مداخل العلوم المتكاملة والإلكترونية
تعتمد العلوم المتكاملة في بناء مناهجها على ثمانية مداخل، وهي: المدخل البيئي، مدخل المفاهيم، مدخل العمليات العقلية، مدخل المشروع، مدخل الظواهر الطبيعية، مدخل التطبيقات والتجارب العملية، مدخل الموضوع، مدخل المشكلات المعاصرة.
ويعد المدخل البيئي من المداخل المناسبة لبناء مناهج التعليم المتكاملة؛ ولذلك فقد أوصت العديد من المؤتمرات بضرورة اتباع والأخذ بهذا المدخل، لإقامة برامج ومشروعات ومناهج متكاملة ومتزاوجة ومندمجة، تربط بين الثقافة والبيئة والتنمية من خلال مجالات وموضوعات، مثل: حماية التنوع البيولوجي، وإدارة الموارد الطبيعية، ومعرفة الأخطار الطبيعية التي تحيط بالبيئة، والحد من تأثيراتها الضارة. وعند بناء مناهج التعليم المتكاملة، يجب مراعاة عدة جوانب وأبعاد للتكامل، من أهمها ما يلي:
مدى مجال، أو سعة، أو حجم التكامل، ويقصد به: عدد الموضوعات، أو المقررات، أو المناهج الدراسية التي يحدث التكامل فيما بينها، وقد أفادت مداخل التكامل بشكل كبير في توسيع مدى التكامل في مناهج العلوم المتكاملة حيث تجاوز دمج فروع المادة الواحدة: نبات، أو حيوان، أو كيمياء عضوية، وكيمياء غير عضوية إلى دمج مواد التخصص الواحد، كالكيمياء، والفيزياء، والأحياء في مقررات العلوم، ثم دمج مناهج العلوم مع مجالات أخرى، كالكيمياء، والفيزياء، والأحياء، والصحة، في مقررات العلوم والصحة. وكذلك علوم بيئية، ودراسات اجتماعية، وأنشطة عملية واجتماعية متنوعة، ودمجها في مقررات العلوم العامة والأنشطة البيئية، أو مقررات الأنشطة التربوية. وأخيرا دمج مناهج العلوم مع مناهج دراسية أخرى، كالرياضيات، واللغات، والجغرافيا، والتاريخ، وغيرها من العلوم الإنسانية والاجتماعية.
قوة أو شدة التكامل: ويقصد بهذا الجانب الدرجة أو المدى الذي تنعدم فيه الحدود بين المواد، أو الموضوعات المتكاملة. بمعنى آخر، فإن شدة التكامل تعني: درجة الترابط المنطقي، والتداخل التفاعلي بين موضوعات المنهج المتكامل. وهناك مستويات من شدة التكامل، كالتناسق الذي يجمع بين موضوعات ومجالات متقاربة ومتشابهة من حيث طبيعتها ومضمونها في منهج واحد. والترابط الذي يربط بين الموضوعات أو المجالات المتنوعة في منهج واحد مستند على أساس محدد لهذا الترابط، والاتحاد أو الدمج والتوليف الذي يجمع الموضوعات، أو المجالات، أو المناهج في كلٍ موحَّد، والتداخل البيني الاندماجي الذي يجمع بين الموضوعات أو المجالات أو المناهج في كل متداخل متفاعل، يصعب معه إدراك الفواصل بينهما. ويتيح المدخل البيئي أقصى درجات الشدة، والقوة والتأثير في مناهج العلوم المتكاملة، شريطة أن تتوافر كافة العوامل اللازمة لتنفيذ ذلك على المستوى الإجرائي.
ومن حيث عمق التكامل ويقصد به مدى ارتباط موضوعات مناهج التعليم، باحتياجات المتعلمين، وقضايا بيئتهم ومشكلاتهم التي تصادفهم في حياتهم اليومية. كما يقصد بعمق التكامل أيضا: مدى التداخل بين كافة الخبرات ونواتج التعلم التي تسعى المناهج المتكاملة إلى تحقيقها، معلومات ومفاهيم ومبادئ، وخبرات، ومهارات، واتجاهات، وقيم، وأنماط للسلوك، إلى غير ذلك من نواتج التعلم المرغوبة، ومن أنواع ومكونات المحتوى العلمي والمعرفي. ويتيح المدخل البيئي أيضًا، أقصى درجات العمق لمناهج العلوم المتكاملة، عندما تتوافر كافة العوامل لتحقيق ذلك. ومن الجوانب التي ينبغي مراعاتها أيضًا في مناهج التعليم المتكاملة: مرونة التكامل، والمرونة تشير دائما إلى الحرية، وتشير دائما إلى عدم الثبات في قالب وشكل ونمط واحد، ويشير هذا الجانب إلى أن المناهج المتكاملة ليست قوالب، وأشكالًا جامدة، بل لا بد وأن تكون مرنة، تتيح قدرا من الحرية لمعلمي تلك المناهج ومتعلميها عند تدريسها ودراستها.
