كتاب (الغماز على اللماز) للسمهودي
الترجمة للمؤلف:
وننتقل إلى الكلام عن كتاب آخر من الكتب التي جمعت الأحاديث الموضوعة وهو كتاب (الغماز على اللماز) لأبي لحسن نور الدين السمهودي.
وكما هو منهجنا -في التعرض لهذه الكتب- فإننا نبدأ أولًا بالترجمة للمؤلف فنقول: هو نور الدين أبو الحسن علي بن القاضي عفيف الدين عبد الله بن أحمد بن علي بن عيسى بن محمد بن عيسى بن جلال الدين أبي العلياء بن أبي الفضل جعفر… إلى آخره، ينتهي في نسبه إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ويعرف بالسمهودي، لقبه: نور الدين، كنيته: أبو الحسن السمهودي، نسبة إلى قرية بمصر تسمى قرية سمهود.
ولد -رحمه الله- في سنة أربع وأربعين وثمانمائة للهجرة (844) شهر صفر، في القرية المذكورة التي نسب إليها، ونشأ بها وترعرع في ظل أبيه، وكان أبوه في الحقيقة هو الأستاذ الأول الذي تربى على يديه وتعلم منه، وحفظ القرآن عليه، ولازمه حتى درس عليه كتبًا كثيرة، منها: (المنهاج) مع شرحه للمحلى، و(شرح البهوجي) و(جمع الجوامع) وغالب ألفية ابن مالك، وسمع عليه جل البخاري، وسمع عليه (مختصر مسلم) للمنذري.
وكان أول سفر له -أو رحلة علمية له- إلى القاهرة سنة ثمان وخمسين وثمانمائة، تتلمذ فيها على يد كثير من العلماء، استوطنها، وكان يذهب لأهله أحيانًا لزيارتهم، كما يفعل الكثير مما يسكنون المدن يعاودون الزيارة إلى أهليهم الكرَّة بعد الكرَّة.
ثم سافر إلى مكة المكرمة للحج، وكانت معه والدته، وذلك في ذي القعدة سنة سبعين، يعني: سنه تقريبًا ست وعشرون سنة حين ذهب للحج أول مرة، لكن قدر الله أنه لم يدرك الحج في هذه السنة التي سافر فيها، فجاور في الحرم سنة كاملة، وفي هذه السنة التقى مع السخاوي -رحمه الله- واستفاد منه، وكثر اجتماعهم مع بعضهم هناك، وسمع تصانيفه، وحج في العام التالي في سنة إحدى وسبعين وثمانمائة مع شيخه السخاوي أيضًا.
ثم من سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة رحل إلى المدينة المنورة وقطنها، وأقام بها، وتزوج فيها، ثم رحل منها إلى بلاد متعددة، زار بيت المقدس، عاد إلى القاهرة، ذهب إلى مكة حج، ورجع المدينة إلى آخره.
وفي سنة ست وثمانين -(886)- سافر من المدينة إلى مكة المكرمة في رفقة الشيخ أبن العماد الحنبلي صاحب (شذرات الذهب) وكان ذلك قبل وقوع الحريق الذي وقع بالمدينة المنورة، وسلم هو من هذه الحادثة لكن احترقت كتبه، وكان فيها كتب كثيرة، وذهب للقاهرة رفيقًا للعماد الحنبلي، وحضر وفاته، وزار أمه، ثم رجع مرة ثانية إلى المدينة المنورة.
تتلمذ على يد مشايخ كثيرين، نحن ذكرنا أن أستاذه الأول هو أبوه، حفظ عليه القرآن الكريم، وقرأ عليه كثيرًا من الكتب، كما كان من شيوخه الذين استفاد منهم: الشيخ (المناوي) صاحب كتاب (فيض القدير) وأخذ عنه تقسيم (المنهاج) و(التنبيه) و(الحال) و(البهجة) وقطعة من شرح ألفيه العراقي و(بستان العارفين) للنووي، وجميع (الرسالة القشيرية) وسمع عليه (المسلسل) بشرطه، وسمع عليه (البخاري) وقطع من (مسلم)، و(تفسير البيضاوي) ونحو ذلك.
وقرأ على النجم بن قاضي عجلون، وعلى الشمسي الباقي، وعلى الشمسي الشرواني، وأخذ عليه (عقائد النسفي) للتفتازاني، وغالب (شرح الطوالع) إلى آخره.
وحضر على العَلم البلقيني من دروسه، وعند الكمال إمام الكاملين، وعلى السعد بن الديري أو الديري، وأذن له بالتدريس، والشهاب الشرمساحي الذي تتلمذ عليه صاحب (تنزيه الشريعة) وقرأ على النجم بن عبد الوارث في منية بني الخصيب شيئًا من (الموطأ) وشيئًا من (الشفا) إلى آخره.
وهؤلاء في القاهرة وفي مصر، ولما رحل إلى مكة وإلى المدينة كثير اجتماعه بالشيوخ وبالسخاوي، والسخاوي يترجم له في (الضوء اللامع) يقول: فكثر اجتماعنا، وكتب بخطه مصنفي (الابتهاج) وسمعه مني، وكذا سمع غيره من تصانيفه، ولازم في المدينة كثيرًا من العلماء نذكر منهم: الشهاب الأبشيطي، وقرأ علي أبي الفرج المراغي، وقرأ على العفيف عبد الله بن القاضي نصر الدين بن صالح، وقرأ على الكمالية ابنة أبي محمد بن بكر المرجاني، وعلى شقيقها الكمال أبي الفضل محمد.
