Top
Image Alt

كتابة المصحف، وتعميم نسخ منه، وجمع الناس عليه

  /  كتابة المصحف، وتعميم نسخ منه، وجمع الناس عليه

كتابة المصحف، وتعميم نسخ منه، وجمع الناس عليه

في عهد الخليفة عثمان بن عفان تم كتابة المصحف الإمام، وتم تعميمُ النسخ منه على جميع الناس، والتزام الجميع بهذا المصحف.

الخليفةُ عثمانُ بنُ عفان مَن يذكره لا يمكن أن ينسَى نشأةَ البحرية الإسلامية في عصره.

ولكن أيضًا من الإنجازات العظيمة التي حدثت في ذلك العصر، ولا يزال أثر هذا الانجاز موجودًا إلى اليوم، وسيبقى إلى يوم القيامة، وهو توحيد المسلمين جميعًا على قراءةٍ واحدةٍ للقرآن، تضمنها المصحف الذي أمر عثمان بكتابته، وجعل منه عدةَ نسخ وَزَّعَها على الأمصار الإسلامية الكبرى، وألزم الناسَ بها، وأمر بحرق ما عَدَاها من المصاحف.

نعود قليلًا إلى الوراء، ونقول: إن عمر بن الخطاب رضي الله  عنه أشار على أبي بكر بجمع القرآن، وذلك عقب واقعة اليمامة، التي استشهد فيها جَمْعٌ عظيم من القُراء الحفاظ للقرآن.

الجمع الأول للمصحف:

تقول الروايات: إن الفاروقَ عمرَ خشي أن يذهب كثيرٌ من القرآن بموت آخرين من الحفاظ، فاستجاب أبو بكر لهذا الخير، وأمر زيدَ بن ثابت بجمعه، فقام بالعمل الجليل خيرَ قيامٍ، واحتفظ الخليفة بالمصحف عنده.

ثم من بعد عمر رضي الله  عنه انتقل هذا المصحف في بيت السيدة حفصة بنت عمر أم المؤمنين؛ لأنها زوجة رسول الله صلى الله عليه  وسلم، ويسمى هذا الجمع بالجمع الأول.

الجمع الثاني للمصحف الإمام الذي تم في عصر الخليفة الراشد عثمان بن عفان:

الأسباب التي دعت للجمع الثاني:

تقول الروايات: إن حذيفة بن اليمان كان يجتمع في مسجد الكوفة بعبد الله بن مسعود صاحب المصحف، الذي يتبعه أهل الكوفة وأبي موسى الأشعري صاحب المصحف الذي يتبعه أهل البصرة، ويصرح حذيفة لكلٍّ منهما بأنه يجب توحيد القراءات مخافة اختلاف الناس على تلاوة الكتاب العزيز.

كان ابن مسعود يعارضه في ذلك معارضة شديدة؛ فيقول حذيفة: إنه مصمم على دعوة الخليفة إلى توحيد المصاحف؛ كذلك برزت في مسجد المدينة -مدينة رسول الله، صلى الله عليه  وسلم ظاهرة اختلاف الناس في القراءة بصفة عامة، وتبادل بعضهم بسبب هذا الاختلاف الاتهامات؛ مما أثار مخاوف عثمان رضي الله  عنه وجعله يدعو الصحابة إلى أن يجتمعوا فيكتبوا للناس مصحفًا إمامًا.

ولأن كان اختلاف المسلمين في قراءة القرآن يحرك مشاعر حذيفة، ويثير غضبه وغضب الخليفة، وخوفهما في وقت السِّلم؛ لكن هذا الاختلاف إن تم في وقت الحرب، ولدى مواجهة الأعداء وفي ميادين القتال وحيث هم في مسيس الحاجة إلى وحدة الكلمة وقوة الجماعة؛ فإن ذلك لهو أدعى لأشد الخوف والفزع، وضرورة التحرك، والعمل على إزالة هذا الاختلاف مهما يكن الأمر.

ولكن أود أن ألفت الأنظار إلى أن الكتابة في هذه المرحلة كانت بدون نقط، ومن ثم كانت الكلمات يمكن أن يحدث فيها بعض التداخل نظرًا لعدم التنقيط، وكان الأمر يعتمد على ذكاء القارئ وقوة تفهمه؛ ولكن هذا الأمر كان يمكن أن يودي إلى بعض الاختلافات في القراءة.

على أية حال: حدث بالفعل ما كان يخشاه حذيفة بن اليمان، وما كان يخشاه الخليفة عثمان بن عفان، ألا وهو: موضوع الاختلاف أوقات الفتوح وأوقات الحروب، تقول المصادر: إن حذيفة بن اليمان كان قد شارك في فتوح أرمينية وأذربيجان كان هذا عام ثلاثين من الهجرة، وشهد في أثناء هذه الفتوحات الجنود العراقيين -جند الكوفة- يتعصبون في تلاوة القرآن لمصحف عبد الله بن مسعود، وتعصب جند الشام لمصحف أُبي بن كعب، وحدثت خلافات بين الطرفين في سور القراءة وكيفية القراءة وأنواع القراءة، وأوشك هذا الاختلاف أن يتحول إلى قتال، هنا شد حذيفة رحله قاصدًا المدينة؛ لينقل إلى الخليفة ما رأى وسمع في ميدان الجهاد، وليحذره مما يمكن أن تصير إليه الأمور لو لم تتدارك الآن؛ فلقيه وهو ويقول: أنا النذير العريان، أدرك هذه الأمة.

وعلى الفور أرسل عثمان إلى حفصة أم المؤمنين أن تبعث إليه بمصحف أبي بكر، ثم أمر كاتب الوحي زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وآخرين… أمرهم بأن يكتبوا عدة نسخ من مصحف أبي بكر، وقال لهم: إن اختلفتم في لفظة من الألفاظ فاكتبوها بلغة قريش؛ لأن القرآن نزل بلسان قريش؛ فقاموا بهذا العمل الجليل على الوجه الأكمل.

وقد اختلفت الروايات في عدد النسخ التي كتبت؛ ولكن أجمعوا على أن هناك أربع نسخ أرسلت ثلاثة منها إلى الشام والكوفة والبصرة، والرابعة بقيت في المدينة، وأمر الخليفة بأن يلتزم الناس بهذا المصحف وأن يحرق ما عداه؛ لأنه المصحف الإمام.

بهذا العمل الجليل زال شبح الاختلاف الخطير على كتاب الله، وعلى أية حال، أننا كلما فتحنا المصحف تتجدد ذكرى سيدنا عثمان رضي الله  عنه تلك الذكرى العطرة، كلما أمسك مسلم بمصحفه منذ ذلك اليوم وإلى أن تقوم الساعة وطالع في أوله أو في آخره، كتب هذا المصحف الشريف أو طبع حسب الرسم العثماني، أي: على صورة رسم المصحف العثماني؛ فرضي الله عنك يا ثالث الخلفاء الراشدين نظير هذا العمل الجليل.

error: النص محمي !!