Top
Image Alt

قول الفلاسفة بقدم العالم وحركته والرد عليهم

  /  قول الفلاسفة بقدم العالم وحركته والرد عليهم

قول الفلاسفة بقدم العالم وحركته والرد عليهم

حقيقة هذا مسألة خطيرة للغاية، الفلاسفة عندهم طامّات وطامّات، وقد تعرض لهم كثير من أهل العلم، ومنهم الإمام أبو حامد الغزالي -رحمه الله تبارك وتعالى- في كتابه (تهافت الفلاسفة) وذكر عنهم عشرين مسألة، كفّرهم -رحمه الله تبارك وتعالى- في ثلاثة منها، والمطلوب هنا أن ندرس فقط قولهم في قدم العالم وحركته.

وفي ذلك يقول الإمام الغزالي -رحمه الله تبارك وتعالى- عن قول الفلاسفة في قدم العالم: “اختلف الفلاسفة في قدم العالم، فالذي استقر عليه رأي جماهيرهم المتقدمين والمتأخرين القول بقدمه، وأنه لم يزل موجودًا مع الله تعالى، ومعلولًا له، ومساوقًا له غير متأخر عنه بالزمان، مساوقة المعلول للعلة، ومساوقة النور للشمس، وأن تقدّم الباري عليه كتقدم العلة على المعلول، وهو تقدم بالذات والرتبة لا بالزمان، وحُكي عن أفلاطون أنه قال: “العالم مكون ومحدث، ثم منهم من أوّل كلامه وأبى أن يكون حدوث العالم معتقَدًا له…” إلى آخر ما ذكره الإمام الغزالي -رحمه الله تبارك وتعالى.

وملخص ما ذكر: أن جماهير الفلاسفة أجمعوا على قدم العالم، وأن العالم لم يزل مع الله -تبارك وتعالى، بل ذهبوا إلى أن حركة العالم قديمة، وأنه إذا تحركَ تحرك عشقًا ورغبة في أن يحيا حياة تشبه حياة المحرِّك الأول، ويعنون بذلك رب العباد سبحانه وتعالى جل في علاه.

والإمام الغزالي -رحمه الله عز وجل قد ذكر أدلة هؤلاء الناس وردَّ عليهم، وأنا هنا سأكتفي بذكر دليل لهم، وأذكر أيضًا ردّ الغزالي عليه.

هؤلاء قالوا: يستحيل صدور حادث من قديم مطلقًا؛ لأنا إذا فرضنا القديم، ولم يصدر منه العالم مثلًا، فإنما لم يصدر لأنه لم يكن للوجود مرجح، بل كان وجود العالم ممكنًا إمكانًا صرفًا، فإذا حدث بعد ذلك مرجح لم يخلُ هذا المرجح إما أن يتجدد مرجح أو لم يتجدد، فإن لم يتجدد مرجح بقي العالم على الإمكان الصِّرْف كما كان قبل ذلك، وإن تجدد مرجح فمَن مُحدث ذلك المرجح؟ ولمَ حدث الآن، ولم يحدث من قبل؟ والسؤال في حدوث المرجح قائم.

هذه شُبهة في الحقيقة كانت عند هؤلاء الناس، وهذه الشُّبه دخلت على المسلمين أو على فلاسفة المسلمين، وللأسف الشديد مما نتج عنه إنكار صفات رب العالمين سبحانه وتعالى جل في علاه- وهي شبهة تعرف بحلول الحوادث بذات الله عز وجل والإمام الغزالي -رحمه الله- رد على هذه الشبه ردًّا واسعًا مطولًا، وكان مما قال: “إن العالم حدث بإرادة قديمة اقتضت وجوده في الوقت الذي وُجد فيه، وأنه لم يحلل بمعنى حلول الحوادث الذي ذهبوا إليه شيء في ذات رب العالمين سبحانه وتعالى؛ لأن الله عز وجل أراد بصفاته التي هو عليها، وصفات الله عز وجل أزلية، أراد حدوث العالم، والعالم حدث في الوقت الذي وُجد فيه مطابقًا لإرادة رب العالمين سبحانه، العالم قبل وجوده لم يكن مرادًا في ذاك الوقت أن يكون، وإنما كان مرادًا أن يُعدِمه رب العالمين، وألا يخرجه إلى حيز الوجود، ولكنه أراده أزلًا، وحدث في الوقت الذي حدث فيه”.

هكذا يرد الإمام الغزالي -رحمه الله تبارك وتعالى- على فساد هؤلاء، وقولهم بلا شك فاسد وضلال، بل إن الغزالي كفَّرهم -رحمه الله تبارك وتعالى- في ذلك، وشبهة حلول الحوادث بذات الله -تبارك وتعالى- شبهة كانت عند الفلاسفة، ولا شك نحن عندما نؤمن بأن صفات الله عز وجل أزلية لا يرد علينا ما ذهب إليه هؤلاء، فالله عز وجل يتصف بصفة الخلق، ولكن الخلق يحدث شيئًا فشيئًا، وما زال رب العالمين سبحانه وتعالى يخلق، فهل عندما يخلق الله عز وجل اليوم يكون قد حدث في ذات الله شيء؟! حاشا وكلا، لماذا؟ لأن الخلق صفة قديمة لرب العالمين سبحانه وتعالى جل في علاه.

ومن هنا قال الإمام الطحاوي في عقيدته المشهورة: “ما زال بصفاته قديمًا قبل خلقه، لم يزدد بكونهم شيئًا لم يكن قبلهم من صفته، وكما كان بصفاته أزليًّا كذلك كان عليها أبديًّا، أو كذلك لا يزال عليها أبديًّا”. وقد شرح الشارح معنى كلام الطحاوي، فقال: “لم يزل متصفًا بصفات الكمال، صفات الذات وصفات الفعل، ولا يجوز أن يُعتقد أن الله اتصف بصفة بعد أن لم يكن متصفًا بها؛ لأن صفاته سبحانه وتعالى صفات كمال، وفقدها صفة نقص؛ فلا يجوز أن يكون قد حصل له الكمال بعد أن كان متصفًا بضده، وإن كانت هذه الأفعال تحدث في وقت دون وقت كما في حديث الشفاعة، أو في الخلق أو في غير ذلك، فهذا لا يدل على حلول حوادث بذات رب العالمين سبحانه؛ لأنه متصف بهذه الصفات في الأجل، وإنما الحدوث تعلق بآحاد أو بمفردات هذه الصفة، وبالتالي يبطل قول الفلاسفة في ذلك”.

error: النص محمي !!