Top
Image Alt

كيفية التصرف في التركة قبل وضع الحمل

  /  كيفية التصرف في التركة قبل وضع الحمل

كيفية التصرف في التركة قبل وضع الحمل

لما كان الحمل في بطن أمه لا يعلم حقيقته إلا الله، تتجاذبه احتمالات كثيرة ومتعددة؛ فلا ندري أحي هو أم ميت، ولا ندري أواحد أم هو أم متعدد، ولا ندري أذكر هو أم أنثى أم مشترك بينهما، ولا ندري هل إرثه وإرث من معه يختلف في الغالب باختلاف هذه الاحتمالات أم لا، ونظرًا لهذه الجهالة فإنما لا يمكننا أن نقطع بأمره إلا بعد الولادة، فإن من شروط الإرث تحقق حياة الوارث بعد موت المورث، ومن هنا فقد أصبح تقسيم التركة بشكل نهائي أمرًا مستحيلًا، فلهذا كله اختلفت آراء الفقهاء في طريقة وكيفية التصرف في التركة التي يكون بين مستحقيها حملٌ في بطن أمه، وقد تباينت آراؤهم إلى أربعة أقوال:

القول الأول للمالكية: ذهب المالكية في الراجح عندهم إلى عدم قسمة التركة حتى يُولد الحمل ويُعرف حاله، حتى لا توزع التركة مرتين.

القول الثاني للشافعية: ذهب الشافعية في الأصح عندهم أنه لا ضبط لعدد الحمل؛ لأن أمر الحمل غير منضبط، فلا يُعلم أكثر عدد يمكن أن تحمله المرأة، في هذا تفصيل أورده النووي ونصه: فإن لم يكن للميت وارث سوء الحمل المنتظر وقفنا المال إلى أن ينفصل، وإن كان له وارث آخر ففي وجهٍ أنه يوقف جميع المال، والصحيح المشهور أنه لا يُوقف الجميع، بل يُنظر في الورثة الظاهرين فمن احتُمل حجبه بالحمل لم يُدفع إليه شيء، ومن لم يحجبه الحمل بحال وله مقدار لا ينقص دُفع إليه، وإن أمكن العول دُفع إليه ذلك القدر العائل، وهذا ما ذكره النووي في كتابه (روضة الطالبين).

القول الثالث للحنابلة: ذهب الحنابلة إلى أنه يُوقف للحمل نصيب ذكرين أو نصيب أنثيين أيهما أكثر احتياطًا للحمل؛ وذلك لأن ولادة التوأم كثيرة معتادة، وفي هذا تفصيل أورده العلامة ابن قدامة ونصه: إذا مات عن حمل يرثه وطالب بقية الورثة بالقسمة وقَفت له نصيب ذكرين إن كان نصيبهما أكثر، وإلا وقفت نصيب أنثيين، ودفعت إلى من لا يحجبه الحمل أقل ميراثه، ولا تدفعه إلى من يسقطه شيئًا، فإذا وضع الحمل دفعت إليه نصيبه، ورددت الباقي إلى مستحقيه.

مثال كون نصيب الذكريين أكثر: رجلٌ مات عن امرأة وابن وحمل، فمسألته من ثمانية وتصح من أربعة وعشرين: للذكرين أربعة عشر وهو أكثر من نصيب أنثيين.

ومثاله كون نصيب الأنثيين أكثر: رجل مات عن امرأة وأبوين وحمل، فمسألته من أربعة وعشرين، وتصح من سبعة وعشرين، للأنثيين فيها ستة عشر وهي أكثر من نصيب ذكرين، فضابطه: أن الفروض متى زادت على ثُلث المال فميراث الأنثى أكثر، ذكر هذا العلامة ابن قدامة في كتابه (المقنع) مع حاشيته.

القول الرابع للحنفية: في المذهب الحنفي أقوال ثلاثة في مقدار النصيب الذي يوقف للحمل:

القول الأول: لأبي حنيفة، وهو أن يوقف نصيب أربعة بنين أو أربع بنات أيهم أكثر؛ لأنه لا يُتصور ولادة أربعة في بطن واحدة، فيُترك نصيبهم احتياطًا.

