Top
Image Alt

مذهب القدرية والجبرية وبدعتهم، وبيان خطأ استدلالهم بالنصوص والرد عليهم

  /  مذهب القدرية والجبرية وبدعتهم، وبيان خطأ استدلالهم بالنصوص والرد عليهم

مذهب القدرية والجبرية وبدعتهم، وبيان خطأ استدلالهم بالنصوص والرد عليهم

أولًا: مذهب القدرية وبدعتهم, وبيان خطأ استدلالهم بالنصوص، والرد عليهم:

أ. بيان مذهب القدرية, المكذبين بالقدر:

ذَهَب هؤلاء الناس في هذا الباب إلى نفي القدر، وزعموا أن الله -تعالى عما يقولون- لا يعلم بالأشياء قبل حصولها، ولم يتقدم علم الله سبحانه وتعالى بها، وقالوا: إن الله  عز وجل لا يعلم بالموجودات إلا بعد خلقها وإيجادها!! وهؤلاء هم القدرية الأولى, التي نفت علمَ الله السابق للأشياء.

وزعم هؤلاء كذبًا وزورًا أن الله إذا أمر العباد ونهاهم, لا يعلم مَن يطيعه ممن يعصيه، ولا يعلم مَن يدخل الجنة ممن يدخل النار، حتى إذا استجاب العباد لشرعه أو رفضوه علم السعداءَ منهم والأشقياء، ويرفض هؤلاء الضلال الإيمان بعلم الله المتقدم. كما يكذبون بأن الله كتب مقاديرَ الخلائق قبل خلق السموات والأرض, كما ثبت بالكتاب والسنة.

وقد نشأ القول بهذا في آخر عهد الصحابة وتبرءوا منهم، كما ذكر ابن عمر رضي الله عنه وأول مَن قال بهذا هو معبد الجهني، ثم تقلد عنه هذا المذهب الفاسد رءوس المعتزلة وأئمتهم؛ كواصل بن عطاء الغزال، وعمرو بن عبيد، ورُويت عنهم في هذا أقوال شنيعة فيها تكذيب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم في أن الله سبحانه علم الأشياء وكتبها قبل خلقها، وقد نص الأئمة على كفر هذه الطائفة التي لم تقر بعلم الله السابق للأشياء. وممن نص على كفرهم من الأئمة: مالك، والشافعي، وأحمد، وقد ذكر وأشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في (مجموع الفتاوى), وقد تلاشت بحمد الله هذه الطائفة التي تكذب بعلم الله السابق للأشياء.

قال القرطبي -رحمه الله تعالى-: قد انقرض هذا المذهب, فلا نعرف أحدًا ينسب إليه من المتأخرين.

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله-: القدرية اليوم مُطبِقون على أن الله عالم بأفعال العباد قبل وقوعها، وإنما خالفوا السلف في زعمهم بأن أفعال العباد مقدورة لهم وواقعة منهم على وجه الاستقلال، وهو مع كونه مذهبًا باطلًا أخف من المذهب الأول. قال: والمتأخرون منهم أنكروا تعلقَ الإرادة بأفعال العباد؛ فرارًا من تعلق القديم بالمحدثات.

وقال النووي -رحمه الله-: قال أصحاب المقالة المتكلمون: انقرضت القدرية القائلون بهذا القول الشنيع الباطل, والذي لم يبقَ أحد من أهل القبلة عليه، وصارت القدرية من الأزمان المتأخرة تعتقد إثبات القدر، ولكن يقولون: الخير من الله والشر من غيره -تعالى الله عن قولهم- وهؤلاء يطلق عليهم القدرية الثانية, وهم المعتزلة الذين أثبتوا العلم السابق ونفوا خلقَ الله لأفعال العباد؛ ذلك لأن بدعة القدرية الأولى تشتمل على أمرين؛ الأمر الأول: نفي علم الله السابق للأشياء، الأمر الثاني: نفي خلق الله لأفعال العباد، وهؤلاء انقرضوا وقد ذهبوا في عهد الصحابة، وقد تبرأ منهم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. ومن سمع من بدعتهم.

