كتاب (تنزيه الشريعة المرفوعة) لابن عراق
ترجمة ابن عرَّاق:
هو الإمام سعد الدين علي بن محمد بن علي بن عبد الرحمن بن عراق الفقيه المقرئ الشامي الحجازي الشافعي.
إذن: اسمه علي بن محمد بن علي بن عبد الرحمن بن عرّاق، لقبه سعد الدين، وفي (هدية العارفين) لقبه علاء الدين، وكنيته أبو الحسن المشهور بابن عراق، وقيل: ابن عُريق، ولد بالشام بساحل بيروت، ومن أجل ذلك نسب إلى الشام فقال: الشامي، وأقام مدة طويلة بالحجاز ومات بها -كما سنذكر بعد قليل- ومن ذلك نسب أيضًا إلى الحجاز، فقال: الحجازي، والشافعي؛ لأنه كان شافعي المذهب.
ولد سنة سبع وتسعمائة للهجرة بساحل بيروت، حفظ القرآن الكريم وهو ابن خمس سنين في سنتين، ولازم والده في قراءة ختمة كل جمعة لمدة ست سنوات، فعادت بركة ذلك عليه.
أبوه كان من أولاد أمراء الجراكسة وله صلة بالعلم، وألزم ولده القرآن الكريم، كما يجب على كل أب أن يفعل ذلك، فهذه من المسؤوليات التي سنسأل عنها أمام الله عز وجل يوم القيامة، أن نحفظ أولادنا القرآن الكريم أو كثيرًا منه، على الأقل إن لم يتيسر حفظ القرآن الكريم كله، ولا نترك أولادنا كالبيوت الخربة أجوافهم خالية من القرآن الكريم، لا يوجد به نور القرآن الذي يقاوم نزغ الشيطان وظلام المعصية.
على كل حال أبوه حفَّظه القرآن الكريم، وحج مع أبيه وهو ابن سبع عشرة سنة في سنة 924، وهذا سن مبكرة بالقياس لما هو موجود الآن للحج.
لازم والدُه في القراءة -كما ذكرنا- وأبوه حج به، وحفظ كتب عديدة في فنون شتى، وأخذ القراءات عن تلميذ أبيه الشيخ أحمد بن عبد الوهاب خطيب قرية المجدل.
رحل إلى دمشق وحلب والروم عرض له مرض الصمم -يعني: لم يسمع بأذنيه- ورحل أيضًا إلى مصر، وإلى بيت المقدس، زار بيت المقدس يوم الخميس ثالث جمادى الآخرة سنة تسع وأربعين، واستقر أمره بعد ذلك في خطابة المسجد النبوي، وتوفي بالمدينة.
قال في (أبجد العلوم): علي بن محمد بن عريق عالم المدينة المنورة، وخطيب مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كان نائبًا مناب أبيه في العلم، والعمل، والتقوى، له تصانيف مفيدة.
وقال ابن العماد: كان ذا قدم راسخة في الفقه، والحديث، والقراءات، ومشاركة جيدة في غيرها، وله اشتغال في الفرائض، والحساب، والميقات، وقوة في نظم الأشعار الفائقة، واقتدار على نقد الشعر، وكان ذا سكينة ووقار.
له مصنفات كثيرة منها (تنزيه الشريعة المرفوعة) الذي نحن بصدده الآن، وله من مصنفاته كما في (هدية العارفين) (الصراط المستقيم إلى معاني بسم الله الرحمن الرحيم) وله (تهذيب الأقوال والأعمال) وله (نشر اللطائف في قطر الطائف) وهو رسالة صغيرة في تاريخ الطائف، مدينة الآن معروفة بالمملكة العربية السعودية، وله غيرها ذكرها ابن معين باشا البغدادي في (هدية العارفين).
مات الشيخ ابن عرّاق -رحمه الله- سنة 963 هجرية، يعني: هو لم يعش كثيرًا، ولد سنة 907 ومات سنة 963 فكأنه عاش ستًا وخمسين سنة فقط، أثمرت عملًا وعلمًا وتقوى، ومصنفاتٍ كثيرة من بينها وعلى رأسها كتابه الذي نحن بصدده (تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة).
التعريف بكتاب (تنزيه الشريعة المرفوعة):
كتاب (تنزيه الشريعة المرفوعة) لابن عرَّاق، كتاب من الكتب التي ألفت في جمع الأحاديث الموضوعة وبيانها للناس.
يقول في مقدمة كتابه: فإن من المهمات عند أهل العلم والتقى، معرفة الأحاديث الموضوعة على سيد المرسلين لتُتَّقى، وللإمام الحافظ أبي الفرج ابن الجوزي فيها كتاب جامع إلا أن عليه مؤاخذات ومناقشات في مواضع.
وقد اعتني شيخ شيوخنا الإمام الحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر الأسيوطي بكتاب ابن الجوزي المذكور، فاختصره، وتعبقه في كتابه سماه (اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة) ثم عمل ذيلًا ذكر فيه أحاديث موضوعة فاتت ابن الجوزي، وأفرد أكثر المواضع المتعقبة بكتاب سماه (النكت البديعات) وهذا كتاب لخصت فيه هذه المؤلفات بحيث لم يبقَ لمحصله إلى ما سواه التفات، وبالغت في اختصاره وتهذيبه، إلى آخره.
إذن: الكتاب في الأحاديث الموضوعة، أي: في جمعها، مؤلفه ابن عرّاق جمع في كتابه بين كتب هي:
- 1. (الموضوعات) لابن الجوزي، نحن تكلمنا عن كتاب الموضوعات لابن الجوزي.
- كتاب (اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة).
ثم الكتاب الثالث (ذيل اللآلئ المصنوعة) هو كتاب زاد فيه السيوطي أحاديث موضوعة على ما ذكره ابن الجوزي، يعني: (الموضوعات) لابن الجوزي كتاب معروف تكلمنا عنه قبلُ، العلاقة بين كتب السيوطي وبين كتاب ابن الجوزي أن السيوطي كتب كتاب (اللآلئ المصنوعة) تعقب فيه ابن الجوزي يعني: أحيانًا يخالفه كما ذكرنا قبل حول كلامنا عن (اللآلئ المصنوعة) فأصل كتاب (اللآلئ المصنوعة) هو (الموضوعات) ولكن قد يختلف مع ابن الجوزي في الحكم على بعض الأحاديث فتعقبه، ثم السيوطي له (اللآلئ المصنوعة)، ثم هناك أحاديث موضوعة ابن الجوزي لم يذكرها في كتابه فأفرد لها السيوطي مؤلفًا جمع فيها الأحاديث الموضوعة التي لم يذكرها ابن الجوزي، وهو كتاب (ذيل اللآلئ المصنوعة).
كان السيوطي قد أفرد هذه التعقبات التي تعقب فيها ابن الجوزي بكتاب سماه (التعقبات) أو (التعقيبات) أو (النكت البديعات) كما ذكرنا في اسمه، ونحن تعرضنا بالدارسة لهذا الكتاب.
إذن السيوطي له ثلاثة كتب: (اللآلئ المصنوعة) (ذيل اللآلئ المصنوعة) وموضوع (الذيل) أنه ذكر فيه أحاديث لم يذكرها ابن الجوزي في موضوعاته، ثم كتاب (التعقبات) أو (النكت البديعات) التي أفرد فيها تعقباته على ابن الجوزي في الموضوعات.
ابن عرَّاق جمع هذه الكتب أو بين هذه الكتب الأربعة، بين كتاب (الموضوعات) لابن الجوزي، وبين كتاب (اللآلئ المصنوعة) وكتاب (ذيل اللآلئ المصنوعة) وكتاب (التعقبات) أو (النكت البديعات) طبعًا الثلاثة الأخيرة للسيوطي، وكتاب ابن الجوزي.
إذن: كتاب ابن عراق في الأحاديث الموضوعة جمع فيه بين هذه الكتب الأربعة.
اسم الكتاب (تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة) وهذه تسمية المؤلف لكتابه، قال في مقدمته:وسميته (تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة) والله المسؤول أن يجعله خالصًا لوجه الكريم، وأن ينفعني به، ومن طالعه بنية صادقة وقلب سليم.
إذن: موضوع الكتاب جمع الأحاديث الموضوعة، جمع فيه ابن عرَّاق بين كتب الأربعة ذكرناها، واسم الكتاب (تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة) وهي تسمية المؤلف للكتاب.
