كيفية القطع
إذا تمت السرقة بكمالها دون أن تشوبها شائبة من شبهة، وجب أن يقام الحد على السارق, وكيفية القطع: أن تقطع يده اليمنى من مفصل الكوع، أي: أعلى الكف، ولا ينبغي القطع بأزيد من ذلك بما يتجاوز الزند، وفي هذا المعنى أخرج البيهقي، أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((قطع يد السارق من المفصل)).
ومن المعقول -كدليل على القطع من المفصل-: أن البطش باليد عادةً يتم عن طريق الكف إلى مفصل الكوع، وقد أوجبت الشريعة الديةَ كاملةً بقطع اليدين من مفصل الكوع، وفي اليد الواحدة حتى مفصل الكوع نصف الدية، وفيما زاد عن ذلك وجبت فيه حكومة، أي: تقدير لقدر الجرم، يقدره المختصين في هذا الأمر.
ومن رحمة الشريعة الإسلامية على القاطع حتى لا تحدث السرايا عند القطع، قالت الشريعة بوجوب حسم الجرح؛ كي لا يستمر النزف فيهلك المقطوع، والحسم معناه: أن توضع اليد من موضع القطع في زيت يغلي، فتحسم بذلك العروق، ويتطهر الجرح، وينقطع النزف، وفي حسم الجرح بعد قطع اليد، أخرج البيهقي بإسناده عن أبي هريرة: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بسارق سرق شملةً –ثيابًا، أو كساءً- اشتمل به، فقالوا: يا رسول الله، إن هذا قد سرق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أخاله سرَق، قال السارق: بلى يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهبوا به، فاقطعوه، ثم احسموه، ثم ائتوني به، فقُطِع، فأُتِيَ به، فقال: تُبْ إلى الله عز وجل قال: تبتُ إلى الله، قال: تاب الله عليك)).
لكن ماذا إذا لم تكن للسارق يد يمنى؟
قالوا: قطعت رجله اليسرى من مفصل الكعب، وإذا كانت اليمنى ناقصة الأصابع، أو قطعت منها بعض الأصابع؛ لأن اسم اليد يقع عليها، إلا أنهم قالوا: إذا كانت اليمنى شلَّاء فلا ينبغي أن تقطع؛ لأنها كالمعدومة، وتقطع بدلًا منها رجله اليسرى، وإذا سرق ثانيةً وجب أن تقطع رجله اليسرى من مفصل الكعب دون زيادة؛ لأن هذا الجزء يطلق على الرجل، وهو ما يجب به نصف الدية، وإذا قطعت رجلُه اليسرى وجب أن تُحسم بالزيت المغلي، أو بأيِّ وسيلة من وسائل العلاج؛ حسمًا للدم أن ينزف، وتطهيرًا للجرح.
أما لو سرق ثالثةً، ورابعةً، هل تقطع يده اليسرى، ثم رجله اليمنى؟ أو ينبغي الاقتصار على القطع في اليمنى واليسرى، ونلجأ إلى التعزير؟
ثمة خلاف بين العلماء في هذه المسألة، على النحو التالي:
الفريق الأول: يرى أنه إذا قطعت يده اليمنى، ثم رجله اليسرى فلا قطعَ عليه بعد ذلك فيما لو سرق الثالثة، وإنما يعزر حبسًا في السجن؛ تخليدًا حتى يتوب، وذلك على سبيل الاستحسان، واستدلوا على ذلك، بما ورد أن عليًّا رضي الله عنه أُتِيَ بسارق فقطع يده، ثم أتي به فقطع رجله، ثم أتي به فقال: “أقطع يده!! بأيِّ شيء يتمسح؟”، أي: بأي شيء يتوضأ، ويستنجي، ويأكل، ويشرب، بأي شيء؟ ثم قال: “أقطع رجله!! على أيِّ شيء يمشي؟ إني لأستحيي من الله”، ثم ضربه وخلَّده في السجن.
أما الفريق الثاني: المالكية، والشافعية، والحنابلة، في قولهم الثاني: فقد ذهبوا جميعا إلى وجوب الاستمرار في القطع؛ ليأتي القطع على اليدين والرجلين جميعًا، وذلك إذا تعددت السرقات من السارق، يعني: أنه إذا قطعت يده اليمنى، ورجله اليسرى، ثم سرق بعدها للمرة الثالثة، وجب أن تقطع يده اليسرى، وإذا سرق للمرة الرابعة قطعت رجله اليمنى، وإذا سرق في المرة الخامسة وجب في حقه التعزير، واستدلوا على ذلك، بما أخرجه النسائي عن جابر بن عبد الله قال: ((جيء بسارق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول الله إنما سرق، فقال: اقطعوه، فقطعوا، ثم جيء به الثانية، فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول الله، إنما سرق، قال: اقطعوه، فقطع، ثم جيء به الثالثة، فقال: اقتلوه، قالوا: يا رسول الله، إنما سرق، قال: اقطعوه، ثم أُتي به الرابعة، فقال: اقتلوه، قالوا: يا رسول الله، إنما سرق، قال: اقطعوه، فأتي به الخامسة، فقال: اقتلوه)).
هذا ما استدل به أصحاب القول الثاني، الذين ذهبوا إلى القول بتعدد القطع مع تكرر السرقة.
هذا فيما يتعلق بجريمة السرقة، وكيفية القطع.