قيام الدولة العباسية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد قامت الدولة العباسية على أنقاض الدولة الأموية، ولله سبحانه وتعالى في خلقه سننٌ، فهناك عوامل تؤدي إلى ضعف الدول وزوال الحكومات، وزوال الممالك، وسقوط الأمم، وعوامل تؤدي إلى قوة الحضارات، وظهورِ دولٍ جديدة… وهكذا، ففي الوقت الذي ظهرت فيه عوامل أدت إلى ضعف الدولة الأموية، كانت هناك أسباب وعوامل ساعدت العباسيين على أن يُظهروا دولتهم، ويقيموها على أنقاض الدولة الأموية التي انهارت بعد أن عملت عوامل الضعف عملَها فيها.
كانت عوامل ضعف الدولة الأموية متنوعةً ومختلفةَ الاتجاه، وكان كلُّ واحدٍ من هذه العوامل جديرًا بأن يقوضَ هذه الدولةَ من أساسها:
فقد كانت الدولة الأموية تحكم شيعًا مختلفة، وأحزابًا متصارعة، وكان أكثر هذه الأحزاب والجماعات ناقمًا على الدولة الأموية، كارهًا لها، غير مخلص في الولاء لهذه الدولة.
1. من أسباب ضعف الدولة الأموية: أنهم اعتادوا في تثبيت ملكهم على سياسة حكم الناسَ عنوةً، وجعلوا الخلافة فيهم بالوراثة.أنهم كانوا يثيرون العصبيات بين القبائل وبين الطوائف والجماعات، يُغرون الناس بعضهم ببعض، ويؤلبونَ بعضهم على بعض، وكانت نزعةُ الانتقامِ عند الأمويين شديدة وواضحة؛ فكانوا إذا وقع في أيديهم أحدٌ من خصومهم أوقعوا به أشدَّ ألوان العذاب؛ من أجل ذلك فسدت قلوب الناس حول الأمويين، وكان كثيرٌ منهم يتمنى زوال ملكهم، ويتحيَّن الفرصة ليساعد مَن يستلب هذا الملك ويحل محل الأمويين في الحكم.
فالعنصر العربي هو العنصر الحاكم، هو العنصر القوي، وبدل أن يعمل الأمويون على جمع قبائل العرب وتوحيدها ألَّبوا وحرَّضُوا بعضها على بعض؛ فحدث شقاقٌ بين اليمنية والمُضَرية، وكان الأمويون يريدون بذلك أن يصرفوا هذه القبائل القوية عن أن تنازعهم الأمر، أو أن تقوِّي خصومهم العلويين.
وكان هناك الحزب الشيعي -شيعة علي بن أبي طالب- الذين كانوا يرون أن الخلافة التي سلبها الأمويون منهم حق لعليٍّ وأولاده من بعده، وبايع من بايع منهم على كره، واضطروا إلى العمل في السر والخفاء؛ ليتخلَّصُوا من بطش الأمويين الذين نكلوا بهم أشد التنكيل، وكانت خراسان وبلاد إيران هي الملاذ الآمن لكثيرٍ من أفرادِ هذا الحزب –الشيعة.
وكان هناك أيضًا الخوارج، وهؤلاء هم الذين خرجوا على عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه في قضية التحكيم المشهورة، ولم يعطوا وَلَاءهم للأمويين ولا للهاشميين، وإنما كانوا يقاتلون ويستعذبون الموت في سبيل ما يؤمنون به، وكانوا يرون أن كِلَا الفريقين -أتباع علي والأمويين- لا يستحق الخلافة أو الولاية على المسلمين، وهؤلاء ناوءوا الدولةَ الأمويةَ كثيرًا، ونال الأمويون منهم، ونالوا هم أيضًا من الأمويين.