ننتقل الآن إلى نسبة الكتاب إلى صاحبه: هل كتاب (تنزيه الشريعة) فعلًا من تأليف ابن عراق؟
هناك مصادر عديدة عزت الكتاب إلى ابن عرَّاق، نسبه إليه إسماعيل باشا البغدادي في (هدية العارفين)، وهو يذكر مصنفاته، فذكر من بينها (تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة) بهذه التسمية، وذكره في (أبجد العلوم) قال: له تصانيف مفيدة منها كتاب (تنزيه الشريعة عن الأحاديث الموضوعة) هكذا ذكره مختصرًا، لخصه تلميذه الشيخ -رحمه الله- السندي، وهو في غاية اللطف بالاختصار.
وذكره في (كشف الظنون) سماه (تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة) للشيخ أبي الحسن علي بن محمد بن عرَّاق الكناني المتوفى سنة 963، أوله الحمد لله الذي مَنَّ بتنزيهه الشريعة، جمع فيه بين موضوعات بين الجوزي والسيوطي، ورتبه على ترتيبهما، وأهداه إلى السلطان سليمان خان العثماني، أيضًا ذكره الزركلي في (الأعلام) فقال: له (تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة) طبع في مجلدين في الحديث أتم تأليفه بمصر سنة 954 وأهداه إلى السلطان سليمان العثماني، هنا فائدة جديدة: أنه بيَّن أنه أتم تأليفه بمصر، وأن ذلك كان في سنة 954 هجرية، هذا كلام (الأعلام)، وذكره الكتاني في (الرسالة المستطرفة) فقال: ولأبي الحسن علي بن محمد بن عرَّاق الكناني المتوفى سنة ثلاث وتسعين وثلاث وستين وتسعمائة كتاب جمع فيه بين موضوعات ابن الجوزي والسيوطي، ورتبه على ترتيبهما، وأهداه إلى السلطان سليمان خان سماه (تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة).
كل هذه المصادر تؤكد نسبة الكتاب إليه، بالإضافة إلى ما ذكره هو عن كتابه، وكلها أجمعت -كما رأينا- على تسميته، بأنه (تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة) إلا صاحب (أبجد العلوم) ذكره مختصرًا باسم (تنزيه الشريعة عن الأحاديث الموضوعة) هذا من ناحية نسبة الكتاب إلى مؤلفه -رحمه الله تعالى.
منهج الإمام ابن عرَّاق في كتابه (تنزيه الشريعة):
ابن عراق وضع لكتابه مقدمةً، تضمنت فصولًا فيها فوائد نفيسة جدًّا، ومن فصولها بدأ ببيان سبب تأليف الكتاب، ثم بين منهجه في الكتاب، ثم ذكر اسم الكتاب، ثم كتب عدة فصول نفيسة جدًّا عن أمارت الوضع وعلاماته، وبم يعرف؟ ثم تكلم عن أصناف الوضاعين وتضمنت في طياتها الكلام عن أسباب الوضع، كل في حوالي سبعة عشرة صفحة تقريبًا.
ثم انتقل إلى ذكر أسماء الوضاعين مرتبة على حروف المعجم، فوصلوا إلى أكثر من ألفين، واستغرق ذكر أسماء الوضاعين حوالي 115 صفحة تقريبًا من الكتاب، وهو في طريقته في ذكر الأسماء لا يطيل كثيرًا في الترجمة، إنما يحدد الاسم بدقة، ويستعين بأقوال العلماء في هذا، ثم يذكر في الأغلب من نسبه إلى الوضع، وقد يذكر بعض الأحاديث التي من وضعها.
سنضرب أمثلة بهذه النقطة، مثلًا: في أول تراجم الكتاب أبان بن جعفر النجرمي عن محمد بن إسماعيل الصايغ قال ابن حبان: كذاب وضع لأبي حنيفة أكثر من ثلاثمائة حديث. قال الحافظ ابن حجر: صحَّفه ابن حبان وإنما هو إباء بهمزة لا بنون، وخفف الباء الخطيب، إباء، وقال ابن ماكولا هو بالتشديد والقصر إبّا.
هو هنا نقل كلام ابن حبان في تكذيبه، وأنه وضع ثلاثمائة حديث عن أبي حنيفة، وذكر أقوال العلماء في ضبط الاسم، ونقل عن ابن حجر أن ابن حبان صحف اسمه، وقال: أبان، وإنما هو إباء بالهمزة لا بالنون، وخفف الباء الخطيب، فقال: إباء، وابن ماكولا قال بالتشديد والقصر إبَّا، يعني: مغير همزة مد وبتشديد الباء.
مثال آخر: أبان بن أبي عياش متروك، اتهم بالكذب، لم يذكر فيه غير ذلك، ولم نجده في أقوال العلماء، يعني: منهج متعدد.
إبراهيم بن أحمد الحراني الضرير، هو إبراهيم بن أبي حميد، قال أبو عروبة: كان يضع الحديث، هنا نقل عن ابن أبي عروبة.
خلف بن محمد بن إسماعيل أبو صالح البخاري الخيام، اتهمه ابن الجوزي بوضع الحديث، نقل عن ابن الجوزي.
خلف بن يحيى الخراساني، قال أبو حاتم: كذاب نقل عن ابن أبي حاتم، نقل ابن حبان عن ابن أبي عروبة، عن ابن الجوزي، عن أبي حاتم.
راشد بن معبد عن أنس قال الحاكم ابن حبان: روى أحاديث موضوعة.
الربيع بن محمود المرديني دجال مفترٍ، ادعى الصحبة والتعمير، يعني عمر في سنة تسع وخمسين وخمسمائة أي: بعد 600 سنة تقريبًَا ادعى الصحبة، يقول عنه: الربيع بن محمد بن محمود المرديني دجال مفتر ادعى الصحبة والتعمير، نحن قد ذكرنا قبل أن العلماء جعلوا آخر عصر الصحابة سنة 110 هجرية بالدليل الصحيح الموجود في الصحيحين، أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم أنه لن يعيش أحد من الموجودين على ظهر الأرض في الوقت الذي كان يحدثهم أكثر من مائة سنة، وعند مسلم زيادة من طريق جابر بن عبد الله رضي الله عنه: “أن ذلك كان قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بشهر”.
يقول أيضًا: عبد السلام بن عمرو بن خالد مصري أتى عن أبيه بموضوعات في فضل الإسكندرية، هنا ذكر موضوع الوضع أو مجال الوضع الذي وضع فيه الأحاديث في فضل الإسكندرية، وإن لم يذكر مصدرًا.
غياث بن إبراهيم النخعي قال أحمد وغيره: كان كذوبًا، نقل عن الإمام أحمد، وقال الجوزجاني: سمعت غير واحد يقول: كان يضع الحديث، وهو صاحب قصة الحمام مع المهدي لما دخل عليه زاد في حديث: “لا سبق إلا في نصل في خف أو حافر أو حمام” يرضي المهدي الذي كان يلعب بالحمام، وهذا أيضًا ذكرناه عند كلامنا عند الوضع وأسبابه.
محمد بن أحمد بن علي بن الحسين بن شاذان: دجال، وضع أحاديث كثيرة في فضل علي، هنا حدد أيضًا مجال الوضع، وأنه في مناقب علي رضي الله عنه.
يوسف بن خالد السمتي السمني قال ابن معين: كذاب زنديق، نقل عن ابن معين.
يحيى بن الحسين العلوي رافضي متأخر، اتهم بوضع حديث في أن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة وجدّه، أيضًا بين الحديث الموضوع: “أن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة” وأن الذي وضعه رافضي متأخر.
يحيى بن الحسن العلوي، أيضًا الأول هذا كان بن الحسين هذا بن الحسن بن العلوي أقدم من الذي قبله قال في (اللسان) وجدت له خبر موضوع في فضل البطيخ، فهو نقل عن (اللسان) هنا موضوع الحديث الموضوع، أو وضع في فضل البطيخ.
تراجم الكتاب أو تراجم الوضاعين ليست هي اللباب في حديث في كتاب (تنزيه الشريعة المرفوعة) نتعرض له لأنها استغرقت أكثر مائة صفحة، ترجم فيها أو ذكر فيها كل الوضاعين، نقلًا عن الكتب، هذه التراجم، لو أردنا أن نحدد لها السمات نجده مثلًا: قد رجع إلى كل كتب الرجال تقريبًا من المتقدمين ومن المتأخرين، وكل كتب الموضوعات، وأسماء الوضاعين رجع إلى (الكامل) لابن عدي و(المجروحين) لابن حبان و(الأباطيل) للجوزجاني، ورجع إلى كتب الحاكم كلها، وإلى كتب البيهقي، وإلى كتب الدارقطني، وإلى كتب الخطيب، و(الضعفاء) للعقيلي، وكتب أبي نعيم، والتواريخ للبخاري، وكتاب ابن أبي حاتم، وغيرها، وكل كتب ابن حجر، والذهبي، يعني: في (الميزان) و(المغني) و(الضعفاء) وكتب السيوطي، وكتب ابن الجوزي، والنقول واضحة جًّدا، وهذا ثراء علمي عظيم، جزاه الله على ذلك خيرًا عظيمًا وجعله في ميزان حسناته.
