Top
Image Alt

لبيد ومعلقته

  /  لبيد ومعلقته

لبيد ومعلقته

أما الشاعر لبيد بن ربيعة: فهو شاعر من مُضر، واحد من الشعراء الفُرسان الأجواد، وهو أحد الشعراء المخضرمين المعمرين، عاش شطرًا من حياته في الجاهلية، وأدرك الإسلام وأسلم وحسن إسلامه، ومات سنة أربعين من الهجرة النبوية الشريفة، ومعلقته من الشعر الجاهلي.

ولبيد بن ربيعة من أسرة ماجدة، كان أبوه يُلقب “ربيع المقترين”؛ لجوده ونجدته، وأعمامه من الفرسان المشهورين: عامر ملاعب الأسنة، والطفيل الفارس المشهور، ومعاوية، وأخوه أربد فارس شجاع، وابن عمه عامر بن الطفيل من أكثر فرسان العرب شهرةً.

وقد تخطف الموت هؤلاء جميعًا في حياة لبيد، فتأثر بذلك تأثرًا كبيرًا، ورَثَاهم في شعره رثاء الأبطال الكبار.

ولما أسلم لبيد عكف على تلاوة القرآن وحفظه، واستبدله بالشعر.

ومن الدارسين مَن يقول: إنه لم يقل في الإسلام إلا أبياتًا معدودات، منها: قوله:

ألا كل شيء ما خلا الله باطلُ

*وكل نعيم لا محالة زائلُ

ومنهم من يقول: إن له شعرًا كثيرًا في الإسلام.

على أي حال؛ هذه المعلقة التي نتعرض لها اليوم شعرٌ جاهليٌّ خالصٌ.

تبدأ المعلقة بالنسيب، والوقوف على الأطلال كعادة الشعراء في مفتتح قصائدهم في ذلك العصر.

يقول لبيد في مقدمة معلقته:

عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّها فَمُقَامُها

*بِمنىً تَأَبّدَ غَوْلُها فَرِجَامُهَا

فَمَدَافِعُ الرّيّانِ عُرِّيَ رَسْمُها

*خَلَقًا كما ضمِنَ الوُحِيَّ سِلاَمُهَا

دِمَنٌ تَجَرَّمَ بَعْدَ عَهْدِ أَنِيسِها

*حِجَجٌ خَلَوْنَ حَلاَلُها وَحَرامُهَا

رُزِقَتْ مَرَابِيعَ النّجومِ وَصَابَها

*وَدْقُ الرّواعِدِ جَوْدُهَا فَرِهَامُها

مِنْ كُلِّ سَارِيَةٍ وَغَادٍ مُدْجِنٍ

*وَعَشِيّةٍ مُتَجَاوِبٍ إرْزَامُهَا

فَعَلا فُرُوعِ الأيْهقانِ وَأَطْفَلَتْ

*بِالجَلْهَتَينِ ظِباؤُها وَنَعَامُهَا

وَالعِينُ سَاكِنَةٌ على أطلائِها

*عُوذًا تَأَجُّلُ بالفَضاءِ بِهَامُهَا

وَجَلاَ السّيولُ عَنِ الطّلُولِ كَأَنّها

*زُبُرٌ تُجدّ مُتُونَها أَقْلامُهَا

أَوْ رَجْعُ واشِمَةٍ أُسِفُّ نؤورُها

*كِفَفًا تَعَرّض فَوْقَهُنَّ وِشَامُهَا

فَوَقَفْتُ أَسْأَلُهَا وَكَيفَ سُؤَالُنا

*صُمًّا خَوَالِدَ ما يَبينُ كَلامُهَا

عَرِيَتْ وكَانَ بِهَا الجَميعُ فأَبْكَرُوا

*مِنْهَا وغُودِرَ نُؤْيُها وثُمَامُهَا

والملاحظ على لغة لبيد أنها لغةٌ غامضةٌ، فيها كلامٌ كثيرٌ يحتاج إلى التفسير بالاستعانة بالمعاجم.