ويعد هذا من الجوانب والعوامل، التي تؤدي إلى قوة المنهج، وهي: مرونة المنهج، حيث يمكن للمتعلم وللمعلم، أن يتدخل في تشكيل المنهج وإعداده، ويتوقف مدى مرونة التكامل في مناهج التعليم، على مدى خبرة القائمين ببناء تلك المناهج وتطويرها، ومدى فهمهم لفكرة التكامل، ومدى قناعتهم بها. ويتيح المدخل البيئي قدرا كبيرا من المرونة في بناء المناهج المتكاملة. والجانب الخامس الذي ينبغي مراعاته، عند إعداد المناهج المتكاملة: هو الاندماج البيئي؛ ويعد من أهم جوانب المناهج المتكاملة الاندماج البيئي، هذا الذي يعد شرطا لبناء تلك المناهج، وفي هذا الإطار يتم التأكيد مِن قِبل العديد من العلماء والمتخصصين على أن تدريس المناهج المتكاملة لا يتم بدون التغلغل، والاندماج البيئي؛ حيث يمثل ذلك هدفا أساسيًّا لا يمكن إغفاله عند الحديث عن تدريس مثل هذه المناهج، وفي ذلك إشارة صريحة إلى فعالية المدخل البيئي، في بناء المناهج المتكاملة، وفي تدريسها.
وبصفة عامة، فإن المناهج المتكاملة تسهم في تحقيق مجموعة من الأهداف، حيث تتيح عدة فوائد، ومزايا تربوية وتعليمية، ومنها: الفهم العميق للمحتوى، وتعميق وترسيخ المعلومات والمبادئ والمفاهيم لدى كل من الطلاب والمعلمين، ومنها أيضا: الربط بين المؤسسات التعليمية، والعالم أو البيئة الخارجية المحيطة. كما أن منها: الربط بين خبرات تلك المناهج ومشكلات البيئة الواقعية. ومنها أيضا: تعليم الطلاب كيف يتعلمون وتعليم الطلاب كيف يفكرون، وتعليم الطلاب كيف يعملون على حل المشكلات، وعلى التعاون في سبيل التعلم، كما أن منها: تدريب الطلاب على تحمل المسئولية والمشاركة الفعالة، وتعليم الطلاب كيفية التغلب على العقبات، وكيفية التفكير الابتكاري والتفكير الإبداعي، ومنها: نمو خبرة الطلاب في التعبير الذاتي والاعتماد على النفس. كما أن منها أيضا: أنها تجعل البيئة التعليمية، والتعلم عملية أكثر إثارة ومتعة للمتعلم. كما أن فيها فائدة، وهي: إحداث ترابط منطقي، وتداخل تفاعلي، بين الخبرات العلمية دون تجزيء أو تكرار.
وتأكيدا لفعالية مدخل التكامل في بناء مناهج العلوم المتكاملة، فقد أجريت العديد من الدراسات والبحوث ذات الصلة والعلاقة في العديد من المحافل العلمية، وكذلك التكنولوجية، والتربوية، والبحثية، في إطار هذا الموضوع على جميع المراحل التعليمية، وكان منها ما يلي: المناهج المتكاملة في المرحلة الابتدائية. تعد المرحلة الابتدائية من أكثر مراحل التعليم اهتماما بالمناهج المتكاملة، ويرجع ذلك بالضرورة إلى إلى طبيعة الدراسة بتلك المرحلة، التي تكون عامة تعتمد على معلم واحد يعرف بمعلم الفصل، خلال السنوات الأولى منها، حتى إن الصفوف الأخيرة منها لا تركز على التخصصات الدراسية الأكاديمية، بقدر تركيزها على جوانب الإعداد العام للتلاميذ، الأمر الذي يتيح تطبيق مناهج العلوم المتكاملة بشكل من المواد والأنشطة حول موضوعات البيئة، وترد بمسميات: مشاهد، وأنشطة، أو الأنشطة والمهارات الآلية، أو المعلومات العامة والأنشطة البيئية، أو العلوم والحياة، أو العلوم والصحة، إلى غير ذلك.