وهذه التراجم تراجم مختصرة ، نعم لم يذكر معلومات كثيرة، لكن حدد أقوال العلماء في صفاتهم في الاتهام بالوضع، ثم إنهم وصلوا إلى أكثر من ألفين.
أيضًا: هذه التراجم لم تخل من بعض الفوائد الطيبة؛ مثلًا: في ترجمة إبان هذا بن سفيان المقدسي، قال: قلت أي: ابن عرَّاق: قولهم: فلان له بلايا أو هذا الحديث من بلايا فلان، قال الحافظ برهان الدين الحلبي: هو كناية عن الوضع فيما أحسب؛ لأن البلية هي المصيبة. انتهى.
إذن: قولهم: له بلايا أو هذا من بلايا فلان تعني الوضع، أما قولهم: “له طامات وأوابد ويأتي بالعجائب” فلا أدري هل يقتضي يعني: هذا القول اتهام المقول فيه ذلك بالكذب أم لا؟ يعني: هل يفيد هذا الاتهام بالكذب أم لا؟
يقول: وقد سألت بعض أشياخي عن ذلك فلم يفدني فيه شيئًا، نعم، رأيت الحافظ ابن حجر قال في بعض من قيل فيه ذلك: إنه لم يُتهم بكذب.
من الفوائد أيضًا: ما ذكر في ترجمة إبراهيم بن محمد الآمدي الخواص الزاهد، قال بن طاهر: أحاديثه موضوعة، قال ابن حجر: هو ينقل هنا عن العلماء، أنا عندي اسم محمد بن إبراهيم الآمدي الخواص الزاهد، هو خواض زاهد، إبراهيم بن طاهر يقول عنه: أحاديثه موضوعة، يقول الحافظ ابن الحجر: ينقل ابن عراق عن الحافظ ابن حجر: وليس هو الزاهد المشهور، ذاك اسمه أحمد يعني: إبراهيم بن أحمد بن خواص هذا من الصالحين، وهو ثقة كما قال ابن الجوزي، لكن يقصد محمد بن إبراهيم الخواص الآمدي الذي معنا هذا، فهذه أيضا من الفوائد التي حددت الفرق بين شخصين.
نعود إلى بعض نقاط المقدمة، وفيها فوائد، هو يقول في مقدمة الكتاب: الحمد لله الذي منّ بتنزيه الشريعة عن كل حديث مفترى، وهتك حجاب الكاذب عليها فلا يلقى ساقطًا مزدرى، أحمده وأشكره، وأدعوه واستغفره، وألوذ به معتصمًا ومنتصرًا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة لا شك فيها، ولا امترا، وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله المبعوث بالحق بشيرًا ومنذرًا -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه- سادة الورى وأئمة الأمصار والقرى، ما غبر جيوش الحق أو ما غبر جيوش الحق في وجوه المبطلين حتى رجع القهقرى، وبعد: فإن من المهمات عند أهل العلم والتقى معرفة الأحاديث الموضوعة على سيد المرسلين تُتَّقى، وللإمام الحافظ أبي الفرج بن الجوزي فيها كتاب جامع إلا أن عليه مؤاخذات ومناقشات في مواضع، وقد اعتني شيخ شيوخنا الإمام الحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر الأسيوطي بكتاب ابن الجوزي المذكور، فاختصره، وتعقبه في كتاب سماه (اللآلئ المصنوعة) في الأحاديث الموضوعة، ثم عمل ذيلًا ذكر فيه أحاديث موضوعة، فاتت ابن الجوزي، وأفرد أكثر المواضع المتعقبة بكتاب سماه (النكت البديعات).
وهذا يعني: أنه يتكلم عن ثلاثة كتب للسيوطي، بالإضافة إلى كتاب ابن الجوزي، ثم يقول: وهذا كتاب لخصت فيه هذه المؤلفات، بحيث لم يبقَ لمحصله إلى ما سواه التفات، وبالغت في اختصاره، وتهذيبه، وتابعت (اللآلئ) في تراجمه، وترتيبه، وجعلت كل ترجمة غير كتاب (المناقب) في ثلاثة فصول.
ثم قال: وقدمت قبل الخوض في المقصود فصولًا نافعة في معرفة مقدار هذا الفن لطالبيه، وسميته (تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة) والله المسئول أن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعني به، وأن ومن طالعه بنية صادقة وقلب سليم، ثم بدأ فصلًا في حقيقية الموضوع، وأمارته، وحكمه، يعني: يعرّف الموضوع، ويعرّف حكمه، ويعرف أمارته.
يقول: الموضوع لغة: اسم مفعول من وضع الشيء يضعه بالفتح، وضعًا يعني: حطه وأسقطه، يعني يعرف الحديث الموضوع في اللغة وفي الاصطلاح.
يقول: واصطلاحًا: هو الحديث المختلق المصنوع مأخوذ من المعنى الأول إلى آخره، وله أمارات، يعني: عرف الموضوع لغة واصطلاحًا، قال وهو شر أنواع الضعيف، يعني: جعله من أنواع الضعيف، يقول: وله أمارات، منها: إقرار واضعه بوضعه، كحديث فضائل القرآن، اعترف بوضعه ميسرة بن عبد ربه، فيرد حديثه وسائر مروياته، هنا يبين حكمًا طيبًا يقول: فيرد حديثه ذلك، أي: الذي وضعه، وسائر مروياته.
ثم يناقش قضية هل إقرار المقر بالوضع نصدقه في إقراره أو هو معاقبة له، ينتهي أنه معاقبة له على إقراره كما يؤاخذ الشخص باعترافه بالزنا وبالقتل ونحوه، إلى آخره.
هو يناقش قضية هنا كنا قد تعرضنا لها -ونحن نتكلم عن الوضع- يعني: هل نحن نعاقب الوضاع بإقراره أو نثق في إقراره فينتهي إلى أنه: لا نثق في إقراره، وإنما نعاقبه بإقراره.
يقول: ومن أدلة الوضع أيضًا قرينة في حال الراوي، كقصة غياث بن إبراهيم النخعي مع المهدي -هي في ذكر الجناح كما ذكرنا قبل- ومنها قرينة في المروي كمخالفته لمقتضى العقل بحيث لا يقبل التأويل؛ الحقيقية عبارات تحتاج إلى شرح. ونحن قد توقفنا عندها كثيرًا.
أيضًا من العلامات الدالة على الوضع إقرار الواضع أو ما يتنزل منزلة إقراره؛ يكذبه التاريخ إلى آخره، ومنها أنه يصرح بتكذيب راويه، ومنها في قرينة الحال مثل: غياث بن إبراهيم لما وضع الحديث للمهدي على الحال، ثم انتقل لعلامات تتعلق بالوضع بالنسبة للمتن.
من العلامات التي تتعلق بالمتن منها: أن يكون الأمر يعم المسلمين أو يهم المسلمين جميعًا، ثم نجد أنه لم يروه إلا واحدًا: مثل حديث الوصية لعلي، وأنهم عائدون من حجة الوداع أو من فتح مكة، ثم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم عليًّا، ويقول: هذا وصيي من بعدي، ثم لا يروي ذلك الصحابة الذين حضروا هذه الواقعة.
ثم أيضًا من هذه القرائن: ركاكة اللفظ والمعنى، وينقل عن الحافظ ابن حجر: أن المدار على ركة المعنى، فحيث وجدت دلت على الوضع سواء أن ضم إليها ركة اللفظ أم لا؟ فإن هذا الدين كله محاسن، والركة ترجع إلى الرداءة، فبينها وبين مقاصد الدين مبايَنة.
يقول: ركة اللفظ أو ركاكة اللفظ وحدها لا تدل على ذلك؛ لاحتمال أن يكون الراوي رواه بالمعنى، فعبر بألفاظ غير فصيحة من غير أن يخل بالمعنى، نعم إن صرح الراوي بأن هذا اللفظ هو لفظ النبي صلى الله عليه وسلم دلت ركة اللفظ على الوضع… إلى آخره، وهو في ثنايا ذلك ينقل فوائد طيبة جدًّا لو وقفنا معها تحتاج إلى شرح طويل.