وتتلمذ عليه تلاميذ كثيرون في كل البلاد التي رحل إليها، يقول السخاوي: ولقيته في كلا الحرمين غير مرة، وغبطته على استيطانه المدينة، وصار شيخها، وقلّ ألا يكون أحد من أهلها قرأ عليه، يعني: نستطيع أن نقول: طلاب العلم في المدينة المنورة من تلاميذه، لكن نذكر بعض الأسماء، منهم: سعد بن الديري، والبامي، والجوجري، والشهاب الشرمساحي، وزكريا المناوي، إلى آخره، يعني: هؤلاء سمع منهم وسمعوا منه، ويكفي أنه لا يوجد أحد بالمدينة إلا وتتلمذ عليه وسمع منه كما وشهد له ذلك السخاوي -رحمه الله تعالى.
ومن ناحية مكانته في العلم، فيقول عنه العماد في (شذرات الذهب): “السمهودي نزيل المدينة المنورة، وعالمها وفقيهها ومؤرخها الشافعي الإمام القدوة الحجة المتفنن”.
وقال السخاوي: وبالجملة فهو إنسان فاضل متفنن متميز في الفقه والأصلين، مديم للعمل والجمع والتأليف متوجه للعبادة والمباحثة والمناظرة، قوي الجلادة على ذلك، طلق العبارة فيه مغرم به مع قوة نفس وتكلف… وإلى أن يقول: وعلى كل حال فهو فريد في مجموعه، ولأهل المدينة شغف به، والكمال لله.
وللسمهودي -رحمه الله تعالى- مؤلفات كثيرة، ذكر عددًا كبيرًا منها لا يقل عن عشرين مصنفًا، ذكرها إسماعيل باشا البغدادي في (هدية العارفين) وذكر شيئًا قليلًا منها السخاوي، وصاحب (شذرات الذهب) نقلًا عن السخاوي.-أيضًا، والسخاوي ذكرها في (الضوء اللامع).
من هذه المصنفات: (خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى في تاريخ المدينة) (جواهر العقدين في فضل الشرفين) (شرف العلم الجلي والنسب العلي) (أمنية المعتنين بروضة الطالبين) و(حاشيته) للنووي (اللؤلؤ المنثور في نصيحة ولاة الأمور) (ذروة الوفا بأخبار دار المصطفي) ولعله أصل الكتاب السابق، ثم لخصه في: (خلاصة الوفا) (طيب الكلام بفوائد الإسلام) (عقد الفريد في إحكام التقليد) (المحرر في تعيين الطلاق) (إكمال المواهب) ذيل على (المواهب) له كتاب اسمه (مواهب الكريم الفتاح في المسبوق والمشتبه بالاستفتاح) أكملها في كتاب اسمه (إكمال المواهب) ويعتبر كأنه ذيل على (مواهب الكريم) الذي ذكرناه الآن، (الغماز على اللماز في الأحاديث الموضوعة) (الأنوار السنية في أجوبة الأسئلة اليمنية) وله غير ذلك من المؤلفات.
اسم الكتاب:
اسم الكتاب: (الغماز على اللماز) ذكره في (كشف الظنون) باسم: (الغماز على اللماز مختصر في الحديث الموضوع) لكنه لم يعزه للمؤلف، وهذه نقطة سنتكلم عنها عند نسبة الكتاب إلى مؤلفه.
أيضًا: ذكره باسم (الغماز على اللماز في الأحاديث الموضوعة) إسماعيل البغدادي في (هدية العارفين) فذكر اسم الكتاب، وموضوع الكتاب.
أيضًا المؤلف يقول في كتابه: سميته: (الغماز على اللماز) وهذه مقدمة الكتاب:
“بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليمًا، وصلاة وسلامًا على سيدنا محمد، الحمد لله فاتح البركات، على من في الله جاهد واجتهد، وصلاة وسلامًا على نبيه محمد، وبعد: فيقول الشيخ جلال الدين السمهودي الشافعي -رحمه الله تعالى-: لما رأيت من لا يخاف من كل جاف من الأجلاف يخلط الأحاديث الصحيحة بالواهية، ولم يلقَ لوعيده بجعل الباطل صحيحًا أذنًا واعية، فاستخرت الله تعالى في تجريد الضعيف والموضوع والذي لا أصل له عند الأئمة الحفاظ ليكفَّ عنه ما من في ضرر، لا سيما أكثر ما بأيدي جهلة الوعاظ، ورتبته على حروف المعجم أو على معجم الحروف ليسهل الكشف عنه في ذلك عند الوقوف، وسميته (الغماز على اللماز) مستعينًا بالله تعالى على هذا الإيجاز”.
موضوعه:
قلنا: ذكره صاحب (كشف الظنون) وذكره البغدادي، وذكره الشيخ في كتابه (الغماز) سميته (الغماز على اللماز) لكن موضوع الكتاب هو محل القضية، الذين ذكروا الكتاب قال: (الغماز على اللماز في الأحاديث الموضوعة) هذا في (هدية العارفين) وفي (كشف الظنون) قالوا: (المختصر في الحديث الموضوع) مع أنه لم يعزه للمؤلف -كما قلت: سنبين بعد ذلك الحكمة في هذا.