ثم جاءت المعتزلة بعد ذلك وتبنت الشق الثاني, ألا وهو نفي خلق أفعال العباد, وهؤلاء في الحقيقة مجوس ثنوية بل أعظم منهم؛ لأن الثنوية أثبتوا خالقَيْن للكون كله، وهؤلاء أثبتوا خالقين لكل فرد من الأفراد ولكل فعل من الأفعال، بل جعلوا المخلوقين كلهم خالقين، ولولا تناقضُهم لكانوا أكثر من المجوس وطرد قولهم ملازم ولازمه، وحاصله: هو إخراج أفعال العباد عن خلق الله  عز وجل وملكه، وأنها ليست في ربوبيته  عز وجل , وأنه يقول في ملكه ما لا يريد ويريد ما لا يقول، وأنهم أغنياء عن الله  عز وجل فلا يستعينون على طاعته ولا ترك معصيته، ولا يعوذون بالله من شرور أنفسهم ولا من سيئات أعمالهم، ولا يستهدون الصراط المستقيم.

والقدرية بزعمهم أرادوا تنزيه الله وتقديسه, عندما زعموا أن الله شاء الإيمان من الكافر، ولكن الكافر هو الذي شاء الكفر، وحجتهم في ذلك أن هذا يؤدي إلى الظلم، إذ كيف يشاء الله الكفر من الكافر ثم يعذبه عليه؟ ولكنهم -كما يقول (شارح الطحاوية) رحمه الله- صاروا كالمستجير من الرمضاء بالنار، فإنهم هربوا بشيء فوقعوا فيما هو شر منه، فإنه يلزم أن مشيئة الكافر غلبت مشيئة الله تعالى، فإن الله قد شاء الإيمان منه على قولهم والكافر قد شاء الكفر، فوقعت مشيئة الكافر دون مشيئة الله تعالى، وهذا من أقبح الاعتقاد، وهو قول لا دليلَ عليه، بل مخالف للدليل، ومشيئة الله الكفر من الكافر ليس ظلمًا له كما يدعي أهل الظلم من القدرية، فلله الحجة البالغة وله في عباده من الحكم ما لا يعلمه إلا هو -تبارك وتعالى.

ففي (صحيح مسلم) عن أبي الأسود الديلي قال: قال لي عمران بن حصين رضي الله عنه: ((أرأيت ما يعمل الناس ويكدحون فيه, أشيء قُضي عليهم من قدر ما سبق, أو فيما يُستقبَلون به مما أتاهم به نبيهم, وثبتت الحجة عليهم؟ فقلت: بل شيء قضي عليهم ومضى عليهم، قال: فقال: أفلا يكون ظلمًا؟ قال: ففزعت فزعًا شديدًا وقلت: كل شيء خَلْق الله ومِلْك يده، فلا يُسأل عما يفعل وهم يسألون، فقال لي: يرحمك الله، إني لم أرد بما سألتك إلا لأحْزِر عقلك؛ إن رجلين من مُزينةَ أتيَا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله, أرأيتَ ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه، أشيء قُضِيَ عليهم ومضى فيهم من قدر قد سبق، أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم وثبتت الحجة عليهم؟ فقال: لا، بل شيء قضي عليهم ومضى فيهم، وتصديق ذلك في كتاب الله: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 7، 8])).

والقدرية بمسلكهم هذا -أي: إن الله سبحانه وتعالى لم يشأ الكفر من الكافر- جعلوا لأهل الضلال سبيلًا عليهم، فقد ذكر عمر بن الهيثم قال: “خرجنا في سفينة وصحبنا فيها قدري ومجوسي، فقال القدري للمجوسي: أسلم، فقال المجوسي له: حتى يريد الله، فقال القدري: إن الله يريد ولكن الشيطانَ لا يريد، قال المجوسي: أراد الله وأراد الشيطان، فكان ما أراد الشيطان، هذا شيطان قوي”، وفي رواية أنه قال: “فأنا مع أقواهما”.

ب. بيان خطأ القدرية واستدلالهم بالنصوص، والرد عليهم:

من ذلك أنهم قالوا: قول الله -تبارك وتعالى-: {اللّهُ خَالِقُ كُلّ شَيْءٍ} [الرعد: 16] من العام المراد به الخاص، ولا سيما أنهم يقولون لأهل السنة: إنكم قلتم: إن القرآن لم يدخل في هذا العموم وهو من أعظم الأشياء وأجلّها، فخصصنا منه أفعال العباد بالأدلة الدالة على كونها فعلهم ومنعهم.

قال لهم أهل السنة: القرآن كلام الله سبحانه، وكلامه صفة من صفاته، وصفات الخالق وذاته لم تدخل في المخلوق، فإن الخالق غير المخلوق، فليس ههنا تخصيص ألبتة، بل الله سبحانه بذاته وصفاته الخالقُ، وكل ما عداه مخلوق، وذلك عموم لا تخصيص فيه بوجه؛ إذ ليس إلا الخالق والمخلوق، والله وحده الخالق وما سواه كله مخلوق.