ويلاحظ: أن الضمير في نهاية القافية لا بد من ملاحظة مرجعه؛ حتى يتبين لنا المعنى، والأبيات التي قرأناها وصفٌ لِمَا حدث للديار من خراب بعد رحيل أهلها عنها، وأن البقر الوحشي سكَنَ هذه الأماكن، وأخذ يسرح ويغدو ويروح فيها، وأن بقايا الأطلال الباقية تشبه الوشم الباقي في الذراع -وأشرنا إلى مسألة الوشم في مقدمات سابقة- ثم قال: إنه وقف على هذه الديار يسائلها، ثم يقول:

…… ….. ….. وَكَيفَ سُؤَالُنا

*صُمًّا خَوَالِدَ ما يَبينُ كَلامُهَا

كأنه رجع عن السؤال؛ لأن هذه الديار لا تجيب، وأخبر أن أهلها تركوها وغادروها، وحل محلهم فيها حيوان الصحراء الوحشي.

ثم بعد هذه المقدمة الطللية انتقل لبيد إلى الكلام عن المحبوبة فقال -بعد أبيات:

بَلْ مَا تَذَكّرُ مِنْ نَوَارَ وَقَدْ نَأَتْ

*وَتَقطّعتْ أَسْبابُهَا وَرِمَامُهَا

ونوار: اسم امرأة، “وقد نأت” أي: بعدت، وتقطعت أسبابها ورمامها: أسباب وصلها.

مُرِّيّةٌ حَلَّتْ بِفَيْدَ وَجَاوَرَتْ

*أَهْلَ الحِجَازِ فَأَيْنَ مِنْكَ مَرَامُها

يتساءل: أين منك مرام هذه المحبوبة، أو كيف الوصول إليها بعد أن ذهبت بعيدًا؟!.

ثم قال:

فاقطَعْ لُبانَةَ مَنْ تَعَرّض وَصْلُهُ

*وَلَشَرُّ وَاصِلِ خُلّةٍ صَرَّامُهَا

اللبانة: الحاجة، والخلة: المودة، والصَّرْم: معناه القطع. وهنا يقول: اقطع صلةَ مَن قطع صلته بك.

واحْبُ المُجَامِلَ بِالجَزِيلِ وَصَرْمُهُ

*باقٍ إذا ضلَعَتْ وَزَاغَ قِوَامُهَا

المجامل: الذي يحسن إليك، “واحْبُ المُجَامِلَ” أي: جامله كما يجاملك، بالجزيل، أي: بالجميل، وصرمه باقٍ: أي: قطع الصلة به ممكن إذا هو أساءَ وقطع الصلة، زاغ: أي: مال، وقوام الشيء: ما يقوم به.

بعد ذلك يقول:

بِطَليحِ أَسْفَارٍ تَرَكْنَ بَقيّةً

* منها فأَحْنَقَ صُلْبُهَا وَسَنَامُهَا

“بطليح أسفار”، المراد به: الناقة، والطليح: هو الهزيل، والأسفار: جمع سفر، وكلمة “بطليح”: جار ومجرور متعلق بـ”صرمه باقٍ” أي: إن القطيعة ممكنة عن طريق هذه الناقة التي يمكن أن ترتحل بها وقد جربت السفر كثيرًا؛ حتى إن الأسفار لم تترك من لحمها وشحمها إلا بقيةً:

واحْبُ المُجَامِلَ بِالجَزِيلِ وَصَرْمُهُ

*باقٍ إذا ضلَعَتْ وَزَاغَ قِوَامُهَا

بِطَليحِ أَسْفَارٍ تَرَكْنَ بَقيّةً

*منها فأَحْنَقَ صُلْبُهَا وَسَنَامُهَا

ثم يأخذ لبيدٌ في وصف ناقته، فيذكر سرعتها ويشبهها بالسحابة السريعة، ثم يشبهها بعد تشبيهه إياها بالسحابة بأنثى الحمار الوحشي، ويذكر لنا قصةً لهذه الأنثى -أو لهذه الأتان- فيصورها لنا وقد تنافست فيها الفحول وازدحمت عليها، وهي تجري مسرعةً حتى يستأثر بها واحد من هذه الوحوش، فيدفعها أمامه وهي تحاول الإفلات منه، وهو يعدو على إثرها حتى تضمنهما مكان مرتفع كثُر فيه النبت، وغطاه العشب، أقامَا معًا فيه فصل الشتاء، مكتفيَيْن بنباته عن الماء، فإذا جاء الصيف؛ جف النبات وأصبح الحمار وأنثاه في حاجة إلى الماء، فيدفعها أمامه فتعدوا عدوًا سريعًا؛ كأنها تريد أن تَفلت منه مرةً أخرى، لكنه يعدو وراءها، ثم يدخلان في غبار كأنه ملاءة تغطيهما، أو كأنه دخان نار اشتعلت باليابس والرطب، فعلا دخانها، لكن الحمار وأنثاه لا يزالان يعدوان بسرعة شديدة؛ حتى يصلَا إلى ماء غزير في غابة كثيفة:

يقول لبيد في تشبيه ناقته بالسحابة وتشبيهها بأنثى حمار الوحش:

 فَلَها هِبابٌ في الزِّمامِ كَأَنّها

*صَهْبَاءُ خَفَّ مَعَ الجَنُوبِ جَهَامُهَا

الهباب: النشاط، والصهباء: الحمراء، السحابة التي أراقت ماءها فأصبحت خفيفةً.

 أَوْ مَلمِعٌ وَسَقَتْ لِأحْقَبَ لاَحَهُ

*طَرْدُ الفُحُولِ وَضرْبُهَا وَكِدَامُهَا

الملمع: التي أشرقت درتها باللبن، وسقت: أي: حملت، والأحقب المراد به: الفحل من حُمُر الوحش، والكَدم والكِدام: العض.

ثم يشبه لبيد ناقته ببقرة وحشية بائسة أكلت السباعُ ولدها، فهامت على وجهها في الصحراء تبحث عنه، وظلت أيامًا تبحث عنه في الصحراء، والحزن محيط بها، وبينما هي كذلك شعرت بأُناس يترقبون صيدها، فأسرعت تجري، فأرسل الصيادون وراءها الكلابَ، فقامت بينها وبين الكلاب معركة، استطاعت بقرونها أن تقتل كلبين منها، وأخذت في الجري لتهرب من جديد، شبه لبيد ناقته بهذه البقرة في هذه الحال.

ولا بد أن نقفَ عند بعض الأبيات من هذه القصة -قصة البقرة الوحشية، وهي مُطارَدة من الصياد- قال لبيد في بداية القصة والتشبيه:

أَفَتِلْكَ أَمْ وَحْشِيّةٌ مَسْبُوعَةٌ

*خَذَلَتْ وَهَادِيَةُ الصِّوَارِ قِوَامُهَا

خَنْسَاءُ ضيّعَتِ الفَرِيرَ فَلَمْ يَرِمْ

*عُرْض الشّقَائِقِ طَوْفُهَا وَبُغَامُهَا

ثم قال -مصورًا خوفهَا والمعركة التي دارت بينها وبين الكلاب:

وَتَوجَّسَتْ رِزَّ الأنيسِ فَرَاعَها

*عَنْ ظَهْرِ غَيبٍ والأنيسُ سَقَامُهَا

فَغَدَتْ كِلَا الفَرجَينِ تَحْسِبُ أَنّه

*مَوْلى المَخَافَةِ خَلْفُها وَأَمَامُهَا

حَتى إذا يَئِسَ الرَّّماةُ وأَرْسَلُوا

*غُضفًا دَوَاجِنَ قَافِلًا أَعْصَامُهَا

والمراد بالغضف الدواجن: القافلة الأعصم هنا: الكلاب الضامرة، كلاب الصيد.

فَلَحِقْنَ واعْتَكَرَتْ لَها مَدَرِيّةٌ

* كالسَّمْهَرِيّةِ حَدُّها وَتَمَامُهَا

المدرية: قرون البقرة، كالسمهرية: شبهها بالرماح السمهرية.

لِتَذُودَهُنّ وَأَيقَنَتْ إنْ لَمْ تَذُدْ

*أَنْ قَدْ أُحمَّ مَعَ الحُتُوفِ حِمَامُهَا

إن لم تدفع الكلاب عنها ستموت.