ويمكن اعتبار تكامل منهج العلوم، للصفوف الأولى من المرحلة الابتدائية، مع بقية المواد الدراسية لتكوين منهج موحد متكامل، هو أرقى أنواع العلوم المتكاملة من حيث مدى التكامل، وقوة وعمق وشدة وأثر هذا التكامل.
وقد أُدخل مؤخرا في مصر منهج متكامل، يعالج بعض موضوعات البيئة وقضاياها للصفوف الثلاثة الأولى بالمرحلة الابتدائية، وسمي باسم: مشاهد وأنشطة. إلا أن تنفيذ هذا المنهج على مستوى الواقع قد يلاقي صعوبات عديدة تحول دون تحقيق أهدافه المرجوة. وتتضح فعالية المناهج المتكاملة للمرحلة الابتدائية من خلال العديد من المشروعات، والدراسات التي قامت على هذا المدخل، ومن أمثلة هذه المشروعات:
مشروع “نافلد” للعلوم المتكاملة، الذي أقيم في انجلترا بهدف إعداد مناهج متكاملة بين فروع العلوم للمرحلة الابتدائية. ومشروع العلوم المتكاملة للمدارس الماليزية، الذي قدم عام 1969 لتلاميذ المرحلة الابتدائية، حيث تكاملت فيه موضوعات العلوممع أنشطة وموضوعات أخرى، في الرياضيات، والدراسات الاجتماعية، واللغات. والمشروع الذي أعدته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، الذي استهدف إعداد مناهج للعلوم المتكاملة، وفقا لمرحلة التعليم الأساسي بحلقتيها: الابتدائية والإعدادية في دول العالم العربي. ويمكن إعداد مناهج متكاملة في العلوم الإسلامية والشرعية؛ بهدف الربط والتكامل بين علوم الشريعة المختلفة، كعلم الفقه، والحديث، والتفسير، والسيرة، وغيره من العلوم.
المناهج المتكاملة في المرحلة الإعدادية: حظيت المناهج المتكاملة باهتمام كبير في المرحلة الإعدادية أيضًا، حيث تكمل تلك الحلقة الإعدادية أو المتوسطة مرحلة التعليم الأساسي، التي تهتم بإكساب المتعلم الحد الأدنى من الخبرات العامة التي تؤهله للعيش في مجتمعه. ومن مشروعات العلوم المتكاملة بالمرحلة الإعدادية: مشروع “بورتلاند” للعلوم المتكاملة، وذلك كان في الولايات المتحدة الأمريكية الذي تكاملت فيه دراسة موضوعات: الفيزياء، والكيمياء، والبيولوجيا في منهج واحد للمرحلة المتوسطة.
ومشروع “نافلد” للعلوم الموحَّدة بالمملكة المتحدة للتلاميذ في سن من إحدى عشر إلى ثلاثة عشر سنة، الذي تكاملت فيه موضوعات العلوم وفق المدخل البيئي. والمشروع الريادي لتطوير تدريس العلوم المتكاملة، في المرحلة المتوسطة بالدول العربية، الذي بدأته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في عام 1975، حيث تكاملت خلاله موضوعات العلوم: الفيزياء، والكيمياء، والأحياء وفقا للمدخل البيئي.
وكذلك مشروع العلوم المتكاملة لمرحلة التعليم الأساسي بالدول العربية، الذي بدأته أيضًا المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم عام 1989، حيث أسفر المشروع عن إعداد مخططات لمناهج العلوم الموحدة، وفقا للمدخل البيئي لتسع سنوات دراسية، ست منها للحلقة الابتدائية، وثلاث للحلقة الإعدادية. وفي الإطار ذاته، أوصى التقرير الختامي للندوة التي أقامها مكتب التربية العربي لدول الخليج بالدوحة عام 1995 بتطوير مناهج العلوم المتكاملة لمراحل التعليم العام، كما أن هناك العديد من الدراسات والبحوث ذات الصلة بالمجال تؤكد جميعها على ضرورة إعداد المناهج المتكاملة، وضرورة الدمج بين عدد من العلوم المتكاملة، كالعلوم والصحة، والدراسات الاجتماعية، والتاريخ والجغرافيا، وفنون اللغة، والرياضيات، والاقتصاد المنزلي، والتربية الصحية، والتربية الزراعية، إلى غير ذلك من المجالات لتلاميذ المرحلة المتوسطة؛ وذلك بهدف الربط بين هذه المناهج وتكاملها.