ثم قالت القدرية أيضًا مستدلين بهذا النص, وقد أخطئوا فيه: معنى قول الله تعالى: {اللّهُ خَالِقُ كُلّ شَيْءٍ} أي: مما لا يقدر عليه غيره، وأما أفعال العباد التي يقدر عليها العباد, فإضافتها إليهم تنفي إضافتها إليه، وإلا لزِمَ وقوع مفعولين من فاعلين، وهو محال.

قال لهم أهل السنة: إضافتها إليهم فعلًا -إضافة الأعمال إلى العباد فعلًا- لا ينفي إضافتها إلى الله سبحانه وتعالى خلقًا ومشيئة، فهو سبحانه الذي شاءها وخلقها وهم الذين فعلوها حقيقةً، فلو لم تكن مضافةً إلى مشيئته وقدرته وخَلْقه لاستحال وقوعها منهم؛ إذ العباد أعجز وأضعفُ مِن أن يفعلوا ما لم يشأه الله ولا خَلَقه سبحانه وتعالى, ومما يدل على قدرة الله سبحانه وتعالى على أفعالهم قوله تعالى: {وَاللّهُ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.

واعترض القدرية على الاستدلال بذلك, والجواب عنه نظيرُ الاعتراض على قوله: {اللّهُ خَالِقُ كُلّ شَيْءٍ}.

وجوابه: أن أفعالهم أشياء ممكنة، والله قادر على كل ممكن، فهو الذي جعلهم فاعلين بقدرته ومشيئته، ولو شاء لحال بينهم وبين الفعل مع سلامة آلة الفعل منهم، كما قال تعالى: {وَلَوْ شَآءَ اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الّذِينَ مِن بَعْدِهِم مّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَيّنَاتُ وَلَـَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُمْ مّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مّن كَفَرَ وَلَوْ شَآءَ اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَـَكِنّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة: 253].

فهو سبحانه يحول بين المرء وقلبه، وبين الإنسان ونطقه، وبين اليد وبطشها، وبين الرجل ومشيها، فكيف يُظن به ظن السوء ويُجعل له سبحانه مثلُ السوء؟ وهو أنه لا يقدر على ما يَقدر عليه عباده، ولا تدخل أفعالهم تحت قدرته -تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون لقدرته علوًّا كبيرًا!!

ومما قالت القدرية أيضًا: نحن نقول: إن الله خالق أفعال العباد, لا على أنه محدثها ومخترعها، لكن على معنى أنه مقدّرها، فإن الخلق التقدير كما قال تعالى: {فَتَبَارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 14].

قال أهل السنة لهم: قدماؤكم ينكرون تقدير الله سبحانه لأعمال العباد ألبتة، فلا يمكنهم أن يجيبوا بذلك، ومن اعترف منكم بالتقدير فهو تقدير لا يرجع إلى تأثير، وإنما هو مجرد العلم بها والخبر عنها, وليس التقدير عندكم جعلها على قدر كذا وكذا، فإن هذا عندكم غير مقدور للرب ولا مصنوع له، وإنما هو صنع العبد وإحداثه، فرجع التقدير إلى مجرد العلم والخبر، وهذا لا يسمى خلقًا في لغة أمة من الأمم.

ومما نرد به عليهم ونبطل باطلهم, قول الحق -تبارك وتعالى-: {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَآءَ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [المائدة: 14], وقوله: {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَآءَ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [المائدة: 64] وهذا الإغراء والإلقاء هو محض فعل الله سبحانه، والتعادي والتباغض أثره وهو محض فعلهم، وأصل ضلال القدرية والجبرية من عدم اهتدائهم إلى الفرق بين فعله سبحانه وتعالى وبين فعل العبد؛ فالجبرية جعلوا التعادي والتباغض فعلَ الرب دون المتعادين والمتباغضين، والقدرية جعلوا ذلك محض فعلهم الذي لا صنعَ لله فيه، ولا قدرة له ولا مشيئة، وأهل الصراط السوي جعلوا ذلك فعلهم، وهو أثر فعل الله  عز وجل وقدرته ومشيئته، كما قال تعالى: {هُوَ الّذِي يُسَيّرُكُمْ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ} [يونس: 22], فالتسيير فعله سبحانه، والسير هو فعل العبد وهو أثر التسيير، وكذلك الهدى والإضلال فعله سبحانه، والاهتداء والضلال هو أثر فعله وهما أفعالنا القائمة بنا، فهو سبحانه الهادي والعبد المهتدي، وهو الذي يضل مَن يشاء والعبد الضال، وهذه الحقيقة، والطائفتان عن الصراط المستقيم ناكبتان.

