Top
Image Alt

مؤتمرات المنصرين

  /  مؤتمرات المنصرين

مؤتمرات المنصرين

سوف أختار من بين هذه المؤتمرات بعضها فقط؛ لأنها مؤتمرات كثيرة جدًّا؛ لنبيِّن ماذا دار في هذه المؤتمرات من تخطيط، ووضْع برامج، وأوراق عمل للمبشِّرين في العالم الإسلامي.

أ. من أهم هذه المؤتمرات: المؤتمر الذي عُقد في مصر في سنة 1906م. وهذا المؤتمر عُقد -كما يقول بعض المؤرخين- في مكان مهمّ جدًّا، عُقد في منزل الزعيم الوطني: أحمد عرابي. في هذا المؤتمر اجتمعت معظم الإرساليات التبشيرية في منطقة الشرق الأوسط برئاسة “زويمر” الذي كان يُعتبر الرأس المفكِّرة وصاحب اليد الطولَى في النشاط التبشيري في المنطقة في هذا الوقت. وافتتح المؤتمر بتاريخ: 4 أبريل سنة 1906م. وقد بلغ عدد المندوبين عن الإرساليات التبشيرية في المنطقة 62 مندوبًا، كان منهم رجال ونساء. وتم انتخاب “زويمر” رئيسًا عامًّا للمؤتمر.

ومن أهم المسائل التي طرحت في هذا المؤتمر ما يأتي:

إيجاد إحصائية عامّة لعدد المسلمين على مستوى العالم: كم عددُ المسلمين في العالم؟ وكم عددُ المسلمين الذين يمثِّلون أقليات في البلاد التي هي غير إسلامية؟ لأنَّه بعد معرفة عدد المسلمين يمكن الحديث عن الإمكانيات المتاحة للمبشرين في هذه البلاد، وكم يكفي؟ وما هي الإمكانيات اللازمة؟

ثم تحدّثوا أيضًا عن وضع الإسلام والمسلمين في شرق وجنوب شرق آسيا. تذكرون أنّ المبشرين قسّموا العالم الإسلامي إلى: قلب، وأطراف، وجعلوا مكة والمدينة والمنطقة العربية هي قلب العالم الإسلامي، وشرق وجنوب شرق آسيا وغرب أفريقيا تمثّل الأطراف. وكانت الخطط التي وضعوها في هذا المؤتمر: أساليب التعامل مع الأطراف تختلف عن أساليب التعامل مع قلب العالم الإسلامي.

ثم تساءلوا في هذا المؤتمر: كيف نتعامل مع المثقّفين غير المسلمين؟ ومع المثقّفين المسلمين؟ ثم كيف نتعامل مع المسلمين العوام؟ ثم وضعوا تخطيطًا مهمًّا للنهوض بدور المرأة في عملية التبشير، وكيف تنشط المرأة المبشرة في جذب وجلب الكثير من الفتيات خاصة المثقّفات منهن، ويخصون بالذكر المنتميات إلى المدارس الأجنبية والجامعات الأمريكية الموجودة في هذه المناطق.

ثم جمعوا أعمال هذا المؤتمر في كتاب مستقلّ نُشر باسم: (وسائل التبشير بالنصرانية بين المسلمين)، جمعه القسيس “فلمنج” الأمريكي، وكتب عليه من الخارج عبارة لها دلالة خاصة، هذه العبارة ماذا تقول؟ “نشرة خاصة” يعني: غير مسموح لها بالتداول، أو ليكون هذا الكتاب أو هذه النشرة يقتصر تداولها على فئة معيّنة من المشتغِلين بالتبشير.

وبعد أيام المؤتمر وما تمّ فيه من بحوث تضمن الكتاب بعض التوصيات التي رفعَها “زويمر” هذا إلى الحكومات المعنيّة في بلاده، ليس في بلاد المسلمين، وإنما رفع التوصيات إلى الحكومات الأوربية المهتمة بالإرساليات التبشيرية في العالم الإسلامي.

ومن أهمّ هذه الاقتراحات:

محاولة الالتفاف حول الأزهر في مصر؛ لأنه مفتوح لكل الطلاب من العالم كله. والأخطر من هذا -كما يوصي “زويمر”: أنّ الأزهر لا يخضع في تمويله لأية حكومة؛ لأن أوقاف الأزهر تدرّ دخلًا كبيرًا يساعد العالِم والمتعلِّم، ولا بدّ من العمل على تقليص دوْره. ويوصي بأنّ مِن أهمّ وسائل تقليص الأزهر: منع التمويل بأية وسيلة من الوسائل، ثم التوصية بإنشاء جامعة نصرانية تشارك في الإنفاق عليها جميع الكنائس المسيحية على اختلاف مذاهبها على مستوى العالَم كلّه؛ لأن في التخلّص من الأزهر مصلحة لجميع الكنائس بلا استثناء.