أما المناهج المتكاملة: فكما كانت في المرحلة الابتدائية، والمرحلة الإعدادية، فإن لها واقعًا وتجارب وخبرات ونداءات ومشروعات أيضًا في المرحلة الثانوية. وقد بدأ الاهتمام متأخرا بالمناهج المتكاملة للمرحلة الثانوية، كما أن مسيرة هذا النوع من المناهج بتلك المرحلة مشى بخطى بطيئة جدا في مصر، وكثير من الدول العربية، حيث تهتم هذه المرحلة بإعداد المتعلم إعدادا أكاديميا تخصصيا يمهد للالتحاق بالجامعة، ومع وعي مخططي المناهج في تلك المرحلة بأهمية التكامل في مناهجها، فإن التنفيذ الإجرائي بدأ على استحياء في مناهج: العلوم، والدراسات الاجتماعية دون غيرها من المناهج، لكن ذلك لم يكن بالمستوى المناسب. وتركز مناهج العلوم المتكاملة بالمرحلة الثانوية على جانب التخصص الأكاديمي. لذا؛ نرى التكامل واضحا بين موضوعات المادة الدراسية الواحدة، في حين تظهر الحدود والفروق واضحة بين المواد الدراسية المختلفة في المجال الواحد.
وفي مقدمة مشروعات المناهج المتكاملة عالميًّا، ذلك المشروع الأمريكي المسمى: دراسة منهج علم البيولوجيا، الذي بدأ عام 1958 بتقويم الوضع الراهن لمناهج البيولوجيا آنذاك، وانتهى إلى إعداد ثلاثة كتب للعلوم البيولوجية المتكاملة بالمرحلة الثانوية آنذاك، وما إن انطلق هذا المشروع حتى توالت العديد من المشروعات الأخرى المماثلة، كمشروع “نافلد” لتطوير تدريس البيولوجيا في إنجلترا، على ضوء مبدأ التكامل الذي أسفر عن إعداد خمسة مناهج للبيولوجيا المتكاملة في المرحلة الثانوية.
وأيضًا، مشروع اليونسكو لتطوير تدريس البيولوجيا في أفريقيا، الذي أسفر عن إعداد اثني عشرة وحدة تعليمية متكاملة على سبيل التجريب، حيث أعد لكل وحدة منها كتيب مستقل، بنيت سبعة من هذه الوحدات على المدخل البيئي، والمشروع الريادي الذي قامت به المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في عام 1972 لتطوير مناهج العلوم البيولوجية للمرحلة الثانوية بالدول العربية. وقد انتهى بعد ذلك بعامين، وانتهى هذا المشروع بتقديم مخطط عام لمناهج البيولوجيا للصفوف الثلاثة بالمرحلة الثانوية. حيث بنيت تلك المخططات على المدخل البيئي في التكامل بين موضوعات علم النبات، وعلم الحيوان.
ومن أمثلة المشروعات التي حاولت توسيع مدى التكامل في مناهج العلوم بالمرحلة الثانوية: مشروع منهج علوم الأرض، الذي اعتمد على تكامل العديد من مجالات العلوم، كالفيزياء، والكيمياء، والنبات، والحيوان، والجيولوجيا، والأرصاد الجوية، وعلوم البحار، وغيرها من فروع العلوم، تلك المجالات المرتبطة بدراسة الأرض. وكان هذا المشروع لطلاب المرحلة الثانوية بالولايات المتحدة الأمريكية. وكذلك مشروع منهج المفاهيم الهندسية؛ الذي تكاملت فيه المفاهيم الهندسية مع العلوم الطبيعية في مناهج المرحلة الثانوية الأمريكية. فهل يمكن أيضًا أن يكون هناك اتجاه حديث من الاتجاهات المعاصرة لإعداد المناهج في المدارس الدينية، ومعاقل تدريس العلوم الإسلامية والشرعية، من أجل إحداث نوع من التكامل بين هذه العلوم الإسلامية والشرعية، وبعض العلوم الأخرى الطبيعية، كعلم الجيولوجيا، وعلم الفضاء، وعلم الجغرافيا، وغيره من العلوم؟ حيث إن هناك إشارات ودلائل قرآنية عديدة، تشير إلى أشياء واقعية في البيئة المحيطة بنا.