ومما نرد به عليهم ما جاء في قول الحق -تبارك وتعالى-: {وَلَوْلاَ أَن ثَبّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً} [الإسراء: 74] {وَلَوْلاَ أَن ثَبّتْنَاكَ} هذا كلام الله له {لَقَدْ كِدتّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً} فالتثبيت فعل الله سبحانه وتعالى والثبات فعل رسوله صلى الله عليه وسلم, فهو سبحانه وتعالى المثبت وعبده هو الثابت؛ ولذلك أدرك خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام ذلك، فقال لربه: {رَبّ اجْعَلْ هَـَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيّ أَن نّعْبُدَ الأصْنَامَ} [إبراهيم: 35] فههنا أمران: تجنيب عبادتها واجتنابها، فسأل الخليل ربه أن يجنبه وبنيه عبادتها ليحصل منهم اجتنابها، فالاجتناب فعلهم والتجنيب فعله، ولا سبيلَ إلى فعلهم -فعل العباد- إلا بما فعل الله -تبارك وتعالى.

قالوا: كيف يخلق الله الشر ويقدره, ثم بعد ذلك يحاسب عليه, والله منزه عنه؟

وجواب هذه الشبهة قد بينه العلماء أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما، ببيان ما في خلق إبليس والحشرات والكواسر من الحكمة والرحمة، فالشيء الواحد يكون خلقه باعتبارٍ خيرًا وباعتبارٍ آخر شرًّا، فالله خلق إبليس ليبتلي به عباده، فمنهم مَن يمقته ويحاربه، ويحارب منهجه، ويعاديه ويعادي أولياءه، ويوالي الرحمن ويخضع له، ومنهم من يواليه ويتبع خطواته -أي: الشيطان- فهو سبحانه خالق الخير والشر، والشر يكون في بعض مخلوقاته لا في خلقه سبحانه وتعالى وفعله؛ ولهذا فالشر لا يضاف إلى الله وصفًا ولا فعلًا، وإنما يدخل الشر في مفعولات الله تعالى بطريق العموم كقوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ الْفَلَقِ (1) مِن شَرّ مَا خَلَقَ} [الفلق: 1، 2], فهنا دخل الشر بإطلاقٍ في مفعولات الله -تبارك وتعالى- وليس في فعله  عز وجل ؛ فأفعاله كلها خير.

وقد يذكر الله  عز وجل الشر في كتابه ويحذف فاعله, كقوله تعالى حكايةً عن مؤمني الجن: {وَأَنّا لاَ نَدْرِيَ أَشَرّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبّهُمْ رَشَداً} [الجن: 10]؛ ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يثني على ربه ويكثر من هذا الدعاء، وهذا الثناء: ((والخير كله بيديك، والشر ليس إليك)), أي: لا يرجع إليك ولا يعود إليك منه حكم، ولم تخلق يا ربنا شرًّا محضًا؛ وهذا لكمال علمه وعظمته وعدله سبحانه وتعالى.

جـ. محاورة أهل السنة للقدرية:

بعد بيان خطأ استدلالهم بالنصوص، نبين هنا: كيف أن منطق المعتزلة ما استطاع أن يقف في مجال الحِجاج مع عوامّ أهل السنة, فضلًا عن علمائهم.

فقد ذكر مثلًا أهل العلم, أن أعرابيًّا أتى عمرو بن عبيد -وهو من كبار رجالات المعتزلة- فقال له: إن ناقتي سُرقت فادعُ الله أن يردها عليَّ، فقال عمرو بن عبيد: اللهم إن ناقة هذا الفقير سرقت ولم ترد سرقتها، اللهم ارددها عليه، فقال الأعرابي: الآن ذهبت ناقتي وأيستُ منها، قال: وكيف؟ قال: لأنه إذا أراد ألا تسرق فسرقت, لم آمَن أن يريد رجوعها فلا ترجع، ونهض من عنده منصرفًا.

