمام ثلاث مسائل، كلّ مسألة منها تُعتبر قاعدة من قواعد هذا الباب.

بعد إجمال هذه المسائل والقواعد، بدأ يتناولها بالتفصيل، فقال:

متى تفوت الركعة؟:

المسألة الأولى من المسائل الثلاث القواعد: متى تفوت الركعة؟

يقول تحت هذا العنوان قبل أن يفصِّل أيضًا: أمّا متى تفوته الركعة.

فإنّ في ذلك مسألتيْن:

إحداهما: إذا دخل والإمام قد أهوى، يعني مال انحناءً إلى الركوع.

الثانية: إذا كان مع الإمام في الصلاة فَسَها أن يتْبعه في الركوع، أو منَعه من الركوع ما وقع من زحام أو غيره.

إذًا: تحت هذا العنوان مسألتان: وكل مسألة فيها اختلاف للفقهاء وأقوال عديدة.

تعالوْا ننظر في المسألة الأولى من هاتيْن المسألتيْن اللّتيْن هما أيضًا إحدى مسائل قضاء بعض الصلاة بسبب سبْق الإمام للمأموم:

المسألة الأولى: إذا دخل المأموم وقد أهوى الإمام إلى الركوع، هل تُحسب له ركعة إذا أدرك الإمام في الركوع؟ أو لا تُحسب؟

أمّا المسألة الأولى: التي ذكرناها، فإن فيها ثلاثة أقوال:

الرأي الأول: وهو الذي عليه جمهور العلماء: أنّ المأموم إذا أدرك الإمام قبل أن يرفع الإمام رأسه من الركوع، وركع المأموم مع الإمام، فهو مُدرك للركعة وليس عليه قضاؤها. إذًا هذا قول الجمهور، وهو القول الصحيح الذي نأخذ به ونسير عليه: أنّ المأموم إذا أدرك الإمام في ركوعه، فإن الركعة تُحسب له، وليس عليه قضاؤها.

لكن الجمهور، بعد أن اتفقوًا على هذه الجزئية على إدراك الركعة، قالوا سؤالين:

السؤال الأول: هل من شرْط هذا الداخل المأموم أن يُكبِّر تكبيرتيْن: تكبيرة للإحرام -وهي تكبيرة الدخول في الصلاة- وتكبيرة للركوع؛ لأنه وجَد الإمام راكعًا؟ أو يُجزيه -يعني: يكفيه ويُجزئه- تكبيرة واحدة: تكبيرة الركوع؟ هذا سؤال.

السؤال الثاني: إن كانت تُجزيه تكبيرة الركوع، فهل من شرْطها أن ينوي بها تكبيرة الإحرام -يعني: تكبيرة الإحرام ركن، وتكبيرة الركوع ليست ركنًا؟ أم ليس ذلك مِن شرْطها؟

إذًا: نحن أمام سؤاليْن، يُجيب عنهما ابن رشد -رحمه الله- فيقول: قال بعضهم: تكبيرة واحدة تجزيه إذا نوى بها تكبيرة الإحرام أو تكبيرة الافتتاح؛ وهذا مذهب الإمام مالك والشافعي. والاختيار عندهم تكبيرتان، يعني: الأفضل أن يكبِّر المأموم تكبيرتيْن: تكبيرة للإحرام أو الافتتاح، ثم تكبيرة للركوع؛ هذا هو الاختيار، لكنه لو اكتفى بواحدة ونوى بها تكبيرة الافتتاح أو الإحرام أجزأه ذلك.

الرأي الثاني: وقال قوم: لا بدّ من تكبيرتيْن: تكبيرة للإحرام أو الافتتاح، وتكبيرة للركوع.

الرأي الثالث: وقال قوم: تُجزئ تكبيرة واحدة، وإن لم ينوِ بها تكبيرة الافتتاح أو الإحرام.

إذًا: نحن أمام ثلاثة أقوال بالنسبة للتكبيرة:

  1. الذي يجزئ المأموم عندما يدرك الإمام في الركوع، هل لا بد من تكبيرتيْن؟ هذا قول.
  2. هل يجزئه تكبيرة واحدة إذا نوى بها الإحرام أو الافتتاح؟ هذا قول آخَر.
  3. يجزئه تكبيرة واحدة، وإن لم ينوٍ بها تكبيرة الافتتاح.

