Top
Image Alt

ما يطرأ على المغصوب بزيادة

  /  ما يطرأ على المغصوب بزيادة

ما يطرأ على المغصوب بزيادة

أما ما يطرأ على المغصوب بزيادة، فالزيادة على المغصوب تكون على قسمين:

أحدهما: زيادة -كما يقول الفقهاء- لا دخل للبشر فيها، وهي التي تكون بفعل الله سبحانه وتعالى وتحدث تلقائيًّا بالسنن الكونية وبفعل الله، وذلك كالصغير يكبر، والهزيل يسمن أو يصير سمينًا بعد أن كان هزيلًا، والعيب يذهب، كأن كان به عيب فأراد الله أن يصير سليمًا غير معيب؛ فكل هذا زيادة لا دخل للبشر فيها.

وبالنسبة للقسم الأول، وهو الزيادة التي تكون بفعل الله سبحانه وتعالى أو لا دخل للبشر فيها، وإنما من الله، فهذه الزيادة لا تكون سببًا مفوتًا -أي: لا يقول الغاصب: إنها زادت عندي، وليس لك حق فيها- لحق الغاصب في الرجوع لمال المغصوب منه، فيخير مالك المال بعد حدوث الزيادة عند الغاصب بين أن يسترد عين المغصوب بزيادته، وبين أن يضمن الغاصب قيمة الشيء المغصوب، والقيمة هنا كانت قبل حدوث الزيادة، فإما أن يأخذها ولا يستطيع الغاصب أن يمنعها منه بالزيادة، وإما أن يستردها ويضمن الغاصب القيمة يوم أن غصبها منه.

القسم الثاني: ما إذا تغير وصف المغصوب بفعل من الغاصب, من طريق الإضافة أو الزيادة المالية، وهذا القسم ينقسم إلى قسمين:

أحدهما: أن يكون الغاصب جعل في المغصوب شيئًا له عين قائمة -أي: ملحوظة- كأن يصبغ الثوب أو ينقش البناء، وما أشبه ذلك، أي: أدخل الغاصب زيادة من ماله على الشيء المغصوب.

والقسم الثاني من الزيادة المالية: ألا يكون قد جعل فيه من ماله شيئًا غير العمل فقط، كأن نقله من صورة إلى صورة بعمل؛ كأن يخيط الثوب، وأن ينسج القماش، وأن يطحن الحنطة، وأن يجعل الخشب صندوقًا أو دولابًا أو نحو ذلك.

فبالنسبة للأمر الأول: ما له عين قائمة كالصبغ في الثوب، ينقسم الأمر فيه أو يكون على وجهين بحسب إمكان إعادة الأمر إلى حالته الأولى أو عدمه؛ ففي الوجه الأول إذا أمكن إعادة الشيء إلى حالته كالبقعة من الأرض يبنيها المغتصب أو الغاصب، أي: غصب بقعة من أرض فبنى عليها، فهل يمكن إعادة الأمر إلى حالته الأولى وما أشبه ذلك؟

والوجه الثاني: ألا يقدر على إعادة الأمر إلى حالته كالثوب يصبغ؛ لأن بعد صبغ الثوب لا يمكن إزالة الصبغة بعد أن اندمجت في نسيج الثوب، وكذلك الدقيق يخلط بالسمن أو بالزيت أو بالدهن.

أما الوجه الأول وهو حالة ما إذا أمكن إعادة الشيء إلى حالته, فالمغصوب منه أو المالك مخير بين أن يأمر الغاصب بإعادة البقعة، وهي قطعة الأرض مثلًا على حالها، وإزالة المباني التي بناها الغاصب، وأن يرفع الأنقاض التي تهدمت من المباني، كل ذلك من حق الغاصب أن يأمره بإعادة البقعة على حالتها الأولى، ويخير بين هذا وبين أن يعطي الغاصب قيمة ما حدث في البقعة من مبانٍ، لكن على تقدير كونها مهدومة -منقوضة- بعد خصم أجرة الهدم؛ لأن المالك للأرض لا يتحمل أجرة الهدم، وإنما كل الذي يتحمله أن يعطي للغاصب قيمة ما بناه في الأرض المغصوبة على تقدير كونها منقوضة، وليست مبنية؛ لأنها إذا قدرت على كونها مبنية يكون فيه إجحاف بحق مالك الأرض.

وأما الوجه الثاني، وهو حالة ما إذا لم يمكن إعادة الشيء على حالته الأولى، كالصبغ للثوب، والدقيق يخلط في السمن، وما أشبه ذلك, فهنا لا يمكن إحالة الشيء، أو فرز الأمرين المغصوبين كحالتهما الأولى، كأن الغاصب اغتصب ثوبًا فصبغه، أو اغتصب دقيقًا فخلطه بدهن أو زيت إلى آخره، وما أشبه ذلك.