ومن المحاورات العلمية في هذا المجال كذلك، محاورة عبد الجبار الهمداني التي وقعت بينه وبين أبي إسحاق الإسفراييني، وذلك لما دخل عبد الجبار الهمداني -أحد شيوخ المعتزلة- على الصاحب بن عباس وعنده أبو إسحاق الإسفراييني أحد أئمة السنة، فلما رأى الأستاذ قال: سبحان مَن تنزه عن الفحشاء, فقال الأستاذ فورًا: سبحان مَن لا يقع في ملكه إلا ما يشاء، فقال القاضي: أيشاء ربنا أن يُعصى؟ فقال الأستاذ: أيعصى ربنا قهرًا؟ فقال القاضي: أرأيت إن منعني الهدى وقضى علي بالردى، أحسنَ إلي أم أساء؟ فقال الأستاذ له: إن منعك ما هو لك فقد أساء، وإن منعك ما هو له فهو يختص برحمته من يشاء؛ فبُهت القاضي المعتزلي.

د. ذكر بعض النصوص الواردة في ذم القدرية:

إن النبي صلى الله عليه وسلم حَذَّرَ من القدرية أشد تحذير؛ لأنه يخشى على أمته من هذا الضلال الذي وقعوا فيه, ففي الحديث الذي يرويه ابن أبي محجن رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أخاف على أمتي من بعدي ثلاثة: حَيف الأئمة، وإيمانًا بالنجوم، وتكذيبًا بالقدر)) وسمى الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الفريق بمجوس هذه الأمة؛ لأن المجوس يقولون بوجود خالقين اثنين: النور والظلمة، وهذا الفريق يقول بوجود خالقين، بل يزعمون أن كل واحد خالق من دون الله تعالى. وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بهجران هذا الفريق، فلا يُزارون ولا يعادون.

وفي الحديث الذي يرويه أحمد في مسنده بإسناد حسن، عن ابن عمر رضي الله عنهما.عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لكل أمة مجوس، ومجوسُ أمتي الذين يقولون: لا قدرَ؛ إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم)).

ثانيًا: مذهب الجبرية, والرد على ضلالهم:

1. بيان مذهب الجبرية:

هم يسمون بالجبرية لقولهم: إن الله أجبر العباد على أفعالهم، كما يسمون أيضًا بالقدرية. قال (شارح الطحاوية) -رحمه الله-: وكذلك تسمى الجبرية المحتجون بالقدر “قدريةً” أيضًا، والتسمية على الطائفة الأولى أغلب. ويريد بذلك: القدرية المعتزلة.

قدرية الجبرية غلاة، وقدرية المعتزلة نفاة؛ ما معنى هذا؟

قدرية الجبرية الغلاة: هم الذين غلوا في القدر، فقالوا: إن الله سبحانه وتعالى ليس هو خالق أفعال العباد فقط، وإنما العبد مجبور على كل فعل، حتى تصرفاته الاختيارية التي مكنه الله سبحانه وتعالى منها.

والقدرية النُّفاة: هم الذين ينفون قدرة الله سبحانه وتعالى لأفعال المخلوقين، وإنما قالوا: إن المخلوقين هم الفاعلون لكل فعل، فنفوا قدر الله سبحانه وتعالى.

إذًا: هؤلاء الجبرية قد ضلوا أيضًا في باب القدر, حينما قالوا: إذا كان الله عالمًا بكل شيء نفعله، وعالمًا بمصيرنا إلى الجنة أو إلى النار، وكان هو الخالق لأفعالنا, فلماذا نعمل وننصب؟ ولماذا لا نترك الأقدار في أعنتها, وسيأتينا إذًا ما قُدر لنا شئنا أم أبينا؟ ويقول على هذا شاعرهم:

دع الأقدار تسير في أعنتها

*ولا تبيتن إلا خالي البال

وهذه الضلالة قد تعمقت عند طوائف العباد والزهاد وأهل التصوف، ولم تقله طائفة معدودة من طوائف أهل المقالات، وكان -ولا يزال- هذا القول على ألسنة كثير من جهال المسلمين, وأهل الزيغ والزندقة.

وهذا الفريق -الجبرية- يؤمن بقدر الله  عز وجل , وأنه سبحانه وتعالى عالم بكل شيء وخالق لكل شيء؛ لكنهم زعموا أن كل ما خلقه الله وشاءه فقد رضيه وأحبه، وزعموا أنه لا حاجة بالعباد إلى العمل والأخذ بالأسباب؛ فما قُدر لهم سيأتيهم، وزعموا أن العباد مجبورون على أفعالهم، فالإنسان عندهم ليس له قدرة تؤثر في الفعل، بل هو مع القدر كالريشة في مَهب الريح.

