Top
Image Alt

مدخل إلى علم التخريج ودراسة الأسانيد

  /  مدخل إلى علم التخريج ودراسة الأسانيد

مدخل إلى علم التخريج ودراسة الأسانيد

الحمد لله رب العالمين، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، وصلى الله تعالى وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فإن علم التخريج ودراسة الأسانيد علم له مكانة سامية بالنسبة لبقية العلوم الإسلامية؛ حيث يحتاج إليه كل علم من علوم الإسلام لا سيما علم الحديث، فإذا كان المحدث يحتاج إليه ليقف على موطن الحديث في مصادره الأصلية، ويقدمه للمسلمين مشفوعًا بكل ما قيل فيه وفي رجاله، محددًا الكتاب والباب والجزء والصفحة التي ورد بها هذا الحديث؛ فإن عالم التفسير يهمه بالدرجة الأولى معرفة ذلك، خاصة الذين يقومون بتحقيق التفسير بالمأثور ويهتمون بالوقوف على الأحاديث والآثار، فينسبونها نسبةً صحيحةً إلى مصدرها.

كما أن الفقيه يحتاج إليه أشد الاحتياج للوقوف على الأحاديث حتى لا يبني قاعدة فقهية على حديث واهٍ أو ضعيف.

وكذلك عالم اللغة الذي يستشهد بالأحاديث النبوية التي نطق بها أفصح من نطق بالضاد: سيدنا محمد صلى الله عليه  وسلم يحتاج عالم اللغة إلى صحة النسبة ومعرفة مصدر الحديث الذي يريد الاستشهاد به.

ومن هنا كان هذا العلم -أي: علم التخريج ودراسة الأسانيد- علمًا ينبغي أن يعتني بدراسته كل من له شغل واهتمام بالدراسات الإسلامية والعربية، من أجل ذلك كانت الحاجة ماسة إلى دراسة هذا العلم.

التخريج في اللغة في الأصل: اجتماع أمرين متضادين في شيء واحد، قال في (القاموس): عام فيه تخريج خصب وجدب، وأرض مُخرِجة نبتها في مكان دون مكان، وخرج الوحي تخريجًا، أي: كتب بعضًا وترك بعضًا، والخرج: لونان من بياض وسواد.

ويطلق التخريج على الاستنباط والتجريد والتوجيه ومعرفة الموضع، قال ابن منظور في (لسان العرب): والمَخرَج: موضع الخروج، يقال: خرج مخرجًا حسنًا، وهذا مخرجه، ومنه قول المحدثين: هذا حديث عُرِفَ مخرجه، أي: موضع خروجه. ويأتي التخريج بمعنى الإظهار والإبراز، ومنه قوله تعالى: {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ} [الفتح: 29]، وهذا نقيض الدخول، ومنه قول المحدثين: أخرجه البخاري، أي: أبرزه للناس وأظهر لهم بيان مخرجه.

التخريج اصطلاحًا: هو الدلالة على موضع الحديث في مصادره الأصلية التي أخرجته بسنده، ثم بيان مرتبته عند الحاجة.

والمراد بالدلالة على موضع الحديث ذِكرُ المؤلفات التي يوجد فيها ذلك الحديث، قال عبد الرءوف المناوي في (فيض القدير) عند قول السيوطي -وهو جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي المتوفى سنة 911 هـ- في (الجامع الصغير): “وبالغت في تحرير التخريج”. هذه عبارة السيوطي، قال المناوي معلقًا على هذه العبارة: بمعنى اجتهدت في تهذيب عزو الأحاديث إلى مخرجيها من أئمة الأحاديث من الجوامع والسنن والمسانيد؛ فلا أعزو إلى شيء منها إلا بعد التفتيش عن حاله وحال مُخرجيه، ولا أكتفي بعزوه إلى من ليس من أهله وإن جل -أي: وإن عظمت مكانته- كعظماء المفسرين.

وأضاف العلماء عبارة مهمة إلى هذا التعريف: وهي قولهم: من أيسر طريق، فكل إنسان يستطيع أن يصل إلى الحديث الذي يريد الوقوف عليه، ولكن إذا لم يكن متبعًا لطرق التخريج قد يقضي السنين حتى يصل إلى حديث يريد البحث عنه؛ أما لو كان عالمًا بطرق تخريج الحديث فإنه يصل إلى الحديث من أيسر طريق.

ونضرب لذلك مثلًا: إذا أعطي لإنسان حديثٌ ليخرجه وهو ضعيف، إذا لم يعرف الصحيح من الضعيف سيفني كثيرًا من عمره في البحث عن ذلك الحديث في -مثلًا- الصحيحين، ولا يوجد بهما الحديث الضعيف؛ لكنه لا يعرف، فإذا كان يعرف أن هذا الحديث ضعيف يلجأ إلى الكتب التي تخصصت في كتب الأحاديث الضعيفة، وإذا كان الحديث مرسلًا أيضًا قد يقضي الكثير من عمره في البحث في الصحيحين وفي السنن وفي المصنفات، وفي غير ذلك من الكتب -التي سنتحدث عنها- أما لو كان عالمًا بأن لكل حديث صفة توصل وتسهل البحث إليه، فيذهب إلى (المراسيل) في كتاب أبي داود مثلًا، فيصل إلى حديثه الذي يريد البحث عنه.

error: النص محمي !!