Top
Image Alt

مجالات التحليل التقابلي، وأهدافه، وأسس إجرائه

  /  مجالات التحليل التقابلي، وأهدافه، وأسس إجرائه

مجالات التحليل التقابلي، وأهدافه، وأسس إجرائه

مجالات التحليل التقابلي وأهدافه وأسس إجرائه، ونبدأ بمجالاته وأهدافه، فنقول:

إن المدرسة الوصفية البنيوية لدراسة اللغات قد تأثرت في مدخلها ومنهجها بمدرسة السلوكيين في علم النفس؛ هذا حيث ركزت تلك المدرسة على وصف ظاهر اللغة دون المعنى، أو دون النفاذ إلى باطنها.

فركزوا على الأنظمة الصوتية والصرفية والنحوية، أي: على الشكل اللغوي دون التطرق إلى النظام الدلالي أو المعنوي؛ لذلك فإن أتباع هذه المدرسة قد رأوا أن اللغات يختلف بعضها عن بعض من حيث هذه الأنظمة الشكلية.

وأن هذا الاختلاف يكون محدودًا إذا كانت اللغات مشتقة من أصل واحد، كالفرنسية، والإيطالية، والإسبانية، والبرتغالية، المشتقة من الأصل اللاتيني.

كما رأوا أن الاختلاف بين اللغات يكون واسعًا، إذا لم تكن اللغات راجعة إلى أصل واحد، كالصينية والإنجليزية والعربية مثلًا.

وقد رتَّبوا على هذا الأمر فكرة مهمة، وهي أن دارس اللغة الأجنبية، يواجه صعوبة أكبر في تعلم تلك اللغة، إذا كانت وجوه الاختلاف بينها وبين لغته الأم كثيرة وجوهرية، بينما تتضاءل تلك الصعوبة إذا ازدادت وجوه الشبه بين اللغتين.

ولذلك رأوا أنه يمكن التنبؤ بالأنماط اللغوية التي تسبب صعوبة للمتعلم، كما يمكن التنبؤ بالأنماط اللغوية التي لا تسبب أية صعوبة له، وذلك عن طريق المقارنة المنهجية للغة والثقافة المطلوب تعلمهما، باللغة والثقافة الأصليتين لدارس اللغة الأجنبية، فالسبيل إلى معرفة الصعوبة، ومداها وكثرتها وقلتها لا يمكن أن يحدث دون تحليل لغوي مقارن، أو تحليل تقابلي.

من هذا المنطلق فإن واجب اللغويين المنتمين إلى هذه المدرسة إجراء الدراسات المقارنة على كل زوج من اللغات، اللغة القومية، والأخرى التي سيجري تعلمها لغة أجنبية ثانية، ، وأن يستخلصوا من ذلك وجوه الشبه ووجوه الاختلاف بكل تفصيل على المستويات الصوتية والصرفية والنحوية؛ بل أضاف بعض أتباع هذه المدرسة أيضًا بعدًا آخر المتصل بالثقافة والحضارة؛ ليكشفوا الفوارق بين الوظائف اللغوية الاجتماعية في المواقف المختلفة، كما تأثر بهم بعض رجال التربية المهتمين بتعليم اللغات الأجنبية، وذلك في أثناء تعليم اللغة لغير الناطقين بها، وعند إعدادهم اختبارات اللغة الأجنبية، وفحص الطلاب عن طريقه؛ حيث إذا أتقن الطالب نقاط الاختلاف بين اللغتين الأم والأجنبية، فإنه يُمكن أن يُحكم عليه ساعة إذٍ، بأنه أتقن اللغة الأجنبية برمتها.

ولم يكن هذا الأساس النظري وحده هو الذي أعطى دفعة قوية لأتباع هذه المدرسة، وإنما ساعدت على ذلك أيضًا بعض المشاهدات العامة؛ حيث رُئي أن دارس اللغة الأجنبية، يواجه صعوبة في نطق بعض الأصوات التي لا تتوافر في لغته الأم، فينطقها بطريقة خاطئة؛ سواء كانت مشابهة أو قريبة من أصوات، يعرفها ويستخدمها في لغته الأصلية، أو أنه لا يستطيع نطقها على الإطلاق، أو يخلط بينها وبين أصوات أخرى قريبة منها، ولكنها متوافرة في لغته.