هنا نقطتان ألْفِتُ النظر إليهما: فكرة “زويمر” عن الالتفاف حول الأماكن المقدّسة: مكة والمدينة، ثم الالتفاف حول الأزهر، وتقليص دوْر الأزهر عن طريق منع التمويل أحيانًا، أو إنشاء جامعة نصرانية تقف أمامه من جانب آخَر.

وانبثق عن هذا المؤتمر خريطة سماها “زويمر”: “خريطة تنصير العالم الإسلامي”، ووزّع أعدادًا كبيرة من هذه الخريطة على كبار المسئولين في الحكومات الغربية، وكتب على كل نسخة منها: “نداء إلى المسئولين” لعلّه يجد صدًى له في أوربا وفي أمريكا بالذات. ثم عرض هذه الخريطة على المؤتمر في اليوم الأخير، وضمّنها كتابه: (العالم الإسلامي اليوم) لأن الخريطة خريطة للعالم الإسلامي كله؛ ولذلك سمى الكتاب: (العالم الإسلامي اليوم) وفي داخله هذه الخريطة. وفي نفس الوقت قدّم هذا الكتاب وفيه نداء إلى الحكومات المعنيّة بالإرساليات التبشيرية.

وكان من أهم ما نصح به “زويمر” في هذا الكتاب، أو ما أوصى به المبشِّرين: التركيز على إثارة المشكلات الاجتماعية، وطرْحها من خلال الندوات واللقاءات الثقافية. مثْل ماذا؟ مثْل: مشكلة الطلاق بين الرجل والمرأة في الثقافة الإسلامية، ومثْل: مشكلة تعدّد الزوجات، ومثْل إرث المرأة، لماذا يكون المرأة نصيبها من الإرث نصف الرجل؟ ثم لماذا تكون شهادة المرأة نصف شهادة الرجل؟ هذه القضايا المتعلِّقة بالمرأة بالذات ركّز عليها “زويمر” في هذه الورقة؛ لأنه يعلم تمامًا أنه سوف يجد لها من يتبنّاها بين أبناء المنطقة، خاصة الذين يدينون بالمسيحية واليهودية من أبناء هذه المنطقة. صحيح هم قلّة لكن لهم أصوات مسموعة في أجهزة الإعلام؛ لذلك جعل من هذه القضايا، وأظنّ أنه ما زالت هذه القضايا محلّ دندنة وأخْذ وردٍّ بين جبهات ثقافية وسياسية في كثير من بلاد العالم الإسلامي؛ لأن نشر هذه الأفكار بين المسلمين على الأقل يثير نوعًا من البلبلة وعلامات الاستفهام حول تعاليم الإسلام. ومعلوم أنّ هذه القضايا قد حسمها القرآن الكريم بما لا يدَع فيها مجالًا للشك.

وممّا قدّمه هذا المؤتمر أيضًا -لأنني أعتبر أنّ مؤتمر 1906م هذا من أخطر المؤتمرات الثلاثة التي سنتكلم عنها الآن: تقرير أهداف التبشير الذي قدّمه إلى المؤتمر “زويمر” أيضًا في الهند 1911م. أخذت أوراق هذا المؤتمر -وهو 1906م- إلى مؤتمر آخَر عُقد في الهند. صرّح في هذا المؤتمر بعبارة خطيرة جدًّا -وهو المؤتمر الذي عُقد في الهند- يقول فيها: “ليس الهدف من التبشير هو تنصير المسلم فقط، وإنما الأهمّ من ذلك التنكّر لتعاليم الإسلام. كيف نجعل المسلم يتنكّر لتعاليم الإسلام؟”.

وكانت هذه العبارة هي شعار المؤتمر الذي عُقد في الهند سنة 1911م؛ ولذلك كانت كلّ الأوراق المقدّمة في هذا المؤتمر تدور حول القضايا التي أثارها “زويمر” في مؤتمر 1906م، وهي المتعلقة بمشكلة الطلاق، مشكلة التعدد، مشكلة إرث المرأة، مشكلة شهادة المرأة، مشكلة عصمة المرأة: لماذا لا تكون بيد المرأة بدلًا من الرجل؟ … إلخ.

هذا مؤتمر أنا أعتبره ورقة عمل للنشاط التبشيري تقريبًا في النصف الأول من القرن العشرين.

