Top
Image Alt

قضية الإمامة عند الشيعة

  /  قضية الإمامة عند الشيعة

قضية الإمامة عند الشيعة

فالإمامة عند الشيعة بالنص والتعيين، أنه منصوص على علي رضي الله عنه، وأما الصحابة فقد انتزعوا منه الإمامة، بأن انتزعها أبو بكر الصديق ثم عمر ثم عثمان رضي الله عنهم، وقد تمالأ الصحابة على ذلك وكتموا النص وسكتوا عنه.

وكلامنا الذي نردّ على هذا الادعاء والزيف: هل يجوز أن ننسب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مثل صفات الإعراض عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وكتمان الحق والاغتصاب، وغير ذلك مما لا يليق بهم، خاصة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مدح أصحابه وجعلهم مصدر الهداية من بعده فيما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ)) الحديث، فهل نكذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصدق الشيعة، وهو القائل صلى الله عليه وسلم: ((اهتدوا باللذين من بعدي، أبي بكر وعمر رضي الله عنهما)) وكأن هذا الحديث فيه إشارة واضحة إلى أن أفضل الصحابة فيمن يمكن أن يتولى الأمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم هما أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، بل ومن قبل ذلك قال الله عز وجل: {وَالسّابِقُونَ الأوّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالّذِينَ اتّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100].

إن كثيرًا من الأدلة القرآنية والأحاديث النبوية دلَّت على فضل الصحابة رضي الله عنهم، وفي هذا ردٌّ على الإمامية الذين يفضلون عليًّا رضي الله عنه على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، بل إن عليًّا نفسه قد قال على منبر الكوفة: “لا أوتى بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حدَّ المفتري” أي: ثمانين سوطًا، وفي هذا دليل أيضًا على بطلان قول الرافضة من الشيعة الزيدية بأن عليًّا لم يبايع إلا تَقيَّة، فكل هذه أدلة تنفي القول بالتقية، وتهدم مبدأهم الأساسي الذي انطلقوا منه إلى سائر معتقداتهم الفاسدة.

إذًا ما هو مصدر تلك المقولة الخطيرة التي فرقت الأمة الإسلامية قديمًا وحديثًا؟ سبق أن قلت: إن أول من ابتدع القول بالتقية هو عبد الله بن سبأ اليهودي اللعين ليشتت بها شمل المسلمين، وتلقفها من بعده الشيعة وجعلوها من أصول الإيمان عندهم، ولكي يستدلوا على ما ذهبوا إليه وليستميلوا جهلة المسلمين وعوامّهم ذهبوا إلى كتاب الله العزيز واختاروا منه الآيات العامة التي تمدح المؤمنين وأولياءه من المتقين وخصوصها بعلي وبنيه، وأسعفهم في ذلك واضعو الأحاديث والمؤرخون والمضللون الذين فسروا بعض الأحاديث على هواهم، ومنها الأحاديث التي وردت في مدح علي رضي الله عنه على أنه ورد أضعافها في مدح أبي بكر وعمر وعثمان، }.

وخذ على سبيل المثال لا الحصر: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في أبي بكر رضي الله عنه: ((لو كنت متخذًا خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا، ولكن أخي وصاحبي)) رواه البخاري ومسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم في عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ((لو كان بعدي نبي لكان عمر)) رواه الحاكم في (المستدرك) وصححه ووافقه الذهبي، قوله صلى الله عليه وسلم في عثمان رضي الله عنه: ((ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة)) يعني: عثمان، رواه البخاري، فهل إذا ورد حديث يقول: “أنا مدينة العلم وعلي بابها” أو يقول ((أقضاكم علي))، أو قال: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى)) يكون هذا نصًّا على إمامته خاصة، مع أن هذا الحديث الأخير قاله الرسول صلى الله عليه وسلم في ظروف خاصة، فقد خرج الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، استخلف عليًّا على المدينة، فغضب علي رضي الله عنه وكره أن يبقى وحده مع النساء والصبيان والعجزة، وينهض جميع الصحابة للجهاد وهو المحارب الشجاع، فأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يطيب خاطره فقال: ((ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)).

وهذا الحديث لا يثبت الإمامة لعلي، غاية ما فيه إثبات فضيلة من فضائل الإمام علي، ولم يتعرض الحديث لكونه أفضل من غيره، فقد أراد النبي صلى الله عليه وسلم من وراء مقاله أن يطيّب خاطره، ومما يؤيد هذا أن هارون المشبه به لم يكن خليفة بعد النبي موسى عليهما السلام، بل كان نبيًّا معه، ولا يلزم من التشبيه المساواة في كل الأحوال، وقد استخلف موسى هارون في حياته حينما ذهب لميقات ربه، يقول ابن تيمية -رحمه الله-: ولم يقل أحد من العقلاء: إن من استخلف شخصًا على بعض الأمور وانقضى ذلك الاستخلاف أن يكون خليفة بعد موته على شيء.

