Top
Image Alt

مدى الاعتداد بالهندسة الوراثية في البحوث الطبية

  /  مدى الاعتداد بالهندسة الوراثية في البحوث الطبية

مدى الاعتداد بالهندسة الوراثية في البحوث الطبية

كنا قد علمنا في العنصر الأول، أن الهندسة الوراثية تعني العلم الذي يبحث في انتقال، صفات الكائن الحي من جيل إلى آخر، ثم تفسير الظواهر المتعلقة بطريقة هذا الانتقال، بشكل علمي وطبي دقيق، وقد أطلق العلماء على هذا الأسلوب، مصطلح البصمة الوراثية.

إذًا نحن ننتقل من كلمة أو مصطلح هندسة إلى مصطلح بصمة وراثية؛ لأن كلمة الهندسة ذات معنى واسع، تشمل الإنسان والحيوان والزراعة والنباتات، الآن الهندسة الوراثية مستغلة في كثير من المجالات، ونحن نسعى إلى علاقتها بالنسب وبالكائن الحي، بالإنسان بالانتقال من جيل إلى جيل، نقل الصفات الوراثية وهكذا.

من هنا قام العلماء بتضييق مصطلح الهندسة الوراثية، في مجال الإنسان بتسميته البصمة الوراثية؛ لأن الصفات الموروثة والصفات المنقولة، لا تشبهها بصمة أخرى لشخص آخر، فكل صفات تعتبر بصمة مستقلة عن غيرها ومتميزة، كأنها خاتم، أو بصمة الإصبع.

وعن هذه البصمة ومعناها وتطور اكتشافها يقول الدكتور سعد الهلالي: تطور الطب في الآونة الأخيرة تطورًا مذهلًا، خاصة بعد أن وقف على البنية الأساسية لجسم الإنسان، فيما أطلق عليها اصطلاح الجين، وتكاتفت كل الجهود فيما يعرف بمشروع الجينوم البشري العملاق من 1990 إلى 2005، الذي يضم مئات من العلماء والباحثين من مختلف الجنسيات، وتلقى هذا المشروع -مشروع الجينوم البشري- دعمًا سخيًّا من الدول الكبرى، والمتقدمة في هذا المجال، وستتغير بالتأكيد أساليب الطب والعلاج نتيجة اكتشاف هذا الجين.

وفي منتصف الثمانينات نجح العلماء في تحليل الحمض النووي، الذي يسكن في نواة الخلية، وجسم الإنسان عبارة عن مجموعة ترليونات من الخلايا، والحمض النووي متطابق تمامًا في كل الخلايا رغم كثرتها، حيث اتضح أن هذا الحمض النووي يضم ستة أربعين كروموسومًا، نصفها من الأب ثلاث وعشرين، ونصفها الآخر من الأم ثلاث وعشرين، يطلق عليها الصبغيات؛ لأنها من خواصها أنها تلون عند الصبغ، كما يطلق عليها الحمض النووي؛ لأنها تسكن في نواة الخلية، ويطلق عليها أيضًا مصطلح معاصر مختصر “D N A”، وكل حرف منها مختصر من كلمة أو من مصطلح آخر “D N A”.

وقد اتضح أن هذا الحامض النووي، سلسلة طويلة تبلغ حوالي المتر، مرصوص عليها جينات يتراوح عددها من خمسين ألفا إلى مائة ألف، وكل جين مرتب في موقع معين على كروموسوم معين، كما أن الجين يتركب من زوجين متكررين من القواعد، حيث يبلغ عدد القواعد في الجين الواحد ثلاثين ألفًا، وبذلك يكون حمض “D N A” في الخلية الواحدة، الذي يحتوي على مائة ألف جين، يتآلف من ثلاثة بلايين زوج من القواعد، كما ثبت أن هذه الجينات هي الشفرة التي تحمل سيرة الإنسان الذاتية، في أدق التفاصيل الوراثية.

وقد لاحظ العلماء: أن ترتيب القواعد على الجينات، وترتيب الجينات على الكروموسوم، تتفق في أكثرها بين جميع البشر فيما يخص الصفات المشتركة بينهم، كلون العين، أو طول القامة ونحوها، ومع هذا التطابق الهائل بين جميع البشر، فإن كل فرد يتميز بذاته عن سائر الخلق، في حوالي اثنين إلى عشرة ملايين من بين الثلاثة بلايين من الوحدات القاعدية، التي يكون الجينوم، نصفها يتطابق مع الأب والنصف الآخر يتطابق مع الأم.

وهذا الكشف الخطير دفع بعض العلماء، إلى الأخذ به في تحديد هوية الإنسان شخصيته، وأطلق البروفيسور “إلك جفري” عليه اصطلاح البصمة الوراثية، محاكاة لبصمة الإصبع لدى الإنسان، والتي تكشف عن هويته والتي لا يشابهها بصمة أي إصبع آخر، وكان ذلك الاكتشاف سنة 1985، ثم تَمَّ اعتماد ذلك الاكتشاف لدى الشركات لتتجير هذا الاكتشاف، أي: تحويله إلى عمل تجاري.

ومما يدل على اعتماد هذا الكشف الطبي الكبير، أن كثيرًا من المحاكم اعتمدت نتائج تلك الاكتشافات، وفي أكتوبر 1998 عقدت الندوة الفقهية الطبية الحادية عشرة بالكويت، لدراسة تطورات علم الوراثة، والهندسة الوراثية، والجينوم البشري، والعلاج الجيني من منظور إسلامي، وتناولت بحوثًا قيمة من بينها: البصمة الوراثية، ومدى حجيتها في إثبات النسب أو نفيه.

error: النص محمي !!