فتَقَصّدَتْ منها كَسابِ فضرِّجتْ

*بِدَمٍ وَغُودِرَ في المَكَرّ سُخَامُهَا

وكساب وسخام: اسمان لكلبتين من كلاب الصيد، يقول: إن البقرة الوحشية قتلتهما.  ثم يقول لبيد:

فَبِتِلكَ إذْ رَقَصَ اللّوامِعُ بِالضّحى

*وَاجْتَابَ أَرْديَةَ السّرابِ إكامُهَا

أقْضي اللُّبانَةَ لا أُفَرّطُ رِيبَةً

*أَوْ أَنْ يَلُومَ بِحَاجَةٍ لُوّامُهَا

يقول: بتلك الناقة التي شبهتها لك بالسحابة مرةً، وبأنثى حمار الوحش مرةً، وبالبقرة الوحشية مرةً ثالثةً، بهذه الناقة أقضي حاجتي في السفر والترحل إذا لم أرضَ عن المكان الذي أقيم فيه.

ثم يعود لبيد إلى الخطاب -أو إلى الحديث- عن محبوبته، فيقول:

أَوَلَمْ تَكُنْ تَدري نَوارُ بِأَنّني

*وَصّالُ عَقْدِ حَبَائلٍ جَذّامُهَا

تَرّاكُ أَمكِنَةٍ إذا لَمْ أَرْضها

*أَو يَعْتَلِقْ بَعْض النّفوسِ حِمَامُهَا

ومن هنا يبدأ لبيد في الفخر بنفسه، فيقول:

وَلَقَدْ حَمَيتُ الحَيَّ تَحْمِلُ شِكّتي

*فُرْطٌ وِشاحي إذ غَدَوْتُ لِجَامُهَا

فَعَلَوْتُ مُرْتَقَبًا على ذي هَبْوَةٍ

*حَرِجٍ إلى أَعلامِهِنّ قَتَامُهَا

حَتى إذا أَلْقَتْ يَدًا في كافِرٍ

*وَأَجَنَّ عَوْرَاتِ الثّغُورِ ظَلامُهَا

أَسْهَلْتُ وانْتَصَبَتْ كَجِذْعِ مُنَيفَةٍ

*جَرْدَاءَ يَحْصَرُ دُونَهَا جُرّامُهَا

يقول: إنه يحمي قومه ويركب فرسًا سريعةً سابقةً، يكون لجامها وشاحة، وأنه يعلو بهذه الفرس الأماكنَ العاليةَ التي يراقب منها أعداءه.

على ذي هبوة: أي: على جبل. ثم يقول: إنه ينزل إذا غابت الشمس إلى السهل بهذه الفرس. “حتى إذا ألقت يدًا في كافر”، ألقت: أي: الشمس، في كافر: أي: الليل، والليل يُقال له: كافر؛ لأنه يسترُ الأشياءَ من الفعل كَفَرَ، بمعنى: سَتََرَ. أي: غربت الشمس:

حَتى إذا أَلْقَتْ يَدًا في كافِرٍ

*وَأَجَنَّ عَوْرَاتِ الثّغُورِ ظَلامُهَا

أَسْهَلْتُ وانْتَصَبَتْ كَجِذْعِ مُنَيفَةٍ

*جَرْدَاءَ يَحْصَرُ دُونَهَا جُرّامُهَا

أي: نزلت إلى السهل بهذه الفرس الجرداء التي تشبه النخلة العالية الطويلةَ.

ثم وصف هذه الفرس في أبيات، ثم افتخر بأنه يغشَى المحافل الكبيرةَ يدافع عن قومه وعن مجدهم، ويفتخر بأنه يذبح الذبائح العظيمة، ويقدم لحومها للفقراء والمحتاجين.

ثم ينتقل لبيد إلى الفخر بقومه، فيقول:

إنَّا إذا التْقَتِ المَجَامِعُ لَمْ يَزَلْ

*مِنّا لِزَازُ عَظِيمةٍ جَشّامُهَا

“لزاز عظيمة” المراد: منا رجال يصلحون…

ثم ينتقل لبيد إلى الفخر بقومه، فيثني عليهم بأنهم كِرام، وأنهم أماجد، وأنهم قُسِمَ لهم من الأمانة نصيب وافر، يقول لبيد:

مِنْ مَعشَرٍ سَنَّتْ لَهُمْ آباؤُهُمْ

*ولِكُلّ قَوْمٍ سُنّةٌ وَإمَامُهَا

لا يَطبَعُونَ ولا يَبُورُ فِعَالُهُمْ

*إذْ لاَ يَميلُ معَ الهَوَى أَحْلاَمُهَا

وإذا الأمانَةُ قُسّمتْ في مَعْشَرٍ

*أَوْفَى بِأَوْفَرِ حَظِّنا قَسَّامُهَا

فَبَنَى لَنا بَيتًا رَفيعًا سَمْكُهُ

*فَسَمَا إلَيهِ كَهْلُها وغُلامُهَا

فَهُمُ السُّعاةُ إذا العَشيرَةُ أُفظِعَتْ

*وَهُمُ فَوارِسُها وَهُمْ حُكّامُهَا

وهُمُ رَبِيعٌ للمُجاوِرِ فيهِمُ

*والمُرْمِلاتِ إذا تَطَاوَلَ عَامُهَا

وَهُمُ العَشِيرَةُ أَنْ يُبَطَّئ حاسِدٌ

*أَوْ أَنْ يَميِلَ مَعَ العَدُوِّ لِئَامُهَا

ونحن نلاحظ أن اللغة في فخره أصبحت لغةً سهلةً بالقياس إلى لغته في وصف الناقة، وفي وصف البقرة الوحشية، وفي وصف حمار الوحش، وفي وصف الفرس.

والحقيقة: أن هذه اللغة التي يمكن أن تكون غريبة علينا، ترجع غَرابتها إلى ذوقنا نحن؛ لأن المسافة الفاصلة بيننا وبين هذه القصيدة مسافة طويلة في الزمن، وكثيرٌ من هذه الألفاظ مهجورة في الاستعمال الحديث للغة العربية، لكنها -بالتأكيد- كانت معروفة أيام لبيد؛ لكننا -كما قلتُ- نجد لغته في فخره بنفسه وفي فخره بقومه أقل غرابةً بالنسبة لنا؛ فهو يفتخر بأن قومه كرام، وبأنهم أمناء، وبأن الله سبحانه وتعالى قَسَمَ لهم حظًّا وافرًا مما يمكن أن يفتخروا به، وأن الله بنَى لهم بيتًا رفيعًا يسمو إليه الغلام منهم والشيخُ، وأنهم السعاة الذين يسعَوْن في الملمات، وأنهم الفوارس، وأنهم الحكام والحكماء، وأنهم الكرام الذين يغيثون المرملات -أي: النساء الفقيرات- وأنهم إذا أبطأ حاسد في أن يشيد بهم، عندهم من المجد ما يكفيهم.

إذًا؛ هذه معلقة لبيد بن ربيعة: بدأت بالوقوف على الأطلال، ثم انتهت بالفخر، وبين المقدمة والنهاية وصَفَ الشاعر ناقته، وشبهها بحمار الوحش، ووصف حمار الوحش وحياته، وشبهها بالبقرة الوحشية، ووصف هذه البقرة وقصتها مع الصياد ومع كلابه. والغرض الأساسي من هذه القصيدة هو الفخر بطبيعة الحال.

واستطاع لبيد أن يرسم صورًا غايةً في الجمال في هذه القصيدة، ويحتاج تذوقها إلى تأمل، وإلى معرفة بمعاني الألفاظ وبمواقع الإعراب، ثم بإعمال الخيال في تخيل الصور التي التقطها لبيد من بيئته في التشبيه، وفي الاستعارة.

والحقيقة: أن وصفه لحمار الوحش وحياته، ووصفه لقصة البقرة، في هذا الوصف كثير من الصور الجميلة الرائعة.

كما استطاع لبيد أن يقدم لنا في هذه القصية صورة عن أخلاقه وطبعه، فهو كريم وهو شجاع، وهو لا يقبل من صديقه أن يهجره أو أن يقطع صلته به دون أن يرد عليه بالمثل؛ فهو إذا قطع صديقه قطع؛ وإذا رحلت عنه حبيبته ارتحل.

هكذا قدم لنا لبيد في معلقته صورة عن نفسه وطبعه وأخلاقه، وجانبًا من البيئة الصحراوية في العصر الجاهلي.

error: النص محمي !!