أما الموالي فقد كانوا يُعَامَلُونَ من قِبَلِ الأمويين معاملة فيها تمييز للعرب عليهم، وفيها بُعْدٌ عن المساواة في الحقوق السياسية والاجتماعية بينهم وبين العرب، فقد حُرِمَ هؤلاء الموالي من الوظائف الكبرى في الدولة، ومن العطاء الذي يستحقونه نظير التحاقهم بالجيش، وفرضت عليهم الجزية، والمفروض أن الجزية تفرض على الذمي الذي لا يدخل في الإسلام؛ فإذا دخل في الإسلام سقطت الجزية عنه، لكن الأمويين كانوا يسيرون بمنهجٍ عجيب؛ فكانوا لا يسقطون الجزية عن هؤلاء الذين يدخلون في الإسلام من أهل البلاد المفتوحة، وهذه التفرقة ليست من تعاليم الإسلام في شيء؛ لأن القرآن في إرشاده للمسلمين صريح في هذا الجانب: {يَأَيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىَ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوَاْ إِنّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].
هذا الأمر جعل هؤلاء الموالي -أو هذه الشعوب غير العربية- تمتلئ قلوبها حقدًا على بني أمية، ويتمنون زوال دولتهم، ويتربصون بهم الدوائر، والحق: أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لمَّا ولي الخلافة أبطل كثيرًا من المساوئ التي كان أسلافه من حكام بني أمية صاروا عليها في حكمهم للناس، وكان من هذه الأمور التي أبطلها أمر الجزية، فكان عمرُ رضي الله عنه لا يأخذ الجزية من الذميين الذين دخلوا الإسلام، أو من الموالي الذين دخلوا في الإسلام.
إذا نظرتَ إلى هذه الخريطة الاجتماعية التي كانت الدولة الأموية تحكمها أدركتَ أن أكثر الناس كانوا يخافون من الأمويين، ولكنهم لا يحبونهم، وهذا لعمري كفيل بأن يسقط الدولة، وأن يعجِّل بنهايتها.
استمرَّت الدولة الأموية قرنًا من الزمان تقريبًا كانت النار تحت الرماد -كما يقولون- الخطر الأكبر جاء على هذه الدولة من سياستها هي، فكان بوسع الأمويين أن يتحاموا كثيرًا من أسباب سقوط دولتهم، ولكن لله سبحانه وتعالى في خلقه شئون، والله سبحانه وتعالى هو العدل، ولا يمكن أن تستمرَّ دولة تقوم على العسف والبطش والاستبداد.
في هذه الظروف كان الهاشميون أبناء علي بن أبي طالب رضي الله عنه خاصة أبناء الحسين منهم، يحاولون أن يقنعوا الأمويين بأنهم أحق منهم بالخلافة، ولكن الأمويين بطشوا بهم، ونكَّلُوا بِهِم أشدُّ النَّكَال.
اكتسب الهاشميون تعاطفَ جمهرةِ المسلمين، ولكن الكثير كان لا يجهر بذلك؛ خوفًا من بطش الأمويين الذين بأيديهم السلطة، ومن الذين كانوا يتعاطفون مع الهاشميين بطبيعة الحال أبناء عمهم العباسيون؛ لأن الهاشميين هم أبناء علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم والعباسيونَ نسبة إلى العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالهاشميون يمكن أن يشملوا العباسيين كذلك، ولكن العباسيين لم يكونوا في بادئ الأمر يطمعون في الولاية، ولم يكونوا يطلبونها، والعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي تنسب إليه الدولة العباسية قال لعلي رضي الله عنه: “مُدَّ يَدَكَ أبايعْك” فكان العباس مع علي، وكان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما مع علي.
