مبطلات عقد الشركة
ومبطلات عقد الشركة نوعان:
النوع الأول: يبطل كل أنواع الشركات.
النوع الثاني: يبطل أنواعًا خاصة من الشركة.
1. مبطلات عموم الشركات:
– فيبطل الشركة فسخ أحد الشريكين العقد، وكانت هذه الشركة مكونه من شخصين فقط، لكن إذا كانت مكونة من عدد كبير، وأحد هؤلاء الشركاء فسخ عقده؛ فإنه تبطل الشركة بالنسبة له ، وتستمر للآخرين.
– وذهب الحنفية إلى أن إنكار أحد الشريكين الشركة بمثابة فسخها، فإذا أنكر أحد الشريكين الشركة؛ فهذا عند الحنفية كأنه فسخ العقد، وقد نص الشافعية خلافًا للحنابلة إلى أن الوكالة تبطل بالإنكار، ولما كانت الشركة تقاس على الوكالة؛ فإذا قال الموكل: أنا لم أوكل أحد، أو قال الوكيل: لست وكيلًا لأحد، فهذا الإنكار معناه رفض الشركة، وبالتالي تبطل، خصوصًا إذا كان الإنكار متعمدًا وإن كان هناك غرض من الأغراض ألجأ المنكر إلى الإنكار، أحيانًا، كأن يقول: لست وكيلًا لفلان، أو وليس بيني وبين فلان شركة؛ ينكرها بغرض صيانة مال الوكالة، أو مال الشركة من يد ظالم، وما أكثر الظالمين في كل عصر من العصور.
وجاء أحد الحكام الظالمين وأراد أن يستولى على مال الشركة، وسأل أحد الشركاء: هل فلان شريكك؟ إذا رأى أن المصلحة في الإنكار؛ ليصون مال هذا الشريك؛ لأنه هو المقصود بإيقاع الظلم عليه؛ فيقول: لا لست شريكًا لفلان بغرض صيانة هذا المال، فإن كان المنكر له غرض صحيح؛ فالشركة لا تبطل.
– ومن مبطلات الشركة بوجه عام أيضًا جنون أحدهما جنونًا مطبقًا؛ والجنون المطبق هو الجنون المستمر، وقيل: يستمر لمدة شهر أو يستمر لمدة سنة، في هذه الحالة تفسخ الشركة وتنتهي؛ لأن مبنى الشركة على الوكالة والوكالة تبطل بالجنون؛ لأن الجنون معناه نقصان وفقدان أهلية التصرف، والعقل هو مناط التكليف وهو أساس الأهلية في جميع التصرفات، خصوصًا التصرفات المالية ومنها الوكالة ومنها الشركة.
– ومما يبطل الشركة غير الفسخ والإنكار والجنون، موت أحدهما، فلو كانت شركة تقوم على اثنين ومات أحدهما تبطل؛ لأن الموت مبطل للوكالة، وهذا بالنسبة للميت، فإن كانت بين شريكين فقد بطلت، لكن إذا كانت بين أكثر استمرت بالنسبة للشركاء الآخرين، ويرى الشافعية والحنابلة أنه إذا مات الشريك خير وارثه الرشيد بين القسمة واستئناف الشركة، وهذا رأى جيد؛ وهذا كلام من وجهة نظري كلام طيب، يحفظ الحقوق لكل الأطراف.
– أيضًا القضاء بلحوق أحد الشريكين بدار الحرب، والحكم بالقضاء بأن فلانًا من الناس قد لحق بدار الحرب كالحكم بموته فعلًا، كأنه مات حكمًا؛ ولذلك في الميراث إذا حكم القاضي بأن فلانًا لحق بدار الحرب، فكأنه حكم بموته وتوزع تركته، وهذا يكون بالطبع سبب الردة؛ لكن الردة نفسها تختلف في حد ذاتها لو لم يلحق بدار الحرب، يعني: لها حكم آخر في أنه من الممكن إذا رجع إلى الإسلام، هل يستمر في الشركة أم تنتهي؟ فلو أصر على الردة بعد عرض التوبة عليه؛ تنتهي ولا يقبل منه العودة إلى هذه الشركة على الراجح من أقوال الفقهاء.
– من عوامل إبطال الشركة أيضًا المخالفة لشروط العقد خصوصًا إذا كانت هذه المخالفة ستؤدي إلى نقيض مقتضى العقد أو مصادمة مقتضى العقد؛ كأن يشترط أحدهما أنه له ربحًا أكثر، أو لا ربح لفلان أو كذا، أو اتفقوا على شرط من الشروط أن يتاجر مثلًا في الخز، أو في البذور، أو في الثمار، ورفض هذا؛ ففي هذه الحالة تبطل الشركة خصوصًا إذا كانت بين اثنين، أو تبطل بالنسبة للمخالف.
– أيضًا من مبطلات الشركة بوجه عام، طروء الحَجْر على أحد الشريكين، فتبطل الشركة في مذهب الشافعية، والحنابلة. وهذه عوامل عامة تبطل بسببها أية شركة بوجه عام.