أيضًا يقول: من قرائن الوضع في المتن: أن يروي الخبر في زمن قد استقرئت فيه الأخبار، ودونت، فيفتش عنه، فلا يوجد في صدور الرجال ولا في بطون الكتب، ينقل عن الحافظ العلائي: أن الذي يقوم بهذا التفتيش الحافظ الكبير الذي أحاط حفظه بجميع الحديث أو معظمه كالإمام أحمد وعلي بن المديني ويحيى بن معين، ومنبع لهم كالبخاري وأبي حاتم، وأبي زرعة، ومن دونهم كالنسائي ثم الدارقطني؛ لأن المآخذ التي يحكم بها غالبًا على الحديث بأنه موضوع إنما هي جمع الطرق، والاطلاع على غالب المروي في البلدان المتنائية، بحيث يعرف بذلك ما هو من حديث الرواة مما ليست من حديثهم، وأما من لم يصل إلى هذه المرتبة فكيف يقضي بعدم وجدانه للحديث بأنه موضوع؟ هذا مما يأباه تصرفهم.
يستفيد ابن عرّاق من فائدة الاستطراد؛ يقول: فاستفدنا من هذا أن الحفاظ الذين ذكرهم، واضطرابهم إذا قال أحدهم في حديث لا أعرفه أو لا أصل له كفى ذلك في الحكم عليه بالوضع.
أيضًا: نقل عن السيوطي في (تدريب الراوي) ومن الأمارات: كون الراوي رافضيًّا والحديث في فضائل البيت، يزيد ابن عراق أو في ذم من حاربهم، أي: ليس في فضائله فقط، إن كان الحديث في ذم من حاربهم، فربما كان ذلك دليلًا على وضع الحديث.
أيضًا روى عن بعض شيوخه أن من أمارة الموضوع أن يكون فيه: “وأعطي ثواب نبي أو النبيين” ونحوهما، يعني: لا يمكن لرجل أن يحصل على ثواب نبي أو على مجموعة من النبيين، وقد تعرضنا لأمثلة من ذلك قبل هذا.
يناقش قضية هل يثبت الوضع بالبينة؟ كأن يرى عدلان مثلًا رجلًا يصنف كلامًا ثم ينسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال الزركشي: يشبه أن يجيء في اطراد في أن شهادة الزور هل تثبت بالبينة مع القطع بأنه لا يعمل بها؟ يعني هو هنا يتردد في البينة، لكن يقينًا لا يعمل بالحديث، وهذا هو الذي يهمنا.
بعد أن فرغ من علامات الوضع بين حكم الموضوع، وأنه تحرم روايته في أي معنى من المعاني: فضائل مناقب في أي معنى كان بسند أو بغيره مع العلم بحاله إلا مقرونًا بالإعلام بأنه موضوع، يعني: لا تجوز رواية الحديث الموضوع أبدًا في أي موضوع من من موضوعات الشرع، أيًّا كان، هو يؤكد على هذا؛ لأن هناك من أجاز في الفضائل، لا، الدين كله واحد، وهذا أيضًا أمر تكلمنا فيه كثيرًا.
يقول: وحكم الموضوع أن تحرم روايته في أي معنى بسند أو غيره مع العلم بحاله إلا مقرونًا بالإعلان بأنه موضوع، وكذا مع الظن يعني: حتى لو لم تقل إلى درجة القطع بأنه موضوع، فلو غلب على ظنك بأنه موضوع أيضًا تحرم روايته وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من حدَّث عني بحديث يُرى أنه كذب)) أو ((يَرى)) لعله ((يَرى)) هنا بمعنى: يظن وقد تأتي يعلم ((فهو أحد الكاذبِين أو الكاذبَين)) رواه مسلم في مقدمته، وقوله: ((يُرى)) بالضم هو يرى، بمعنى: يظن.
إذن: سواء تيقنت أن الحديث موضوع أو أن ظننت بمعنى: غلب على ظننك أنه موضوع فيغلب، فيحرم عليك في كل الأحوال أن ترويه إلا مقرونًا ببيان حاله، ولا عذر في ذلك أيَّا كان موضوع الحديث سواء رويته بسنده أو بدون سند، ما دمت قد علمت أنه موضوع.
ثم عقد فصلًا ناقش فيه أن هناك أقوامًا أنكروا الوضع بالكلية، وهم الكرَّامية ورد عليهم، وردَّ ابنُ كثير عليهم.
ثم انتقل إلى فصل ذكر فيه أنه صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار)) ثم جعل يسرد الألفاظ التي وردت فيها هذه الروايات.
ثم انتقل إلى فائدة طيبة، يقول: قال السيف أحمد بن أبي المجد: أطلق ابن الجوزي الوضع على أحاديث لكلام بعض الناس في رواتها كقوله: فلان ضعيف، وهو ليس بالقوي، ونحوه، وليس ذلك الحديث مما يشهد القلب ببطلانه، ولا فيه مخالفة لكتاب الله ولا سنة ولا إجماع، ولا ينكره عقل، ولا نقل ولا حجة معه لوضعه سوى كلام ذلك الرجل في رواته، وهذا عدوان ومجازفة، هو كلام السيف أبي المجد. انتهى نقله. شيخ شيوخنا العلامة محدث الشام شمس الدين السخاوي في (شرح التقريب) وقال عقبه -هذه فوائد طيبة-: بل مجرد اتهام الراوي بالكذب مع تفرده لا يسوغ الحكم بالوضع، ولذا جعله شيخنا -يعني: الحافظ ابن حجر- نوعًا مستقلًّا وسماه المتروك، وفسره بأن يرويه من يتهم بالكذب، ولا يعرف ذلك الحديث إلا من جهته، ويكون مخالفًا للقواعد المعلومة، قال: وكذا من عرف بالكذب في كلامه، وإن لم يظهر وقوعه منه في الحديث، وهو دون الأول.
إذن: هو يناقش هنا قضية من اتهم بالكذب وانفرد بحديث، هل مجرد اتهامه يجعلنا نقول: إنه كذاب، يقول لا. يعني: لا يكفي ذلك إذا انفرد بالرواية مع اتهامه بالكذب، فليس هذا دليلًا على وضع الحديث، فما بالنا إذا قيل في الراوي: إنه ضعيف أو ليس بالقوي ونحوها، وذلك مما عابوه على ابن الجوزي في كتابه، إلا إذا انضمت قرينة تقتضي وضعه، كما صرح بذلك الحافظ العلائي وغيره.
ثم انتقل إلى فصل جديد تكلم فيه عن الوضاعين، وهم أصناف؛ يتكلم عن الصنف والدافع إليه، يقول:
الصنف الأول: الزنادقة، وهم السابقون إلى ذلك، أي: الوضع، والهاجمون عليه، حملهم على الوضع الاستخفاف بالدين، والتلبيس على المسلمين، كعبد الكريم بن أبي العجوجاء، ومحمد بن سعيد المصلوب والحارس الكذاب، إلى آخره.
الصنف الثاني: أصحاب الأهواء والبدع، وضعوا أحاديث نصرة لمذاهبهم. يبين هنا سبب الوضع: نصرة لمذاهبهم أو سلبًا لمخالفيهم، ثم نقل بعض الروايات.
الصنف الثالث: قوم اتخذوا الوضع صناعة وتسوقًا وجراءة على الله ورسوله.. إلخ.
الصنف الرابع: قوم ينسبون إلى الزهد، حملهم التدين الناشئ عن الجهل على وضع أحاديث في الترغيب والترهيب؛ ليحثوا الناس بزعمهم على الخير، ويزجروهم عن الشر، وقد جوز ذلك الكرَّامية، وكذا بعض المتصوفة، كما قال الحافظ ابن حجر؛ قال حجة الإسلام الغزالي: وهذا من نزغات الشيطان؛ ففي الصدق ممدوحة عن الكذب، وفيما ذكر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم غنية عن الاختراع في الوعظ؛ وقال شيخ الإسلام النووي: خالفوا في ذلك إجماع المسلمين الذين يعتد بهم على تحريم تعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لخبر: ((من كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار)) بل بالغ الشيخ محمد أبو محمد الجوني فكفر به، أي: بالوضع في الحديث.
ونقل الحافظ عماد الدين ابن كثير، عن أبي الفضل الهمذاني شيخ ابن عقيل من الحنابلة أنه وافق الجويني على هذه المقالة، وقال الحافظ الذهبي في كتاب الكبائر له: ولا ريب أن تعمد الكذب على الله تعالى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريم حلال، أو تحليل حرام، كفر محض، وإنما الشأن في الكذب عليهما فيما سوى ذلك، والله أعلم.
ولا يلتف إلى ما تعلقوا به من الشبه الباطلة في تأويل هذا إلى آخره، يعني: في تأويلهم: ((من كذب عليّ)) قالوا: نحن كذبنا له، ولم نكذب عليه، ونحن قد تعرضنا لهذه القضية قبلُ.
الصنف الخامس من الوضاعين: أصحاب الأغراض الدنيوية؛ كالقصاص، والشحاذين، وأصحاب الأمراء، وأمثلة ذلك كثيرة، إذن هنا يذكر القصاص، والشحاذين، وأصحاب الأمراء، وأن الذي يدفعهم إلى ذلك هو الرغبة في النوال، وفي العطاء، وذكر أمثلة على هذا.