ففي هذا الوجه المغصوب منه مخير بين أن يدفع قيمة الصبغ وما أشبهه للغاصب، ويأخذ ثوبه, أي: كأن المالك للثوب المغصوب يريد أن يقول للغاصب: أعطني الثوب الذي غصبته، وأنا سوف أدفع لك قيمة صبغك، وآخذ الثوب. هذا من حقه، وإن شاء ضمن الغاصب قيمة الثوب يوم غصبه قبل تغيره بالصبغة، وهذا من حقه، فله الخيرة بين الأمرين هنا؛ لأن في التخيير رعاية للجانبين، كما يقول الحنفية والمالكية، رعاية لجانب الغاصب أنه إذا أخذه يعطيه قيمة الصبغ، ورعاية لجانب المغصوب منه فيقول له: أعطني قيمته يوم غصبته. فهذا مراعاة للجانبين عند الحنفية والمالكية.

لكن السَّوِيق -وهو نوع من الدقيق الذي يختلط بالسمن- وما أشبه ذلك من الطعام, فكثير من الأطعمة إذا اختلطت صعُب أن تعود إلى حالتها، وهذا لا تخيير فيه أبدًا على النحو الذي ذكر في صبغ الثوب؛ وذلك لما يدخل الطعام من الربا عند المالكية.

فالمالكية هم الذين يقولون: إن الطعام يدخله الربا، ولهم في ذلك تفصيلات، فالطعام الربوي وخلافه هذا لا تخيير فيه عند المالكية، ويكون الأمر عندهم أن هذا يعتبر فوتًا يلزم الغاصب فيه المثل أو القيمة فيما لا مثل له. أي: كأن الدقيق الذي غصبه الغاصب فات أو انتهى أمره بالنسبة لمالكه، فقالوا: يلزم الغاصب فيه بالمثل أن يرد له دقيقًا مثل دقيقه، أو يعطي قيمته إذا لم يكن له مثل. المالكية يقولون: هذا يدخله الربا إذا خيرنا المغصوب منه أن يأخذه, فيكون هذا طعامًا دخله الربا، وهذا لا يجوز عندهم.

ننتقل بعد ذلك إلى الذي لم يكن للغاصب فيه سوى العمل، وقد مثلنا له بخياطة الثوب أو نسج القطن أو نسج الصوف، أو طحن الدقيق ونحو ذلك، فهنا الغاصب لم يقم بشيء بالنسبة للشيء المغصوب إلا الزيادة، والزيادة مجرد أثر، وليست الزيادة عينية؛ لأن القمح إذا طحنه صار دقيقًا، فهو قام بعمل الطحن فانتقل القمح من مجرد قمح إلى دقيق، فهذا أثر حدث للقمح، ولكن لم يزد القمح زيادة عينية.

هذا القسم أيضًا على وجهين بحسب العمل الذي وقع على المغصوب: إذا كان عملًا يسيرًا لا ينقل المغصوب عن اسمه الأول، أو كثيرًا ينقله عن اسمه الأول.

الوجه الأول: إذا كان العمل يسيرًا, فلا ينتقل به المغصوب عن اسمه كالخياطة في الثوب, فصحيح أنه انتقل من قماش ليس مخيطًا وأصبح ثوبًا، وهذا عمل لم ينتقل به المغصوب من اسمه وإنما صار ثوبًا، والثوب أيضًا قماش.

أو مثلوا له برَفْو بعض ما يحتاج إلى رفو يسير فيه, والرفو: قطع يسير في الثوب يقوم شخص بإصلاحه، فهذا أمر يسير لا حق فيه للغاصب لتعديه هنا، فنسج القماش ثوبًا، أو مثلًا: أصلح القطع اليسير في الثوب، فهنا لا حق للغاصب في شيء، والمغصوب منه -صاحب المال- يأخذ الشيء المغصوب بما عمل فيه، وليس للغاصب فيه شيء.

الوجه الثاني: وهو إذا كان العمل كثيرًا فانتقل الشيء المغصوب بهذا العمل الكثير عن حالته الأولى، كالخشب صنع أبوابًا، فانتقل عن حالته الأولى؛ لأن عملًا كثيرًا دخل عليه وهكذا، وكالفضة تصاغ حليًّا… إلى آخره، هذا يعد فوتًا يلزم به الغاصب بقيمة الشيء المغصوب منه يوم غصبه, أو مثله فيما له مثل, وهذا رأي الجمهور، فقالوا: إذا كان العمل كثيرًا, فانتقل به الشيء المغصوب عن حالته انتقالًا جعله يتغير به تغيرًا كثيرًا، يلزم الغاصب بقيمة الشيء المغصوب، أي: يعطي قيمته لمالكه يوم غصبه، أو مثله إذا كان من المثليات.

error: النص محمي !!