والثاني: للإمام محمد، وهو أن يُوقف نصيب ابنين؛ لأن ولادة الاثنين معتادة، وهي رواية عن أبي يوسف.

والثالث: لأبي يوسف، وهو أن يوقف ابن واحد.

والفتوى في المذهب الحنفي على القول الثالث لأبي يوسف، وهو وقف نصيب ابن واحد؛ وذلك لأن ولادة الواحد هو الغالب والأكثر منه موهوم، والحكم يكون للغالب، وعلى قول أبي يوسف يأخذ القاضي من الورثة كفيلًا، لاحتمال أن يكون المولود أكثر من واحد؛ لأن الحمل عاجز عن النظر لنفسه، فينظر له القاضي.

مقارنة وترجيح:

أولًا: المقارنة: بالنظر إلى أقوال العلماء في قدر النصيب الذي يُوقف للحمل نجدها كلها قد احتاطت لحق الحمل، وإن اختلفت وجهة نظر كل؛ فعند المالكية: يكون بوقف توزيع التركة كلها، حتى تضع الحامل حملها، وعند الشافعية: تكون الحيطة بعدم ضبط عدد معين للحمل، وعند الحنابلة: يكون ذلك بوقف نصيب ذكرين أو أنثيين أيهما أكثر، وعند الحنفية: يكون بوقف نصيب واحد كما هو رأي أبو يوسف الذي عليه الفتوى في المذهب أو نصيب ابنين كما هو رأي محمد أو نصيب أربعة كما هو رأي أبي حنيفة، وكلها تراعي حق الحمل وتحتاط له حسب وجهة نظر كلٍّ.

ثانيا: الترجيح: والذي يترجح عندي هو قول الحنابلة، وهو وقف نصيب ذكرين أو أنثيين أيهما أكثر، وهو رأي الإمام محمد بن الحسن الحنفي، ورواية عن أبي يوسف؛ وذلك لأن هذا القول هو الأحوط فعلًا، إذ يدخل فيه قول أبي حنيفة بوقف نصيب الأربعة ذكور أو أربع إناث؛ لأن الإناث إذا كانتا ثنتين فلهما الثلثان، وإذا كن أكثر من ثنتين فلهن الثلثان كذلك، وإذا كانا ذكرين أو أكثر فهم عصبة يقتسمون الباقي، أما قول أبي يوسف والذي عليه الفتوى في المذهب الحنفي بوقف نصيب ابن واحد فيرد عليه بأن ولادة التوأم كثيرة معتادة، فالاحتياط لحمل الحمل إذن ليس متحققًا ولا داعي لأخذ كفيل من الورثة برد الزائد الذي أخذوه، فلأن يعطى للولد في نصيبه من الزائد مرة ثانية خيرٌ له وللحمل من أن يأخذ أكثر من حقه، ثم يُسترد منه الزائد، أما قول الشافعية بعدم ضبط عدد معين للحمل يوقف له؛ فإنه يرد عليه بأن هذا لا يتحقق به الاحتياط للحمل، إذ لابد من التحديد الذي يحقق المصلحة للحمل، والتحديد مع الاحتياط ممكنٌ، وهو اثنين ذكور أو اثنتين إناث أيهما أكثر، وأما قول المالكية: يوقف توزيع التركة كلها حتى تضع الحامل حملها، فيَرد عليه بأن هذا فيه ظلم على الورثة أو على بعضهم، فربما كان الورثة أو بعضهم في حاجة ماسة إلى مال للإنفاق، خاصة الزوجة الحامل، فلا ضير من وقف نصيب ذكرين أو أنثيين أيهما أكثر، وتوزيع الباقي على الورثة، فإذا جاء الحمل كما وُقف له أخذه، وإن جاء دون ذلك أخذ نصيبه، ووزِّع الباقي على الورثة، وبهذا لم يقع ظلمٌ على الورثة ولا على الحمل، لا في التوزيع الأول للتركة ولا في توزيع الزائد بعد الولادة.

ولقد أخذ قانون المواريث في مصر برأي أبي يوسف، وهو المفتى به في المذهب الحنفي، فنصت المادة 42 على أنه يُوقف للحمل من تركة المتوفى أوفرَ النصيبين على تقدير أنه ذكر أو أنثى.

error: النص محمي !!