فما موضوع الكتاب؟!
أعيد قراءة كلام المؤلف، وهو أعرف بما ألف؛ لنحدد هذه المسألة:
أولًا: يقول: فاستخرت الله تعالى في تجريد الضعيف والموضوع، والذي لا أصل له عند الأئمة الحفاظ … إلى آخره، إذن: الكتاب في الضعيف وفي الموضوع، وعلى ذلك نستطيع أن نقول: إن الكتاب في الأحاديث المشهورة على الألسنة، التي تشتهر بين الناس الاشتهار اللغوي الذي يعني الذيوع والانتشار، لكنه لا يعني الصحة، فأنا أميل إلى أن الكتاب هو في الأحاديث المشتهرة التي تشمل الموضوعة والضعيفة وغيرها، وعندي على ذلك مجموعة من الأدلة:
أول دليل هو: ما سماه المؤلف بكتابه، وحدد موضوعه، هو قال: في تجريد الضعيف والموضوع والذي لا أصل له، هذا دليل قوي جدًّا.
والدليل الثاني: هناك أحاديث كثيرة في الكتاب هو نفسه لم يحكم عليها بالوضع، بل عتب على من جازف فحكم عليها بالوضع، وحين نشرح منهجه وألفاظه سنبين ذلك، إذن: هذا دليل ثانٍ على أن الكتاب ليس في الحديث الموضوع فحسب، أو في الأحاديث الموضوعة فحسب.
الدليل الثالث: مصادره التي اعتمد عليها وكثير مما كثر عليها اعتماده على كتب الأحاديث المشتهرة، مثل: كتاب (اللآلئ المنثورة) لابن حجر، و(المقاصد الحسنة) للسخاوي، ويكاد الكتاب يرتكز على مثل هذه المراجع.
إذن: هذه أدلة ثلاثة على أن الكتاب في الأحاديث المشتهرة على الألسنة، التي تدور على ألسنة الناس، بصرف النظر عن درجتها، فهو قد تكلم عنها وبين درجاتها، وذكرنا في ذلك ثلاثة أدلة.
الآن ننتقل إلى نسبة الكتاب إلى صاحبه:
صاحب (كشف الظنون) ذكر الكتاب، ولم يذكر مَن المؤلف؛ لأن هناك خلافًا يسيرًا في الكتاب ونسبته إلى المؤلف، ذكرنا أن مؤلفه الإمام أبو الحسن نور الدين السمهودي، في نسخة الكتاب المخطوطة يصرح بأنه: جلال الدين السمهودي.
محقق الكتاب الشيخ محمد إسحاق محمد إبراهيم السلفي يصرح بأن الكتاب يقول: الشيخ جلال الدين السمهودي، ونحن قرأنا هذا الكلام في أوله بعد الحمد لله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيقول الشيخ جلال الدين السمهودي الشافعي -رحمه الله تعالى-: لما رأيت من لا يخاف من كل جاف من الأجلاف إلى آخره، يقول المحقق: فبعد البحث والتنقيب لم أجد أن أحدًا من المحدثين أو المؤرخين يسمى بجلال الدين السمهودي.
والنتيجة التي انتهيت إليها بعد الدراسة والتمحيص هي: أن الكتاب للشيخ نور الدين السمهودي، وهذه حقيقة تشهد لها الأدلة التالية:
من المعروف أن المحدثين كانوا ينسبون أنفسهم إلى أجدادهم فخرًا بهم، ومن أجداد الشيخ نور الدين شيخ اسمه جلال الدين كما ذكره ابن العماد في (شذراته)، ثم إن من العلماء المحققين الذين صرحوا بنسبة هذا الكتاب إلى الشيخ المذكور إسماعيل باشا في (هدية العارفين) خير الدين الزركلي في (الأعلام)، وفي فهرس دار الكتب الأزهرية، وبشير ظافر في مقدمة كتابه (تحذير المسلمين) والغماري في مقدمة (المقاصد).
وبعد ذلك استطيع أن أقول: إن الكتاب لنور الدين السمهودي مؤرخ المدينة.
وأما الذين لم يصرحوا بمؤلفه كحاجي خليفة في (كشف الظنون) والكتاني في (الرسالة المستطرفة) فلعل ذلك بسبب عدم اتضاحه له، وهذا من سمة العلماء المحققين، فإنهم يسكتون عما لم تتحدد دلالته، واشتبه أمره، فلم يبقَ بعد هذا التحقيق شبهة في نسبة الكتاب له.
هو فعلًا الكتاب للشيخ نور الدين السمهودي؛ لأنه فعلًا الكتب -التي رجعنا إليها وذكرت المصادر مثل إسماعيل باشا البغدادي- ذكر المؤلف، صحيح بعض الكتب ذكرت الكتاب ولم تذكر مؤلفًا، لكن بعضها ذكر المؤلف، وترجمته توحي بأنه من أهل العلم، وله صلة بالحديث، وما إلى ذلك، وهو من تلاميذ السخاوي، ومن أقرانه أيضًا، ومر بنا ما نقلناه عنه.