وهناك تقرير نشر في: 12 أبريل سنة 1926م، أشار فيه “زويمر” أيضًا إلى المجهودات الكبيرة التي بذلها المبشرون، والنفقات الباهظة التي أنفقوها في إفريقيا وآسيا وأيضًا في جزيرة العرب، لكن -للأسف الشديد- لم تُؤتِ ثمرتها المرجوّة. فطلع “زويمر” على المبشِّرين بعبارة يلومهم فيها أشدّ اللوم، هو أشبه بتقرير نشَره على جميع المبشرين جاء فيه: “وعندي: أنه يجب قبل أن نَبْني النصرانية في قلوب المسلمين، يجب أن نهدم الإسلام أولًا في نفوسهم؛ حتى إذا أصبحوا غير مسلمين سهُل علينا أو على من يأتي بعدنا: أن يَبْنُوا النصرانية في نفوسهم”.

تخطيط دقيق، وبرامج عمل، ومنهج يسيرون عليه، ومراجعة دائمة لهذا المنهج من وقت إلى آخَر. ماذا تم؟ ما هي العقبات؟ ماذا سيكون فيما بعد؟

ب. هناك مؤتمر آخَر أنا أعتبره على جانب كبير من الأهمية، وهو مؤتمر القدس، الذي عُقد في سنة 1935م. هذا المؤتمر كان اختيار المكان الذي عُقد فيه اختيارًا له دلالته. فقد عُقد في مدينة القدس. ولو راجعتم التاريخ: 1935م، تجدونه محصورًا بين أهمّ حربيْن عالميتيْن حدَثتا في المنطقة: الحرب العالمية الأولى، والحرب العالمية الثانية. الحرب العالمية الأولى تمخّضت عن وعد “بلفور”، والحرب العالمية الثانية تمخّضت عن ميلاد دولة إسرائيل. وبين هاتين الحربيْن عُقد مؤتمر التبشير في القدس.

وقد حدثتكم فيما مضى بطرح سؤال: هل هناك علاقة بين التبشير والصهيونية؟ وقبله طرحت سؤالًا: هل هناك علاقة بين التبشير والاستعمار؟ هذا المؤتمر يأتي في هذه المنطقة، وفي هذه المرحلة التاريخية بالذات. عُقد أولًا تحت حماية الاحتلال البريطاني لفلسطين، وكانت بريطانيا تمثِّل الانتداب على هذه المنطقة. وكانت بريطانيا ومعها بلاد كثيرة من أوربا قد بدأت تنهش التركة العثمانية هي وفرنسا وإيطاليا؛ وضعَت كل دولة منهم يدها على منطقة من العالم الإسلامي.

وكان أبرز الشخصيات المتحمِّسة في هذا المؤتمر، والتي أعلنت صراحة أكثر من مرة في المؤتمر عداءها للإسلام وللمسلمين، وحرْصها على مصالح -لا أقول اليهود- وإنما غير المسلمين هو: المبشِّر “زويمر”، الذي تحدّثنا عنه وعن نشاطه في مكانيْن مهمّيْن جدًّا في الإرسالية التبشيرية الأمريكية في البحرين، فكان هو أحد ثلاثة مع مؤسِّسها يمثِّلون أركان هذه الإرسالية في بداية القرن العشرين. ثم نشاطه الذي لم يبارِه فيه أحد في مؤتمر 1906م الذي عقد -كما قلنا- في القاهرة في منزل الزعيم أحمد عرابي، هنا نجد نفس الرجل “زويمر” أعَدّ خطبة ألقاها في هذا المؤتمر على الحاضرين من المبشرين.

ويهمّني في هذا المؤتمر بالذات: أن نعرف ما جاء في هذا الخطاب، لنتعرّف: كيف التقَتْ مصالح التبشير ومصالح الاستعمار مع مصالح الصهيونية على أرض فلسطين، ليجمعهم هدف واحد هو: التخلص من الإسلام في هذه المنطقة، ومن المسلمين الموجودين في هذه المنطقة.

انظروا لما قاله “زويمر” في هذا المؤتمر! قال: “أيها الإخوان الأبطال، والزملاء الذين كتب الله لهم الجهاد في سبيل المسيحية واستعمارها لبلاد الإسلام؛ فأحاطتكم عناية الرب بالتوفيق الجليل. لقد أدّيْتم الرسالة التي نِيطت بكم أحسن الأداء. إنّني أقِرّكم: أنّ الذين دخلوا حظيرة المسيحية من المسلمين ليسوا بمسلمين حقيقيِّين. لقد كانوا -كما قلتم- أحد ثلاثة: إمّا صغير لم يكن له من أهله مَن يُعرِّفه ما هو الإسلام. أو رجل مستخِفّ بالأديان عمومًا لا يهتم بغير الحصول على قُوته، وقد اشتدّ به الفقر، وعزّت عليه لقمة العيش. أو ثالث يبغي الوصول إلى غاية شخصيّة”. لعلّ هذه النماذج الثلاثة توضِّح لنا ما هي الفئات البشرية التي كان يتعامل معها المبشِّرون.

