Top
Image Alt

كُتب التّخريج

  /  كُتب التّخريج

كُتب التّخريج

أولًا: التّعريف بكُتب التّخريج:

التخريج: هو إخراج المحدِّث الأحاديث مِن بُطون الأجزاء والمشيخات والكتب ونحوها، وسِياقها مِن مَرويّات نفْسه أو بعض شيوخه أو أقرانه، ونحو ذلك، والكلام عليها، وعزْوها لِمن رواها من أصحاب الكُتب والدواوين.

ويُطلق التخريج، ويُراد به: الدَّلالة على مصادر الحديث الأصليّة التي أخرجته، وعزْوه إليها، ثم بيان مَرْتبته مِن الصِّحّة والضّعف.

ولا يشكّ أحد في فائدة التّخريج، إذ لا يسوغ لطالب العلْم -ولا سيَما المتخصِّص في الحديث- أن يروي حديثًا إلاّ بعد معرفة مَن أخرجَه مِن الأئمّة، ومرْتبتِه مِن الصّحّة أو عدمها.

ثانيًا: تاريخ نشأة التّخريج:

لم يكن العلماء في القديم يحتاجون إليه، وخاصةً في القرون الخمسة الأولى، لِمَا حباهم الله مِن الحفْظ وسِعة الاطّلاع على الكُتب المُسنَدة التي جمعتْ أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. .وبقِي الحال على ذلك عدّة قرون، حتى ضَعُف الحِفْظ وقلَّ الاطّلاع على كُتب السُّنّة ومصادرها الأساسيّة، فصَعُب على كثير من الناس معرفة مواضع الأحاديث التي استشهد بها المصنِّفون في علوم الشريعة وغيرها، كالفقه والتفسير والتاريخ والسِّيَر.

عند ذلك، نهض بعض العلماء لِتخريج أحاديث بعض الكتب المُصنَّفة في غير الحديث، كالفقه والتّفسير وغيرها، وعزْو تلك الأحاديث إلى مصادرها مِن كُتب السُّنّة الأساسية، وذكروا طُرقَها وتكلّموا على أسانيدها ومتونها بالتصحيح والتضعيف حسَب ما تقتضيه القواعد؛ وعند ذلك ظَهر ما يُسمَّى بِكتب التخريج. وكان من أوائل تلك الكتب: الكتب التي خرّج الخطيب البغدادي (ت 463هـ) أحاديثها.

ومِن أشهرِها:

  1. 1.  (تخريج الفوائد المنتخَبة الصِّحاح والغرائب) لأبي القاسم المهرواني.
  2. 2.  (تخريج الفوائد المنتخَبة الصِّحاح الغرائب) للشريف أبي القاسم الحسيني.

ومن ذلك أيضًا: كتاب (تخريج أحاديث المُهَذب) -في الفقه الشافعي- تخريج محمد بن موسى الحازمي (ت 582هـ)، و(المُهَذّب) من تصنيف أبي إسحاق الشيرازي.

ثم تتابعت بعد ذلك كُتب التخريج، حتى شاعت وكثُرت، وبَلغت عشَرات المُصنَّفات، وخاصّة في القرنيْن: الثامن والتاسع.

وبذلك قدَّم علماء الحديث في القرون المتأخِّرة خِدمةً كبيرة لتلك الكتب التي خرّجوا أحاديثها، كما قدّموا أيضًا خِدمة جليلة للسُّنّة المطهّرة، ولِطَلبة علْم الحديث الشريف.

ثالثًا: من أشهر كتب التخريج:

  1. 1.  (تخريج أحاديث المختصَر الكبير لابن الحَاجِب)، تصنيف محمد بن عبد الهادي (ت 744هـ)، لم يُطبع -فيما أعلم-.
  2. 2.  (نَصْب الرّاية لأحاديث الهداية) تأليف عبد الله بن يوسف الزيلعي (ت 762هـ)، مطبوع.
  3. 3.  (تخريج أحاديث كشّاف الزمخشري) للزيلعي أيضًا.
  4. 4.  (البدر المنِير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير)، تصنيف سراج الدِّين عمر بن محمد بن علي بن الملقِّن (ت 804هـ)، حُقّق في رسائل جامعية في الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية.
  5. 5.  (المُغني عن حمْل الأسْفَار في الأسْفَار في تخريج ما في إحياء علوم الدِّين من الأخبار)، تأليف الحافظ زين الدِّين عبد الرحيم بن الحسين العراقي (ت 806هـ)، وهو مطبوع بهامش (الإحياء).
  6. 6.  (تخريج الأحاديث التي يشير إليها الترمذي في كل باب بقوله: “وفي الباب عن فلان)، تصنيف الحافظ العراقي أيضًا، لم يُطبع -فيما أعلم-.
  7. 7.  (التَّلخيص الحَبير تخريج أحاديث الرافعي الكبير)، تَصْنيف الحافظ ابن حجر، مطبوع.
  8. 8.  (الدراية في تخريج أحاديث الهداية) للحافظ ابن حجر أيضًا، مطبوع.
  9. 9.  (تخريج أحاديث الكشَّاف) للحافظ ابن حجر أيضًا، مطبوع بهامش الكشَّاف.

10.(تُحْفة الراوي في تخريج أحاديث البيضاوي) للحافظ عبد الرءوف المناوي.

11.(إرواء الغَليل في تخريج أحاديث منار السبيل)، تخريج الشيخ ناصر الدِّين الألباني.

رابعًا: دراسة موجَزة لنماذج مِن كتب التخريج:

سنقتصر على التعريف الموجز بكتابَيْ: (نصْب الراية)، و(التَّخليص الحَبير)، لأهمّيّتهما؛ ولأنهما مطبوعان متداولان بين طلَبة العلْم.

