Top
Image Alt

كيفية التصرف في أوراق المصحف التالفة

  /  كيفية التصرف في أوراق المصحف التالفة

كيفية التصرف في أوراق المصحف التالفة

إن الشريعة الإسلامية تأمر بالمحافظة على المال وتنهى عن إتلافه، ونظرًا لكثرة الأوراق التالفة من المصاحف المنتشرة أو غيرها فقد نشأت مصانع لإعادة تصنيع هذه الأوراق والإفادة منها؛ لأن في إتلافها خسارة كبرى وإهدارًا للمال، حدث ذلك في الغرب؛ وقد اختلف الفقهاء في ذلك خصوصًا في أوراق المصحف التي بليت واندرست وأصبحت لا تقرأ، وقد جاء هذا الاختلاف على أقوال تربو على العشرة نبينها فيما يلي:

أولًا: قول بالتخيير بين الغسل أو الإحراق قاله الحليمي من الشافعية، وحكاه عنه الزركشي في كتابه والسيوطي في كتابه قال كل منهما نقلًا عن الحليمي: وله -أي: للمسلم- غسلها بالماء وإن أحرقها بالنار فلا بأس؛ إذًا هذا تخيير بين أمرين غسل الأوراق أو إحراقها.

ثانيًا: القول بجواز الإحراق ولم يذكر الغسل؛ وقد تقول ما الفرق بين هذا القول وذاك؟ نقول: القول السابق خير بين الغسل والإحراق، أما القول الثاني فيقول بجواز الإحراق ولم يذكر الغسل؛ لأن بعض الفقهاء القائلين بالإحراق وعدم الغسل يخشون أن تقع غسالة الماء الذي غسلت به هذه الصحف تحت الأقدام، تقع على الأرض وتداس بالأقدام؛ ولذلك فضلوا أو قالوا بجواز إحراقها، قال به الدردير المالكي وابن حجر الهيثمي وأبو يحيى زكريا الأنصاري والشهاب الرملي من الشافعية.

ثالثًا: القول بتفضيل الإحراق على الغسل؛ حكاه الزركشي والسيوطي والرملي وقليوبي، وقليوبي هذا شارح كتاب من كتب الشافعية قليوبي وعميرة.

رابعًا: منع إحراقه؛ وهذا القول قاله محمد بن الحسن الشيباني من الحنفية والقاضي حسين من الشافعية، أما النووي فقال بكراهة الإحراق.

خامسًا: القول بجواز الغسل فقط؛ قاله ابن عابدين من الحنفية وقليوبي وعميرة والرملي.

سادسًا: القول بتفضيل الغسل على الإحراق، ذكره ابن حجر في (فتح الباري شرح صحيح البخاري).

سابعًا: القول بتعيين الغسل، أي منع أي شيء آخر غير الغسل؛ فالإحراق ممنوع، التمزيق ممنوع، الدفن ممنوع، والقول بتعيين الغسل قاله القرطبي صاحب التفسير المعروف (الجامع لأحكام القرآن) وأبو السعود أيضًا صاحب تفسير.

ثامنًا: القول بجواز الدفن، أي نأخذ الأوراق التالفة وندفنها تحت الرمال كما ندفن الميت، حكاه ابن عابدين.

تاسعًا: القول بتعيين الدفن، إذًا الغسل ممنوع، والإحراق ممنوع، والتخيير بينهما ممنوع، وتفضيل أحدهما على الآخر ممنوع، فلا يجوز غير الدفن؛ وهذا القول قاله الحصكفي وابن عابدين والقهستاني وأبو السعود وابن مفلح.

القول العاشر: التوقف في الدفن؛ أي: عدم القول به أو عدم التصريح بمنعه أو عدم التصريح بتعيينه؛ فيكتفى بالإحراق والغسل أما الدفن؛ فغير معروف عندهم توقف فيه الزركشي والسيوطي.

حادي عشر: القول بعدم التمزيق، فالتمزيق ممنوع لكن الإحراق والغسل والدفن جائز، القول بعدم التمزيق ذهب إليه الحليمي والباجوري قالا: لا يجوز تمزيق أوراق المصحف، ويؤخذ ذلك من كتاب ابن رشد المالكي.

ولكل من قال قولًا مما سبق دليله، والأقوال كما رأينا مترددة بين الغسل والإحراق والدفن والتمزيق؛ وقد ورد في (الموسوعة الفقهية) تحت عنوان “ما يصنع بالمصحف إذا بلي؟”: ذهب الحنفية إلى أن المصحف إذا بلي وصار بحال لا يقرأ فيه يجعل في خرقة طاهرة ويدفن في محل غير ممتهن؛ أي لا يوطأ كما أن المسلم إذا مات يدفن إكرامًا له، هذا قول الحنفية، وقال الحنفية: ولا يهال عليه التراب إلا إذا جعل فوقه سقف مثل القبور بحيث لا يصل إليه التراب.

إذًا يدفن في حفرة ويبقى دون أن يوضع فوقه التراب، أما إذا جعل له سقف فلا مانع من وضع التراب على السقف، لكيلا يصل إلى المصحف كنوع من التكريم والمحافظة، وقال هؤلاء الحنفية الذين قالوا بالدفن: ولا يجوز إحراقه بالنار، ونقل ذلك عن إبراهيم النخعي وغيره وهو شيخ من شيوخ أبي حنيفة، وقال المالكية: يجوز إحراقه -عكس ما قال الحنفية- بل ربما وجب، أي يكون الإحراق واجبًا وذلك إكرامًا له وصيانة عن الوطء بالإقدام؛ لأنه إذا دفن من الذي يضمن عدم وصول التراب إليه ومن الذي يضمن عدم المرور فوقه، ولذلك قال المالكية: يجوز إحراقه بل ربما وجب؛ وذلك إكرامًا له وصيانة عن الوطء بالأقدام، وقال الحنابلة: لو بلي المصحف أو اندرس دفن نصًّا؛ فوافقوا الحنفية في الدفن وليس في الإحراق، أما المالكية فلم يوافقوا على الدفن وقالوا بالإحراق، وربما يجب ذلك إكرامًا وصيانة للمصحف عن الوطء بالأقدام.

تفصيل هذا الكلام موجود في (الموسوعة الفقهية) الجزء الثامن والثلاثون صفحة ثلاثة وعشرين، كذلك موجود هذا الكلام في (فقه النوازل) إعداد لجنة إعداد المناهج، الجامعة الأمريكية المفتوحة من صفحة 287 إلى 297.

error: النص محمي !!