والأوْلى عند الشافعي ومالك: أن يكبِّر تكبيرتيْن على سبيل الاستحباب: تكبيرة للافتتاح، وتكبيرة للركوع.

القول الثاني في إدراك الركعة: أنه إذا ركع الإمام فقد فاتته الركعة، وأنه لا يدركها ما لم يدرك الإمام قائمًا؛ وهذا القول منسوب إلى أبي هريرة.

سبق أن ذكرنا رأي الجمهور.

أمّا التفريعات الخاصة بالتكبيرات، فهذه تفريعات على رأي الجمهور:

رأي الجمهور: أنّ إدراك الركعة يكون بإدراك الإمام قبل أن يرفع رأسه من الركوع؛ هذا رأي الجمهور.

القول الثالث في إدراك الركعة: أنه -أي: المأموم- إذا انتهى إلى الصف الآخِر، آخِر الصفوف وقد رفع الإمام في المقدّمة رأسه، وبعض المصلين لم يرفع ولم يرفع بعضهم، فأدرك ذلك، أنه يجزئه ويكون قد أدرك الركعة، مع أنّه لم يدرك الإمام، ولكنه أدرك بعض المصلين ما زالوا في الركوع، وصَفّ معهم وركع معهم؛ فإن ذلك يجزئه وتُحسب له ركعة لأنّ بعضهم أئمة لبعض؛ وبه قال الشعبي.

رأي ابن قدامة:

تعالوا ننظر فيما قاله ابن قدامة -رحمه الله- في هذه القضية في كتابه (المغني)، تحت مسألة قالها الخرقي قال فيها: “ومن أدرك مع الإمام منها -أي: من الجمعة؛ لأنه يتكلّم عن صلاة الجمعة- ركعةً بسجدتيْها، أضاف إليها أخرى، وكانت له جمعة”.

يقول ابن قدامة: أكثر أهل العلْم يروْن: أنّ من أدرك ركعة من الجمعة مع الإمام، وهكذا سائر الصلوات، فهو مدرك لها، يضيف إليها أخرى ويجزيه؛ وهذا قول ابن مسعود، وابن عمر، وأنس، وسعيد بن المسيب، والحسن، وعلقمة، والأسود، وعروة، والزهري، والنخعي، ومالك، والثوري، والشافعي، وإسحاق، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.

يعني -كما قال ابن رشد: هذا قول الجمهور، يعني: الأئمة الأربعة -كما هو واضح- متّفقون: مَن أدرك الركوع مع الإمام، فقد أدرك الركعة.

وقال عطاء، وطاوس، ومجاهد، ومكحول -وهم من التابعين- قالوا: من لم يدرك الخطبة، صلّى أربعًا؛ لأن الخطبة شرط للجمعة؛ فلا تكون الجمعة في حقِّ من لم يوجد في حقّه شرطُها. هذا خارج عن موضوعنا؛ لأننا لا نتحدث عن الجمعة، وإنما نتحدّث عن إدراك الركعة من الصلاة.

الذي يهمّنا من هذا هو: استشهاد ابن قدامة في الرّدِّ على هؤلاء، يقول: لنا ما روى الزهري عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن أدرك مِن الجمعة ركعةً فقد أدرك الصلاة))، رواه الأثرم، ورواه ابن ماجه، ولفظه: ((فلْيصلِّ إليها أخرى))، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا هو بيت القصيد: ((من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة))، متفق عليه؛ ولأنه قول مَن سمّيْنا من الصحابة، ولا مخالف لهم في عصرهم.

ثم يضيف: ومَن أدرك معه أقلّ من ذلك -يعني: أدرك السجود، أو أدرك التشهد، ولم يدرك الركوع- بنى عليها ظهرًا، إذا كان قد دخل بنيّة الظهر.

يقول: أمّا من أدرك أقلّ من ركعة، فإنه لا يكون مُدرِكًا للجمعة، ويصلي ظهرًا أربعًا. وقد سبق أن تناولنا هذه الجزئية في صلاة الجمعة فيما مضى.

