Top
Image Alt

ماهية الخمر المحرَّم، والأدلة على تحريم المسكر من الشراب

  /  ماهية الخمر المحرَّم، والأدلة على تحريم المسكر من الشراب

ماهية الخمر المحرَّم، والأدلة على تحريم المسكر من الشراب

لكن ماذا عن ماهية الخمر المحرَّم؟ هل المتخذ من عصير العنب فقط، أو المتخذ من العنب، ومن غيره؟.

وفي بيان ذلك نقول: اتفقت كلمة العلماء على أن عصير العنب إذا طبخ وغلى ثم اشتد وقذف بالزبد، كان حرامًا شربه واستعماله أو الانتفاع به كما بينا، وذلك ما لا خلاف فيه من أحد، إلا ما كان قولًا يستند إلى هوى مردود.

أما المتخذ من غير العنب كما لو كان من الرمّان أو التين أو التفاح أو التمر أو الشعير أو العسل، فذلكم موضع خلاف، وفيه للعلماء قولان.

القول الأول: وهو لعامة أهل العلم، وفيهم المذاهب الأربعة المالكية، والشافعية، والحنابلة، وأهل الظاهر، وهو أيضًا قول الصحابة، فيهم: عمر وعلي، وابن مسعود، وخلائق أخرى، حيث ذهب هؤلاء جميعًا إلى تحريم كل شراب يحتوي إسكارًا، أي: كل شراب مسكر أيًّا كان قد اتخذ من العنب أو التمر أو الشعير، أو غير ذلك من أنواع الشراب.

ويستوي في التحريم ما لو كان المشروب كثيرًا أو قليلًا، حتى ولو كان شرب قطرة واحدة، ففيها يجب على الشارب الحد.

إذن الرأي الأول، يرى أن كل شراب مسكر فهو حرام، يستحق شاربه الحد دون النظر عما اتخذ منه هذا الشراب، كأن كان عنبًا أو تمرًا أو شعيرًا أو ما إلى ذلك.

ولكن ما هي أدلة التحريم؟ استدل الجمهور في ذلك إلى جملة من الأدلة في الكتاب، والسنة.

أما الكتاب، فقد استدلوا على التحريم، بعموم قول الله تعالى: { إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90] فإن اسم الخمر هنا يقع على كل مسكر، مهما كان نوع المشروب؛ حيث جاء ذكر الخمر في الآية الكريمة على سبيل العموم { إِنَّمَا الْخَمْرُ} فإن اسم الخمر بناء على هذا العموم يقع على كل مسكر، ومن ثم فإن كل مسكر حرام.

أما السنة: فقد أخرج مسلم في صحيحه، عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كل مسكرٍ خمر، وكل خمر حرام)) هذا أيضًا دليل من السنة، وجاء بصيغة العموم التي تفيد أن كل مسكر خمر، وأن كل خمر حرام، ويستوي في المسكر ما إذا كان قد اتخذ من العنب أو من غير العنب، فالعبرة هنا بالإسكار، ومتى تحققت العلة وجد الحكم، وهو الحُرمة.

أيضًا ليس هناك أدل على ذلك مما أخرجه مسلم، عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن شراب يشربه أهل اليمن من الذُّرة -يعني: مصنعًا من الذرة- فقال النبيصلى الله عليه وسلم للسائل: ((أوَ مُسكر هو؟)) قال: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل مسكر حرام، إن على الله عهدًا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال)) قالوا: يا رسول الله، وما طينة الخبال؟ قال: ((عرق أهل النار)) أو ((عصارة أهل النار)).

فإذا نظرنا إلى هذا الحديث، نجد أن سائلًا يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مشروب لم يتخذ من العنب، وإنما اتخذ من الذرة، وكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم شافٍ وكافٍ عندما قال له: ((أوَ مسكر هو؟)) قال: نعم، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يستوضح من السائل عن العلة التي من أجلها كان تحريم الخمر، وهي الإسكار، فلما وجدصلى الله عليه وسلم العلة في هذا الشراب المتخذ من الذرة، قال: ((كل مسكر حرام)) إلى غير ذلك من الأحاديث التي تفيد تحريم كل شراب يحتوي إسكارًا، أيًّا كان مصدره، أو المادة التي يتخذ منها.

ويؤيد هذا الكلام أيضًا، ما ورد عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أسكر كثيره؛ فقليله حرام)) وبهذا يتبين لنا أن أصحاب القول الأول، وهم جمهور الفقهاء، وقولٌ لا بأس به من الصحابة على تحريم كل شراب يحتوي إسكارًا.

