كتاب النفاس: باب أكثر النفاس، وباب سقوط الصلاة عن النفساء
. باب أكثر النفاس:
حديث أم سَلمة:
عن عليٍّ بن عبد الأعلى، عن أبي سهل، واسمه كثير بن زياد، عن مُسة الأزدية، عن أم سَلمة، قالت: ((كانت النُّفَساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يومًا. وكنا نطلي وجوهنا بالورْس من الكَلَف)) رواه الخمسة إلاّ النسائي –أي: أصحاب “السنن” الأربع، وأحمد ابن حنبل، ما عدا النسائي من “السنن” الأربع.
قد أجمع أهل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومَن بعدهم على أن النُّفَساء تدَع الصلاة أربعين يومًا، إلاّ أن ترى الطُّهْر قبل ذلك، فإنها تغْتسل وتصلي. فإذا رأت الدم بعد الأربعين، فإن أكثر أهل العلم قالوا: لا تدع الصلاة بعد الأربعين؛ وهو قول أكثر الفقهاء؛ وبه يقول سفيان الثوري، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق. ويروى عن الحسن البصري أنه قال: إنها تدع الصلاة خمسين يومًا إذا لم تر الطُّهْر. ويُروى عن عطاء بن أبي رباح والشعبي ستّين يومًا.
وقد اختلف الناس في أكثر النِّفاس: فذهب عليٌّ عليه السلام وعمر، وعثمان، وعائشة، وأم سَلمة، وعطاء، والثوري، والشعبي، والمزني، وأحمد بن حنبل، ومالك، والهادي، والقاسم، والناصر، والمؤيد بالله، وأبو طالب رضي الله عنهم جميعًا من صحابة وتابعين، ذهبوا إلى أن أكثر النفاس: أربعون يومًا، واستدلوا بحديث الباب. وقال الشافعي: في قول، وروي عن إسماعيل وموسى ابني جعفر بن محمد الصادق: بل سبعون -يعني: أكثر النفاس سبعون يومًا. قالوا: إذ هو أكثر ما وُجِد. وفي قول للشافعي وهو الذي في كتب الشافعية، وروي عن مالك: بل ستون يومًا لذلك. وقال الحسن البصري: خمسون لذلك. قالت الإمامية: نيِّف وعشرون، والنص يرد عليهم، وقد أجابوا عنه بما تقدم مِن الضَّعف، وبأنه كما قال الترمذي في (العلل): منكر المتن؛ فإن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ما منهن مَن كانت نفساء أيام كونها معه إلاّ خديجه، وزوجيتها كانت قبل الهجرة، فإذًا لا معنى لقول أم سَلمة: “قد كانت المرأة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تقعد في النفاس هكذا”.
والأدلة الدالة على أن أكثر النفاس أربعون يومًا متعاضِدة بالغة إلى حدِّ الصلاحية والاعتبار، فالمصير إليها متعيَّن. فالواجب على النُّفَساء وقوف أربعين يومًا، إلا أن ترى الطُّهْر قبل ذلك، كما دلت على ذلك الأحاديث السابقة. قال الترمذي في “سُننه”: “وقد أجمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعون ومن بعدهم على أن النُّفَساء تدع الصلاة أربعين يومًا إلا أن ترى الطُّهْر قبل ذلك فإنها تغْتسل وتصلي” انتهى.
وقول أم سلمة: “وكنا نطلي وجوهنا بالوَرس من الكَلَف”، معناه: وجوهنا بهذا النبات الأصفر.
“الوَرس”: نبات أصفر تُصبغ به الثياب، أو يُتطيّب به.
“مِن الكَلَف”: من تغيّر الوجه نتيجة للنفاس.
ب. باب سقوط الصلاة عن النُّفساء:
حديث أم سَلمة:
عن أم سَلمة رضي الله عنها، قالت: “كانت المرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم تقْعد في النفاس أربعين ليلة، لا يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء صلاة النفاس”، رواه أبو داود. والحديث أخرجه أيضًا: الترمذي، وابن ماجة.
وهو يدل على أنها تترك الصلاة أيام النفاس. وقد وقع الإجماع من العلماء على أن النِّفاس كالحَيض في جميع ما يحلّ ويحْرم، ويكْره وينْدب. وقد أجمعوا على أن الحَائض لا تصلي -وقد أسلفنا ذلك، فكذلك النُّفساء لا تصلّي ولا تصوم، وتقضي الصيام ولا تقضي الصلاة.