أيضًا الصنف السادس: قوم حملهم الشره، ومحبة الظهور على الوضع، فجعل بعضهم لذي الإسناد الضعيف في إسناد صحيح مشهورًا، وجعل بعضهم للحديث إسنادًا غير إسناده المشهور؛ ليستغرب، ويطلب، إلى آخره.
والصنف السابع: قوم وقع الموضوع في حديثهم، ولم يتعمدوا الكذب، كمن يَغلط، فيضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم كلامَ بعض الصحابة، أو غيرهم، وكمن ابتلي بمن يدس في حديثه ما ليس منه، كما وقع لحماد بن سلمة مع ربيبه عبد الكريم بن أبي العوجاء، وكما وقع لسفيان بن وكيع مع وراقه قرطمة، ولعبد الله بن صالح كاتب الليث مع جاره؛ وكمن تدخل عليه آفة في حفظه، أو في بصره، أو في كتابه، فيروي ما ليس من حديث غالطًا.
قال ابن الصلاح: وأشد هذه الأصناف ضررًا أهل الزهد؛ لأنهم للثقة بهم، وتوسم الخير فيهم، يقبل موضوعاتهم كثير مما هو على نمطهم، في الجهل، ورقة الدين؛ كل هذه فوائد طيبة جدًّا، قال الحافظ ابن حجر: ويلتحق بالزهاد في ذلك المتفقهة الذين استجازوا نسبة ما دل عليه القياس إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم انتقل إلى فصل طيب، فحواه أن الوضاعين، أو أي واحد لما لم يمكنه أن يزيد في القرآن الكريم اتجه أقوام إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم يضعون عليه ما لم َيقُل؛ وهذا الوضع بفضل الله عز وجل أنشأ الله به علماء يذبون عن النقل، ويوضحون الصحيح، ويفضحون القبيح، وما يخلي الله منهم عصرًا من الأعصار.
ونقل بعض الأقوال في ذلك مثل قول سفيان الثوري: الملائكة حراس السماء، وأصحاب الحديث حراس الأرض، وقال يزيد بن زريع: لكل دين فرسان، وفرسان هذا الدين أصحاب الأسانيد، وروينا عن ابن مبارك أنه قيل له: هذه الأحاديث الموضوعة، فقال: تعيش لها الجهابذة، وذكر الحافظ الذهبي في (طبقات الحفاظ) أن الرشيد أخذ زنديقًا ليقتله فقال الزنديق: أين أنت من ألف حديث وضعته؟ فقال: أين أنت يا عدو الله، من أبي إسحاق الفزاري، وابن المبارك ينخلانها، فيخرجانها حرفًا حرفًا، وقال ابن قتيبة في كتاب (اختلاف الحديث) يمدح أهل الحديث: التمسوا الحق من وجهته، وتتبعوه من مظانه، وتقربوا إلى الله باتباعهم سَنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلبهم لأخباره برًّا، وبحرًا، وشرقًا، وغربًا، ولم يزالوا في التنقيب عنها، والبحث لها، حتى عرفوا صحيحها، وسقيمها، وناسخها، ومنسوخها، وعرفوا من خالفها إلى الرأي، فنبهوا على ذلك، حتى نجم الحق، وبسق -أي: ظهر- بعد أن كان دارسًا، واجتمع بعد أن كان متفرقًا، وانقاد للسنة من كان عنها معرضًا، وتنبه عليها من كان غافلًا، إلى آخر ما قال.
وخلاصة الفصل أنه بفضل الله عز وجل هيأ الله عز وجل للسنة المشرفة من يدافع عنها، ويذب عنها، يَرُدَّ شبه المبطلين، وكيد الكائدين؛ والحمد لله رب العالمين أن السنة وصلت لنا نقية جلية واضحة كما ذكرنا.
بعد أن فرغ ابن عرَّاق من هذه المقدمات، انتقل إلى الفصل الخاص بأسماء الوضاعين، وكنا قد تعرضنا له، هذه المقدمات التي وضعها في كتابه فيها نفائس كثيرة جدًّا تكتب بماء الذهب -جزاه الله عنها خيرًا- وبعد أن فرغ منها -كما ذكرنا- انتقل إلى الكلام عن أسماء الوضاعين، ذكر أكثر من ألفي وضاع، من منهج الذي حددناه، وضربنا أمثلة عليه.
باقي ملامح منهج ابن عرَّاق في كتابه (تنزيه الشريعة):
نعود إلى باقي ملامح منهج ابن عَرَّاق في (تنزيه الشريعة) بعد أن فرغ ابن عرَّاق من ذكر الوضاعين، انتقل إلى الأحاديث الموضوعة وهي لب الكتاب؛ ابن عراق في ترتيبه لهذا قسم الكتاب إلى كتب؛ كتاب التوحيد، كتاب الصدقات… إلى آخره، لم يضع تحت هذه الكتب أبوابًا، يعني: يذكر الكتاب، ثم يقسمه تقسيمًا آخر، الكتاب الوحيد الذي قسمه إلى أبواب هو كتاب المناقب؛ كأنه نظر إلى كل باب من أبوابه على أنه كتاب مستقل، كتاب المناقب مثلًا، الباب الأول منه ما يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم ثم انتقل إلى الباب الذي بعده وهو باب مناقب الخلفاء الأربعة؛ انتقل إلى مناقب السبطين، إلى آخره.
أنا أتصور -والله أعلم- أن سبب هذا التقسيم الخاص لكتاب المناقب إلى أبواب هو طول كتاب المناقب، وتعدد موضوعاته، التي جعلها أبوابًا، فكأن كتاب المناقب في حد ذاته ينقسم إلى أبواب متعددة؛ لأن كل باب منها يصلح أن يكون كتابًا، جعلها أبوابًا؛ باب خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم بالخلفاء الأربعة، بالبلدان، بغير ذلك، وجاء هذا الكتاب في حوالي 168 صفحة تقريبًا، وهو كتاب المناقب، ولعله من أطول الكتب عنده في كتابه.
أما طريقته بعد ذلك: فهو يذكر الكتاب، ثم يقسمه إلى ثلاثة فصول، ليس إلى أبواب، إلى ثلاثة فصول؛ في الفصل الأول: يذكر الأحاديث التي ذكرها ابن الجوزي، ولم تُتعقب عليه، في الفصل الثاني: يذكر الأحاديث التي ذكرها ابن الجوزي، وتعقبها السيوطي عليه، في الفصل الثالث: يذكر الأحاديث الموضوعة التي لم يذكرها ابن الجوزي، وذكرها السيوطي عليه في الذيل على (اللآلئ).
كل كتاب من كُتب كتاب (تنزيه الشريعة المرفوعة) بهذا التقسيم؛ سنضرب بعض الأمثلة، ونوضح بالدليل، إنما هذه طريقة تقسيمه؛ كتاب التوحيد، الفصل الأول: ما مضمون الفصل الأول؟ الأحاديث التي حكم عليها ابن الجوزي بالوضع، ولم ينازِع فيها، الفصل الثاني: الأحاديث التي حكم عليها ابن الجوزي بالوضع، وتعقبه السيوطي فيها، الفصل الثالث: الأحاديث التي ذكرها السيوطي في ذيل (اللآلئ المصنوعة) يعني: لم يذكرها ابن الجوزي، حتى كتاب المناقب الذي قسمه إلى أبواب -كما ذكرنا- كل باب قسمه إلى ثلاثة فصول، بنفس التقسيم الذي ذكرناه في الكتب، غاية ما في الأمر أنه لاتساع كتاب المناقب قسمه إلى أبواب، ثم قسم كل باب إلى نفس الفصول الثلاثة؛ الفصل الأول فيما ذكره ابن الجوزي ولم يخالف في الحكم بوضعه، الفصل الثاني فيما ذكره، وتعقبه السيوطي، الفصل الثالث فيما ذكره السيوطي في زياداته على ابن الجوزي؛ هذا من ناحية التقسيم.
وإذا انتقلنا إلى طريقة عرضه للأحاديث، هو هنا أولًا لا يذكر إسناده، يعني: يذكر الحديث في الفصول الثلاثة، لا يذكر إسناده، لا يذكر كلام ابن الجوزي، أو كلام السيوطي بنصه، إنما يلخصه، ويذكر مضمونه.