فالطالب الألماني الذي يدرس اللغة الإنجليزية مثلًا، لا يستطيع نطق “الواو” فينطقها “ذي”؛ لأن الصوت الأول غير موجود، بينما الصوت الأخير موجود في اللغة الألمانية، وخصوصًا أنه يُكتب على هيئة w في هذه اللغة، كما أن الطالب نفسه، ينطق صوت (الذال) زايا للسبب نفسه، والطالب الإنجليزي الذي يدرس اللغة العربية، يتعذر عليه تقريبًا أن ينطق صوت (الحاء)، ويجد صعوبة كبيرة في نطق أصوات (الغين) و(الخاء) و(الضاد) و(الطاء)، والعربي الذي يدرس اللغة الإنجليزية كثيرًا ما ينطق صوت الـ(v) (فاء)؛ لأن الـ(فاء) متوفر في العربية، بينما الصوت الأول غير متوفر، كما أنه يجد صعوبة كبيرة في التفرقة بين صوت الـ(باء) الخفيفة والثقيلة، وبين الحركتين (E) و(I) ، لأسباب تتعلق باختلاف قيمة تلك الأصوات، وتوزيعها في كل من العربية والإنجليزية، وما قيل عن النظام الصوتي، ينطبق أيضًا على كل من النظامين الصرفي والنحوي؛ بل على نظام الدلالة والبلاغة والوظائف اللغوية الاجتماعية أيضًا.

لقد انتعشت الدراسات اللغوية المقارنة، أو انتعش التحليل التقابلي؛ نتيجة هذين الأمرين، وقامت فرق عمل بإنجازات كبيرة في هذا المجال بالنسبة للغات الأوربية على وجه الخصوص، وامتدَّت هذه الأعمال أيضًا إلى أوربا وأمريكا، وكذا في شرق أوربا، وفي بلدان أخرى.

وأظهرت الدراسات الميدانية مدى الحاجة إلى مقارنة النظامين الصوتيين الأصلي والأجنبي للتنبؤ بمشكلات النطق، ووصف ما يتعلق منها بأداء المتكلمين بلغة معينة عندما يدرسون لغة أخرى.

وتشير هذه الدراسات أيضًا إلى أننا عندما نتعلم لغة أجنبية نميل إلى نقل نظام لغتنا بكاملها إلى اللغة الأجنبية التي نتعلمها، فننقل إليها الوحدات الصوتية، أو ما يُسمى بالفونيمات في لغتنا مثلًا، كما ننقل النبر وأنماط الإيقاع، والوقف، وأنماط التنغيم؛ لتتفاعل مع الفونيمات والأنماط اللغوية الأخرى في اللغة المتعلمة، فإذا كان المتحدث بالإنجليزية لا يجد مشكلة في نطق الصوتين الـ(ذال) والـ(ثاء)، فإن المتحدث بالفرنسية يقلب الـ(ذال) (دالا)، والـ(ثاء) (تاء)، وأما المتحدث بالألمانية فينطق الـ(ثاء) (سينًا)، والـ(ذال) (زايًا)، ولا تشكل الـ(لام) صعوبة للمتحدثين بأكثر اللغات، ولكن يلاحظ الخلط بين الـ(لام) والـ(راء)، لدى المتحدثين باللغتين الصينية واليابانية.

وتظهر الحاجة لمثل هذه الدراسات في إعداد المواد التعليمية وتأليف الكتب، وفي عمل التمارين والتدريبات الإضافية وعند التقويم، وتشخيص المشكلات التي تواجه المدرسين.

إن المقارنة بين العربية والإنجليزية، تُظهر عدم تناظر الفونيمات العربية مثل الـ(حاء) والـ(الخاء) والـ(صاد) و(الضاد) و(الطاء) والـ(ظاء) والـ(عين) والـ(غين) والـ(قاف)، كما يجد الناطق باللغة الأجنبية صعوبات نطقية وسمعية في هذه الفونيمات، هي بالنسبة له تُعد مشكلات نطقية.

وتظهر المقارنة أيضًا عدم وجود الـ(ذال) والـ(ثاء) في اللغة الأردية؛ لذلك تعتبر هاتين الوحدتين الصوتيتين من المشكلات النطقية لدارسي العربية كلغة أجنبية، كذلك يجد الناطقون باللغة الأجنبية مع الصفة والموصوف مشكلة كبيرة؛ حيث تأخذ الصفة في لغتهم صورة واحدة، بينما تختلف صورتها في اللغة العربية باختلاف الموصوف من حيث الجنس والعدد، وهناك مشكلات صرفية أخرى ونحوية، ودلالية متعددة؛ بل هناك مشكلات أيضًا سببها التهجئة، كأن ينطق الدارس للعربية من المتحدثين بالأوردية صوت الـ(ضاد) في صورة (زاي)، فيقول في (رمضان) (رمزان).

من هنا يرى العلماء ضرورة إجراء الدراسات التقابلية بين اللغات المختلفة؛ للتعرف على ما يجب تقديمه لدارسي اللغات الأجنبية، كأن نجري دراسة بين الإنجليزية والعربية مثلًا؛ لنعرف ما يجب أن نقدمه من كلٍّ من اللغتين للناطقين باللغة الأخرى.

error: النص محمي !!