كيف تُروى الأحاديث الموضوعة
أجمع العلماء على أنه لا يجوز أن تروى الأحاديث الموضوعة في الترغيب والترهيب والفضائل وفي غير ذلك، إلا على سبيل التنبيه على أنها موضوعة؛ ليحذرها الناس ويتجنبوها، ولكن هل يكفي للتنبيه على أن الحديث موضوع أن يذكر بإسناده الذي به الكذاب، بناءً على هذه القاعدة التي تعارف عليها العلماء: “من أسند فقد أحالك، ومن أرسل فقد تكفل لك”. والمراد: أن من يذكر الحديث بإسناده فقد أحال القارئ على البحث عن مدى صحة الحديث من حيث اتصال الإسناد ومعرفة هل الرواة ثقات أم لا؟ وهل سلم الحديث من الشذوذ والعلة القادحة أم لا؟ أما من لم يذكر إسناد الحديث فيكون هو المسئول عن صحة الحديث.
قال الخطيب البغدادي رحمه الله : يجب على المحدث ألا يروي شيئًا من الأخبار المصنوعة والأحاديث الباطلة الموضوعة، فمن فعل ذلك؛ باء بالإثم المبين، ودخل في جملة الكذابين، كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم .
عن المغيرة بن شعبة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من روى عني حديثًا يُرى أنه كذب، فهو أحد الكاذبيْن» الحديث أخرجه الإمام مسلم. فكلمة يُرى بضم الياء، بمعنى: يظن، ويَرى بفتح الياء، بمعنى: يعلم.
ملحوظة هامة:
الحديث الموضوع قد يكون من كلام الوضاع الكذاب وقد يكون من كلام غيره:
قد يأتي الوضاع بكلام من عند نفسه، ويجعل له إسنادًا، وينسبه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم كذبًا وزورًا، وقد يأخذ الوضاع كلامَ غيره ثم ينسبه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فبعض الوضاعين عمدوا إلى كلام الصحابة فرفعوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وبعض الوضاعين عمدوا إلى كلام التابعين فرفعوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وبعض الوضاعين عمدوا إلى المراسيل فوصولها، وبعضهم عمدوا إلى كلام الحكماء والأطباء فجعلوا له إسنادًا ونسبوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقد قال محمد بن سعيد الكذاب المصلوب في الزندقة: لا بأس إذا كان كلام حسن أن تضع له إسنادًا.
هل يجوز أن يطلق على ما نسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم كذبًا أنه حديث؟:
الحديث الموضوع هو شر أنواع الحديث الضعيف على الإطلاق، قال ابن الصلاح: اعلم أن الحديث الموضوع شر الأحاديث الضعيفة، ولا تحل روايته لأحد علم حاله في أي معنى كان، إلا مقرونًا ببيان وضعه بخلاف غيره من الأحاديث الضعيفة، التي يحتمل صدقها في الباطن، حيث جاز روايتها في الترغيب والترهيب.
ويجوز إطلاق كلمة حديث على ما نسب كذبًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأكثر من اعتبار:
الاعتبار الأول: معرفة الطرق التي يتوصل بها لمعرفته؛ لينفى عن الحديث المقبول والضعيف الذي يعمل به في الترغيب والترهيب.
الاعتبار الثاني: أن يراد به القدر المشترك: وهو ما يحدث به أعم من أن يكون صدقًا أو كذبًا.
الاعتبار الثالث: بالنظر لما في زعم واضعه؛ فإن واضعه يزعم أنه كلام رسولصلى الله عليه وسلم ويضيفه إليه.
هل يلزم من قول ابن الصلاح: “الحديث الموضوع شر الأحاديث الضعيفة”. أن الحديث الضعيف يشارك الحديث الموضوع في الشر، مع أن الحديث الضعيف يعمل بأنواع منه في الفضائل؟
الجواب عن ذلك: إن أفعل التفضيل في قوله: “شر”. هنا ليست على بابها، حتى يلزم الاشتراك بين الضعيف والموضوع في الشر.