منهج المؤلف في الكتاب:
المؤلف له ملامح محددة في منهجه في كتابه هذا، منها:
أنه رتبه على حروف المعجم، وهو قد نص على ذلك -كما ذكرنا، يقول: ورتبته على معجم الحروف؛ ليسهل الكشف عنه في ذلك عند الوقوف، لم يرتبه على الكتب والأبواب الفقهية التي درج عليها معظم من وضعوا كتب في الأحاديث الموضوعة، مثل: ابن الجوزي، والسيوطي… إلى آخره، مما مرت بنا مذاكرة كتبهم، وبيان منهجهم، كلهم لم يرتبوا على حروف المعجم، وأول كتاب يقابلنا هو كتاب الشيخ السمهودي في هذا.
إذن: أول معلم من معالم منهجه هو أنه رتبه على حروف المعجم، فيبدأ بالأحاديث التي أولها حرف الألف، فإذا انتهى منها انتقل إلى التي أولها حرف الباء، ثم إلى التاء، وهكذا.
أيضًا: من ملامح منهجه: أنه لا يذكر إسنادًا للحديث، لا له ولا لغيره من أصحاب كتب الموضوعات، مثل: ابن الجوزي والسيوطي وغيرهم، ولا يذكر إسناد الكتب التي نقل منها، يعني: البعض مثلًا كان يكتفي مثل: السيوطي إن لم ينقل إسناد ابن الجوزي، فإنه ينقل إسناد الكتاب الذي نقل منه، مثل (الضعفاء) لابن حبان، أو (الكامل) لابن عدي وغيرها، لكنه لا يفعل ذلك السمهودي، إنما يدخل على الحديث مباشرة.
أيضًا: يذكر في أوله كلمة “حديث”، ثم يذكر النص، وقد لا يأتي بالنص كاملًا، سنضرب أمثلة -بعد قليل- لهذا، وأحيانًا معظم النصوص عنده قصيرة، ولعل ذلك مما يرجح أن الكتاب به أحاديث مشتهرة، وليس في الموضوعات فحسب.
من معالم المنهج أيضًا: أنه في كثير من الأحيان لا يذكر المصدر الذي نقل منه، ولا أقوال العلماء في الحكم على الحديث، مثلًا: أول حديث “آفة العلم النسيان” إذا طبقنا قواعد المنهج عليه: هو ذكره في حرف الألف، وليس له إسناد كما نرى، ويكتفي بكلمة حديث، بعد أن ذكر ذلك قال: في سنده ضعف وانقطاع، اكتفى بذلك. ما المصدر الذي نقل منه الحديث؟ ما أقوال العلماء فيه؟.
أيضًا الحديث رقم (3) “الأبدال من أمتي… ” إلى آخره، لم يذكر أولًا نص الحديث كاملًا، كما ذكرنا، أيضًا: اكتفى بقوله: طرقه ضعيفة، لم يذكر مصدرًا، ولم يذكر أقوال العلماء، واكتفي بقوله: طرقه ضعيفة.
في حديث رقم (4) أبردوا الطعام، قال: سنده ضعيف، وأيضًا: ستمر علينا نماذج أخرى، وذلك كثير في كتابه، -كما ذكرنا.
أحيانًا يذكر المصدر الذي روى الحديث، أو أخذ الحديث منه، كما في حديث رقم (2) مثلًا يقول نص الحديث: “آل محمد كل تقي” قال: رواه الديلمي بأسانيد ضعيفة.
وأرجو أن ننتبه: بأسانيد ضعيفة، ولم يقل: إن الحديث موضوع، ألفت النظر في ذلك على أن الحديث ليس في الأحاديث الموضوعة فحسب، إنما في المشتهرة على الألسنة.
على كل حال: النقطة التي نتكلم عنها في معالم المنهج هنا: أنه قال: رواه الديلمي بأسانيد ضعيفة، فذكر الديلمي، عزاه إلى الديلمي، إذن: هو ذكر هنا له مصدرًا.
وحديث رقم (7) مثلًا: “الاثنان فما فوقهما جماعة”، قال: رواه ابن ماجه، ذكر المصدر، وهو ضعيف.
حديث رقم (86) “حبك للشيء يعمي ويصم” قال: رواه ابن داود.
حديث رقم (222) “لعن الله فقيرًا تواضع لغني من أجل ماله، من فعل ذلك منكم فقد ذهب ثلثا دينه” قال رواه الديلمي عن أبي ذر، وهو كثير الوقوع وغالب الناس داخل في ذلك، وحيث كان له أصل صحيح عند الحديث.
إذن: هو هنا عزا إلى المصدر، وأحيانًا حدد الصحابي، مثل قوله: رواه الديلمي عن أبي ذر، ثم ذكر نقطة، قال: هذا الأمر وهو تزلف الفقراء بالأغنياء أو تواضعهم لهم من أجل غناهم، قال: ذلك كثير الوقوع الآن، وغالب الناس داخل في ذلك.
وأيضًا: من معالم منهجه: أنه ينقل عن كثير من العلماء:
نحن ضربنا أمثلة: أنه يكتفي بقوله: هو أو بكلمة، ولا ينقل أقوال العلماء، وأيضًا: ينقل عن كثير من العلماء مثل حديث -مثلًا- رقم (6) “اتقوا البرد فإنه قتل أخاكم أبا الدرداء” قال البخاري: قال: لا أعرفه، نقل عن البخاري.