وقد عرض شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- لهذا الفريق ومعتقده، وبيّن في مواضع من كتبه ضلال ما هم فيه، حيث قال: “الذين اعترفوا بالقضاء والقدر, وزعموا أن ذلك يوافق الأمر والنهي، فهؤلاء يئول أمرهم إلى تعطيل الشرائع والأمر والنهي، مع الاعتراف بالربوبية العامة لكل مخلوق، وأنه ما مِن دابة إلا ربي آخذ بناصيتها، وهذا هو الذي يُبتلى به كثيرًا -إما اعتقادًا وإما حالًا- طوائفُ من الصوفية والفقراء، حتى يخرجَ مَن يخرج منهم إلى الإباحة للمحرمات، وإسقاط الواجبات، ورفع العقوبات”.

ولام بعضهم بعضَ هؤلاء على فعله، فقال: إن كنت قد عصيت أمره فقد أطعت إرادته، ومطيع الإرادة غير ملوم، وهو في الحقيقة غير مذموم، وقرر محققوهم من المتكلمين في هذا المذهب أن الإرادة والمشيئة في حق الرب تعالى واحدة، فإرادته هي نفس مشيئته، وكل ما في الكون فقد أراده وشاءه، وكل ما شاءه فقد أحبّه, وهذا خطأ كبير.

ولقد ظنت هذه الفرقة بالله أسوأ الظنون، ونسبته لأقبح الظلم، حيث قالت: إن أوامر الرب ونواهيه, كتكليف العبد أمرًا ثم ينهاه عنه، وينشدون:

ألقاه في اليم مكتوفًا, وقال له:

*إياك إياك أن تبتل بالماء

وهذا السبب هو الذي جعل الاتجاه السائد في كل العصور هو الجبر؛ ولذلك يقول ابن القيم -رحمه الله-: “عقيدة الجبر تحمل عن الإنسان تبعاته, وتضع عنه أوزار ما اقترف من الإثم، وتلقي التبعة على القوة التي حركت إرادة الإنسان، ودفعت رغبته وقادته في تصرفاته”.

2. الرد على ضلالهم:

ونرد عليهم من وجوه متعددة:

الوجه الأول: خطؤهم في إطلاق اسم الجبر على ما يؤديه الإنسان من أفعال؛ فقد استعمل هؤلاء لفظًا لم يرد به الكتاب ولا السنة، والواجب على العباد أن يستخدموا الألفاظ التي جاءت بها النصوص.

روى اللالكائي بإسناده إلى بقية قال: سألت الأوزاعي والزبيدي عن الجبر، فقال الزبيدي: أمر الله أعظم، وقدرته أعظم من أن يجبر ويقهر، ولكن يقضي ويقدر، ويخلق ويجبل عبده على ما أحب. وقال الأوزاعي -رحمه الله-: ما أعرف للجبر أصلًا من القرآن والسنة فأهاب أن أقول ذلك، ولكن القضاء والقدر والخلق والجبل، فهذا يُعرف في القرآن والحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد ورد مثلُ هذه الأقوال عن جَمْع من علماء السلف؛ مثل: سفيان الثوري, وأبي إسحاق الفزاري، وغيرهما.

الوجه الثاني: إنكار الاختيار في أفعال العباد الذي ذكروه, هو في الحقيقة نقصٌ في العقل، فالذين يزعمون أن الإنسان ليس له إرادة يفعل بها ألغوا عقولهم فضلوا وأضلوا، وإلا فإننا نعلم من أنفسنا أن حركتنا ليست كحركة الجماد, الذي لا يملك شيئًا لذاته في تحركه وسكونه، بل إننا نفرق بين الحركات غير الإرادية التي تجري في أجسادنا وبين الحركات الإرادية؛ فحركة القلب مثلًا وجريان الدم في دورته في عروق الإنسان ليس لنا فيها خيار، بل هي حركات اضطرارية, ليس للإنسان إرادة في إيجادها وتحقيقها، أما أكل الإنسان وشربه، وركوبه، وبيعه وشراؤه، وقعوده وقيامه، وزواجه وطلاقه، ونحو ذلك، فهذا يتم بإرادته وقدرته ومشيئته.

