Top
Image Alt

كتاب الطهارة: أبواب المياه: باب طهورية ماء البحر وغيره، وباب طهارة الماء المتوضأ به

  /  كتاب الطهارة: أبواب المياه: باب طهورية ماء البحر وغيره، وباب طهارة الماء المتوضأ به

كتاب الطهارة: أبواب المياه: باب طهورية ماء البحر وغيره، وباب طهارة الماء المتوضأ به

أ. حديث أبي هريرة رضي الله  عنه في طهوريّة ماء البحر وغيره:

عن أبي هريرة رضي الله  عنه قال: ((سأل رجل رسول الله صلى الله عليه  وسلم فقال: يا رسول الله، إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل مِن الماء، فإن توضأنا به عطشنا؛ أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه  وسلم: هُو: الطَّهور ماؤُه، الحِلُّ ميْتَتُه)) رواه الخمسة، أي: أصحاب السّنن الأربع، والإمام أحمد في “مسنده”.

وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. ورواه أصحاب السّنن عن مالك -رحمه الله- ورواه الإمام مالك في (الموطأ).

وفي الباب عن جابر عند أحمد، وابن ماجه، وابن حبّان، والدارقطني، والحاكم، بنحو حديث أبي هريرة. وله طريق أخرى عند الطبراني في (الكبير) والدارقطني والحاكم، عن جابر. قال الحافظ: “وإسناده حسَن، ليس فيه إلّا ما يُخشى مِن التدليس”؛ ويعني بذلك: أنّ في إسناده: ابن جريج وأبا الزبير، وهما مدلِّسان. قال ابن السكن: “حديث جابر أصحّ ما روي في هذا الباب.

وفي الباب أيضًا عن ابن عباس عند الدارقطني والحاكم بلفظ: ((ماء البحر طهور)).

من حيث المتن:

قوله: ((هو الطَّهور ماؤه))، أمّا ((الطَّهور))، فقال جمهور أهل اللغة: إنه بالضّمِّ للفعل الذي هو المصدر، وبالفَتح للماء الذي يُتطّهر به، كما في هذا الحديث، وذهب الخليل، والأصمعي، وأبو حاتم السّجستاني، والأزهري، وجماعة، إلى أنه بالفتح فيهما.

والطهارة لغة: النظافة والتّنزّه عن الأقذار.

وشرعًا: صفة حُكمية تُثبت لموصوفها جوازَ الصلاة به أو فيه أو له. وهو عند الشافعي: المطهِّر، وبه قال أحمد.

وقوله: ((الحِلُّ ميْتتُه)) فيه دليل على حلِّ جميع حيوانات البحر، حتى كلبه وخنزيره وثعبانه؛ وهو المصحّح عند الشافعية، وفيه خلاف. ومن فوائد الحديث: مشروعية الزيادة في الجواب على سؤال السائل، لقصد الفائدة وعدم لزوم الاقتصار. وقد عقد البخاري لذلك بابًا فقال: باب من أجاب السائل بأكثر ممّا سأله. فهم سألوه عن ماء البحر، عن طهوريّته، فأجاب صلى الله عليه  وسلم بأكثر من السؤال، فقال: ((هو الطَّهور ماؤه، الحلّ ميْتتُه)).

 ((الحلّ ميْتتُه))- وهم سألوه عن الماء، لِعلْمه أنهم قد يُعوزهم الزاد في البحر.

وأمّا ما وقع في كلام كثير من الأصوليِّين: أنّ الجواب يجب أن يكون مطابقًا للسؤال، فليس المراد بالمطابقة: عدم الزيادة؛ بل المراد: أنّ الجواب يكون مفيدًا للحُكم المسئول عنه.

وللحديث فوائد غير ما تقدّم، قال ابن النحوي -المعروف بابن الملقّن-: “إنه حديث عظيم، أصل من أصول الطهارة، مشتمل على أحكام كثيرة، وقواعد مهمّة”. قال الماوردي في “الحاوي”: “قال الحميدي: قال الشافعي: “هذا الحديث نصف علْم الطهارة”، لأن الماء إمّا أن يكون في البحر، وإمّا أن يكون في غيره”؛ هذا هو معنى كلام الشافعي.

ب.  باب طهارة الماء المتوضأ به:

عن جابر بن عبد الله، قال: ((جاء رسول الله صلى الله عليه  وسلم يعودُني وأنا مريض لا أعقل، فتوضّأ وصبّ وَضوءه عليَّ)) متفق عليه.

ونذكِّر بأن معنى قول صاحب (المنتقى): متفق عليه، أي: رواه البخاري ومسلم وأحمد -رحمهم الله تعالى. ولن نقف عند سند هذا الحديث ما دام في “الصحيحين” أو في أحدهما.

وقوله: ((يعودني)) يعني: جاء رسول الله صلى الله عليه  وسلم يعودني. زاد البخاري في “الطب”، ((ماشيًا)) وقوله: “لا أعقل”، أي: لا أفهم. وحذَف مفعوله إشارة إلى عِظَم الحال، أو لغرض التعميم، أي: لا أعقل شيئًا من الأمور.

وقوله: ((وصبّ عليّ وَضوءه)) ، يُحتمل أن يكون المراد: صبّ عليّ بعض الماء الذي توضّأ به؛ ويدلّ على ذلك: ما في رواية للبخاري بلفظ: ((مِن وَضوئه)). ويُحتمل أنه صبّ عليه ما بقي منه؛ والأول أظهر، لقوله في حديث الباب: ((فتوضأ وصبّ وَضوءه عليّ)).

وقد استدلّ الجمهور بصبِّه صلى الله عليه  وسلم لوَضوئه على جابر على طهارة الماء المستعمَل للوضوء. وذهب بعض الحنفية إلى أنه نجِس.

ومن الأحاديث الدالة على ما ذهب إليه الجمهور: أنّ الماء المستعمل ليس نجسًا.: حديث أبي جحيفة عند البخاري، قال: ((خرج علينا رسول الله صلى الله عليه  وسلم بالهاجرة، فأتيَ بوَضوء فتوضّأ، فجعل الناس يأخذون مِن فضْل وَضوئه فيتمسّحون به)).”

فهذا يدل على أن الماء المستعمَل للوضوء ليس نجسًا- والله أعلم.

error: النص محمي !!