حديث رقم (10) ونحن قلنا -قبل ذلك فيما ذكرنا-: أن واحدًا من كبار العلماء مثل البخاري ممن هو من أمراء المحدثين حين يقول عن حديث: لا أعرفه فإنه اتهام له بالوضع، وأنه لا أصل له، يقول: قال البخاري: لا أعرفه.
حديث رقم (10) ذكره مختصرًا -كما ذكرنا من منهجه- هو قال: هكذا: إحياء أبويه صلى الله عليه وسلم أي: إحياء أبوي النبي صلى الله عليه وسلم والحديث هذا فيه كلام كثير، وللعلماء حسب مناهجهم ومشاربهم أقوال في ذلك، قال ابن كثير: منكر، نقل عن البخاري، ونقل عن ابن كثير.
حديث رقم (12) “إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه” نبه عليه ابن حجر وشيخه العراقي بالوضع، هكذا قال.
حديث رقم (26) “اطلبوا العلم ولو بالصين” قال ابن حبان: لا أصل له.
حديث رقم (31) “أكرموا الشهود” قال الصاغاني: موضوع.
حديث رقم (272) “من نظر إلى ما في أيدي الناس طال حزنه وكثر همه” أيضًا، قال الصاغاني: موضوع، وهكذا، و قال في (المقاصد): ضعيف جدًّا.
إذن: هو ينقل عن العلماء: نقل عن البخاري، ونقل عن ابن كثير، ونقل عن ابن حجر، وعن شيخه العراقي، ونقل عن ابن حبان، ونقل عن السخاوي في (المقاصد الحسنة) ونقل عن الصاغاني إلى آخره.
أحيانًا: يتعقب بعض الأحكام فينتقدها، مثل حديث رقم (86) قد أشرنا إليه من قبل، هو: “حبك للشيء يعمي ويصم” رواه أبو داود، لكن بالغ الصاغاني وقال: إنه موضوع، هنا تعقب الصاغاني، واعتبر حكمه عليه بالوضع من المبالغة.
حديث رقم (30) “صاحب الشيء أحق بحمله إلا أن يكون ضعيفًا” ضعيف، هكذا حكم عليه: ضعيف، وبالغ ابن الجوزي, وأدخله في الموضوع، ونلاحظ هنا: أنه يستعمل عبارات المخففة في حق العلماء ليس فيها شدة مثل الشوكاني، مرة يقول: بالغ ابن الجوزي في الموضوع، وأيضًا: بالغ الصاغاني فقال: موضوع.
أيضًا حديث (144) “طلب العلم فريضة” أيضًا لم يأت النص كاملًا، نقل أقوال العلماء في علله، ثم ختم وقال: قد صحح بعض الأئمة بعض طرقه، هنا تعقب وقال: قد صحح بعض الأئمة بعض طرقه.
حديث: “نية المرء خير من عمله” رقم (316) قال ابن دحية: لا يصح، لكن استدرك البيهقي عليه، وقال: صحيح الإسناد، لكن ليس بالقوي.
وحديث رقم (230) “حديث ماء زمزم لما شرب له” قال النووي: ضعيف، لكن قال الحافظ شرف الدين الدمياطي وشيخه عبد العظيم المنذري: قد صح من بعض الطرق، هكذا رأيته.
إذن: هنا له تعقبات على بعض الأحكام، بالاستدلال أيضًا بأقوال العلماء الآخرين، في الأغلب يستدل بأقوال العلماء الآخرين، متعقبًا بها بعض الأحكام التي تصدر على بعض الأحاديث.
من معالم المنهج أيضًا: أنه في الغالب لا يذكر علة الأحاديث من الرواة، وإنما يكتفي ببيان درجة الحديث، بحكم إجمالي عليه، لكن أحيانًا يبين العلة، كما -مثلًا- في حديث رقم (49) قال: “إن الله كتب الغيرة على النساء والجهاد على الرجال” قال في سنده عبيد بن الصباح، وهو ضعيف، حدد هنا موطن العلة في الإسناد، وهو من الرواة، وهو عبيد بن الصباح.
وفي حديث رقم (5) “أبى الله إلا أن يرزق عبده المؤمن من حيث لا يعلم” رواه راشد، وهو ضعيف جدًّا، وهو هنا يقصد: عمر بن راشد المدني الجاري، وله ترجمة في (الميزان) بترجمة رقم (6103) يقول الذهبي فيما نقله العلماء عنه: قال عنه أبو حاتم: وجدت حديثه كذبًا وزورًا، وقال العقيلي منكر الحديث، وقال ابن عدي: كل أحاديثه مما لا يتابع عليه الثقات.
وأيضًا: مثل حديث رقم (255) حديث “مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء” قال: في سنده محمد بن جعفر متهم بالوضع، وهكذا.
يعني: أحيانًا أو في كثير من الأحيان لا يذكر الراوي موطن العلة في الحديث، وأحيانًا يذكر، والأغلب عليه في الأمر الأول كما ذكرنا.
أيضًا من معالم المنهج: أنه أحيانًا يبين بعض الأحكام الفقهية أو بالأحرى بعض آراء المذاهب مثل حديث رقم(28) “أفطر الحاجم والمحجوم” قال: علقه البخاري بصيغة التمريض، وقال الإمام أبو عبد الله الشافعي: إنه منسوخ.