فَمَن يقول بالجبر إذًا, يلزم من قوله نقص العقل، وأن الإنسان غير مدرك لِمَا يقوم به ويفعله.

الوجه الثالث: ما ذهبوا إليه من أن كل شيء قدره الله وخلقه فقد رضيه وأحبه -هكذا زعموا- هذا زعم باطل؛ لأن الله سبحانه وتعالى شاء وجود الكفر والشرك, والذنوب والمعاصي من الزنا والسرقة، وعقوق الوالدين، والكذب، وقول الزور، وأكل أموال الناس بالباطل، ولكنه سبحانه وتعالى كرهها وأبغضها ونهى عباده عنها، فهو سبحانه وتعالى وإن شاءها وأرادها كونًا وقدرًا, إلا أنه يبغضها دينًا وشرعًا.

الوجه الرابع: ما ذهبوا إليه من أن الإيمان بالقدر يقضي بترك الأعمال وإهمال الأسباب -هكذا زعموا- وقد أخطأ هؤلاء في دعواهم أن الإيمان بالقدر لا يحتاج العبد معه إلى العمل، ونسي هؤلاء وذهلوا عن حقيقة القدر، فالله  عز وجل قدر النتائج وأسبابها، ولم يقدر المسببات من غير أسباب، فَمَن زعم أن الله سبحانه وتعالى قدر النتائج والمسببات من غير مقدماتها وأسبابها فقد أعظمَ على الله الفريةَ، فالله  عز وجل إذا قَدر أن يرزق فلانًا رزقًا فقد جعل لذلك الرزق أسبابًا ينال بها هذا الرزق، فمن ادعى ألا حاجة به إلى السعي في طلب الرزق، وأن ما قدر إليه من رزق سوف يأتيه سعى أو لم يسع، لم يفقه قدر الله سبحانه وتعالى في عباده.

ونصوص الكتاب والسنة دالة, وحافلة بالأمر باتخاذ الأسباب المشروعة في مختلف شئون الحياة؛ فقد أمرت بالسعي والعمل في طلب الرزق، واتخاذ العُدَّة لمواجهة الأعداء، والتزود للأسفار، ومن ذلك قول الحق -تبارك وتعالى-: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصّلاَةُ فَانتَشِرُواْ فِي الأرْضِ وَابْتَغُواْ مِن فَضْلِ اللّهِ} [الجمعة: 10].

إن الأخذ بالأسباب هو من قدر الله -تبارك وتعالى- وليس مناقضًا للقدر, ولا منافيًا له حتى يترك الإنسان العمل ويهمل الأسباب؛ فقد سأل الصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم عن فائدة العمل, إذا كانت الأعمال مقدرة مقضية, جَفَّ بها القلم وفرغ منها رب العالمين، فقال صلى الله عليه وسلم لما سئل عن ذلك: ((اعملوا، فكل ميسر لِمَا خلق له، وقرأ صلى الله عليه وسلم عند ذلك: {فَأَمّا مَنْ أَعْطَىَ وَاتّقَىَ (5) وَصَدّقَ بِالْحُسْنَىَ (6) فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَىَ (7) وَأَمّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىَ (8) وَكَذّبَ بِالْحُسْنَىَ (9) فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَىَ})) [الليل: 5- 10].

الوجه الخامس: الاحتجاج بالقدر:

هؤلاء يحتجون بالقدر على ترك العمل، فالواحد منهم عندما يدعى إلى الصلاة والصيام وقراءة القرآن، يقول: لو شاء الله لي أن أعمل هذا عملته، كما يحتجون به على ما يوقعونه بالناس من الظلم والفساد، ويقولون في المظالم والمناكر والمفاسد التي تقع: هذه هي إرادة الله ومشيئته وليس لنا حيلة في ذلك، وقد أدى هذا بهم إلى ترك الباطل يستشري في ديار المسلمين، ونرى هذا الصنف من البشر خاضعين للظلمة، بل إن بعضًا منهم يصبحون أعوانًا للظلمة، ونراهم يخاطبون الناس قائلين: ليس لكم إلا أن تصبروا على مشيئة الله وقدره فيكم، وبعض هؤلاء يفعلون الموبقات، ويرتكبون المنكرات من الزنا والفسوق والعصيان، ويحتجون لأفعالهم بالقدر، وهؤلاء إن اعتقدوا أن كل شيء واقع فهو حجة أضحكوا العقلاء منهم، وأوقعوا أنفسهم في مأزق لا يجدون منه خلاصًا.