يضيف ابن قدامة -رحمه الله- ما يتعلّق بالزحام، يقول: وإذا زُحم في إحدى الركعتيْن، لم يَخْلُ ذلك من: أن يُزحم في الأولى أو في الثانية. فإن زُحم في الأولى ولم يتمكّن من السجود على ظهر مَن أمامَه، ولا قدَمِ مَن أمامَه، انتظر حتى يزول الزحام، ثم يسجد ويَتْبع إمامَه، مثل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف بعسفان؛ “حيث سجد معه صفّ وبقي صفّ لم يسجد معه. فلمّا قام إلى الثانية سجدوا”، وجاز ذلك للحاجة؛ كذا ههنا. وما يقال عن سجود يُقال أيضًا عن الركوع، يعني: من جاء والإمام راكع ولم يستطع أن يركع معه بسبب الزحام، ولم يستطع أن يركع على ظهر مَن أمامَه، أشار أو أومأ برأسه؛ وبهذا يكون قد أدرك الركعة.

يقول أيضًا في هذه الجزئية: وإذا ركع مع الإمام ركعة، فلما قام ليقضي الأخرى ذكَر أنه لم يسجد مع إمامه إلَّا سجدة واحدة، أو شكّ هل سجد واحدة أو اثنتيْن، فإنه إن لم يكن شرع في قراءة الثانية، رجع فسجد للأولى فأتمّها، وقضى الثانية وتمّت صلاته.

رأي ابن رشد:

نعود مرة أخرى إلى ابن رشد -رحمه الله- لِنعرف أسباب اختلاف الأئمة أو العلماء في إدراك الركعة أو فواتها، على الأقوال الثلاثة التي سبق بيانها.

يقول -رحمه الله: سبب هذه الاختلاف تردّد اسم “الركعة” بين: أن يدلّ على الفعل نفسه الذي هو الانحناء فقط، أو على الانحناء والوقوف معًا. يريد أن يقول: إن كلمة: “ركعة” مشترك لفظي، مثل كلمة: “قُرء” مثلًا؛ وهذا سبب من أسباب اختلاف الفقهاء -كما أشرنا من قبل في المقرّر الأول في المقدمة. إنّ اللفظ يتردّد بين معنييْن: هل الركعة تشتمل على الانحناء والركوع، فلا بد من إدراكهما حتى تدرك الركعة؟ أو الركعة تدلّ على الانحناء فقط؟ من قال: إنها تدل على الانحناء فقط، اعتبر أنّ المأموم إذا أدرك هذا الانحناء قبل أن يرفع الإمام رأسه، فقد أدرك الركعة؛ وهو رأي الجمهور. ومَن قال: إن كلمة “ركعة” تدلّ على الوقوف أثناء قراءة “الفاتحة” وعلى الركوع -أي: الانحناء المعروف- فمن فاته القيام لم يُدرك الركعة.

هذا توجيه القوليْن السابقيْن، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن أدرك من الصلاة ركعة، فقد أدرك الصلاة))، الحديث رواه الجماعة.

قال ابن المنذر: ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني: أنّ الحديث صحيح. فمن كان اسم “الركعة” ينطلق عنده على القيام والانحناء معًا، قال: إذا فات المأموم قيام الإمام فقد فاتته الركعة؛ وهذا هو الرأي أو القول المنسوب لأبي هريرة -كما سبق أن أشرنا.

ومَن كان اسم “الركعة” ينطلق عنده على الانحناء نفسه فقط، جعل إدراك الانحناء إدراكًا للركعة؛ وهو رأي الجمهور -كما سبق أنْ أشرنا. والاشتراك الذين عرض لهذا الاسم إنما هو من قِبل تردّده بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي؛ ذلك أن اسم “الركعة” ينطلق لغة على: الانحناء فقط، وينطلق شرعًا على: القيام والركوع والسجود.

فمَن رأى أن اسم “الركعة” ينطلق في قوله صلى الله عليه وسلم: ((مَن أدرك ركعة)) على الركعة الشرعية، ولم يذهب مذهب الآخذ ببعض ما تدلّ عليه الأسماء، قال: لا بدّ أن يدرك مع الإمام الأركان الثلاثة أو الثلاثة الأحوال، يعني: القيام، والركوع، والسجود.

ويُحتمل أن يكون من ذهب إلى اعتبار الانحناء فقط، أن يكون اعتبر أكثر ما يدلّ عليه الاسم ههنا -كما سبق أن بيّنّا ذلك في “اليد”: غسْل اليديْن في الوضوء إلى المرفقيْن؛ هل اليد هي: الكف فقط، أو الكف والساعد، أو معهما أيضًا العضد إلى المنكبيْن؛ لأن من أدرك الانحناء فقد أدرك منها جزأين، ومن فاتَه الانحناء إنما أدرك منها جزءًا واحدًا فقط. يعني: مَن أدرك الانحناء أدرك جزأيْن، أي: الركوع والسجود. ومن فاته الانحناء يكون قد أدرك جزءًا واحدًا، أي: السجود فقط.