السيوطي لا يذكر أيضًا طرقًا للحديث، يعني: هو لا يذكر أسانيد، لو رجعنا، وتذكرنا دراستنا لكتب ابن الجوزي والسيوطي نجد أن ابن الجوزي يذكر الأحاديث بإسناده، بل بأسانيده؛ لأنه يذكر طرقًا متعددة للأحاديث، والسيوطي أيضًا يذكر الأحاديث بالأسانيد، غاية ما في الأمر أن الفرق بين السيوطي وبين ابن الجوزي في هذه المسألة -كما ذكرنا- أن السيوطي كان لا يذكر إسناد ابن الجوزي كاملًا؛ إنما يدخل على الإسناد من أول صاحب الكتاب؛ ابن الجوزي وغيره ينقلون من الكتب من (الكامل) أو من غيره، فكان السيوطي ينتقل إلى كتاب مثلًا، يقول: الكامل عدَّ مثلًا الرمز الذي وضعه له، ويذكر إسناد الكامل، يذكر إسناد العقيلي، إلى آخره، لكن الكتابين يشتركان في أن كليهما قد روى الأحاديث بالسند.
أما ابن عرَّاق فلا يذكر الأحاديث بالسند، إنما يقول حديث كذا -وكما قلت- سنضرب أمثلة تطبيقية لهذا، لا يذكر طرقًا للحديث إلا نادرًا، يعني: أحيانًا -كما ذكرنا- في منهج ابن الجوزي أنه كان يذكر عشرات الطرق، يعني: خمسة عشر طريقًا، ستة عشر طريقًا، لراوي واحد، يذكر أولًا الصحابة الذي رووا، ويذكر الطرق التي أخرجت الحديث عن كل صحابي؛ وابن عراق لا يصنع ذلك في كتابه، يذكر محل العلة في الحديث، ثم يذكر بقية الإسناد بعده، يعني: طريقة الذكر يقول: فيه فلان وضاع، ويأتي ببقية الإسناد، لكن لا يأتي بالإسناد كاملًا، كما ذكرنا.
أيضًا له فيها الزيادات، هو مثلًا ذكر في القسم الخاص بالفصل الأول، والفصل الثاني قد يتفق مع السيوطي، وقد لا يتفق، وقد يتفق مع ابن الجوزي، وقد لا يتفق، فهو ليس مجرد ناقل، إنما هو عالم مدقق، يقبل، ويرد، وكل ذلك بالأدلة، حتى في الأحاديث في الفصل الثالث، في الأحاديث التي ذكرها السيوطي زائدة على كتاب ابن الجوزي أيضًا يَتَعَقَّبُ السيوطي، وفي القسم الخاص بالتعقبات الفصل الثاني أحيانًا يتدخل، ويكون تدخله لصالح ابن الجوزي، وأيضًا قد يكون تدخله لصالح السيوطي، يعني: هو يبحث عن الحق، إذا وجد أن الحق مع ابن الجوزي أيده، إذا وجد الحق مع السيوطي أيده، ويزيد عليهما أحكامًا أخرى، وبيان علل الأحاديث للطرق، كل ذلك من ملامح منهجه.
وقبل أن نستطرد مع الأمثلة، نبين أيضًا أن ابن عرَّاق قد اعتمد على مصادر كثيرة جدًّا في جمعه هذا، هو اعتمد على كتاب ابن الجوزي (الموضوعات) وعلى كتاب (العلل المتناهية) له، وعلى تلخيص الذهبي للعلل، وللموضوعات، وعلى كتاب الجوزقاني، وتلخيصه أيضًا للذهبي، وكل كتب الرجال، ليس من حيث التراجم، يعني: نحن ذكرنا كل كتب الرجال، وهو يترجم للوضاعين هنا أيضًا، وهو يستخرج الأحاديث الموضوعة رجع لكل كتب الرجال، ورجع لكل كتب الذهبي، ورجع إلى كل كتب ابن حجر في تخريج أحاديث الرفع، و(تلخيص الحبير) وفي (المطالب العالية) وفي (تسديد القوس) وفي (ظهر الفردوس) إلى آخره، وفي (تخريج الإحياء) للحافظ العراقي، وفي (الأماني) له، وفي (تلخيص الموضوعات) للعلامة ابن درباس، أَثَرُ كل ذلك واضح في كتابه.
ولعلنا في الحقيقة نأخذ درسًا طيبًا، كأناس شرفهم الله بالانتساب إلى العلم، أن نقرأ كل ما يتعلق بالموضوع قبل أن نخوض فيه، أو قبل أن نتكلم عنه، أو على الأقل جلّه إن لم يتيسر الوصول إلى كل ما كتب؛ لأنه لا يليق بعالم في الحقيقة أن يتكلم في موضوع بدون أن يحيط به، وبأقوال العلماء، وبأفهامهم، التي تفتح لنا الأبواب، وتعينه على الفهم الصحيح، وكم من خطأ وقع فيه بعض العلماء لاعتماده على كتاب واحد، قرأ فيه مسألة، ولم يقرأ هل هذا هو الفهم الذي اتفق عليه العلماء، إلى آخره، وأفتى بمجرد ذلك، أو بنى رأيه وحكمه على ذلك، فيقع في الأغلاط، ولا نستطرد بأمثلة، لكنَّ علماءنا يُعطونا القدوة من ذلك.
الحقيقة لم يترك ابن عرَّاق كتابًا للعقيلي، وللأزدي، وحتى التفاسير: ابن مردويه، وابن أبي حاتم، وابن جرير؛ لأنها روت بالأسانيد، ومعاجم الطبراني، وتصانيف الخطيب، وتصاريف ابن شاهين، و(الحلية) و(تاريخ أصبهان) وغيرها من مصنفات أبي نيعم، و(تاريخ نيسابور) وغيره من مصنفات الحاكم، و(الأباطيل) للجوزقاني؛ ولذلك جعل لكل ذلك رموزًا في كتابه؛ علامة اختصار ابن عدي “عد” وابن حبان “حب” وللعقيلي “عق” وللأزدي “فت” ولابن مردويه “مر” وللطبراني “طب” وللدارقطني “قط” وللخطيب “خط” ولابن شاهين “شا” ولابن نعيم “نع” وللحاكم “حا” وللجوزقاني “قا” إلى غيره، وحتى الكتب التي لم يجعل لها رمزًا، ذكرها بالاسم كما سنبين.
وهو لما ذكر أسماء الوضاعين قال: إن ذلك لأمرين:
الأمر الأول: أنه إذا كان في سند حديث من أحاديث هذا الكتاب أحد من المذكورين متفق على تكذيبه؛ فإني أكتفي بقولي بعد تخريج الحديث: فيه فلان؛ طلبًا للاختصار، وهربًا من التكرار، وإن كان غير متفق على تكذيبه، وتركه، ذكرت من وثَّقه.
ثانيًا: لعموم النفع بذلك في غير هذا الكتاب، هو سَرَد أسماء الوضاعين؛ لينتفع بهم من أراد أن ينتفع من طلاب العلم، ليس من أجل كتابه فقط، إنما إذا مر طالب الحديث برجل من هؤلاء في سند حديث؛ يتوقف عن العمل به؛ حتى ينظر إليه، ويبحث عن متابعاته، وشواهده.
ثم ذكر بعد ذلك أسماء الكتب التي رتب عليها الكتاب، والكتب عنده على النحو التالي كما ذكره هو في (تنزيه الشريعة) يقول: كتاب التوحيد، كتاب الإيمان، كتاب المبتدأ، كتاب الأنبياء، والقدماء، كتاب العلم، كتاب فضائل الأنبياء، فضائل القرآن، كتاب السنة، كتاب المناقب والمثالب، وفيه أبواب؛ باب المناقب المصطفوية فيما يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم باب مناقب الخلفاء الأربعة، وقد قلنا: إن هذا هو الكتاب الذي قسمه إلى أبواب، وتحت كل باب أيضًا نفس الفصول التي وضعها تحت كل كتاب.
نلاحظ هنا كتاب المناقب والمثالب، هذا اسم الباب، فيه أبواب، هذا الكتاب الوحيد الذي فيه أبواب -كما ذكرنا- باب مناقب الخلفاء الأربعة، بعد الباب الخاص بالنبي صلى الله عليه وسلم باب مناقب السبطين، وأمهما، وآل البيت، باب في ذكر عائشة أم المؤمنين، باب في ذكر طائفة من الصحابة، باب في مناقب ومثالب متفرقة، باب في ذكر البلدان والأيام في المناقب والمثالب، هذه هي الأبواب التي تحت كتاب المناقب؛ ثم انتقل إلى كتاب الطهارة، كتاب الصلاة كتاب الصدقات والمعروف، كتاب الصيام، كتاب الحج، كتاب الجهاد، كتاب المعاملات، كتاب النكاح، كتاب الأحكام والحدود والذم والمعاصي والأيمان والنذور، كل ذلك كتاب واحد، كتاب الأطعمة، كتاب اللباس والزينة والطيب، كتاب الأدب والزهد، كتاب الذكر والدعاء، كتاب المواعظ والوصايا، كتاب الفتن، كتاب المرض والطب، كتاب الموت والقبور، كتاب المواريث، كتاب البعث، كتاب الجامع، هذه هي أسماء الأبواب، أسماء الكتب عند ابن عرَّاق -رحمه الله تعالى.