ولو كان الاستخلاف يدل على أنه أفضل أو أنه الخليفة وأن الأمر يكون من بعده له فهذا معناه أن يكون ابن أم مكتوم خليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه استخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة، كما استخلف غيره أيضًا، فلِمَ خصصتم عليًّا بذلك دون غيره مع اشتراكٍ في الاستخلاف، ولو كان هذا من باب الفضائل لما وجد علي رضي الله عنه في نفسه حين قال: “أتجعلني مع النساء والأطفال والضعفاء” هذا فضلًا عن أن الاستغراق ممنوع؛ إذ من جملة منازل هارون كونه نبيًّا مع موسى، وعلي ليس بنبي اتفاقًا منا ومنكم، ولا مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا بعده، فلو كانت المنازل الثابتة لهارون ما عدا النبوة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ثابتة لعلي ما اقتضى أن يكون نبيًّا مع النبيصلى الله عليه وسلم؛ لأنه النبوة معه لم تستثن، وهي من منازل هارون عليه السلام ، وإنما المستثنى النبوة بعده، وأيضًا من جملة منازل هارون كونه أخًا شقيقًا لموسى وعلي ليس بأخ، والعام إذا تخصص بغير الاستثناء صارت دلالته ظنية، فليحمل الكلام على منزلة واحدة كما هو ظاهر التاء التي للواحدة، فتكون الإضافة للعهد وهو الأصل فيها.

فمنزلة علي هي استخلافه على المدينة في غزوة تبوك كما استخلف موسى هارون على بني إسرائيل أيام الميقات، وأما حديث غَدِير خُمٍّ: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)) فقد فهمه الشيعة فهمًا مغالطًا، فقالوا: إن المولى بمعنى الأولى بالتصرف، وكونه أولى بالتصرف هو عين الإمامة، فهذا الكلام منهم مغالطة؛ فإن أهل العربية لا تقول المولى بمعنى أولى بالتصرف، فهناك فرق بين الولي وبين المولى والوالي، فباب الولاية التي هي ضدّ العدواة شيء، وباب الولاية التي هي الإمارة شيء، والحديث هو في الأولى دون الثانية، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل من كنت واليه فعلي واليه، بل من كنت مولاه، إذًا فهو أولى بالمحبة والتقدير والتعظيم وولاية النصرة والمودة.

فهذا الحديث لا يدل على ولاية السلطة التي هي الإمامة والخلافة، ولكنه المعنى الثاني المراد، وهو: من كنت ناصرًا له ومواليًا له فعلي ناصره ومواليه، أو من والاني ونصرني فليوالِ عليًّا وينصره. وهذه منقبة عظيمة لسيدنا علي رضي الله عنه، وقد فهم الصحابة رضي الله عنهم معنى ذلك، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله، عندما لقي عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال له هنيئًا لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مواليا ومولى كل مؤمن ومؤمنة.

أما حديث ((أقضاكم علي)) فلا دلالة فيه على الإمامة، بل هو يدل على سمة خاصة تميَّزَ بها علي رضي الله عنه كما تميز غيره من الصحابة رضي الله عنهم ببعض السمات، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفرضكم زيد، وأقرؤكم أُبيّ، وأعرفكم بالحلال والحرام معاذ)) فهذه من الخصائص أو المناقب أيضًا، فبراعة علي رضي الله عنه في القضاء ثابتة، ولكن لا يُستدَّل بها على الإمامة أيضًا، وأما استشهادهم بحديث “أنا مدينة العلم وعلي بابها” فهو موضوع، ولا أصل له في كتب السنة المعتمدة، ومع التسليم جدلًا بصحته فهو لا يثبت دعواهم، ومثله حديث “سلموا على علي بإمرة المؤمنين” فهو موضوع اتفاقًا، فهل بمثل هذا تفوت الخلافة، هذا وقد أجمعت الأمة على أن النبي صلى الله عليه وسلم ما نصَّ على أحد يكون من بعده.

وقد ذكر ابن كثير -رحمه الله- في (البداية والنهاية) أن القول بوصيته صلى الله عليه وسلم لعلي كذب وبهتان وافتراء عظيم، وقال: “وأما ما غيَّرَ به كثير من الجهلة الشيعة والقُصّاص الأغبياء من أنه أوصى إلى علي بالخلافة فكذب وبهتان وافتراء عظيم يلزم منه خطأ كبير من تخوين الصحابة ومُمَالأتهم بعده على ترك إنفاذ وصيته، وإيصالها إلى من أوصى إليه، وصرفهم إياها إلى غيره لا لمعنى ولا سبب، وكل مؤمن بالله ورسوله يتحقق أن دين الإسلام هو الحق يعلم بطلان هذا الافتراء؛ لأن الصحابة كانوا خير الخلق بعد الأنبياء، وهم خير قرون هذه الأمة التي هي أشرف الأمم بنص القرآن وإجماع السلف والخلف في الدنيا والآخرة، ولله الحمد”، انتهى كلام ابن كثير في (البداية والنهاية).