فعلى هذا: يكون الخلاف آيلًا -أي: راجعًا. إلى اختلاف العلماء في الأخذ ببعض دلالة الأسماء أو بكلِّها. من أراد أو من أجاز الأخذ بالبعض، قال: يكفيه إدراك الركوع، وتُحسب له ركعة. ومَن أخذ بالكلِّية، قال: لا يكفيه الركوع؛ بل لا بدّ من إدراك القيام. والبعض أيضًا أشار إلى السجود، كما قال الخرقي.

فالخلاف يُتصوّر فيها من الوجهيْن جميعًا.

بهذا نكون قد عرفنا توجيه قول الجمهور، وقول أبي هريرة.

أمّا توجيه القول الثالث: الذي يقول بأنّ من أدرك ركوع الصفّ الأخير، مع أنّ الإمام قد رفع رأسه، ويقول: إن ذلك يُجزئه وتُحسب له ركعة. وأمّا من اعتبر ركوع مَن في الصف الأخير من المأمومين، فلأنّ الركعة من الصلاة قد تضاف إلى الإمام فقط، وقد تضاف إلى الإمام والمأمومين؛ فسبب الاختلاف هو: الاحتمال في هذه الإضافة، أعني: قوله صلى الله عليه وسلم: ((مَن أدرك ركعة من الصلاة…)).

ثم يرجّح ابن رشد -رحمه الله- قول الجمهور على هذيْن القوليْن، وهو: أنّ إدراك الركوع من المأموم يُحسب له ركعة من الصلاة؛ ولذلك قال: وما عليه الجمهور أظهر.

يعود ابن رشد إلى التعليق على ذلك بقوله: وأمّا اختلافهم، هل تُجزيه تكبيرة واحدة أو تكبيرتان؟ -أعني: المأموم إذا دخل في الصلاة والإمام راكع- فسببُه: هل مِن شرْط تكبيرة الإحرام أن يأتي بها المصلِّي واقفًا، أم لا؟

فمَن رأى: أنّ مِن شرْطها الموضع الذي تُفعل فيه، تَعلّقًا بالفعل -يعني: فعْل النبي صلى الله عليه وسلم وكان يرى: أنّ التكبير كلّه فرض، قال: لا بد من تكبيرتيْن.

ومَن رأى: أنه ليس مِن شرْطها -أي: مِن شرْط تكبيرة الإحرام- الموضع، تعلقًا بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ((وتحريمُها: التكبير))، دون أن يُحدِّد موضعًا، وكان عنده: أنّ تكبيرة الإحرام هي فقط الفرْض، أمّا تكبيرات الانتقال كالركوع وغيره، فهي من السُّنن وليست من الفرائض، قال: يُجزيه أن يأتي بها وحْدها.

وأمّا من أجاز أن يأتي بتكبيرة واحدة، ولم يَنْو بها تكبيرة الإحرام، فقيل: يُبنى هذا على مذهب مَن يَرى أنّ تكبيرة الإحرام ليست بفرض، فجميع التكبيرات سُنن. وقيل: إنما يُبنَى هذا على مذهب مَن يجوّز تأخير نيّة الصلاة عن تكبيرات الإحرام، يعني: ليس شرطًا اقترانها بالنِّيّة؛ لأنه ليس معنى أن ينوى تكبيرة الإحرام إلَّا مقارنة النّيّة للدخول في الصلاة؛ لأن تكبيرة الإحرام لها وصفان: النية المقارِنة للتكبيرة، والأوّليّة، أعني: وقوعها في أوّل الصلاة.

فمن اشترط من العلماء الوصفيْن: المقارنة والأوّليّة، قال: لا بدّ من النِّيّة المقارِنة. ومَن اكتفى بصفة واحدة، اكتفى بتكبيرة واحدة وإن لم تُقارنها النِّيّة.

فهذا هو تعليق ابن رشد -رحمه الله- على تلك الأقوال التي وردت في إدراك الركعة أو فواتها من المأموم، وفيما يجب عليه من التكبير، سواء تكبيرة الإحرام أو تكبيرة الركوع.

