Top
Image Alt

متى ظهر التصنيف والتأليف في الحديث؟

  /  متى ظهر التصنيف والتأليف في الحديث؟

متى ظهر التصنيف والتأليف في الحديث؟

المصنفات والمؤلفات بعد عصر التابعين وفيما يلي ذلك أضافت إلى العلم بالسنة، وساهمت في حفظها، وأبرزت خبرات كثيرة فيما يتصل بمناهج المحدثين؛ حيث أضاف كل مصنف من هذه المصنفات إلى مناهج المحدثين، وساهم في تطويرها وفي الوصول بها إلى الغاية المقصودة والمنشودة؛ فلم يظهر التصنيف والتأليف في كتب السنة فيما يتصل برواية الحديث إلا في عهد أتباع التابعين.

قال المكي في كتابه (القوت): ما حدث التصنيف إلا بعد موت الحسن وابن المسيب وغيرهما من كبار التابعين؛ فأول تأليف وُضِع كتاب ابن جريج، وضعه بمكة في الآثار، ثم كتاب معمر بن راشد باليمن؛ فيه سنن، وقال الخطيب البغدادي: لم يكن العلم مدونًا أصنافًا, ولا مؤلفًا كتبًا في عهد المتقدمين من الصحابة والتابعين.

وننبه هنا إلى أن بعض من يتكلم في السنة بغير علم يأخذ من كلام هؤلاء الأئمة, عن عدم التصنيف والتدوين في العصور الثلاثة الأُوَل عدمَ كتابة الحديث مطلقًا، ويدعي أن الأذهان كَلَّت، وأن الحوافظ تعبت، وأن السنة ذابت واختلطت من أجل الاعتماد على الأذهان فقط، مع أن كتابة الحديث -كما ذكرنا- كانت مواكبة لحفظ الأذهان منذ عصر الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى أن بدأ التأليف والتدوين، وحفظت السنة في كتب أصلية قامت على أساس متين لا يلحقه أدنى شك فيما يتصل بالثبوت؛ سواء كان بحفظ الأذهان, أو كان بكتابة الحفاظ لأنفسهم، أو نقلهم الأحاديث لمن بعدهم من أذهانهم أو مما كتبوه لأنفسهم.

قال الخطيب البغدادي: واختلف في المبتدئ بتصانيف الكتب؛ فقيل: هو سعيد بن أبي عروبة، وقيل: ابن جريج، وذكر الخطيب ممن ألف في عصر ابن جريج: الأوزاعي والربيع بن صبيح بالبصرة، وشعبة وحماد بن سلمة بها أيضًا، ومعمر بن راشد باليمن، وسفيان الثوري بالكوفة، ومالك بن أنس بالمدينة.

وذكر المكي (جامع سفيان بن عيينة) مع (جامع الثوري) في السنن والآثار وشيء من التفسير، وذكر السيوطي من المؤلفين: هُشيمًا بواسط، وجريج بن عبد الحميد بالري، وابن المبارك بخراسان، ثم قال: خلا العراقي وابن حجر، وكان هؤلاء في عصر واحد فلا ندري أيهم سبق.

قال ابن حجر: وهذا بالنسبة إلى الجمع بالأبواب؛ أما جمع حديث إلى مثله في باب واحد, فقد سبق إليه الشعبي، فإنه قال: هذا باب من الطلاق جسيم، وساق أحاديثه.

وقلنا قبل ذلك: إن ما كُتب في عصر الصحابة ثم في عصر التابعين بعدهم إنما هو سرد أحاديث فقط، دون العناية بأساليب التأليف ومقاصده التي ظهرت بعد ذلك. أما التصنيف الذي نتحدث عنه؛ فله مناهجه، وله أساليبه المتميزة التي سنتحدث عنها بالتفصيل.

قال ابن حجر: وهؤلاء المذكورون في أول من جمع -والصحيح دون وصنف وألف- كلهم في أثناء المائة الثانية، وأما ابتداء تدوين الحديث؛ فإنه وقع على رأس المائة في خلافة عمر بن عبد العزيز بأمره. والتدوين الذي يتحدث عنه هو جمع المحدثين لما عندهم من الحديث؛ خشية ضياعه على كم مخصوص ووضع مخصوص بحسب ما يطلب منهم، وكان الهدف منه مجرد حفظ السنة فقط؛ أما التأليف والتصنيف بمقاصدهما العلمية المعتبرة بعد ذلك, فلم يكن شيء من ذلك إلا بعد عصر التابعين.

وذكر صاحب (الفهرست): من أوائل المصنفين في السنة: ابن أبي ذئب محمد بن عبد الرحمن، وزائدة بن قدامة، ومحمد بن الفضيل بن غزوان، ويحيى بن زكريا بن زائدة، ووكيع بن الجراح, ومكحول الشامي، والأوزاعي، والوليد بن مسلم، وذكر أنهم صنفوا السنن وكلهم مات قبل المائتين.

وهكذا تتابع التأليف على الأبواب حاملًا خصائص هذا التأليف, فيما له وفيما عليه.

error: النص محمي !!