ثم يستمر “زويمر” فيقول: “إن المهمّة التي ندبَتْكم إليها دول المسيحية في البلاد المحمدية ليست هي إدخال المسلمين في المسيحية؛ فإنّ في هذا هداية لهم وتكريمًا لهم، وإنما مهمّتكم: أن تُخرجوا المسلم من الإسلام ليُصبح مخلوقًا لا صلة له بالله؛ وبالتالي لا صلة له تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها؛ وبذلك تكونون بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية. وهذا ما قمتم به خلال الأعوام المائة السالفة خير قيام. وهذا ما أهنِّئكم عليه، وتهنِّئكم عليه دول المسيحية. لقد قبضنا -أيها الإخوان- في هذه الحقبة من التاريخ على جميع برامج التعليم في الممالك الإسلامية. ونشرْنا في تلك الربوع مكامن التبشير، والكنائس، والجمعيات، والمدارس المسيحية الكثيرة التي تُهيمن عليها دول أوربا وأمريكا. أيها الزملاء، إنكم أعددتم في ديار الإسلام شبابًا لا يعرفون الصلة بالله، ولا يريدون أن يعرفوها، وأخرجتم بعضهم من الإسلام ولم تدخلوه المسيحية؛ وبالتالي جاء النشء الإسلامي طبقًا لما أراده الاستعمار، لا يهتم بالعظائم، ويحب الراحة، ويميل إلى الكسل، ولا هَمّ له في دنياه إلا الشهوات؛ فإذا تعلّم فللشهوات، وإذا جمع المال فللشهوات، وإذا تبوّأ أسمى المراكز فللشهوات، وفي الشهوات وللشهوات يجود بكل شيء. باركَتْكُم المسيحية، ورضي عنكم الاستعمار. فاستمرُّوا في أداء رسالتكم. لقد أصبحتم -بفضل جهادكم- موضع بركات الرب”.

هذا الخطاب -أيها الإخوة- كبير جدًّا، وإنما استقطعْتُ منه هذه الفقرات فقط؛ وهي ليست فقرات منتقاة انتقاءً منتزعًا من السياق، حتى لا يقال: إننا أخذنا عبارات من سياقها العامّ وقد يكون الخطاب يدل على غير هذا. لا! عليكم أن تراجعوا الخطاب كاملًا في كتاب: (المخططات الاستعمارية لمكافحة الإسلام) للشيخ: محمد محمود الصواف، والكتاب نُشر أكثر من مرة، خاصة صفحات: 58، 59.

وقد تكررت الكتابة عن هذا المؤتمر في أكثر من مرجع؛ لأنه من أخطر المؤتمرات التي وقعت بين الحربيْن العالميتيْن: الحرب الأولى والحرب الثانية. ونحن نعتبر “زويمر” هذا من أخطر الشخصيات التي كان لها نشاط ملحوظ وتخطيط رهيب في النشاط التبشيري في القرن العشرين، وبالذات في النصف الأوّل من القرن العشرين.

وكان من الأمور التي وضعها هذا الرجل تحت أعْيُن الحكومات الأوربية من جانب، والحكومات الإقليمية من جانب آخَر: الأزهر، تقليص دوْر الأزهر. ولعلّكم لاحظْتم أنه لم يمض وقت طويل على هذا المؤتمر إلا وقد حلّ بالأزهر ما حلّ به من تقليص أحيانًا، وتذويب لرسالته أحيانًا أخرى، وتجفيف بعض منابع التمويل بالاستيلاء على أمواله وأوقافه التي كانت تموِّله وتجعل له صفة استقلالية عن ميزانية الدولة أحيانًا أخرى.

هذه أمور لا بد أن نعرفها؛ لأنها تفسِّر لنا كثيرًا من الواقع الذي نعيشه الآن.