إذن: هنا بالإضافة إلى أن البخاري ذكره معلقًا بصيغة التمريض، ومن المعلوم: أن التعليق عند البخاري الذي بصيغة التمريض يشعر بضعف الحديث، وهو ليس من أصول الكتاب على كل حال: ليس من شرط البخاري، ولا يقل أحد: كيف البخاري فيه؟ لا، هذا من الأحاديث المعلقة معنى المعلق، أنه لم يذكره بإسناد، يعني: يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن هنا يذكر بصيغة التمريض عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا، هذا دليل على الضعف، لكن المهم محل الشاهد هنا أنه قال: وقال الإمام أبو عبد الله الشافعي: إنه منسوخ: “أفطر الحاجم والمحجوم”.
وأيضًا: في مثل حديث رقم (108) ونصه “زكاة الأرض يبسها” قال: احتجت به الحنفية أو احتجت الحنفية به، إذن: يذكر مذهب قال الحافظ السخاوي: لا أصل له.
ومثل حديث رقم (271) وله فيه كلام طويل في الحقيقة، لم نورده اختصارًا، وإنما نحيل عليه، وعلى كل حال: هو من الأحاديث القليلة التي طال نفَس الشيخ فيها: نفس المعالجة، ونفس الكلام، فهو من الأحاديث التي تكلم عنها بشيء من التفصيل.
أيضًا من معالم المنهج: أنه أحيانًا -على قلة وندرة- يترك الحكم على الحديث، يعني: لا يقول في شأنه شيئًا أبدًا، كما في حديث رقم (143) قال: الحديث هكذا “طالب القوت ما تعدى” ماذا قال الشيخ السمهودي: بيض له ابن حجر ولم يتكلم عليه، اكتفى بهذه الكلمة، لم يحكم هو، ولم ينقل حكمًا عن العلماء، نص الحديث: “صاحب القوت ما تعدى” بيض له ابن حجر ولم يتكلم عليه.
مثل حديث رقم (197) نص الحديث: “كل ثان لا بد له من ثالث” قال: لم يتكلم عليه ابن حجر.
ولعلنا نلاحظ هنا: أنه يعتمد في الحكم على الأحاديث على الآخرين، وينقل عنهم، وهذا واضح في صنيعه.
أيضًا من معالم المنهج عنده: أنه يذكر أقوال العلماء، ولا يعزوها إلى مصدر ما، وأحيانًا يعزو.
فمن أمثلة الأول: حديث رقم(6) الذي ذكرناه قبل ذلك: “اتقوا البرد فإنه قتل أخاكم أبا الدرداء” قال البخاري: لا أعرفه، أين قال البخاري ذلك؟ لم يذكر.
حديث رقم (78) “الثقة بكل أحد عجز” قال ابن حجر: لا يصح، أين قال ابن حجر ذلك؟ لم يذكر أيضًا مصدرًا.
من أمثلة الثاني -أي: الذي يذكر فيه المصدر-:
حديث رقم (106) “الديك الأبيض صديقي” ذكره ابن الجوزي في (الموضوعات)، هنا بين أن ابن الجوزي ذكره في كتاب (الموضوعات).
وأيضًا حديث رقم (180) “قاتل الحسين في ثوب من نار” قال في (المقاصد): قد ورد من طرق أو من طريق واهٍ، إذن: هو نقل عن (المقاصد) هنا -(المقاصد الحسنة) للسخاوي- نقل عنها وعزا إليها، فحدد المصدر الذي نقل منه.
إذن: منهجه يتوزع بين ذكر المصدر أحيانًا، أو ذكر كلام العالم من غير أن يذكر المصدر الذي نقل عنه.
ولعلنا نختم معالم المنهج فنقول: ومن معالم المنهج -أيضًا- أنه يتوكأ على أحكام العلماء في الحكم على الأحاديث، هذه سمة علمية طبيبة تدل على ورع وتقوى، وتدل على سعة اطلاع، وتدل على استناد إلى آراء من أهل العلم يرتكن إليها ويستند عليها ولا يأتي بنفسه، وفي تعقباته هو رقيق، لا يخطئ أو لا يشتد في العبارات، ثم هو أيضًا يترك أحيانًا الحكم، على كل حال جزاه الله خيرًا على كتابه.
موارد السمهودي في كتابه:
في الحقيقة موارده في الكتاب ومصادره كثيرة جدًّا، جمعت بين المتأخرين وبين المتقدمين، فقد توفي -رحمه الله- سنة: 911 هجرية، فهو معاصر للسيوطي، ومعاصر للسخاوي، والسخاوي مات: 902 وأيضًا: السيوطي مات في نفس السنة التي مات فيها السمهودي -رحمه الله- والسمهودي أسن من السيوطي بخمس سنوات تقريبًا، فالسيوطي قد ولد سنة: 849 والسمهودي ولد سنة: 844 إذن هما متعاصران، مع ذلك لم يستنكف أن يستفيد به.
والسمهودي لم يفته مصدر من المصادر، لا في القديم ولا في الجديد، بل أحاط بالمصادر القديمة والمتأخرة منها.
وذلك واضح جدًّا في الحقيقة في كتبه، فهو مثلًا -إذا انتقلنا إلى الأمثلة التطبيقية، ومن خلال الأحاديث التي عرضناها لملامح لمنهج- نقل عن البخاري، نقل عن الإمام أحمد، نقل عن العقيلي، نقل عن الدارقطني، نقل عن ابن حبان، وابن معين، والترمذي، وابن دحية، وابن عدي، والبزار، والديلمي، والدراقطني، والبيقهي… هكذا من الكتب السابقة كلها.