أمثلة تطبيقية من كتاب (تنزيه الشريعة):
بعد ذلك ننتقل إلى ذكر أمثلة تطبيقية من كتابه؛ لنطبق على الأمثلة التي سنذكرها عناصر المنهج التي ذكرناها على طول الدراسة؛ فننتقل الآن إلى ذكر نماذج تطبيقية من كتاب (تنزيه الشريعة) ونبدأ بالكتاب الذي بدأ به أولًا وهو كتاب التوحيد:
أول الأحاديث حديث أبي هريرة: “قيل: يا رسول الله، مم ربنا” هنا لم يذكر إسنادًا، بدأ من أول الكلام بكلمة: حديث، ونسبه إلى الصحابي الذي نُسب إليه؛ حديث أبي هريرة قال: “لا من أرض، ولا من سماء، خلق خيلًا فأجراها، فعرقت، فخلق نفسه من ذلك العرق” نحن في الفصل الأول من كتاب التوحيد الآن، عدَّ ابن عدي من طريق محمد بن شجاع الثلجي، وأبي مهذب، والمتهم به الثلجي، فلعنة الله على واضعه؛ إذ لا يضع مثل هذا مسلم، ولا عاقل.
هذا الفصل -كما ذكرنا- هو من المتفق عليه في الوضع، يعني: ابن الجوزي ذكره، ولم يتعقبه السيوطي، ولم يعترض عليه أحد.
حديث: “من قال: القرآن مخلوق فقد كفر” خطأ من حديث جابر، ولا يصح؛ فيه محمد بن عامر السمرقندي، حديث: “القرآن كلام الله، لا خالق، ولا مخلوق، ومن قال غير ذلك فهو كافر” من حديث أبي هريرة، هنا يذكر الحديث، ويذكر من الذي أخرجه من أصحاب الكتب، والصحابي من حديث أبي هريرة، وفيه أحمد بن محمد بن حرب، ومحمد بن حميد بن حيان، وآفته ابن حرب.
حديث: “من مات وهو يقول: القرآن مخلوق لقي الله يوم القيامة ووجه إلى قفاه” خطأ من حديث أبي الدرداء، حدد المصدر، ومن حديث أبي الدرداء، من طريق يوسف بن يعقوب المعدل، عن حفص بن إبراهيم، عن إبراهيم بن علاء الإسكندراني، عن بقيع، عن ثور بن يزيد، عن أم الدرداء عنه، وثور لم يدرك أم الدرداء، والثلاثة الذين بعد بقية لا يعرفون، قال السيوطي: ورواه ابن عساكر من طريق حسان بن عطية، عن أبي الدرداء بلفظ: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القرآن فقال: هو كلام الله غير مخلوق، وفي سنده منصور بن إبراهيم القزويني، قال الذهبي فيه: لا شيء، سمع منه أبو علي بن هارون حديثًا باطلًا، قال ابن حجر: وهو هذا الحديث، قال الخطيب: وحسان لم يدرك أبا الدرداء، وله طريق ثان أخرجه الشهرازي في الألقاب، وفيه أحمد بن إبراهيم التغلبي مجهول، وثالث أخرجه أبو القاسم بن بشران في أماليه.
هنا في هذا الحديث في الفصل الأول ذكر زيادة عن السيوطي؛ السيوطي ذكر له بعض الطرق التي لم يذكرها ابن الجوزي، لكنها معلولة، ثم زاد ابن عرَّاق قال: قلت: والحاكم في شعار أصحاب الحديث -والله أعلم- زاد طريقًا آخر، هذا مثال لبعض الزيادات التي يزيدها وهو يتكلم، وفيه عبد الملك بن عبد ربه الخواص، قال الذهبي: له عن الوليد بن مسلم خبر موضوع وهو هذا، ورابع أخرجه أبو عمرو الداني في (طبقات القراء) قلت: هو من طريق أحمد بن عيسى الخشاب، والله أعلم.
وخامس، ولفظه: “من قال: القرآن مخلوق فهو كافر، يلقاني يوم القيامة ولا يعرفني” أخرجه الديلمي، قلت: في إسناده صالح بن قاطن البخاري، مجهول والله أعلم.
هذه مجرد نماذج نذكرها لما يفعله، وهذا كله في القسم المتفق عليه في الذي حكم ابن الجوزي بوضعه، ووافقه السيوطي، ويوافقه أيضًا ابن عرَّاق.
الفصل الثاني هو الذي تعقبه فيه السيوطي قال: حديث: “إن الله قرأ طه ويس قبل أن يخلق آدم بألف عام، فلما سمعت الملائكة القرآن قالوا: طوبى لأمة ينزل هذا عليهم، وطوبى لأجواف تحمل هذا، وطوبى لألسن تتكلم بهذا” عد يعني: ذكر ابن عدي، أو عد من حديث أبي هريرة، وفيه إبراهيم بن مهاجر بن مسمار منكر الحديث، متروكه، هذا ملخص كلام ابن الجوزي، تعقبه الحافظ ابن حجر في أطراف العشرة، فقال: ليس بموضوع، وإبراهيم لا باس به، وقال السيوطي: أخرجه الدرامي في مسنده، وابن خزيمة في التوحيد، والبيهقي في الشعب، وقد قال: إنه لا يخرج في مصنفاته خبرًا يعلمه موضوعًا؛ و(مسند الدارمي) أطلق عليه جماعة اسم الصحيح، نحن قد توقفنا مع السيوطي في تعقبه هذا، ونحن نتكلم عن العلل المصنوعة لكننا نتكلم هنا عن كتاب (تنزيه الشريعة) إذن هو بدأ بكلام ابن الجوزي لخَّصه، ثم ذكر التعقب، ثم قال: قلت: في سنده محمد بن سهل بن الصباح، فإن يكن هو العطار شيخ أبي بكر الشافعي كما ظنه بعض أشياخه، فقد مر في المقدمة أنه وضاع، يقصد المقدمة التي ذكر فيها أسماء الوضاعين، هذا من زياداته وإلا فمجهول، وعنه علي بن جعفر بن عبد الله الأنصاري الأصبهاني لم أعرفه، وعن هذا محمد بن عبد العزيز قال الخطيب: فيه نظر.
وحديث أبي هريرة عزاه العراقي في تخريج الإحياء إلى (مسند الدرامي) وقال: ضعيف، وقال القاضي بدر الدين بن جماعة: وإن ثبت الخبر، فمعناه ثبوتهما ووجودهما صفة من صفاته ذاتية عند من يقول بذلك، والله أعلم.
إذن هنا تَعَقَّبَ، والحديث جاء أيضًا من حديث أنس أخرجه الديلمي، يقول السيوطي قلت: في سنده محمد بن سهل بن الصباح، إن يكن هو العطار شيخ أبي بكر الشافعي كما ظنه بعض أشياخه فقد مر في المقدمة أنه وضاع، وإلا فهو مجهول، لعلنا نستنتج من هذا التدخل إنه يميل إلى رأي ابن الجوزي أكثر، وإن كنا لا نقطع بذلك.
حديث: “لو أن الإنس، والجن، والشياطين، والملائكة، منذ خلقوا إلى يوم فنائهم صفوا صفًّا واحدًا ما أحاطوا بالله أبدًا” ابن عدي من حديث أبي سعيد الخدري في تفسير قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] ولا يصح، هذا كلام ابن الجوزي، فيه بشر بن عمارة، لا يتابع عليه، وعطية العوفي، وقد وضعوه، كان سمع من الخدري، ثم جالس الكلبي، فصار يكنيه أبا سعيد، فيُظن الخدري، وأظن هذا من عمل الكلبي، تُعقب بأن قضية ما ذكره أنه ضعيف، وقد أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره، وقد عرفت ما التزمه فيه، وقال الذهبي في تاريخه: هذا حديث منكر، لا يعرف إلا ببشر، وهو ضعيف، فثبت أنه ضعيف، لا موضوع هنا تلخيص لكلام السيوطي، وكأنه يوافق عليه؛ لأنه لم يتدخل.
أيضًا حديث: ((رأيت ربي في المنام في أحسن صورة)) إلى آخره، ذكر الخطيب حديث أم الطفيل امرأة أُبي، وفيه نعيم بن حماد، وقال ابن عدي: يضع الحديث إلى آخره، مروان بن عثمان، وعمارة بن عامر مجهولان، تُعقب بأن عماره ذكره البخاري في (الضعفاء) وقال ابن حبان: لم يسمع من أم الطفيل، وسماه الطبراني عمارة بن عامر بن حزم الأنصاري، إلى آخره، هذا كلام السيوطي يقول: قلت: ورواه الترمذي وقال: حسن غريب، والله أعلم.