2. السّهو عن الركوع:

أمّا المسألة الثانية، وهي: إذا سها المأموم عن اتّباع الإمام في الركوع، حتى سجد الإمام، فإن الفقهاء قد اختلفوا في ذلك. عرفنا أنه هناك أدرك الإمام وركع، وحُسبت له ركعة.

الآن لم يستطع الركوع؛ لأنه سها ولم يركع مع الإمام، فماذا يفعل. أو ماذا يُحسب له؟

الفريق الأول: إذا فاته إدراكُ الركوع مع الإمام، فقد فاتتْه الركعة، ووجب عليه قضاؤها. يعني: سواء كان ذلك عمدًا أو نسيانًا، والعمد لا يُتصوّر، والنسيان أيضًا غير مُتصوّر؛ لكن على فرض حدوثهما، فإنّ الركعة لا تُحسب له، ويجب عليه قضاؤها؛ لأنه لم يركع مع الإمام.

والفريق الثاني: يعتَدّ بالركعة إذا أمكنه أن يتمّ من الركوع قبل أن يقوم الإمام إلى الركعة الثانية. نتصور هذه المسألة: المأموم نسي ولم يركع مع الإمام، والإمام انتهى من الركوع وهوى إلى السجود. تذكّر المأموم فرَكَع قبل أن يقوم الإمام إلى الركعة الثانية؛ عند هؤلاء القوم: تُحسب له هذه الركعة، يعتدّ بالركعة إذا أمكنه أن يتمّ من الركوع قبل أن يقوم الإمام إلى الركعة الثانية.

الفريق الثالث: فقال أصحابه: يتبع المأموم الإمام، ويعتدّ بالركعة ما لم يرفع الإمام رأسه من الانحناء في الركعة الثانية؛ هذا كلام واسع جدًّا.

ابن رشد:

يقول ابن رشد -رحمه الله: وهذا الاختلاف موجود لأصحاب مالك، وفيه تفصيل واختلاف بينهم، بين أن يكون عن نسيان، أو أن يكون عن زحام -يعني: بعضهم فرّق في هذا التفصيل- وبين أن يكون في جمعة أو في غير جمعة، وبين اعتبار أن يكون المأموم عرَض له هذا في الركعة الأولى أو في الركعة الثانية.

وبعد هذه التفاصيل كلها، وإحالة القارئ على مذهب الإمام مالك، يقول ابن رشد: وليس قصْدنا تفصيل المذهب ولا تخريجه -يعني: حتى نذْكُر هذه التفاصيل كلّها وإنما الغرض: الإشارة إلى قواعد المسائل وأصولها، كما وعدنا وكما رأينا منه ذلك في أكثر من موضوع وقضية. ونظرًا لأن هذا هو غرض ابن رشد، ذكْر القواعد والأصول، قال عن هذه القضية:

إن سبب الاختلاف في هذه المسألة هو: هل مِن شرْط فعْل المأموم: أن يقارن فعْلَ الإمام بحيث لا يكون هناك تباعد، عملًا بحديث الرسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما جُعل الإمام لِيُؤتَمّ به؛ فإذا قال: {وَلاَ الضّآلّينَ} [الفاتحة: 7]، فقولوا: “آمين”. وإذا كبّر فكبِّروا. وإذا ركع فاركعوا))، وهكذا… وقد سبق بيان ذلك في “الاقتداء في صلاة الجماعة”؛ لذلك يذكِّرنا ابن رشد بهذا الاقتداء في قوله:

السؤال الأول: هل مِن شرْط فعْل المأموم: أن يقارن فعْلَ الإمام أو ليس مِن شرْطه ذلك؟

السؤال الثاني: هل هذا الشرط هو في جميع أجزاء الركعة الثلاثة -يعني: القيام، والركوع، والسجود. أم إنّما هو شرْط في بعضها؟

السؤال الثالث: وإذا لم يقارن فعلُه فعلَ الإمام، متى يعدّ ذلك؟ أو يكون اختلافًا على الإمام؟ -يعني: أن يفعل هو فعلًا والإمام فعلًا ثانيًا، وبالتالي لا يكون هناك إقتداء، أو لا تكون هناك جماعة.