الأوّل: (نصب الراية لأحاديث الهداية):

أ. مؤلِّفه:

أبو محمد جمال الدِّين عبد الله بن يوسف بن محمد الحنفي الزيلعي -رحمه الله- (ت 762هـ).

ب. موضوع الكتاب:

تخريج الأحاديث التي استدلّ بها العلاّمة علي بن أبي بكر المرغيناني الحنفي (ت 593هـ) في كتاب (الهِداية) في الفقه الحنفي، وهو مِن أوسع وأشهر ما وصَلَنا مِن كُتب التخريج.

قال الكتاني: “وهو تخريج نافع جدًّا، منه استمد مَن جاء بعده من شُرَّاح (الهداية)، بل منه استفاد كثيرًا: الحافظ ابن حجر في تخريجه؛ وهو شاهد على تبحّره في فنّ الحديث وأسماء الرجال، وسِعة نظَره في مرفوع الحديث”.

ج. منْهج الزيلعي: في كتابه (نصْب الراية):

  1. رتّبه على أبواب الفقه تبعًا للأصل –(الهداية)- مبتدئًا بكتاب الطهارة إلى آخر أبواب الفقه.
  2. يَذكر -رحمه الله- نصّ الحديث الذي أورده صاحب (الهداية)، ثم يذكر مَن خرّجه من أصحاب كتب السُّنّة وغيرها، مستقصيًا طُرقه ومواضعه حسب الإمكان.
  3. يَذكر الأحاديث التي تَدعم وتشهد لمعنى الحديث الذي ذكّره  صاحب (الهداية)، ويَذكر مَن خرّجه أيضًا، ويرمز لهذه الأحاديث بـ”أحاديثِ الباب”، أي: التي للمذهب الحنفي: مذهبِ صاحب (الهداية).
  4. إن كانت المسألة خلافيّة، يذكر الأحاديث التي استدل بها العلماء والأئمة المُخالِفون لِما ذهب إليه الأحناف، ويرمز لهذه الأحاديث بأحاديث الخُصوم، ويذكر مَن خرّجها أيضًا مع بيانِ عِلل كلِّ حديث إن وُجدت سواء في أحاديث الباب أو في أحاديث الخُصوم. وكتاب (نصْب الراية) مطبوع في أربع مجلّدات.

الثاني: (التَّلخيص الحَبير) للحافظ ابن حجر:

أ. مؤلِّفه:

الحافظ شِهاب الدِّين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، المولود سنة (773هـ)، والمتوفّى (852هـ)، صاحب التصانيف الكثيرة المشهورة.

ب. اسم الكتاب: (لتَّلخيص الحَبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير):

ج. موضوعه:

لخَّص فيه المؤلِّف -رحمه الله- كتاب: (البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار في الشرح الكبير) لابن الملقِّن (ت  804هـ)، وكتاب (الشرح الكبير) في الفقه الشافعي لأبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي (ت 623هـ)، شرَح فيه كتاب: (الوجيز) لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي (ت 505هـ).

د. سبب تأليفه:

قال الحافظ ابن حجر في مقدّمته:

 “أما بعد، فقد وقفتُ على تخريج أحاديث (شرح الوجيز) للإمام أبي القاسم الرافعي -شكر الله سعْيه- لجماعة مِن المتأخِّرين، منهم: القاضي عز الدِّين بن جَماعة، والإمام أبو أمَامة ابن النقاش، والعلامة سراج الدّين ابن الملقِّن، والمفتي بدْر الدِّين محمد بن عبد الله الزَّركشي.

وعند كل واحد منهم ما ليس عند الآخر مِن الفوائد والزوائد، وأوسعها عبارة وأجلّها: كتاب شيخنا سراج الدِّين بن الملقّن، إلاّ أنه أطال بالتّكرار فجاء في سبْع مجلّدات.

ثم رأيته لخَّصه في مجلّدة لطيفة، أخلَّ فيها بكثير من مقاصد المُطوّل وتنبيهاته؛ فرأيتُ تلخيصه في قدْر ثلُث حجْمه، مع الالتزام بتحصيل مقاصده، فمنّ الله بذلك.

ثم تتبّعتُ عليه الفوائد والزوائد مِن تخريج المذكُورين معه، ومن تخريج أحاديث (الهداية) في فقه الحنفية للإمام جمال الدِّين الزيلعي؛ لأنه يُنبّه فيه على ما يَحتجّ به مُخالفوه، وأرجو الله -إن تمّ هذا التّتبّع- أن يكون حاويًا لجُل ما يَسْتدل به الفقهاء في مصنَّفاتهم في الفروع. وهذا مقْصِد جليل، والله المسئول أن ينفعنا بما علّمنا ويعلّمنا ما ينفعنا”.

هـ. منهج الحافظ في كتابه: (التلخيص الحبير):

أولًا: رتّبه على أبواب الفقه تَبعًا للأصل: (الشرح الكبير).

ثانيًا: يَسوق المؤلِّف -رحمه الله- النّصّ كما ذكره صاحب الشرح، ثم يَشرع في تخريجه مُبيِّنًا ما فيه مِن العِلل سندًا ومتنًا.

ثالثًا: يُورد بعْده ما يشهد مِن المتابعات والشواهد، مبيِّنًا درجة كل حديث غالبًا.

رابعًا: كثيرًا ما يشير إلى أدلّة المُخَالِف مع بيان الرّاجح مِن الأدلّة، مبيِّنًا درجة كلّ حديث صحة وضعفًا.

وقد طُبع الكتاب في أربعة أجزاء في مجلّديْن، وطبع بهامش (المجموع) للنووي أيضًا.

error: النص محمي !!