لا نرى كتابًا في الحديث -مثل كتب الدارقطني ولا الخطيب- ولا كتابًا في علوم الرجال إلا ونقل منه في السابقين.
أيضًا: الجوزقاني وابن الجوزي في المرحلة العمرية الوسط، أيضا رجع إليهم واستفاد منهم.
من المتأخرين: رجع إلى العراقي، والذهبي، والسخاوي، وابن حجر والسيوطي، والزركشي، وابن كثير، وابن الصلاح، والنووي، يعني تقريبًا: لم يفته شيء.
نسجل له أنه: ثري جدًّا في مصادره، سواء من الكتب أو في أقوال الرجال، مثل: النقل عن ابن معين، وغيره، والحقيقة كما ذكرنا أنه لا يفته مصدر، لكن أكثر مصدرين تأثر بهما، ونقل عنهما هما: كتب ابن حجر وخصوصًا كتابه في الأحاديث المشتهرة (اللآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة مما ألفه الطبع، وليس له أصل في الشرع) هذا اسم كتاب ابن حجر كاملًا، ومثل (تلخيص الحبير)، وأيضًا: رجع إلى كتاب السخاوي (المقاصد الحسنة في المشتهر على الألسنة).
الألفاظ التي استعملها السمهودي في كتابه:
إذا انتقلنا إلى ما نسميها مثلًا “قاموس الألفاظ” التي استعملها في الحكم على الأحاديث:
في الحقيقة: قاموس الألفاظ عنده كثير جدًّا، استعمل تقريبًا مصطلحات كثيرة سنضرب لها أمثلة:
مثلًا: بيان ضعف الإسناد: يقول مثلًا في الحديث رقم 2: رواه الديلمي بأسانيد ضعيفة، في حديث 3: طرقه ضعيفة، في حديث 4: سنده ضعيف، في حديث 9: سنده ضعيف، في حديث 14: سنده ضعيف، 22: حديث ضعيف، 29 و 42: طرقه ضعيفة، 53: طرقه كلها واهية، 141: طرقه واهية… وهكذا يبين الضعف في الإسناد بعبارات متعددة.
أحيانًا يذكر الرجل الراوي الذي هو علة الحديث حين يحكم على السند، مثل: حديث رقم 5 حين قال: رواه راشد وهو ضعيف جدًّا، ورقم 11: اتهم راويه بالكذب والوضع، وحديث رقم 24: في سنده الحسين بن ضمرة وهو كذاب، حديث 49: في سنده عبيد بن الصباح وهكذا، وإن كان أيضًا هذا الأمر ليس كثيرًا عنده.
“حديث منكر” وصف للحديث نفسه بالنكارة، والمنكر -على ما عليه اصطلاح أهل العلم في الغالب-: إما أن يكون ضعيفًا خالف الثقات أو ضعيفًا تفرد، كلاهما نكارة، لماذا؟ لأن هذا الضعيف إما أنه خالف الثقات، ومخالفته وهو ضعيف مردودة، وهي من أنواع الضعف الشديدة، ثم إذا انفرد أيضًا لا نطمئن إلى انفراده؛ لأنه ضعيف.
أحيانُا يستعملون المنكر في غير هذا في مجرد التفرد في بعض الاستعمالات، لكننا نقول -على ما استقر عليه اصطلاح العلماء-: هذا المصطلح -“حديث منكر”- استعمله الشيخ السمهودي في حكمه على كثير من الأحاديث، مثل مثلًا: حديث رقم 8 قال: حديث منكر، حديث رقم 10، حديث رقم 13، حديث رقم 17، حديث رقم 37… إلى آخره.
أيضًا يقول: لم أقف إليه معزوًّا عند العلماء، أو لم أقف عليه، أحيانًا هو يقولها من نفسه، وأحيانًا يعزوها إلى العلماء، مثل: حديث رقم 15، ذكره قال: قال شيخ الإسلام ابن حجر: لم أقف عليه.
له أحكام أخرى على الحديث ويستعمل فيها بعض الاصطلاحات المعروفة في مصطلح الحديث، يعني مثلًا: في حديث رقم 18 يقول: معضل، يقول: باطل مثلًا.
أيضًا: في حديث 147 “طينة العبد من طينة مولاه”، قال الذهبي: منقطع، فهنا استعمل منقطع واستعمل معضل، وكلاهما من عيوب الإسناد عند المحدثين.
المعضل: ما سقط منه اثنان على التوالي من أول السند، والمنقطع: ما سقط منه واحد أثناء السند.
أيضًا: يستعمل “موضوع” كثيرًا، حديث رقم 20 قال عنه: موضوع، حديث رقم 21 موضوع، حديث رقم 31 بل أحيانًا تشتد عبارته مثلًا حديث 43: “أنا مدينة العلم وعلى بابها” قال ابن معين: إنه كذب، وقال البخاري: حديث منكر لا يصح وجهه، وقال النووي باطل، هنا أكثر عن كثير من العلماء في حديث رقم 43 بعبارات متنوعة، إنه كذب، إنه منكر، لا يصح، وقال النووي: إنه باطل.
