كيفية اختيار التنظيم المنهجي المناسب
فلا بد من تنظيم محتوى المنهج، تنظيمًا جيدًا عند تقديمه للتلاميذ، فقد يكون محتوى المنهج جيدا، لكن سوء تنظيمه قبل أن يقدم للتلاميذ، يمكن أن يؤدي إلى عدم الإفادة منه، بالشكل الذي يحقق الأهداف المرجوة من المنهج، أما إذا روعي التنظيم الجيد للمحتوى وهو محتوى المنهج، بشكل يساعد المتعلم على التعامل مع مادته وفهمها؛ فإن هذا يساعد في تحقيق الهدف من دراسة محتوى المنهج. وتنظيم المحتوى يتم في ضوء بعدين أساسيين هما: البعد الرأسي؛ ويعني تنظيم محتوى المنهج، عبر الصفوف الدراسية المختلفة في المادة الدراسية الواحدة، أي أنه في الصف الأول، والثاني، والثالث، كل صف منها يدرس فيه موضوعات معينة من موضوعات المنهج، وهكذا. أما البعد الأفقي: فيتم بين موضوعات المواد الدراسية المختلفة في الصف الواحد، أي في الصف الأول أو الثاني أو الثالث مثلا، فهناك تكامل بين المواد الدراسية المتنوعة، داخل الصف الدراسي الواحد.
وفي ضوء هذا، يمكن أن نقول: إن تنظيم المحتوى، هو ترتيب منظم لعناصر المادة العلمية، التي يشملها المحتوى، ويراعى فيه ترابط مكوناتها في الصف الواحد، كما يراعى عمق هذه المكونات، وتتابعها في الصفوف المتلاحقة.
ويعتمد تنظيم المحتوى للمنهج بدرجة كبيرة، على التوجهات الفلسفية لمصممي المنهج، فالذين يأخذون بمنحنى تنظيم المحتوى حول المادة الدراسية، ينظمون المحتوى في صورة بنى مفاهيمية كبرى، يتم ترتيب المحتوى فيها ترتيبا منطقيًّا، حسب طبيعة هذه المفاهيم،فيمكن أن تبدأ من البسيط إلى المعقد، أو من المحسوس إلى المجرد، أو من العام إلى الخاص، أو من المعروف إلى المجهول، أو من الجزء إلى الكل، أو من الكل إلى الجزء، أو من القديم إلى الحديث، أو من الحديث إلى القديم، وهكذا، ويتضح أن هذا التوجه، هو توجه الفلسفة التقليدية.
أما الذين يذهبون ويفضلون، تنظيم المحتوى حول سيكولوجية المتعلم؛ تمشيا مع الفلسفة التقدمية، فإن تنظيمهم للمحتوى يرتبط ارتباطا كبيرا بخصائص المتعلم ذاته، ففي ضوء هذه الخصائص يقررون هذا التنظيم، مراعين في ذلك تناغمه وتناسقه واتفاقه وتمشيه مع حاجات المتعلم واهتماماته وقدراته، وخصائصه العقلية، أو استعداداته العلمية والمعرفية، وما لديه من بنية معرفية ومعرفة سابقة، وهكذا يتضح أن خصائص المتعلم، هي التي تلعب الدور الرئيس في تنظيم وإعداد محتوى المنهج. أما الفئة الثالثة التي تفضل تنظيم المحتوى، حول القضايا والمشكلات الاجتماعية فإن تنظيمهم لمحتوى المنهج، يتم حول القضايا والمشكلات التي سيتناولها المنهج، بغض النظر عن الترتيب المنطقي لها في المجال المعرفي، الذي اختيرت من أجله، واختيرت منه أيضا. وهناك علاقة بين محتوى المنهج، وخبراته التعليمية، ونوعه وأنشطته، وتجدر الإشارة، إلى صعوبة الفصل بين محتوى المنهج، والخبرات التعليمية التي يحققها، كما أن نوع المنهج يعد محددا رئيسا في ذلك. فهناك تكامل واتحاد كبير، واندماج تام بين محتوى المنهج وخبراته، فهما معا يكونان المنهج، فالمتعلم لا يمارس أي نشاط تعليمي مخطط له، دون أن يجمع بين المحتوى والخبرة.