وخلاصة الرد على الشيعة أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكونوا من العقوق لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يصل أمرهم إلى حدّ إهمال نصوصه وتوجيهاته، وإنما كانوا حريصين كل الحرص على طاعة الله ورسوله، مما يدل على أنه لم يكن هناك نص على إمامة أحد، وإلا لتمسَّكَ به علي رضي الله عنه وسائر الصحابة رضي الله عنهم، وكيف تكون الإمامة بالنص والتعيين في اثني عشر إمامًا مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوية، فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون مُلكًا عضوضًا فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون مُلكًا جبريًّا فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة)) رواه الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح.

إذًا فكيف يكون هناك نصّ على اثني عشر إمامًا هم الذين يستوعبون ما بقي من عمر الدنيا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم؟! إن هذا التحديد لا يتفق مع العقل ولا مع الحديث السابق الذي تحدث عن المستقبل السياسي للأمة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرض لنا مراحل واقعية مرت بها الأمة الإسلامية.

إن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين شهد القرآن بعدالتهم لا يمكن أن نقبل فيهم تجريح الشيعة ونسبتهم للكفر والظلم، ألا يكفي في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول الله: {لّقَدْ رَضِيَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشّجَرَةِ} [الفتح: 18] وكانوا ألفًا وأربعمائة صحابي رضي الله عنهم، وما قاله الله عز وجل: {وَالسّابِقُونَ الأوّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالّذِينَ اتّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ} [التوبة: 100] وقوله تعالى: {لَقَدْ تَابَ الله عَلَىَ النّبِيّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأنصَارِ الّذِينَ اتّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} [التوبة: 117].

ألا تكفي كل هذه النصوص، وهي قليل من كثير في بيان فضل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعِظَم منزلتهم عند الله، فكيف يسمح مسلم لنفسه أن يطعن فيهم ويرميهم بالكفر أو الفسق أو الظلم والعدوان! بل إن من الشيعة من عاب عليًّا نفسه وقال: إنه قصّر في حقه، وإنه كان يجب عليه أن يخرج داعيًا لنفسه، وأن يظهر الحق ولا يكتمه.

وإنه لتناقض عجيب وقع فيه هؤلاء الشيعة؛ حيث إنه من مبادئهم أن الإمام المنصوص عليه هو أعلم الناس بالشريعة، وهو دائرة التلقي والعلم، فكيف يعيبون عليه أنه قصَّر في حقه، وكيف يُملون عليه ما كان ينبغي أن يفعله وهم الذين يزعمون أنه مصدر العلم والهدى!.

ونتساءل في نهاية المناقشة: لماذا صرف الله الإمامة عن آل البيت؟ ولماذا لم ينص رسول الله صلى الله عليه وسلم على إمامة أحد من آله من بعده؟

والجواب: أن الله صرف الإمامة عن آل البيت إكرامًا لهم وتبرئة للنبوة ولبيت النبوة؛ فإن النبوة لا تورّث، ومن أجل هذا صرف الله الخلافة عن عشيرة النبي صلى الله عليه وسلم وآله وأبنائه رضي الله عنهم فلن ينالها واحد منهم بنص منه؛ وذلك تبرئة لنبيهم صلى الله عليه وسلم، وقد كانت المنافسة شديدة بين بني هاشم وبين القبائل العربية الأخرى حول الرئاسة والقيادة، ولو ورثها النبي صلى الله عليه وسلم لواحد من آله لظن الناس أنها ملك وليست نبوة، يقول أبو بكر رضي الله عنه: إن الله أبى أن يجمع لأهل البيت بين النبوة والخلافة، ولو رجعنا إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم لوجدناه لم يستعمل أحدًا من بني هاشم في رئاسة أو إمارة، ولقد طلبها عمه العباس رضي الله عنه وفي رواية حمزة رضي الله عنه فقال: ((يا عم، نفس تحييها خير من ولاية لا تحصيها)) بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم منع أبناءه إرث ماله حين قال: ((نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة)).

ولذلك فإن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما لم يستعملا أحدًا من بني هاشم في إمارة أي بلد من بلدان المسلمين؛ جريًا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال الفاروق عمر رضي الله عنه لابن عباس رضي الله عنهما: “أنتم أهل النبي فما نقول في منع قومكم لكم”، قال ابن العباس: “لا أدري والله ما أضمرنا لهم إلا خيرًا”، فقال الفاروق: “كرهت قريش أن تجمع لكم النبوة والخلافة فتذهبوا في السماء بذخًا وشمخًا، وإن قريشا لتنظر إليكم نظر الثور إلى جازره”.

ومن هنا تُرك الأمر لرأي الأمة، فإن اختارت من تلقاء نفسها واحدًا من آل البيت فهذا شأنها، أما أن يرثها آل البيت بنص فهذا ما لم تكن قريش تقبله؛ ولهذا قدَّمت من بعده من هو أفضل بعمله ودينه وسبقه في الإسلام وهو أبو بكر ثم عمر ثم عثمان، حتى جاء الدور على علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم.

error: النص محمي !!