كل من جهل موته بسبب غرق أو حريق أو هدم أو نحو ذلك
وقد يموت اثنان أو أكثر من أسرة واحدة من شأنهم التوارث فيما بينهم غرقى في البحر أو إثر حريق أو هدم منزل أو في معركة حربية أو بحادث طائرة أو بسيارة أو بوباء الطاعون أو في بلاد غربة وما شابه ذلك من حالات الموت الجماعي، فكيف يتم التوارث بينهم؟
إن هؤلاء من حيث العلم بموتهم هل ماتوا معًا في وقت واحد أم أحدهم بعد الآخر؟ لا يخرج أمرهم عن حالة من حالات خمس وهي:
الحالة الأولى: أن يعلم على وجه اليقين أنهم ماتوا معًا في وقت واحد، وفي هذه الحالة لا يتم التوارث بينهم؛ أي لا يرث أحدهم من الآخر؛ وذلك لأن من شروط الإرث تحقق حياة التوارث عند موت المورث، وهذا شرط منتفٍ هنا وفي هذه الحالة تكون تركة كل منهم لورثته الأحياء، وهذا بإجماع الصحابة رضي الله عنهم واتفاق الأئمة الأربعة، لم يخالف في هذا أحد.
الحالة الثانية: أن يُعلم على وجه اليقين تأخّر موت أحدهم بعينه عن موت الآخر، ولم يُنسَ، فالمتأخر يرث المتقدم لتحقق شرط الإرث وهو تحقق حياة الوارث عند موت المورث، فقد عُلم هذا على وجه اليقين وهذا بإجماع الصحابة رضي الله عنهم واتفاق الأئمة الأربعة أيضًا.
الحالة الثالثة: أن يعمى أمرهم أي يجهل واقع موتهم، فلا يعلم هل ماتوا جميعًا في وقت واحد؟ أم أن أحدهم بعد الآخر، وهذه الحالة محل خلاف بين جمهور الفقهاء والإمام أحمد بن حنبل.
الحالة الرابعة: أن يُعلم موت الأول أو السابق منهم بالموت عن الآخر ثم ينسى، وهذه محل خلاف بين الجمهور والإمام أحمد كسابقتها.
الحالة الخامسة: أن يعلم أن أحدهما أو أحدهم سبق غيره بالموت، لكن من غير تعيين أي تجهل عين السابق موتا، وهذه كسابقتيها في اختلاف الفقهاء.
آراء الفقهاء في الحالات الثلاث الأخيرة:
قد ذكرنا أن الحالتين الأوليين محل إجماع بين الصحابة، ومحل اتفاق بين الأئمة الأربعة -رضي الله عن الجميع- أي أن الحالة الأولى لا يتم فيها توارث أبدًا وأما الحالة الثانية يرث فيها المتأخر موتًا من المتقدم أما الحالات الثلاث الأخيرة قد ذكرنا أن الخلاف قد جرى فيها بين جمهور الفقهاء وبين الإمام أحمد بن حنبل -رضي الله عن الجميع- وعلى ذلك فإن هذه الحالات الثلاث فيها مذهبان:
المذهب الأول لجمهور الفقهاء: ذهب جمهور الفقهاء من حنفية ومالكية وشافعية إلى عدم التوارث بين الموتى في هذه الحالات الثلاث جميعها، وإنما يكون مال كل منهم لورثته الأحياء، وقد قال بهذا من الصحابة أبو بكر وزيد بن ثابت وابن عباس وإحدى الروايتين عن علي، وبه قضى زيد في قتلى اليمامة في عهد الصديق وفي موتى طاعون عمواس في عهد عمر وفي قتلى الحرة، فلم يورّث بعضهم من بعض، بل جعل إرثهم لعصبتهم الأحياء، كما نقل عن علي أنه قضى به في قتلى الجمل وصفين وهو قول عمر بن عبد العزيز -رضي الله تعالى عنهم جميعًا-، ووجهة نظر الجمهور في القول بعدم التوريث: إن الإرث يبنى على اليقين بسبب الاستحقاق وشرطه: وهو تحقق حياة الوارث عند موت المورث ولم يتحقق هذا الشرط في هذه الحالات الثلاث، بل هو مشكوك فيه ولا يثبت توريث مع الشك بهذا يكون الغرقى والحرقى والهدمى ومن شابههم لا يتم توارث بينهم أبدا في جميع حالاتهم عدا الحالة الثانية عند الأئمة الـثلاثة أبو حنيفة ومالك والشافعي وبرأيهم أخذ قانون المواريث.
أمثلة على مذهب الجمهور الذين يقولون بعدم التوريث:
1- مات أخوان غرقى معًا وترك كلٌّ منهما بنتا فقط فميراث كل منهما لبنته فرضًا وردًّا ولا يرث أحدهما الآخر.
2- مات الأب والابن تحت هدم أو في حادث سيارة وترك الأب زوجة هي أم الابن الذي مات معه وبنتًا وأبًا: فتركة الأب لورثته المذكورين للزوجة الثمن وللبنت النصف وللأب السدس فرضًا والباقي تعصيبًا ولا شيء لابنه الذي مات معه وتركة الابن لورثته وهم أمه التي هي الزوجة ولها الثلث فرضًا وجده الذي هو الأب وأخته التي هي البنت ولهما الباقي بالمقاسمة للذكر مثل حظ الأنثيين، فالمسألة من 9 بعد التصحيح للأم 3 وللجد 4 وللأخت 2 ولا شيء لأبيه الذي مات معه.
3- إذا كان للابن في هذه المسألة السابقة بنت كان ميراث الأب منحصرًا في زوجته وفي بنته وبنت ابنه الذي مات معه وأبيه، فللزوجة الثمن وللبنت النصف ولبنت الابن السدس تكملة للثلثين ولأبيه السدس فرضًا والباقي تعصيبًا، وميراث الابن منحصر في أمه التي هي الزوجة وبنته التي هي بنت الابن وجده الذي هو الأب وأخته الشقيقة التي هي البنت، فللأم السدس ولبنته النصف ولجده السدس والباقي لأخته الشقيقة التي صارت عصبة مع البنت.
4- مات زوج وزوجة معًا وكان للزوج أب وأم وبنت من زوجته التي ماتت معه وكان للزوجة أب وأم وهذه البنت فيكون ورثة الزوج هم أبوه وأمه وبنته، وورثة الزوجة هم أبوها وأمها وبنتها التي من زوجها الذي مات معها، وتكون البنت وارثة منهما معًا؛ لأن الزوج أبوها والزوجة أمها.
5- مات رجل وابنه معًا وترك الأب زوجته وابنته وأخاه الشقيق، وكانت زوجته هي أم ابنه الذي مات معه وأم بنته ولم يكن أحدٌ يرثه غير هؤلاء، فإن تركة الأب تقسّم على هؤلاء الأحياء فقط، ولا يستحق الابن الذي مات معه شيئًا فتأخذ الزوجة الثمن وتأخذ البنت النصف ويأخذ الأخ الشقيق الباقي تعصيبًا، كما أن تركة الابن تقسم على هؤلاء الورثة أيضًا ما دام ليس له وارث غيرهم ولا يستحق الأب الذي مات معه شيئًا وتكون هذا الزوجة أمًا للابن وتكون هذه البنت أختا شقيقة له وويكون هذا الأخ الشقيق عمًّا شقيقا له، فتأخذ الأم الثلث من تركة ابنها وتأخذ الأخت الشقيقة النصف ويأخذ العم الشقيق الباقي تعصيبًا.