Top
Image Alt

لماذا حدَّث الأئمة عن الضعفاء والمتروكين والكذابين؟

  /  لماذا حدَّث الأئمة عن الضعفاء والمتروكين والكذابين؟

لماذا حدَّث الأئمة عن الضعفاء والمتروكين والكذابين؟

قال الإمام النووي: قد ذكر الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في هذا الباب -أي: في باب الكشف عن معايب رواة الحديث- أن الشعبي روى عن الحارث الأعور، وشهد أنه كاذب، وعن غيره حدثني فلان، وكان متهمًا، وعن غيره الرواية عن المغفلين والضعفاء والمتروكين، فقد يقال: لم حدَّث هؤلاء الأئمة عن هؤلاء، مع علمهم بأنهم لا يُحتجّ بهم؟. ويجاب عنه بأجوبة:

السبب الأول: أنهم رووا هذه الأحاديث ليعرفوها وليبينوا ضعفها؛ لئلا يلتبس في وقت عليهم أو على غيرهم أو يتشكَّكوا في صحتها. وقد أجاب يحيى بن معين على الإمام أحمد حين قال له: تكتب صحيفة معمر عن أبان عن أنس، وتعلم أنها موضوعة، وأنت تتكلم في أبان، فلو قال لك قائل: أنت تتكلم في أبان وتكتب حديثه؟

فقال الإمام يحيى بن معين: يا أبا عبد الله أكتب هذه الصحيفة فأحفظها كلها، وأعلم أنها موضوعة حتى لا يجيء إنسان، فيجعل بدل أبان ثابتًا، ويرويها عن معمر عن ثابت عن أنس، فأقول له: كذبت، إنما هي عن معمر عن أبان، لا عن ثابت.

السبب الثاني: أن الضعيف يُكتب حديثه ليعتبر به ويستشهد به، ولا يحتج به على انفراده.

السبب الثالث: أن روايات الراوي الضعيف يكون فيها الصحيح والضعيف والباطل فيكتبونها، ثم يميز أهل الحديث والإتقان بعض ذلك من بعض، وذلك سهل عليهم معروف عندهم، وبهذا احتج سفيان الثوري -رحمه الله تعالى- حين نهى عن الرواية عن الكلبي فقيل له: أنت تروي عنه، فقال: أنا أعلم صدقه من كذبه.

السبب الرابع: أنهم قد يروون عن الضعفاء: أحاديث الترغيب والترهيب، وفضائل الأعمال، والقصص، وأحاديث الزهد، ومكارم الأخلاق، ونحو ذلك مما لا يتعلق بالحلال والحرام وسائر الأحكام. وهذا الضرب من الحديث يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل فيه، ورواية ما سوى الموضوع منه والعمل به؛ لأن أصول ذلك صحيحة مقررة في الشرع معروفة عند أهله.

وعلى كل حال، فإن الأئمة لا يروون عن الضعفاء شيئًا يحتجّون به على انفراده في الأحكام، فإن هذا شيء لا يفعله إمام من أئمة المحدثين، ولا محقق من غيرهم من العلماء.

error: النص محمي !!