Top
Image Alt

لمحة عن النظم الإسلامية العامة

  /  لمحة عن النظم الإسلامية العامة

لمحة عن النظم الإسلامية العامة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الصادق الوعد الأمين، وارْضَ اللهم عن صحابته وأتباعه أجمعين، وبعد:

فها نحن نلتقي مع فرع جديد من فروع “السياسة الشرعية”، ألا وهو: “النظام المالي في الإسلام”:

1. لمحة عن النظم الإسلامية العامّة:

في البداية أقول: إن الله تعالى خلَق الإنسان، وجعله خليفة له في الأرض، وفضّله على سائر المخلوقات، وسخّر له ما في السموات وما في الأرض جميعًا منه، وتولاّه بالهداية والإرشاد؛ فأرسل الرسل، وأنزل الكتب؛ لئلاّ يكون للناس على الله حُجة، قال تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمّا يَأْتِيَنّكُم مّنّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالّذِينَ كَفَرواْ وَكَذّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُولَـَئِكَ أَصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 38، 39].

وكان القرآن الكريم -كما هو معروف- آخِر كتاب سماويٍّ للإنسان؛ ولذا جعله الله تعالى شاملًا كلّ ما يحتاج إليه الإنسان في دنياه وأُخراه، قال تعالى: {وَنَزّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لّكُلّ شَيْءٍ} [النحل: 89].

ويذكر الطبري في تفسيره لهذه الآية أن الله عز وجل يقول: نزل عليك -يا محمد- هذا القرآن، بيانًا لكلِّ ما بالناس إليه الحاجة، من معرفة الحلال والحرام، والثواب والعقاب.

وقد ذكَر علماء الأصول: أنّ المقصد العامّ للشارع هو: تحقيق مصالح العباد في العاجل والآجِل معًا، سواء كانت هذه المصالح ضرورية أو حاجية أو تحسينية.

وقد فصّلنا القول في هذه الأنواع من المصالح، مع التمثيل لها في كلامنا عن المصدر الرابع للسياسة الشرعية، ويكفي أن نذكِّر هنا بأنواع هذه المصالح:

النوع الأول: المصالح الضرورية:

وهي ما لا بد منه في قيام مصالح الدين والدنيا معًا، بحيث إذا فُقدت لم تَجْرِ مصالح الدنيا على استقامة، بل تفوت الحياة أو يختلّ نظامها؛ وهذا أحد تعريفات المصالح الضرورية.

وكلّ التعريفات تدور في هذا الإطار، إذا فُقدت هذه المصالح الضرورية اختلّ نظام الحياة، وفي الآخرة يفوت النجاة والنعيم، ويكون الرجوع بالخسران المبين.

وتتمثل هذه المصالح -كما أشرنا آنفًا- في حفْظ ما سُمِّي بالكليات الخمس أو الأصول الخمسة، وهي: حفْظ الدِّين، والنفس، والعقل، والمال، والنّسل أو العِرض.

النوع الثاني: المصالح الحاجية:

وهي ما يحتاج إليها الإنسان لتتحقق له التّوسعة، ويرفع عنه الضيق المؤدِّي في الغالب إلى الحرج والمشقّة. وتتمثل أيضًا في الرّخص في العبادات: كالتّيمّم، والقَصر، والجمع في الصلاة. وتجري كذلك في المعاملات: كالقراض، والسّلَم، وأيضًا في الجنايات، وتضمين الصّنّاع، والقسامة، وفرض الدِّية على العاقلة، ونحو هذا…

النوع الثالث: المصالح التكميلية:

ومعناها: الأخذ بما يليق من محاسن العادات، وتجنّب الأحوال السيئة والأمور الفاسدة التي تأنفها العقول الصحيحة والفِطَر السليمة. ويجمع ذلك مكارم الأخلاق كالطهارة، وستر العورة، وأخذ الزينة، والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بنوافل الخيرات من الصدقات والقربات، وكثير من مظاهر أو نوافل الطاعات، ومن ذلك: آداب الأكل والشرب، ونحو هذا…

وقد بُعِث نبينا صلى الله عليه وسلم ليتمِّم مكارم الأخلاق، والذي يطالع القرآن الكريم يجد هذا الشمول واضحًا وضوح الشمس في وسط النهار، فقد تناول جميع الأمور العقائدية، والأخلاقية، والتشريعية، والروحية، بالتنظيم والتشريع والتأصيل؛ فنظّم الناحية العقائدية، وجعل الإنسان يسير في طريق واضح لا لَبس فيه ولا غموض؛ قال تعالى: {قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ (1) اللّهُ الصّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لّهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص: 1- 4]، وقال سبحانه: {قُلْ إِنّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يُوحَىَ إِلَيّ أَنّمَآ إِلَـَهُكُمْ إِلَـَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَدَا} [الكهف: 110].