فالدعوة للهاشميين كانت محصورةً في بدء الأمر لأبناءِ عليٍّ رضي الله عنه ولم تكن تنصرف إلى العباسيين، لكن الذي حدث وجعل الدعوة تنصرف إلى العباسيين والأمور تئول إليهم، يرجع إلى حادثة تقول:
إن الإمام أبا هاشم بن محمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب، إمام الشيعة الكيسانية والملقب بـ”المهدي”، كان هو الذي تَلْتَفُّ حوله الشيعة، ويدعون إلى أن يكون هو الخليفة، أو أنه صاحب الحق في الخلافة، ثم إنَّ هذا الإمام مرض؛ فلما مرض وأيقن أنه سيموت ذَهَبَ إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس في قرية تسمى “الحُمَيْمَة” وكانت قريبةً منه، فلقيه هناك وتنازل له عن حقه في الخلافة، وسلَّم له زمام الدعوة، فانتقلت بذلك الدعوة إلى حق أبناء علي بن أبي طالب في الخلافة من بيت علي إلى البيت العباسي.
ومن هنا أصبح محمد بن علي العباسي هذا هو الذي يباشر، ويخطط لأمر الدعوة إليهم وإلى استرداد حق الخلافة من الأمويين؛ بناء على هذه الوصية، وبناء على هذا التنازل الذي كان من الإمام أبي هاشم بن محمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم.
ويبدو أن محمد بن علي العباسي كان رجلًا ذكيًّا وكان داهية؛ لأنه خطط فأحسن التخطيط لأن تنشط الدعوة إليه، وقد بَدَأَ في بدايةِ الأمرِ مُخْفِيًا أن الدعوة له، وكان العباسيون يدعون الناس إلى الاجتهاد في سلب الأمويين الحكم، ثم تولية شخص يُتفق عليه ويكون مرضيًّا من الجميع، ويكون هذا الشخص من آل البيت.
واستمر العباسيون في إخفاء الدعوة إلى أن شعروا بأن الظروف مهيأة للجهر بالدعوة لهم، واستعانوا بأشخاصٍ كثيرين من أصحاب الكفاءة النادرة في الدعوة لهم، وإقناع الناس بالالتفاف حولهم.
وكان من براعةِ العباسيين في الدعوة إلى أنفسهم، وبث الدُّعَاة الذين يجمعون الناس حولهم أن اختاروا خراسان لتكون هي القاعدة التي تنطلق منها الدعوة، ويدلنا هذا الخطاب الذي وجَّهَهُ الإمام محمد بن علي العباسي إلى النقباء والدعاة الذين يدعون لهم، يقول:
“أما الكوفة وسوادها فشيعة علي وولده، وأما البصرة وسوادها فعثمانية تدين بالكفِّ -أي: بالحياد- وتقول: كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل. وأما الجزيرة فحرورية مارقة -أي: استولى عليها الخوارج- وأما أهل الشام فلا يعرفون إلا آل أبي سفيان، وطاعةَ بني مروان، وعداوةٌ راسخةٌ، وجهلٌ متراكم، وأما مكة والمدينة فقد غلب عليهما أبو بكر وعمر، ولكن عليكم بخراسانَ؛ فإن هناك العددَ الكثيرَ والجَلَدَ الظاهر، هناك صدور سليمة، وقلوب فارغة لم تتقسمها الأهواء ولم يتوزعها الدغل، وهم جندٌ لهم أبدان وأجسام ومناكب وكواهل وهامات، ولحًى وشوارب -يشير بذلك إلى شجاعتهم- وأصوات هائلة ولغات فخمة تخرج من أفواه منكَرة، وبعد؛ فإني أتفاءل إلى المشرق، وإلى مطلعِ سراجِ الدُّنيا، ومصباحِ الخلق”.
ونلمح في ثنايا وصفه مدى تذمر أهل خراسان ورغبتهم في الانتقام من الأمويين الذين يفضلون العرب عليهم؛ لأن خراسان -وبلاد إيران بصفةٍ عامةٍ- كَانَتْ هي بلاد العنصر الفارسي، وكان هؤلاء الفرس ينقمون على الأمويين أشد نقمة.