وخبرات التعلم: هي الأفعال التي يقوم بها المعلم والمتعلم، وتؤدي إلى تحقيق أهداف محددة، أي: أن هذه الأفعال يجب أن تؤدي إلى أن يتعلم التلميذ شيئًا ما. والفرق بين خبرات التعلم ونشاطات التعلم يكمن في بؤرة التركيز، ففي خبرات التعلم يتم التركيز على الناتج، أي على ما تسفر عنه عملية التفاعل بين المتعلم والمحتوى، أما في حالة نشاطات التعلم، فيكون التركيز على عملية التعلم نفسها، دون العناية أو الاهتمام بما تسفر عنه هذه النشاطات، ويتضح من هنا أن اكتساب الخبرة، يعني: أن المتعلم قد تعلم شيئا ما بالفعل، أما مزاولة المتعلم للنشاطات التعليمية، فقد لا يؤدي إلى تعلمه شيئا معينا. وبهذا يتضح، أن هناك فرقًا بين أنشطة التعلم learning activates وخبرات التعلم learning experience، فأنشطة التعلم تشير إلى كل ما يقوم به التلاميذ، من أنشطة بغرض تحقيق الأهداف التعليمية، وترجمة المحتوى الذي تم تحديده إلى معارف، ومهارات، وقيم لديهم، أما مفهوم خبرات التعلم فيشير إلى التفاعل بين المتعلم والظروف الخارجية المحيطة به في البيئة التي تتم فيها عملية التعلم.
فالخبرات تتطلب كما هو واضح، تفاعلًا تامًّا وكاملًا بين المتعلم وبيئته، مما يتطلب أهمية إشراك المتعلم في الأنشطة التعليمية، وهذا ما أكده المفهوم الحديث للمنهج. أما في ظل المفهوم القديم للمنهج، الذي لم يكن يهتم باشتراك المتعلم، إلا في القليل من الأنشطة التعليمية، فقد كان هذا المصطلح وهو الأنشطة التعليمية غير مألوف، لكن عندما جاء “جون ديوي” عام 1925، ونادى بأهمية اشتراك المتعلمين في عملية التعلم. فقد بدأ ظهور مفهوم الأنشطة التعليمية؛ ليعبر عما يقوم به التلاميذ من نشاط؛ من أجل تحقيق الأهداف المحددة، غير أن رجال التربية سريعا ما تبينوا أن هذا المفهوم غير كاف، للتعبير عن موقف التعليم والتعلم، فقد تبين لهم أنه قد يشترك تلميذان في نشاط تعليمي واحد، لكن قد تختلف النتيجة التي يتوصل إليها كل منهما؛ وذلك لأن الظروف البيئية، كانت مناسبة لأحدهما أكثر من الآخر، فيحقق تعلما أفضل من زميله، وبهذا فقد حل مفهوم خبرات التعلم بدلا من الأنشطة التعليمية، عند بناء وإعداد أنواع المناهج، وكذلك التنظيمات المنهجية المختلفة.
وحيث إن المنهج بمفهومه الحديث، ما هو إلا مجموعة من الخبرات التربوية، وبدون هذه الخبرات لا يمكن بناء منهج ما، يحقق الأغراض التعليمية والتربوية المنشودة، فعلى المنهج أن يوفر هذه الخبرات التربوية. ولهذه الخبرات التربوية وعند اختيارها وتنظيمها شروط عديدة، فهناك شروط يجب توافرها في الخبرات التربوية أو المربية، التي يتضمنها المنهج، وأهم هذه الشروط ما يلي:
الشرط الأول: الاهتمام بالفرد والبيئة، وإيجاد نوع من التوازن بينهما.
الشرط الثاني: تحقيق مبدأ الاستمرارية.
الشرط الثالث: ترابط وتنظيم الخبرات.
الشرط الرابع: تنوع الخبرات.
الشرط الخامس: توجيه الخبرات لتحقيق الأهداف التربوية.
وفيما يرتبط بالشرط الأول: وهو الاهتمام بالفرد والبيئة، وإيجاد نوع من التوازن بينهما فلكي يمر الفرد بخبرة، لا بد له من القيام بنشاط ما في بيئة معينة، ومن هنا، يعتبر الفرد والبيئة طرفين أساسيين للمرور بالخبرة. وتتمثل العناية بالفرد، في معرفة حاجاته، ومشكلاته، وميوله، وقدراته، واستعداداته، وأهدافه، وتطلعاته. وتتمثل العناية بالنسبة للبيئة، في دراستها ومعرفة إمكاناتها ومصادرها ومشكلاتها، والعادات والاتجاهات السائدة فيها، حتى يمكن تهيئة أفضل الظروف، أمام الأفراد للمرور بالخبرات المطلوبة.
وفيما يرتبط بالشرط الثاني: تحقيق مبدأ الاستمرارية: فالمقصود بالاستمرار هنا هو أن تسهم الخبرات الماضية في بناء الخبرات الحالية، وأن تسهم الخبرات الحالية في بناء الخبرات المقبلة أو المستقبلية. وعلى هذا الأساس، تتأثر خبراتنا بالخبرات السابقة، وتؤثر أيضًا في الخبرات اللاحقة. واستمرارية الخبرات تتشابه إلى حد كبير مع استمرارية الحياة على وجه الأرض، فالحياة البشرية مستمرة، وكل فرد يساهم في استمراريتها. وهكذا، فإن كل خبرة تؤدي إلى خبرة جديدة، وهكذا تستمر الخبرات. وفي أثناء هذا الاستمرار، يوجه التلميذ توجيها يناسبه، يؤدي إلى نموه مع استمرار خبرته، حيث إنه ينمو مع مرور الوقت والزمان داخل البيئة التعليمية.