هذه الأسئلة كلّها يطرحها ابن رشد في هذه الجزئية. بعد هذه التساؤلات الثلاثة من ابن رشد -رحمه الله- والتي أدّت إلى اختلاف الفقهاء فيمن فاته الركوع مع الإمام، ماذا يُحسب له؟ بعد هذه التساؤلات، يجيب ابن رشد -رحمه الله- عليها بقوله:

الجزئية الأولى: مَن رأى: أن الاقتداء شرْط في كل جزء من أجزاء الركعة الواحدة -يعني: لا بدّ مِن مقارنة فعْل المأموم لفعْل الإمام، وإلَّا كان اختلافًا عليه؛ وبالتّالي تبطل صلاتُه. وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((فلا تختلفوا عليه!))، وهو تمام الحديث المتفق عليه: ((إنّما جُعل الإمامُ ليُؤتَمّ به؛ فلا تختلفوا عليه!)). مَن رأى هذه المقارنة وأنّها شرْط من شروط الاقتداء، أو شروط الإمامة، أو شروط الجماعة، قال: متى لم يدرك مع الإمام من الركوع ولو جزءًا يسيرًا، لم يعتدّ بتلك الركعة، وكان عليه قضاؤها. هذه جزئيّة.

الجزئية الثانية: مَن اعتبر المقارنة بين المأموم والإمام في بعض الأفعال، وليس في جميعها، قال: هو مُدرك للركعة إذا أدرك فعْل الركعة قبل أن يقوم إلى الركعة الثانية. يعني: المأموم تخلّف عن الإمام قليلًا، ولكنه في الركعة نفسها، بدليل أنه ركع بعد ركوع الإمام، وسجد بعد سجود الإمام، وانتهى من ذلك قبل أن يقوم الإمام إلى الركعة الثانية، فقد أدرك فعْل الركعة مع الإمام أو بعده بقليل، ولا يعدّ ذلك اختلافًا عليه. فإذا قام إلى الركعة الثانية، فإن اتّبعه فقد اختلف عليه في الركعة الأولى. يعني: إذا قام الإمام إلى الركعة الثانية، وتبعه المأموم، تكون هذه المتابعة بعد قيام الإمام للركعة الثانية فيها مخالفة. أمّا إذا أدركه قبل أن يقوم إلى الركعة الثانية، كأن يدركه في السجود الثاني، أو في الجلسة بين السجدتيْن، أو نحو ذلك.فقد أدرك الركعة ما دام قبل قيام الإمام إلى الثانية؛ وهو القول الثاني كما سبق أن عرضنا.

وأمّا مَن قال: إنه يَتبعه، يعني: تظلّ المتابعة والاقتداء، وتُحسب له الركعة، ما لم يَنحَن الإمام في الركعة الثانية، الذي وصفنا بأنه رأيٌ واسع وكلام كبير.

وأمّا مَن قال: إنه يَتبعه ما لم ينحنِ في الركعة الثانية، فإنه رأى: أنه ليس مِن شرْط فعْل المأموم أنْ يقارن بعضُه بعضَ فعْل الإمام ولا كلَّه، يعني: المسألة مسألة الاقتداء فقط بالنِّيّة الأولى عند تكبيرة الإحرام. أمّا أن يُتابعه في كلِّ ركن أو في كلِّ جزئية، فهذا ليس من شرط الإمامة، أو ليس من شرط فعْل المأموم، وإنما مِن شرْطه أن يكون بعده فقط. المهمّ: أن لا يسبق المأموم الإمام. والمهمّ: أن يكون فعْل المأموم بعد فعْل الإمام وليس قبْله.

وإنّما اتفقوا على: أنّه إذا قام من الانحناء في الركعة الثانية، أنه لا يعتدّ بتلك الركعة إن اتّبعه فيها؛ لأنه يكون في حُكم الأولى، والإمام في حكم الثانية، وقد انتهت الركعة الثانية. يعني: واحد في ركعة، والثاني في ركعة أخرى؛ وذلك غاية الاختلاف عليه.

بهذا، يكون ابن رشد قد انتهى من الحديث عن المسألتيْن اللّتيْن فرّعهما عن المسألة الأولى من المسائل الثلاث القواعد: متى تفوت الركعة؟ هل تفوت الركعة بالقيام بمن لم يدرك القيام؟ أو تفوت الركعة بمن لم يدرك الركوع؟ أو تفوت الركعة بمن لم يدرك السجود؟ تلك مسألة.

والمسألة الثانية: من فاته ركوع الإمام، هل تُحسب له ركعة بالسجود، أو لا تحسب له؟ وقد بيّن ابن رشد أقوال الفقهاء في ذلك بما لا يتطلب مزيدًا من البيان والتوضيح.

error: النص محمي !!