مدخل لمادة تاريخ التشريع الإسلامي
إن مادة تاريخ التشريع الإسلامي، أو تاريخ الفقه الإسلامي: مادّة ذات أهمية خاصة، يدرس من خلالها طالب العلم مراحلَ نمو الفقه عبر العصور منذ نشأته، مرورًا بالمراحل التي تتابعت، وكيف تأثر الفقه الإسلامي بالعوامل التي جعلت منه علمًا اهتم به جمْع كبير من العلماء على مر العصور. يتعرف الطالب من خلال هذه المادة على حقيقة التشريع الإسلامي، وأن الناس لا غنًى لهم عن شريعة تحكمهم، وتبيّن لهم معالم طريقهم، وتوضّح لهم الحق من الباطل في دينهم ودنياهم، شريعة من عند الله عز وجل تُغني عن كل القوانين الوضعية، التي لا تخلو من نقص وتناقض في كثير من موادّها وفقراتها، كما قال -تبارك وتعالى-: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً} [النساء:82].
فالدارس لهذه المادة يرى الفَرق بين الشريعة الإسلامية السماوية، والقوانين الوضعية، إضافةً إلى بقية فقرات المنهج الذي سيتبيّن من خلاله -بإذن الله- كيفية نشأة المذاهب الفقهية، ونبذة مختصرة عن كل مذهب منها، وترجمة موجزة لأئمة المذاهب الأربعة، وكتب المذاهب المعتمدة، وأشهر المصطلحات في كل مذهب، إضافة إلى ما مرّ به الفقه بعد عصر المذاهب من أدوار إلى عصرنا الحاضر. أسأل الله العلي القدير أن ينفعنا بما علّمنا وأن يعلِّمنا ما ينفعنا وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل.
وبدايةً، لا بد من مقدّمة نعرف من خلالها، ثلاثة موضوعات:
الموضوع الأوَّل: تعريف تاريخ التَّشريع الإسلاميِّ.
الموضوع الثَّاني: مدى حاجة النَّاس إلى التَّشريع الإلهيِّ.
الموضوع الثَّالث: الفرق بينه وبين القوانين الوضعيَّة.
وقبل ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن هذا العلم -أعني: علمَ تاريخ التَّشريع- علمُ وسيلة لا علمُ غاية. فالعلوم في مجملها تنقسم إلى قسمين:
منها ما هو وسيلة توصل إلى غاية معيّنة، كعلم أصول الفقه, فهو وسيلةٌ للوصول إلى كيفية الاستنباط للأحكام من الأدلة، وكعلم مصطلح الحديث هو وسيلة أيضًا للوصول إلى معرفة المقبول والمردود من الأحاديث. وهكذا علم تاريخ التشريع، هو وسيلة لمعرفة تاريخ الفقه، وأدواره، ومراحله، ومذاهبه، وعلمائه، وكتبهم، ومصطلحاتهم؛ فهو خادم للفقيه، وممهد للطريق أمام طالب الفقه.
والقسم الثاني من العلوم هو: غاية في نفسه، كعلم الفقه، وعلم أصول الدين (العقيدة)، وعلم التفسير، وغيرها من العلوم.
ولقد نشأ علم تاريخ التشريع حديثًا؛ فلم يكتب أحد من المتقدمين فيه كتابًا خاصًّا. وكان أول من ألف فيه تأليفًا مستقلًّا: الشيخ محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي، المتوفى سنة 1376ﻫ، في كتابه (الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي). وهو كتاب نفيس، مطبوع في مجلدين. وتتابعت من بعده المؤلفات في هذا العلم، أشهرها: كتاب الشيخ منّاع القطان: (تاريخ التشريع الإسلامي)، وهو من أوسع الكتب التي تحدثت عن هذا الموضوع. ومنها: كتاب (تاريخ الفقه الإسلامي) لمحمد علي السايس، وكتاب (تاريخ الفقه الإسلامي) للطريقي، وكتاب (المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية) لعبد الكريم زيدان، وكتاب (المدخل في التعريف بالفقه الإسلامي) لمحمد مصطفى شلبي، وغيرها كثير.