وروي عن أبي زرعة الرازي أنه صححه، ورواه الطبراني قلت: وجاء من حديث جابر بن سمرة، وأبي أمامة، ذكر طرقه المتعددة، وقال البيهقي: روي من أوجه كلها ضعيفة، ويكفي في التعقيب على ابن الجوزي أنه هو نفسه ذكره في الواهيات، وما كان من هذه الروايات غير مقيد بالمنام فينبغي أن يحمل عليه؛ لتتفق الروايات، ويزول الإشكال، والله أعلم.
يعني: هو هنا أيضًا يؤيد السيوطي، ويقول: ويكفي في تعقب ابن الجوزي أنه ذكره في (الموضوعات) ثم ذكره مرة ثانية في (العلل الواهية) مع أن موضوع الكتابين مختلف، فذاك في الأحاديث المعلولة، والأول في الأحاديث الموضوعة هنا في القسم الثالث الذي زاده السيوطي.
حديث: “إذا كان يوم الجمعة، ينزل الله تعالى بين الأذان والإقامة، عليه رداء مكتوب عليه: إني أنا الله لا إله إلا أنا، يقف في قبلة كل مؤمن مقبلًا عليه، إلى أن يفرغ من صلاته، لا يسأل الله عبد تلك الساعة شيئًا إلا أعطاه، فإذا سلم الإمام من صلاته صعد إلى السماء” كر من حديث أنس، من طريق أبي علي الهوازي وهو المتهم به، هذا كلام السيوطي، ولم يعقب عليه ابن عراق
ننتقل إلى كتاب الإيمان، مثلًا: حديث أبي هريرة: “أن وفد ثقيف سألوا النبي صلى الله عليه وسلم هل يزيد وينقص؟ فقال: لا، زيادته كفر، ونقصانه شرك” “حا” أي: الحاكم، وفيه أبي المهذم، وأبي مطيع البلخي، ورواه أيضًا عثمان بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان عن حماد بن سعد المهذم، والمتهم بوضعه أبو مطيع، وسرقه منه عثمان، لم يزد فيه شيء.
حديث: “الإيمان قول، والعمل شرائعه، لا يزيد ولا ينقص” من حديث ابن عباس، من طريق الجويبري، وعنه مأمون بن أحمد قلت: زيادة، قال الذهبي في ترجمة مأمون: غير مأمون، ومما وضع على الثقات، أو مما وضع أنه روى عن عبد الله بن مالك بن سليمان، عن سفيان، عن ابن طاوس، عن ابن عباس: “الإيمان قول، والعمل شرائعه”.
إذا انتقلنا إلى الفصل الثاني من كتاب الإيمان، نجد فيه بعض الأحاديث: “الإيمان معرفة بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالأركان” الطبراني من حديث علي بن أبي طالب، وفيه أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي، وتابعه عبد الله بن أحمد بن عامر، وعلي بن غراب، وتابعه محمد بن سهل البجلي، وداود بن سليمان، عن وهب، وهما مجهولان، قال الدارقطني: لم يحدث به إلا من سرقه من أبي الصلت، تُعقب قال: بأن أبا الصلت وثقه ابن معين، وقال: ليس ممن يكذب، وقال غيرهم: معدود في الزهاد، وقال في الميزان: صالح إلا أنه شيعي، ولم يكن غاليًا.
حين تكلمنا عن كتاب (اللآلئ المصنوعة) وقفنا مع هذا الحكم للسيوطي، وقلنا: إن عبارة يحيى بن معين لا تحمل التوثيق، يقول: وثقه ابن معين، وقال: ليس ممن يكذب، ليس ممن يكذب هي نفي للكذب، وليس توثيقًا، وقال غيرهم: معدود في الزهاد، قلنا: إن عده في الزهاد أيضًا لا يعني شيئًا؛ لأن بعض الزهاد كان قد وضع بعض الأحاديث، وقال الحاكم في (المستدرك) إلى آخره، وقال الحافظ ابن حجر في (التقريب) أفرده ابن حبان في التضعيف، والله أعلم.
ومثل هذا يصلح في المتابعة؛ الزيادات يؤيد فيها السيوطي بأنه في تعقيبه محق.
ثم ينقل إلى الفصل الثالث، مثلًا: حديث: ثلاث من كن فيه فليس مني، ولا أنا منه؛ بغض علي، ونصب أهل بيتي، ومن قال: الإيمان كمانع” وفيه عباد ين يعقوب، قال ابن حبان: رافضي داعية، قلت: عباد أخرج له البخاري منقولًا بغيره، والترمذي، وابن ماجه، وابن خزامة، وغيرهم، وقال الحافظ الدارقطني: ثم المزي، والذهبي، وابن حجر، هو صدوق في الحديث، وقال ابن حجر في (التقريب): بالغ ابن حبان، فقال: يستحق الطرد، نعم شيخ ابن عباد لم أقف على ترجمة له، والله تعالى أعلم.
إذا انتقلنا مثلًا إلى كتاب الصدقات والمعروف في الفصل الأول حديث: “صدقة الفطر عن كل صغير، وكبير، ذكر، وأنثى، يهودي، ونصراني، حر، ومملوك، نصف صاع من بر، أو صاع من تمر، أو صاع من شعير” قط من حديث ابن عباس، وزيادة: “يهودي أو نصراني” موضوعة، تفرد بها سلام الطويل، هذا من لم يوافق عليه.
حديث: “الفقراء مناديل الأغنياء، يمسحون بها ذنوبهم” عق، من حديث أنس، وفيه علاء بن زيد.
هنا المنهج الذي ذكرناه عن ابن عرَّاق، أنه هنا لم يذكر إسنادًا للحديث، ولا إسنادًا لابن الجوزي، ولا السيوطي، ولم يذكر طرقًا، واكتفى في بعض الأحاديث بقوله: فيه فلان، وهو قد ذكرهم في أنهم من الوضاعين، فهذا مما ذكره على سبيل الاختصار، ومنعًا للتكرار، كما ذكر هو في كتابه.
في الفصل الثاني في الأحاديث المتعقبة في كتاب الصدقات والمعروف، حديث في الركاز العشر، ابن حبان من حديث ابن عمر وقال: باطل، فيه عبد الله بن نافع مولى ابن عمر متروك، وتابعه يزيد بن عياض وهو متروك أيضًا، تُعقب بأن عبد الله روى له ابن ماجه، وقال في (الميزان): تفرد عن أبيه بهذا الحديث، ويزيد روى له الترمذي، وابن ماجه، هذا التعقب قد لا يكون في محله؛ لأنه مجرد رواية الترمذي وابن ماجه لراوٍ ليست توثيقًا له، هم لم يقولوا ذلك، ولم يلتزموا بهذا، وهذا معروف في منهجهم، إذن التعقب لمجرد أن يقال: إن فلانًا روى له، وفلان هذا لا يلتزم بأن لا يخرج في كتابه عن الثقات، فالتعقب لا يكون في محله.
حديث: “باكروا بالصدقة، فإن البلاء لا يتخطى الصدقة” ابن أبي الدنيا من حديث أنس، هنا اختصر كلام ابن الجوزي، وذكر الحديث، وأنه من حديث ابن أبي الدنيا، وفيه أبو يوسف لا يعرف، وعنه بشر بن عبيد منكر الحديث، وتابع أبا يوسف سليمان بن عمر وهو أبو داود النخعي، أخرجه ابن عدي، وتابعه أيضًا عبد الأعلى بن أبي المسير وهو كذاب، وتابعه أيضًا ابن إدريس، لكنه من رواية الصقر بن عبد الرحمن وهو كذاب، قلت: فالظاهر أنه سمعه من عبد الأعلى، فجعله عن ابن إدريس؛ ليروج له، هذا كلام ابن الجوزي؛ تُعقب بأن الحديث أخرجه البيهقي في الشعب، وأبو يوسف هو القاضي صاحب أبي حنيفة بيَّنٌ في الرواية عند أبي الشيخ في الثواب، وبشر بن عبيد وإن قال ابن عدي: منكر الحديث، فقد استدرك في (اللسان) بأن ابن حبان ذكره في الثقات، والصقر ذكره أيضًا ابن حبان في الثقات، وقال ابن أبي حاتم: سئل عنه أبي فهو صدوق.
قلت: هذا تعقب من ابن عرَّاق، كأنه لا يوافق السيوطي، تساهل ابن حبان في التوثيق معروف، وأما قول أبي حاتم فقد عقبه الذهبي، أو تعقبه الذهبي قوله: قلت: من أين جاءه الصدق، والله أعلم.
إذن هو هنا يتعقب السيوطي في كلامه، ولا يؤيده، وينتهي إلى أن الحديث ليس بصحيح، والله أعلم.