أيضًا استعمل عبارات شديدة في بيان الكذب، في حديث رقم 44 قال: قال ابن حجر: كذب مختلق، في حديث رقم 61 “الباذنجان لما أكل له” قال الحفاظ هو من وضع الزنادقة، حديث 171 قال: حديث باطل حديث 179 “في الحركات بركات” إنما هو من كلام السلف، في حديث 185 قال: طرقه باطلة.
أحيانًا أيضًا: يستعمل “لا يصح” أو “لا يثبت” أو “ليس ثابت”… إلى آخره، فمثلًا: في حديث رقم 6 قال: لا يصح، في حديث رقم 19 و 45 قال النووي: ليس بثابت، في حديث 48 لم يثبت فيه شيء، في حديث 63 وحديث 111 قال ابن حجر: لا أصل له بهذا اللفظ: “رحم الله من زارني وزمام ناقته في يده” في حديث 113 قال: لا أعرف له أصل، هو لا يصح، أو لا يثبت، ولا يعرف له أصلًا، في حديث 158 قال ابن الجوزي: لم يصح فيه شيء، في حديث 160 لا يصح في ذلك ونحوه شيء، في حديث 173 لا يوجد في الكتب المشهورة أو كتب الحديث أو ليس بحديث.
أيضًا: استعمل “لا أصل له” كثيرًا، يعني: في حديث 26 و 27 و 36 “ألسنة الخلق أقلام الحق” في حديث 38 قال السخاوي: لا يوجد في الكتب المشهورة، في حديث 40 و 41 قال ابن كثير: لا أصل له، وإن كان معناه صحيحًا، و”أنا أفصح من نطق بالضاد” يعني يقول عنه: قال ابن كثير: لا أصل له، وإن كان معناه صحيحًا، ونحن ذكرنا مرارًا: أن صحة المعنى ليست دليلًا على صحة الحديث، فقد يصح معنى الحديث، ولكننا نثبت صحة نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم.
أيضًا: حديث 157 قال الزركشي: لا أصل له، وأحيانًا يقول: ليس بحديث، مثلًا في حديث 142 نصه “الضرورات تبيح المحظورات” قال: ليس بحديث، وكما في حديث 154 قال: “عداوة العاقل ولا صداقة المجنون” هذا ليس بحديث، وأضاف ذلك إلى الترمذي وابن حجر -رحم الله الجميع.
وهكذا نجده -رحمه الله- قد استعمل عبارات متعددة -جزاه الله خيرًا- لكنها -بشكل عام- خلت من الخطأ في حق العلماء، أو من الشدة عليهم، غاية ما أو أشد ما يقوله -إذا لم يعجبه حكم عالم على حديث معين أن يقول: جازف فلان كما ضربنا بعض الأمثلة، وكل عباراته انصبت إما على بيان الضعف في الإسناد، أو على بيان الضعف في المتن وذلك مما جعلنا نقول: إن الكتاب ليس في الأحاديث الموضوعة فقط، بدليل: أنه حكم على كثير من الطرق بأنها ضعيفة، أو واهية، إلى آخره، ولم يقل عنها: إنها موضوعة، وهذا أمر تعرضنا له.
على كل حال: الكتاب طيب، ومفيد، وجزى الله الشيخ السمهودي على هذا الكتاب، هو كتاب ليس كتابًا كبيرًا، ولم يذكر فيه أحاديث كثيرة، لكنه على كل حال: تضمن معظم ما في كتب السابقين كأنه لخص الكتب المشتهرة، فهو كتاب من بين الكتب التي تتعامل مع الأحاديث التي تدور على ألسنة الناس.
وإن كان هناك من عتب على المنهج، فهو الاختصار في بعض المواطن أحيانًا حين يقول: سنده ضعيف، ولا يبين موطن الضعف، وطرقه ضعيفه أو طرقه كلها واهية، أو ما شاكل ذلك من هذه الأحكام المجملة التي لا يفصلها هو، ولا ينقل عن العلماء تفصيلها.
قد يحتاج البعض منا أحيانًا إلى الوقوف على هذه الطرق الضعيفة لكي نتأكد من صدق الحكم على الحديث، ليس اتهامًا لمشايخنا -لا يمكن أن يرد هذا على أذهاننا، كلا، وحاشا- لكن من باب التأكيد للحقيقة العملية. وإذا نازع أحد في هذا الأمر فإن الأدلة العلمية على الحكم تكون موجودة، الذي يقول: إنه ضعيف يعلل الضعف، الذي يقول: إنه حسن يعلل الحسن، وهكذا.
ولعل ذلك يعطينا درسًا نطلبه من طلاب العلم خصوصًا في الأبحاث العلمية، ربما في المحاضرات العامة أو في الخطب المنبرية أو ما شاكل ذلك نكتفي بالحكم على الحديث، وبيان درجته بشكل عام، مع عزو -مثلًا- رواه البخاري، رواه مسلم، ومثل ذلك، لكن عند التحقيقات العلمية التي يبني صحيح الحديث من عدمه؛ لأن هذه مسالة -كما طولنا مرارًا فيها- يترتب عليها إما رد الحديث إذا كان موضوعًا أو ضعيفًا، وإما العمل به إذا كان على درجة من الحجية والقبول، من الممكن أن يرتكن إليها ليعمل بها، حينئذ في مثل هذه الكتب العلمية المتمحضة لبيان درجة الحديث، ففي تقديري أن الإيجاز لا يكفي.