كما نلمح تفاؤله بأنَّ رايةَ الدولةِ العباسيةِ ستنطلق من هذا المكان، وأنه نقطة خروج قوافل وجيوش النصر؛ للاستيلاء على بقيةِ المدنِ التابعةِ للدولةِ الإسلامية في ذلك الوقت.
وانبعث الدعاةُ إلى خراسانَ مُتَنَكِّرِيْنَ في زِيِّ أصحابِ المصالحِ المشروعةِ كالتجارِ والباعةِ والمعلمين وغيرهم، وكانوا يدعون الناس في سرٍّ وكتمان، وكان لكل داعية اثنا عشر نقيبًا، ولكلِّ نقيبٍ سبعون عاملًا، وهؤلاء العمال يشرفون على خلايا سرية تندَسُّ بين الجماهير في جميع الأمصار.
فإذًا قامت الدعوةُ العباسيةُ على نظامٍ محكمٍ من الدعاية، واختيارٍ ذكيٍّ لقاعدةِ التحركِ، واختيارٍ ذكيٍّ -كذلك- للرجال الذين يقومون بهذه الأعمال الخطيرة والعظيمة، وكان هؤلاء الدعاة على قسطٍ كبيرٍ من المهارةِ والخبرةِ بالطبيعةِ البشريةِ، ومكامن القوة والضعف فيها فكانوا يدعون الناس كلًّا بالأسلوب الذي ينجح في اجتذابهم للدعوة العباسية، وتنفيرهم من الأمويين وحشدهم ضدهم.
وكانت البيعةُ تؤخذُ من الناسِ ليس باسم العباسيين صراحةً، ولكن للشخص الذي يرضاه الناس فيما بعد من بيت النبوة، وهذا الأمر سهَّل المهمة جدًّا على العباسيين؛ لأن أكثر الناس الذين كانوا يبايعون كانوا يتصورون أن الأمر سيئول في نهاية الأمر إلى من يتعاطفون معهم، وهم أبناء علي رضي الله عنه بسبب ما تحمل هذا البيت من التنكيل والتعذيب والمطاردة من الأمويين، وهم أبناء رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناء فاطمة رضي الله عنها.
وكان هؤلاء الدعاة يبلغون أخبارهم إلى القائمِ بالكوفة، وهذا بدورِهِ يبلغها إلى الإمام محمد بن علي العباسي بالحُمَيْمَة، ويرجع اهتمام العباسيين بمدينة الكوفة كمركزٍ لدعوتهم ومقرٍّ لكبير دعاتهم إلى كونها معقلَ الشيعة الأولين من أيام علي رضي الله عنه ومن أيام الحسين رضي الله عنه ولكونها مركزًا هامًّا من مراكزِ المواصلات.
وفي سنة مائة وخمسة وعشرين من الهجرة توفِّي الإمام محمد بن علي بالحُمَيْمَة، وخلفه ابنه إبراهيم، وفي تلك الأثناء اتَّصَلَ بالإمام إبراهيم شابٌّ لم يتجاوز سنُّهُ الواحد والعشرين عامًا اسمه عبد الرحمن، وكنيته أبو مسلم الخراساني، وهذا الخراساني أبو مسلم كان له دور خطير وكبير في مساعدة العباسيين وقيام الدولة العباسية.
نُصِّبَ أبو مسلم الخراساني رئيسًا للدعاة في خراسان، ووصَّى الإمامُ إبراهيم شيوخ الدعوة بطاعتِهِ، اجتهد هذا الرجل بكلِّ وسيلةٍ في جمع الناس، وأخذ البيعة منهم إلى أن قويت شوكته فجاهر بالدعوة بعد أن كانت سرًّا، وأشعل النارَ على قممِ الجبالِ ليجمع الأنصار حوله، واتخذ هو وأصحابه اللون الأسود شعارًا في ملابسهم وألويتهم، واستطاع أن يصل إلى مرادِهِ بالحيلة وبالمكر، وبالتفريق بين القبائل، وتأليب الجميع على الأمويين، وأخذ البيعة للذي اتفقوا عليه فيما بعد من آل بيت النبوة.