2. الأسباب الخاصة:
هناك أسباب خاصة لأبطال بعض الشركات على وجه الخصوص؛ كهلاك المال في شركة الأموال؛ يبطلها عند الحنفية.
أيضًا فوات التساوي في شركة المفاوضة، فشركة المفاوضة كما قلنا تقوم على أساس التساوي في رأس المال، والتساوي في الربح، والتساوي في الدين، والتساوي في الكفالة، والتساوي في ضمان الحقوق، والتساوي في المطالبة بحقوق البيع والشراء كما قلنا من قبل؛ إذا لم تتحقق هذه المساواة بل فاتت؛ بطلت شركة المفاوضة لعدم التساوي وسارت شركة عنان؛ لأن شركة العنان لا يشترط فيها التساوي.
أمر آخر وهو انتهاء المدة في الشركة المؤقتة، فجمهور الفقهاء ذهب إلى أنه يجوز أن تكون الشركة مؤقتة ويجوز أن تكون غير مؤقتة، فإذا كانت مؤقتة وانتهت المدة، انتهت الشركة؛ لأن المؤمنين عند شروطهم، والفقهاء لم يختلفوا في جواز التأقيت؛ غير أن الإمام أبي جعفر الطحاوي -الفقيه الحنفي- رفض التأقيت في الشركة، فهي عنده ليس لها وقت؛ وبناء عليه؛ فلا تنتهي بأيِّ توقيت، إنما تنتهي بما تنتهي به الشركات الأخرى.
ما بالك لو أن الشركة قد تحولت من الصحة إلى الفساد، أو انتهت، فما الأحكام التي تترتب على ذلك؟
إن الشركة الفاسدة هي التي اختل فيها شرط من شروط الصحة، ولا تفيد الشريك بما تفيده الشركة الصحيحة، ويرى الشافعية والحنابلة أن تصرفات الشريك نافذة لبقاء الإذن. وذهب الحنفية، إلى أن الشركة التي لها مال إذا فسدت يكون دخلها للعامل، ويوافق المالكية والشافعية، الحنفية في هذا، إذا انفرد العامل بالعمل، أما إذا وقع العمل من الشريكين، وفسدت الشركة فقد فرق المالكية والشافعية بين ثلاث حالات:
الأولى: حالة التمايز، يعني: من الممكن أن نميز مال كل منهما أو عمل كل منهما، ففي حالة التمايز يكون لكل شريك ثمرة عمله.
الحالة الثانية: حالة اختلاط العملين، لكن بحيث لا تلتبس نسبة عمل كل منهما بالآخر، في هذه الحالة لكل منهما نصيبه من الربح حسب نصيبه من العمل.
الحالة الثالثة والأخيرة: اختلاط العملين بحيث تلتبس نسبة عمل كل منهما بالآخر، فكيف التوجيه؟
هنا عدة احتمالات توزيع الكسب بينهما بالتساوي -لأن هذا هو الأصل- أو تركهما حتى يصطلحا، وإذا كان المال من أحد الشريكين وفسدت الشركة لأي سبب كما هو الحال مثلًا في المضاربة فالدخل له، يعني لصاحب المال وللآخر أجرة مثله عند الحنفية؛ لأن الدخل نماء المال، وكذلك عند غير الحنفية أن الربح يتبع المال، إذًا فهو عند جمهور الفقهاء صاحب المال يأخذ الربح ويأخذ المال والآخر يأخذ الأجرة، هنا تكون أجرة وليست قدرًا من الربح.
أيضًا اتفق الفقهاء على أنه إذا كان المال من الشريكين فالدخل بينهما بقدر المالين، إذا فسدت الشركة، كما لو كانت حصة كل من الشريكين في شركة الأموال حصة مجهولة لا ندرى ما هي، اتفق الفقهاء على أن المال إذا ربح، وفسدت الشركة بسبب هذه الجهالة في حصة كل من الشريكين، أن المال يكون بينهما، يعني: أن الربح يكون بينهما.
وإذا فسدت الشركة وجاء البائع لأحد الشريكين مطالب بثمن البيع، وكان أحدهما حاضرًا والآخر غائبًا فهنا ثلاثة أحوال:
– أن يعلم البائع بفساد الشركة، وفي هذه الحالة لا حق له في مطالبة الشريك الحاضر إلا بمقدار حصته في الثمن فقط.
– أن يكون البائع عالمًا بالشركة غير عالمًا بفسادها؛ فله أن يطالب الحاضر بكل الثمن باعتباره أصيلًا عن نفسه، ووكيلًا عن غيرة.
– أن يكون لا علم له بالشركة نفسها، ففي هذه الحالة إذا كان الشريك الحاضر هو الذي اشترى منه؛ طالبه بجميع الثمن؛ لأنه هو الذي تعاقد معه على أنه هو المشتري لا على أنه مشترٍ ووكيلًا عن غيرة، وإن لم يكن هو الذي اشترى منه؛ فإنه يطالبه بحصته في الثمن لا غير؛ لأنه لم يملك إلا مقابل هذه الحصة من السلعة.