ج. لن أترك هذه القضية إلا بعد أن أضع يدَكم على آخِر مؤتمر أخذ صِفة العالمية للتبشير في القرن العشرين أو في أواخر القرن العشرين، وهو المؤتمر الَّذي عُقد في ولاية “كولورادو” في أمريكا في سنة 1978م. هذا المؤتمر أخذ صفة العالمية؛ لأنه جمع بين أعضائه ممثِّلين لمختلف مؤسسات التنصير في العالم. وكان من بينهم خبراء متخصِّصون في الدراسات الإسلامية، وفي الإعلام، وفي علوم الإنسان، وشئون العالم الثالث، وشئون الشرق الأوسط بالذات، وعلم الأنثروبولوجيا. وقد أصدر المؤتمر بعد ذلك بعام واحد كتابًا ضخمًا تضمّن جميع البحوث والدراسات التي قُدِّمت في هذا المؤتمر. وطُبع هذا الكتاب بعنوان: (الإنجيل والإسلام)، وتُرجم أخيرًا إلى اللغة العربية في حوالي تسعمائة صفحة. وطُبع بعنوان: (تنصير العالم الإسلامي).

وقد انتهى المؤتمر بعد أن ملأ المؤتمِرين فيه بروح الأمل، وشجّعهم على السّيْر نحو تحقيق الهدف الكبير؛ لأن وضْع العالم الإسلامي في سنة 1978م كان غير العالم الإسلامي في سنة 1935م، وغير العالم الإسلامي في سنة 1906م؛ ولذلك نقرأ في مقدّمة هذا المؤتمر عبارات تدعو إلى الدهشة.

يقول أحد المؤتمِرين في هذا المؤتمَر: “لقد حان الوقت للخلاص من العالم الإسلامي. لقد نضج الحصاد، وربّ الحصاد ينادينا؛ فأين هم الحاصدون؟ يجب على الكنيسة ألا تتأخّر أكثر من ذلك”. إلى أن يقول -متحدثًا عن منطقة الخليج: “إن العالم العربي لم يَفتح أبوابه أبدًا أمام أهل الكتاب كما يفعل اليوم، فأين أنتم يا مبشرين؟”. والمؤتمر تضمّن مجموعة بحوث، تقريبًا حوالي أربعين دراسة متعمّقة في أحوال الشرق الإسلامي، تناولوا العالم الإسلامي قطرًا قطرًا، وسكان كلّ قطر، عدد المسلمين، عدد المسيحيين، عدد النساء، عدد الرجال، كم طالب في الجامعة. كم عالِم متخرِّج من الأزهر. كم عدد المتمسِّكين بالإسلام. عدد المساجد. عدد الكنائس. وهذه الدراسات كلّها وضعوها كخطّة عمل للمؤتمر؛ ولذلك حين نقرأ عناوين البحوث التي وُضعت في هذا المؤتمر تدعونا إلى شيء من اليقظة، تدعونا إلى أن لا نغمض أعيننا بعد الآن. اقرءوا عناوين البحوث الموجودة في هذا المؤتمر: أحدها بعنوان: “إبلاغ الكتاب المقدّس إلى المسلمين”. آخَر بعنوان: “استمالة المسلم عن طريق تجسيد شمائل المسيح”. آخَر بعنوان: “تحليل المقاومة لدى الشعوب المسلمة”، “الوضع الراهن لترجمات الإنجيل إلى لغات المسلمين”، “دور الإرسال الإذاعي”، “الوضع الحالي للمطبوعات بين أيدي المسلمين”، “مراجع مختارة للمنصّرين”، “كيف نعمل بين أيدي المسلمين”. هذه كلّها عناوين لبحوث أُلقِيَت في هذا المؤتمر.

ثم انبثق عن هذا المؤتمر فكرة الحِوار بين النصارى والمسلمين، أو فكرة الحوار بين الأديان، أو الحوار المسيحي الإسلامي، وبدأ من هذا التاريخ تُعقد مؤتمرات تحت هذا العنوان في بلاد كثيرة من أوربا والعالم الإسلامي، تحت عنوان: “الحوار المسيحي الإسلامي”. وطبعًا في هذا الحوار لا بدّ أن يُطرح الحديث عن التسامح، عن التعامل مع الآخَر، عن كذا، عن كذا … إلى آخِر المصطلحات التي نسمعها تتردّد على ألْسنة المتحدِّثين، وعلى أقلام الكتّاب كثيرًا بين المسلمين، ولا نسمع لها أثرًا عند غير المسلمين.

أيها الإخوة والأخوات، هذه نماذج من المؤتمرات التي عُقدت، ولن تكون المؤتمرات الأخيرة حول النشاط التبشيري ونشاط المبشِّرين، أردتُ بها أن أضع أمام حضراتكم تصوّرًا لما يجري في المنطقة العربية من نشاط استشراقي تبشيري. وعلينا أن نطرح على أنفسنا سؤالًا: ما هي عناصر المواجهة؟ كيف نحمي أنفسنا؟ والله من وراء القصد.

error: النص محمي !!