لما شعر والي خراسان -واسمه نصر بن سيار- بخطورة الحالة، ورأى أن أبا مسلم جمع كثيرًا من الناس حوله، وذهب لقتالِهِ؛ أرسل هذا الوالي إلى الخليفة الأموي مروان بن محمد يطلب منه مددًا لإنقاذ الموقف، وأنشده شعرًا جاء فيه هذه الأبيات يقول:
أَرَى خَلَلَ الرَّمادِ وَمِيضَ جمرٍ | * | وُيِوشِكُ أَنْ يَكُونَ لَهُ ضِرامُ |
فإنَّ النَّارَ بِالعودين تُذْكَى | * | وإنّ الحَرْبَ مَبْدَؤُهَا الكلامُ |
أقُولُ مِنَ التعَجُّبِ لَيْتَ شِعْرِي | * | أَأَيْقَاظٌ أُميّةُ أم نِيامُ |
فهذا الوالي كأنه ينكر على الأمويين أنهم لم يتنبهوا للنار التي كانت تسري تحت الرماد، والتي أوشكت أن تأكلهم، وأن تذهب ملكهم؛ لكن الخليفة الأموي في ذلك الوقت في مقرِّهِ في دمشق كان مشغولًا هو الآخر بإخماد ثورات الخوارج فرد عليه قائلًا: “احفظ ناحيتك بجندك” فإذًا الخليفة غير قادر على نصرة والي خراسان.
استطاع أبو مسلم بما تجمع لديه من رجال أن يهزم نصرَ بن سيار، وأن يستولي على مدينة مرو عاصمة خراسان سنة مائة وواحد وثلاثين من الهجرة، واضطُّر الوالي نصر هذا إلى الفرار من خراسان إلى العراق، وتبعته جنود العباسيين ومات في الطريق.
وبينما كان أبو مسلم يقوم بإتمام فتح خراسان لتكون أولَ مدينةٍ تخرج عن يدِ الدولة الأموية وتصبح عباسية، واصلت جيوشه زحفها نحو العراق، واضطر عامل العراق إلى الانسحاب منها وسقطت العراق في أيدي جيش أبي مسلم الخراساني، وكذلك الكوفة فقد سلمها واليها؛ لأنه لم يستطع الصمودَ فسلَّم المدينةَ للجيوش العباسية.
وفي هذه الأثناء تم القبضُ على إبراهيم بن محمد بن علي العباسي، ونُقِلَ وقُتِلَ، وَقبل أن يقتل أوصى بالأمر من بعده لأخيه أبي العباس المعروف في التاريخ بلقب السفاح.
لما سقطت خراسان وسقطت الكوفةُ خرج أبو العباس هذا من مخبئِهِ، ودخل المسجد الجامع في الكوفة، وأحد المعاونين الدعاة للعباسيين طلب من الناس مبايعته بالخلافة، فبايعوه في ربيعٍ الأول سنة مائة واثنين وثلاثين، وخطب أبو العباس فيهم، مبينًا أن العباسيين هم أحق الناس بالخلافة، وهاجم الأمويين وسياستهم، وحثَّ الناس وحضهم على المساندة للعباسيين، ومقاومة الأمويين.
وأرسل أبو العباس جيشًا لقتال الخليفة محمد بن مروان الخليفة الأموي فالتقى الجيشان على نهر الزاب بالقرب من الموصل، ودارت بينهما معركة فاصلة دامت يومين، انتهت بانتصار الجيش العباسي وهزيمة الجيش الأموي، وغرقِ كثيرٍ من جنوده في النهر، وفرار محمد بن مروان إلى مصر ونهايته بها؛ حيث قُتِلَ على أيدي الجنود العباسيين الذين كانوا يلاحقونه.
وبهذا انتهت الدولة الأموية وقامت الدولة العباسية.