Top
Image Alt

قيام المجتمع المدني على أساس الحب والتكافل بين أفراده

  /  قيام المجتمع المدني على أساس الحب والتكافل بين أفراده

قيام المجتمع المدني على أساس الحب والتكافل بين أفراده

وإذا كانت العقيدة هي آصرة الناس في المجتمع الإسلامي، فإن الحبَّ هو أساس بنية المجتمع المدني؛ لأن الإسلام أقام مجتمعه المدني على أساس الحب والتكافل، كما في الحديث الشريف الذي يعرفه الناس جميعًا، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتواصلهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)). فالتواد والرحمة والتواصل أساس العلاقة بين أفراد المجتمع، كبيرهم وصغيرهم، غنيهم وفقيرهم، حاكمهم ومحكومهم.
وقد تكفلت تعاليم الإسلام بتدعيم الحب وإشاعته في المجتمع، ففي الحديث النبوي: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)). ويتعاون المؤمنون في مواجهة أعباء الحياة، فمن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)). أخرجه الإمام الترمذي، والإمام أبو داود.
علاقة المؤمنين قائمة على الاحترام المتبادل، فلا يستعلي غنيٌّ على فقير، ولا حاكم على محكوم، ولا قوي على ضعيف؛ ((بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم)) رواه مسلم. وقد تفتر العلاقة بين المسلم وأخيه، وقد تنقطع ساعة غضب، لكن انقطاعها لا يستمر فوق ثلاث ليالٍ، ((لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام))، كما جاء في (الصحيحين).
وتدعم أسس الحب بالصلة والصدقة، ((تهادوا تحابوا))، ويضع الغني أمواله في خدمة المجتمع، فيُخرج زكاة أمواله فريضة من الله، ويواسي المحتاجين بأمواله، حتى إنهم ليفرحون إذا كثرت ثروته؛ إذ تعود عليهم بالخير والمواساة الذي يكون سببًا في تكثير الزكاة.
وكان أغنياء الصحابة يعرفون أنهم مستخلفون على المال الذي اكتسبوه، فإذا وجدوا ثغرة تعجز الدولة عن سدها -أو لا تتنبه لها. بذلوا أموالهم في سدها، وقد ثبت في التاريخ أن عثمان بن عفان رضي الله عنه تصدق بقافلة ضخمة بها ألف بعير، تحمل البُرَّ والزيت والزبيب، تصدق بها على فقراء المسلمين عندما حلت الضائقة الاقتصادية بالمدينة المنورة في خلافة الصديق رضي الله عنه ، وقد عرض عليه تجار المدينة خمسة أضعاف ثمنها ربحًا، فقال: “أُعطيت أكثر من ذلك”، فقالوا:”مَن الذي أعطاك، وما سبقنا إليك أحد، ونحن تجار المدينة؟”، قال: “إن الله أعطاني عشرة أمثالها”، ثم قسمها بين الفقراء المسلمين.
هذا هو موقف أغنياء المسلمين في المجتمع المدني، فهل لضعفاء المسلمين وفقرائهم موقف -أيضًا في هذا المجتمع المدني؟
لقد وقف الأغنياء والفقراء في صف جهادي واحد؛ فالعقيدة التي منعت ظهور الصراع الطبقي، وآخت بين الأغنياء والفقراء، ووحدت الصف الداخلي، هي العقيدة نفسها التي طالبتهم بالجهاد.
وتلك صورة من المجتمع المدني، توضح كيف عاشت مجموعة من أفقر المسلمين في عصر السيرة النبوية المباركة، يقول ربنا سبحانه وتعالى: {لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيم} [البقرة: 273]، يذكر ابن سعد في (الطبقات الكبرى): أن هذه الآية نزلت في أهل الصُّفة، وذكر الطبري أنها نزلت في فقراء المهاجرين.
عَقَبَ هجرةَ المسلمين من مكة إلى المدينة المنورة ظهورُ مشكلة تتعلق بمعيشة المهاجرين الذين تركوا بيوتهم وأموالهم ومتاعهم بمكة فرارًا بدينهم من طغيان المشركين، وقد وضع الأنصار إمكانياتهم المادية في خدمة هؤلاء المهاجرين، لكن تدفق المهاجرين إلى المدينة بقي محتاجًا إلى مأوى دائم لإقامتهم، خاصةً بعد موقعة الخندق.
وقد عمل صلى الله عليه وسلم على إيجاد المأوى لهؤلاء المهاجرين الفقراء والوفود الطارقين، وهنا تأتي فرصة ظهور أهل الصُّفَّة، وحانت الفرصة عندما تم تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة بعد ستة عشر شهرًا من هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة؛ حيث بقي حائط القبلة الأولى في مؤخر المسجد النبوي، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم به، فظُلل أو سُقِّفَ، وأطلق عليه اسم الصُّفَّة أو الظلة، ولم يكن لها ما يستر جوانبها، ونسب فقراء المهاجرين إلى صُّفَّة المسجد النبوي بالمدينة المنورة فسموا بأهل الصُّفَّة.

error: النص محمي !!