كيفية ميراث ذي القرابتين من ذوي الأرحام
اختلفت كلمة الفقهاء في القريب من ذوي الأرحام إذا كان له جهتا إرث، هل يرث من الجهتين معًا؟ أم يرث من جهة واحدة؟
في المسألة مذهبان: الأول للحنفية، والثانية للشافعية والحنابلة.
المذهب الأول للحنفية: طريقة أهل القرابة:
مذهب الحنفية: أن من له قرابتان من ذوي الأرحام لا يخلو عن واحد من أمرين؛ إما أن يتحد حيز القرابة -أي: جهة القرابة- وإما أن يختلف، فإن اتحد حيز القرابة، فإنه يرث من جهة واحدة ولا عبرة بتعدد القرابات، وأن اختلف حيز القرابة بسبب تعدد جهات الإرث فإنه يرث من الجهتين معًا.
مثال لاتحاد الحيز:
مات عن ابن بنت بنت، وبنت بنت بنت، هي في نفس الوقت بنت ابن بنت، هنا تعددت جهات القرابة لبنت بنت البنت، لكنها لم ترث إلا من جهة واحدة؛ لعدم اختلاف الحيز، فكل منهما من جهة الأم؛ لذلك كانت التركة بينها وبين ابن بنت البنت: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ}.
مثال لاختلاف الحيز:
مات عن بنت خال شقيق، وابنِ خال شقيق، وفي نفس الوقت ابن عمة شقيقة، يُتصور ذلك في رجل تزوج أختَ زوجِ أخته، أو بعبارة أقرب: إذا تزوج خالك بعمتك، فأنجبَا ولدًا، فيكون هذا الولد ابن خال، وهو في نفس الوقت ابن عمة، فالورثة هنا بنت خال شقيق، وابن خال شقيق هو ابن عمة شقيقة، فهنا في هذه المسألة ابن الخال الشقيق هو في نفس الوقت ابن عمة، فتعددت جهات قرابته، واختلف الحيز، فله قرابة من جهة الأب، وهو كونه ابن عمة شقيقة، وله قرابة أخرى من جهة الأم وهو كونه ابن خال شقيق، وبِناءً على هذا اختلف الحيز، فقد ورث من الجهتين معًا بخلاف بنت الخال الشقيق، فإنها ذات قرابة واحدة هي من جهة الأم؛ لأنها بنت خال آخر غير الذي تزوج العمة، فيكون لابن الخال الشقيق -الذي هو ابن عمة شقيقة- ثلثا التركة، ويكون لبنت الخال الشقيق الآخر لها ثلث التركة.
ولذلك فإن ذا القرابتين له ثلثا التركة بصفته ابن عمها؛ لأن هذه قرابة الأب، وقرابة الأب لها الثلثان كما هو معروف، ثم بعد ذلك يشارك بنتَ الخال الشقيق في الثلث الباقي؛ لمساوته لها في درجة القرابة، وفي قوتها، وتكون المشاركة: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} فيأخذ ثلثي هذا الثلث إضافةً إلى ما أخذ، ويكون لبنت الخال الشقيق من التركة كلها ثلث الثلث لا غير.
فالمسألة إذًا من ثلاث: اثنان لابن العمة، وواحد لابن الخال، وبنت الخال، ولما كانت فلوس التركة وهو سهم واحد لا ينقسم على ابن الخال وبنت الخال: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} ورءوسهم ثلاثة، فيكون بينهما تباين، والمسألة بحاجة إلى تصحيح فصححناها بضرب عدد الرءوس ثلاثة × أصل المسألة ثلاثة، فنتج عنه تسعة وهو المصح.
ثم بعد ذلك ضربنا سهام كل وارث في عدد الرءوس فكان نصيبه من المصح، ويكون سهما ابن العمة × ثلاثة يساوي ستةً من المصح، تخصه بصفته ابن عمة، ويكون سهم ابن الخال -الذي هو ابن العمة- مع بنت الخال × ثلاثة تساوي ثلاثةً، لابن الخال ثلثاها سهمان من المصح، يكونان له بهذه الصفة ابن خال، ولبنت الخال ثلثها سهم واحد من المصح، وبذلك يكون مجموع سهام ذي القرابتين ثمانية أسهم من تسعة، ولذات القرابة الواحدة سهم واحد من تسعة.
وموقف القانون من توريث ذي الجهتين من ذوي الأرحام، أخذ قانون المواريث بمذهب الحنفية في ذلك، حيث نصت المادة السابعة والثلاثين منه على ذلك، وجاء فيها: لا اعتبارَ لتعدد جهات القرابة في وارث من ذوي الأرحام إلا عند اختلاف الحيز.
وأما المادة الثامنة والثلاثين في إرث ذوي الأرحام، فإنها نصت على أنه يكون: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ}.
المذهب الثاني للشافعية والحنابلة: وهم أهل طريقة أهل التنزيل:
مذهب الشافعية والحنابلة: أن القريب من ذوي الأرحام إذا كان له قرابتان فإنه يرث بهما، فيعتبر كشخصين يرثوا بالجهتين اللتين أدلى بهما من غير نظر ولا اعتبار لاتحاد حيز القرابة أو اختلافه.
وبذلك يتضح لنا أن الحنفية والشافعية والحنابلة متفقون على أن القريب من ذوي الأرحام إذا كان له قرابتان ورث بهما في حالة اختلاف حيز القرابة، أما في حالة اتحاد الحيز، فإن الأحناف لا يورثونه إلا بقرابة واحدة، أما الشافعية والحنابلة فإنهما يورثانه في حال اتحاد الحيز أو في حال اختلافه.
مثال على ذلك:
مات عن ابن بنت بنت، وفي نفس الوقت ابن ابن بنت أخرى، ويتصور ذلك في رجل تزوج بنت خالته، فأنجب منها ابنًا، فيكون هذا الابن ابن بنت بنت، وهو في نفس الوقت ابن ابن بنت أخرى؛ لأن أباه وأمه ولدَا بنتي المتوفى، وترك أيضًا بنت بنت بنت ثالثة.
تقسم هذه المسألة عند الشافعية والحنابلة. وهم أهل التنزيل الذين ينزلون الفرعَ منزلة أصله، فيعطونه ما يستحق أصله، وهنا الأصول بنات ثلاثة، هن جدات الفروع، فتكون التركة لهن بالتساوي فرضًا وردًّا، ولما كنا صنفًا واحدًا متعددًا فإن مسألتهن من عدد رءوسهن وهو ثلاثة، فيكون لكل بنت التي هي جدة الفرع ثلث التركة فرضًا وردًّا، وينتقل هذا بفرعها، فيكون ذو القرابتين له الثلثان: ثلث نصيب جدته لأمه، وثلث نصيب جدته لأبيه، وذات القرابة الواحدة لها الثلث نصيب جدتها لأمها.