أما واقع العلوم المتكاملة للمرحلة الجامعية: حيث تمثل المرحلة الجامعية، أكثر المراحل التعليمية بعدا عن المناهج المتكاملة؛ لا لشيء إلا لأن نظام التعليم الجامعي يركز على الإعداد الأكاديمي المتخصص في مجالات العلوم المختلفة، ومن ثم يصبح تطبيق المناهج المتكاملة في الجامعات متعارضا مع الهدف الأساسي للتعليم بها، وفي محاولة لاستخدام مدخل التكامل في بناء مناهج العلوم مع غيرها من مناهج الرياضيات، والمواد الهندسية على المستوى الجامعي؛ قامت الأقسام الأكاديمية بجامعة شمال “كارولينا” الأمريكية ببناء منهج العلوم المتكاملة: رياضيات، فيزياء، هندسة، كيمياء، لطلاب كلية الهندسة، حيث تبينت فعالية هذا المنهج في تنمية المفاهيم، والاتجاهات، والقدرة على حل المشكلات لدى هؤلاء الطلاب.
وهناك المدخل الواقعي، وهو منهج علوم الواقع: حيث ظهرت علوم الواقع كاتجاه حديث، يدعو المناهج المختلفة بجميع المراحل التعليمية إلى مزيد من الارتباط بواقع المتعلم مع التركيز على المحيط الاجتماعي للبيئة، حيث بدت الحاجة ماسة لمزيد من ربط مناهج التعليم ببيئة المتعلم، ليس من خلال المحيط الحيوي فقط، بل أيضًا من خلال المحيط الاجتماعي. وهناك المدخل المستقبلي: وهو استجابة لعلوم المستقبل، ومناهج علوم المستقبل وضرورة تعلمها، واستجابة لمحاولات المعنيين بالتعليم، التي استهدفت المزيد من ربط مناهج العلوم بالواقع، وانطلاقا من التقدم التكنولوجي المذهل، الذي ساعد في ارتياد آفاق جديدة من العلوم، لم يكن للبشر عهد بها من قبل ظهور مفهوم علوم المستقبل. وعلوم المستقبل: هي تلك العلوم التي تتناول مجالات، وموضوعات، وقضايا علمية، وتكنولوجية حديثة، أو مستحدثة يكون لها تأثير كبير على الأفراد والبيئات والمجتمعات في المستقبل القريب أو على المدى البعيد. ومن ثم، فإن تلك العلوم تستهدف استشراف ما هو متوقع مستقبلا على ضوء ما هو قائم حاليا، وعلى ذلك، فإن هذه العلوم متغيرة بتغير الزمن، فما نراه مستقبليًّا اليوم يكون واقعيًّا غدًا وهكذا.
كما أن هناك عددًا من المناهج في ضوء الاتجاهات المعاصرة لبناء وإعداد المناهج، ومنها: المنهج المعرفي؛ والمنهج المعرفي هو منهج قائم على النمو المعرفي، وهو قائم على نظرية “بياجي”، حيث إنها تخاطب الجانب العقلي، حيث تركز على العمليات العقلية العليا وتنميتها؛ بهدف إكساب المتعلم القدرة على التعبير، وتكوين المفاهيم، والتفكير وحل المشكلات. ومن أهداف المنهج المعرفي: التفكير الاستقلالي والابتكاري، والتفاعل الإيجابي مع الآخرين، وتحمل المسئولية، والربط بين الطفل والبيئة المحيطة به، واكتساب مهارات التعلم الأساسية. وتنظيم محتوى المنهج المعرفي يتم إعداد المحتوى بما يتناسب مع طبيعة النمو لكل متعلم، وذلك هو أساس نظرية “بياجي” للنمو المعرفي، ونظرا لكون طبيعة المنهج المعرفي خصبة ومتنوعة، فهي تتيح للمتعلم قدرا كبيرا من المعارف العقلية؛ ولذلك فهو يشتمل على العديد من المجالات المختلفة، مثل: مجال التمييز البصري بين التشابه والاختلاف، ومجال العمل المهاري واليدوي، والقدرة على تحديد الأماكن، ومجال التصور الإبداعي، ومجال تنمية المهارات الاجتماعية، وكذلك تنمية المدركات الحسية.
أما النوع الثاني من المناهج أيضًا، التي تتناغم وتتناسب مع الاتجاهات المعاصرة في المناهج، فهو منهج “منتسوري”، وسمي ذلك باسم من وضعته، وهي إحدى المتخصصات في مجال التربية، حيث يعتمد ذلك المنهج على ثلاث أسس رئيسة، وهي:
-طبيعة المتعلم.
-ملكات التعلم.
-قدرات المعلم.