أما القول الثاني: وهو لفقهاء الحنفية، وقد قسموا الأشربة التي تتضمن إسكارًا إلى قسمين.

القسم الأول: وهو الخمر، هو اسم لماء العنب، الذي يعالج بالطبخ؛ ليغلي ويشتد ويقذف بالزبد، ثم يسكن عن الغليان؛ ليصبح بالتالي صافيًا، وهو قول الإمام أبي حنيفة، أما الصاحبان، فشرطه عندهما الغليان والاشتداد، والقذف بالزبد، ولو لم يسكن بعد ذلك.

إذن فقهاء الحنفية في مجموعهم، قد اتفقوا على أن ماء العنب متى عولج بالطبخ والغليان والقذف بالزبد، فهو خمر، ومن ثم فإننا نقول -بناء على ما ذهب إليه فقهاء الحنفية من أن الخمر هو الشراب المتخذ من ماء العنب المطبوخ يحرم شربه، ويستوي في ذلك ما إذا كان المشروب منه قليلًا أو كثيرًا، ويكفر جاحد تحريمه؛ لأن التحريم ثبت بنص الكتاب الحكيم، ويحرم كذلك تملكه، أو استغلاله، أو الاتجار فيه.

وكذلك لأنه نجس نجاسة مغلظة، لو أصاب البدن أو الثوب منه بمقدار الدرهم يتنجس، ويجب تطهيره، والأهم من ذلك -بالنسبة لموضوعنا هنا- هو وجوب الحد بشرب هذا الخمر المتخذ من العنب، سواء كان المشروب قليلًا أو كثيرًا من غير اشتراط لحصول الإسكار، فمن شرب منه قليلًا أو كثيرًا حُد ولو لم يسكر، وهو ما لا خلاف فيه في المذهب الحنفي، وهو ينسجم مع أقوال العلماء والمذاهب كافة.

أما القسم الثاني عند فقهاء الحنفية: وهو ما سوى الخمر، مما يتخذ من غير العنب؛ يعني المشروبات الأخرى التي تتخذ من غير العنب، بعد أن ذهب فقهاء الحنفية إلى الحديث عن الشراب المتخذ من ماء العنب وعلاجه ومعالجته، وانتهوا فيه على أنه محرم بنص الكتاب والسنة، إلا أن عندهم شرابًا آخر يتخذ من غير العنب، اختلفوا فيه مع جمهور العلماء، فعندهم ما سوى الخمر مما يتخذ من غير العنب كعصير الرطب بعد أن يغلي ويشتد، ويقذف بالزبد، ويسكن غليانه، أو لا يسكن على الخلاف الذي حكيناه بين الإمام وصاحبيه، يشمل أيضًا هذا الكلام نقيع الزبيب، ونبيذ التمر.

الحكم عند فقهاء الحنفية فيما يتعلق بهذه الأشربة: “إن هذه الأشربة يحرم الشرب منها قليلًا أو كثيرًا، لكن هذه الحرمة دون حرمة الشرب من الخمر المتخذ من العنب”.

وبناءً على ذلك قالوا: “إن من جحد حرمة هذه الأشربة ليس بكافر، بخلاف الخمر المتخذ من العنب، حيث قالوا: يكفر جاحد تحريمه”.

والمهم في المسألة هنا، هو عدم وجوب الحد على الذي يشرب قليلًا أو كثيرًا من هذه الأشربة، وإنما يجب الحد بالسكر فقط، فمن شرب منها قليلًا لا حد عليه، مع أن شربها حرام، لكن إذا أكثر من الشرب حتى سكر، وجب عليه الحد.

أما ما سوى هذه الأشربة، مما يتخذ من الشعير، والذرة، والحنطة، والعسل، فإنها جميعًا مباحة حتى لو سكر من شربها، فلا يجب عليه الحد؛ لأن هذه الأشربة من جملة الأطعمة، ولا عبرة بما يحصل من السكر، فإنه ربما يسكر الإنسان في بعض الأحيان من الخبز مثلًا، أو قد يسكر الإنسان من البنج، ومن ثم لا حد عليه.

خلاصة هذا القول في هذه المسألة عند الحنفية: أن الشراب من الخمر، وهو المتخذ من العنب يوجب الحد، مهما كان حجم المشروب، وسواء حصل الإسكار أو لم يحصل؛ وذلك للتنصيص على حصر الحد في الخمر دون غيره من الأشربة إلا بالإسكار.

أما ما كان من غير الخمر، مما كان متخذًا من مختلف الأشربة كنقيع الزبيب، أو نبيذ التمر، أو عصير التفاح، فإن ذلك كله ليس فيه حد، إلا إذا حصل الإسكار.

error: النص محمي !!