وفيما يرتبط بالشرط الثالث: وهو ترابط وتنظيم الخبرات؛ فيعد ترابط الخبرات أمرا ضروريًّا لا غنى عنه؛ إذ إن الخبرات المفككة قليلة الفائدة، وعلى مصممي المناهج العمل على ترابط الخبرات بين المراحل الدراسية بعضها ببعض، وترابط الخبرات بين المقررات الدراسية لكل مرحلة تعليمية، وترابط الخبرات بين المقررات الدراسية لكل صف دراسي، وترابط الخبرات بين الموضوعات الدراسية داخل المادة الدراسية الواحدة.
وبالنسبة للشرط الرابع: وهو تنوع الخبرات؛ فالأهداف التربوية متنوعة، وهناك أهداف خاصة بالفرد، وأهداف خاصة بالمجتمع، وعلى ذلك يجب أن تتنوع الخبرات، التي تسهم بفاعلية في تحقيق هذه الأهداف. وتنوع الخبرات يستدعي تنوع الأنشطة، وتعددها وتنوع مجالاتها. وعلى هذا، فإن على المدرسة إتاحة الفرص لتلاميذها للقيام بالأنشطة المتنوعة، مثل: الأنشطة العلمية، والعملية، والثقافية، والدينية، والاجتماعية، والرياضية، والفنية، إلى غير ذلك من أنواع الأنشطة.
والشرط الخامس: هو توجيه الخبرات لتحقيق الأهداف التربوية؛ فالخبرة التربوية الحقة، هي التي تكون موجهة لتحقيق الأهداف التربوية المنشودة، فهي تسهم في تحقيق العديد من هذه الأهداف، مثل: اكتساب المعلومات، وتنمية القدرة على التخطيط، وتنمية القدرة على العمل الجماعي، وتنمية القدرة على التفكير العلمي والاتجاهات العلمية.
وثمة نوعان من الخبرات، وهما: الخبرات المباشرة، والخبرات غير المباشرة، وكلاهما يؤثران ويتأثران بأنواع المناهج والتنظيمات المنهجية المختلفة، وترتبط الخبرات المباشرة وغير المباشرة كل منهما ببعضها، وتؤثر وترتبط ارتباطًا وثيقًا وتؤثر كل منهما في الأخرى، كما أنها تتأثر بها أيضًا، فالخبرات المباشرة تؤثر في الخبرات غير المباشرة، والدليل على ذلك، هو أننا عندما نفهم فيلما أو كتابا أو خريطة، يرتبط بما لدينا من خبرات مباشرة، والخبرات غير المباشرة هي الأخرى تؤثر في الخبرات المباشرة، ففي حالة إجراء فرد تجربة من التجارب، فإنه يتأثر بخبرات الآخرين، التي تتمثل في صورة قوانين، واتجاهات، وأحكام، وآراء، أمكنهم أو تمكن أولئك السابقون من إثبات صحتها على مر الأيام. فالخبرة غير المباشرة تتأثر وتؤثر بالخبرة المباشرة، فلا يوجد فضل لأحدهما على الأخرى.
ويقصد بالخبرة المباشرة: تلك الخبرة التي يكتسبها المتعلم على أساس ما، من خلال تفاعله، ومن خلال مباشرته للتفاعل بنفسه مع عناصر البيئة، التي تتضمن تلك الخبرة، وتتصل بها اتصالا قويًّا من ناحية، ومن ناحية أخرى ترتبط ارتباطا حسيا بإدراك المتعلم.
أما الخبرة غير المباشرة: فهي تلك الخبرة التي يكتسبها المتعلم، بعيدا عن المباشرة الفعلية المرتبطة بالإدراك الحسي، سواء أكان قد أخذ هذه الخبرة من كتاب يقرؤه، أو قصة تحكى أمامه، أو محاضرة يسمعها أو غير ذلك.
ومما لا شك فيه، أن اكتساب المعلومات وتنمية القدرات والاتجاهات، عن طريق الخبرات المباشرة له مميزات تربوية، من أهمها: تعطي الخبرة المباشرة للمعلومات والمفاهيم والحقائق والقوانين، معنى أدق وأعمق، وتظل الخبرة المباشرة بالذهن مدة أطول، وتسمح الخبرة المباشرة بنشاط المتعلم، وتعطيه دورا إيجابيا في عملية التعلم، إلى غير ذلك من الأدوار والأهميات للخبرة المباشرة. كما أن هناك أمورا يستحيل على الإنسان، أن يتعلم فيها من خلال الخبرة المباشرة، مثل الأمور الخاصة بالأخطار التي قد تحيط بالإنسان إذا ما أراد التعلم عن طريق الخبرة المباشرة، مثل: مشاهدة انفجارات نووية، أو الكوارث التي تحدث، أو اكتشاف الكواكب أو دراسة أعماق المحيطات، أو إلى غير ذلك من الأمور الصعبة.