ولمنهج “منتسوري” عدة أهداف منها ما يلي: التركيز على تنمية الملكات العقلية للمتعلم، وتنمية حب الاستطلاع لدى المتعلم، والتركيز على الفهم بدل الحفظ، وكذلك التركيز على الميول والاهتمامات، والتنمية لكافة النواحي العقلية والجسمية والاجتماعية، والتركيز على مهارات التعليم الذاتي والتقييم الذاتي، ومنح المتعلم الحرية أثناء التعلم، والربط بين المنهج وبيئة المتعلم، والتعلم على أساس جذب انتباه المتعلم لعملية التعلم، وأيضًا التركيز على الجانب العملي والتطبيقي في التعلم، والتركيز على الحافز، والتدعيم المستمر للمتعلمين.
والنوع الثالث من المناهج، التي تعد في ضوء الاتجاهات المعاصرة والحديثة في المناهج: هو المنهج المبرمج؛ والفكرة التي يقوم عليها المنهج المبرمج، هي تنظيم المادة العلمية وترتيبها، وفق خطوات محددة، يسير فيها المتعلم خطوة خطوة، واحدة تلو الأخرى، وهي خطوات مرتبة، ومتعاقبة، ومتسلسلة، ولا يسمح للمتعلم الانتقال أو تخطي خطوة، إلا إذا اجتاز الخطوة الأولى بنجاح تام، من خلال برنامج التعلم الذاتي. وبالتالي، فإن المتعلم يكون له دور إيجابي، وفعال، ونشط. والمنهج المبرمج يتميز بعدد من الخصائص تميزه عن غيره من المناهج، ومن هذه الخصائص: تنظيم المادة التعليمية، من معارف ومعلومات وخبرات وأنشطة،يتم هذا التنظيمويتسم بالتسلسل، مما يمكن المتعلم من التعلم الصحيح. وأيضًا فإن المادة العلمية بأشكالها المختلفة، تكون مخزنة بصورة خطية وسمعية أو سمعية بصرية مجزأة إلى فقرات أو أجزاء يتعلمها المتعلم مرحلة تلو الأخرى.
كما أن كل متعلم يتعلم وفق سرعته الخاصة على التعلم، وكل مرحلة أو خطوة تنتهي بسؤال تقييمي، ويتم تجربة المادة العلمية قبل تقديمها، ويتم تقديم التغذية الراجعة بعد كل خطوة؛ لتعزيز عملية التعلم.
وأخيرًا، نذكر لك عزيزي الدارس أحد المناهج التي تعد في ضوء الاتجاهات المعاصرة في إعداد المناهج، وهو المنهج الإلكتروني؛ ويعتمد المنهج الإلكتروني في تصميمه على برامج تعليمية إلكترونية، تقوم على المحتوى الإلكتروني Electronic content مثل: برامج تكنولوجيا الوسائط المتعددة Multimedia Technology والبرامج القائمة على النص الفائقHyper text Technology، وبرامج الهايبر ميديا Hyper Multimedia Technology، كلها صاحبت عددا من المستحدثات التكنولوجية في عصر الأقمار الصناعية، وعصر الشبكات والإنترنت والكمبيوتر، وقد أثبتت هذه التكنولوجيات، وهذه البرمجيات فاعليتها، في إكساب المتعلمين المعارف، والمفاهيم، والخبرات بالمراحل المختلفة، معتمدا على روابط واضحة تمكن المتعلم من الانتقال بحرية بين أجزاء المحتوى بسهولة ومنطقية.
وهناك عدة مبادئ لتنظيم المناهج الإلكترونية، منها: تنظيم المحتوى بطريقة متقنة، تيسر على المتعلم الوصول إليها، وتنظيم أنشطة مصاحبة لعملية التعلم، وتنظيم قوائم بالمحتويات من فهارس، ووسائط، وإرشادات للعرض، وتجريب المحتوى بطرق متنوعة، والترابط المنطقي بين أفكار المحتوى، والتفاعل في الموقف التعليمي، بحيث يمكن للمتعلم أن يتفاعل بحرية تامة مع المادة التعليمية، والمحتوى الإلكتروني المقدم له، كما أن البرامج الإلكترونية تسمح بتفريد التعليم، وتراعي الفروق الفردية بين المتعلمين. كما أن تنوع بيئة التعلم من خلال بدائل واختيارات تتناسب مع قدرات المتعلمين، وسرعتهم الخاصة يوفر مناخًا مناسبًا، وفعالًا، وحيويًّا للمتعلمين، ويتناسب مع قدراتهم أيضًا.