ونظّم الناحية الروحية، وشرع من العبادات ما يُشبع الروح الإنسانية ويَسمو بها؛ وحسبنا أن نقرأ شيئًا عن حِكم وأسرار العبادات من صلاة وزكاة وصيام وحج…

ونظّم أيضًا الناحية الأخلاقية؛ فوضع من المبادئ الرفيعة والأخلاق السامية ما يجعل الإنسان في قمة المخلوقات؛ لاسيما وأنه أكرمُ خلْق الله في الأرض. وقد مدح رسولَه القدوة صلى الله عليه وسلم فقال: {وَإِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]. ولما سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ((كان خُلُقُه القرآن)). وهذا وصف دقيق من أمِّ المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها.

ونظم القرآن الكريم أيضًا الناحية التشريعية، تلك التي تتعلّق بمجالات الحياة الدنيوية من بيوع، ومعاملات، وجنايات، إلى غير ذلك ممّا وُجد في كتب الفقه الإسلامي.

كذلك وَجدنا فيه الناحية السياسية، وما يتعلّق بها من علاقة الفرد بالدولة، والدولة بالفرد، قال تعالى: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرّسُولَ وَأُوْلِي الأمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]. وغير ذلك من الآيات التي تهتم بمثل هذه العلاقات.

ونظّم الناحية الاجتماعية، فحدّد العلاقات الاجتماعية بين الرجل والمرأة، وبين الفرد في الأسرة وأقاربه وجيرانه، وغير ذلك… على سبيل المثال-: يقول تعالى: {الرّجَالُ قَوّامُونَ عَلَى النّسَآءِ بِمَا فَضّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىَ بَعْضٍ} [النساء: 34]، ويقول أيضًا: {وَوَصّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ} [العنكبوت: 8]، ويقول: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَىَ وَالْيَتَامَىَ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىَ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصّاحِبِ بِالجَنْبِ} [النساء: 36]. من ذلك أيضًا قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِيَ أَوْلاَدِكُمْ لِلذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الاُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]، إلى آخِر حدود الله في آيات المواريث، والتي ختمها بقوله تعالى في آخِر سورة (النساء): {يُبَيّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلّواْ وَاللّهُ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النساء: 176].

أيضًا، نظّم القرآن الكريم الناحية الإدارية، فأشار مثلًا إلى الإمارة والوزارة، وغير ذلك… على سبيل المثال قال تعالى: {وَنُرِيدُ أَن نّمُنّ عَلَى الّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص: 5]، إلى غير ذلك من النصوص الدينية من القرآن والسُّنّة، التي تتعلّق بالنظام السياسي الإسلامي.

نظّم القرآن الكريم أيضًا الناحية العسكرية، فحثّ المسلمين على الجهاد في سبيل الله، وأمَرهم بإعداد العُدّة اللازمة، فقال تعالى: {وَأَعِدّواْ لَهُمْ مّا اسْتَطَعْتُمْ مّن قُوّةٍ وَمِن رّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوّ اللّهِ وَعَدُوّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال: 60]. وفي الحديث الصحيح: ((المؤمنُ القويّ خيْر وأحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خيْر)).

ونظّم الناحية الاقتصادية والمالية، فبيّن مثلًا وسائل كسب الثروة للفرد والدولة. كما عرض لقضايا صرف الثروة وتوزيعها بصورة مُجمَلة في القرآن الكريم، ومفصّلة في السنة النبوية المطهّرة.

نذكر من هذه النصوص مثلًا قول الحق تعالى: {وَآتُواْ حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] بخصوص زكاة الزروع والثمار. وقال تعالى: {وَأَحَلّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرّمَ الرّبَا} [البقرة: 275]، إلى غير ذلك من نصوص القرآن والسّنة التي وضعت المبادئ الكلية للتعامل في الإسلام.

ممّا سبق، يتبيّن لنا: أنّ النظام المالي للدولة الإسلامية جزء من النظام الاقتصادي الذي هو جزء من النظم الإسلامية العامة، تلك التي أرشد الله سبحانه وتعالى الإنسان إليها، وجعلها محقِّقة لسعادته في الدنيا والآخرة متى التزم بها.

error: النص محمي !!