وذكر ابن القيم -رحمه الله- عن واحد من هؤلاء, أنه رأى غلامه يفجر بجاريته، فلما أراد معاقبتهما -وكان غلامه يعرف مذهب سيده في القدر- قال له: إن القضاء والقدر لم يدعنا حتى فعلنا ذلك! فقال له ذلك الجاهل: لعلمك بالقضاء والقدر أحب إليَّ من كل شيء، أنت حر لوجه الله. فلنتأمل كيف أن الغلام سفه بعقل هذا الرجل, لما كان لا يؤمن بالقدر، واحتج بما يؤمن هو به على المنكر الذي وقع فيه هذا الرجل.

وبهذه الأوجه يظهر ويتبين لنا فساد مذهب الجبرية، وأنهم ضلوا حينما زعموا أن العبد مجبورٌ على أفعاله، وأن ما يرتكبونه من آثام ومنكرات، فإن الله  عز وجل رضيها كما شاءها وأحبها, والله  عز وجل منزه عن ذلك.

خلاصة قول الجبرية والقدرية، ورد الإمام ابن القيم عليهما:

يقول -رحمه الله تعالى-: قال جهم وأتباعه: إن القادر على الحقيقة هو الله وحده، وهو الفاعل حقًّا، ومَن سواه ليس بفاعل على الحقيقة، ولا كاسب أصلًا، بل هو مضطرّ إلى جميع ما فيه من حركة وسكون، وقول القائل: قام وقعد وأكل وشرب، مجاز بمنزلة: مات وكبر، ووقع, وطلعت الشمس وغربت، وهذا قول الجبرية الغلاة.

وقابل لهؤلاء الجبرية -كما ذكر الإمام ابن القيم- طائفة أخرى؛ فقالوا: العباد موجدون لأفعالهم، مخترعون لها بقدرتهم وإرادتهم، والرب سبحانه وتعالى لا يُوصف بالقدرة على مقدور العبد، ولا تدخل أفعالهم تحت قدرته، وكلهم متفقون على أن الله سبحانه غير فاعل لأفعال العباد.

ثم قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: وأرباب هذه المذاهب, مع كل طائفة منهم خطأ وصواب، وبعضهم أقرب إلى الصواب وبعضهم أقرب إلى الخطأ، وأدلة كل منهم وحججه إنما تنهض على بطلان خطأ الطائفة الأخرى، لا على إبطال ما أصابوا فيه، فكل دليل صحيح تقيمه القدرية فإنما يدل على أن أفعال العباد فِعْلٌ لهم، قائم بهم وواقع بقدرتهم ومشيئتهم وإرادتهم، وأنهم مختارون لها غير مضطرين ولا مجبورين.

وأدلة الجبرية إذًا متضافرة صحيحة على مَن نَفَى قدرة الرب سبحانه على كل شيء من الأعيان والأفعال، ونَفى عموم مشيئته وخلقه لكل موجود، وأثبت في الوجود شيئًا بدون مشيئته وخلقه.

أدلة الجبرية في هذا صحيحة نرد بها على القدرية المعتزلة, الذين نفوا قدرةَ الله سبحانه وتعالى على كل شيء وخَلْقه لأفعال العباد؛ لأن المعتزلة نفوا عمومًا مشيئة الله سبحانه وتعالى, فأدلة الجبرية صحيحة في الرد على هؤلاء القدرية، وكما أن أدلة الجبرية صحيحة على هؤلاء القدرية حينما نفوا قدرة الرب -تبارك وتعالى- فأدلة القدرية أيضًا متضافرة صحيحة على مَن نفى فعل العبد وقدرته ومشيئته واختياره، وهم بذلك يردون على الجبرية.

ثم بعد ذلك يوضح من خلال آيات القرآن الكريم، ويقرب هذه المسألة ويجمع بين الحق والصواب؛ فيقول ابن القيم -رحمه الله-: وهو الذي يسير عبده في البر والبحر، وهو المسير والعبد السائر، وهو بهذا يشير إلى قول الله -تبارك وتعالى-: {هُوَ الّذِي يُسَيّرُكُمْ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ} [يونس: 22] حتى لا تعتل الجبرية بذلك, فيقولوا بأن الله هو المسير والعبد هو السائر.

إذًا: الله خلق قدرةَ السير في العبد وأوجدها فيه، والعبد قام بفعل السير، وهو المحرك والعبد المتحرك، وهو المقيم والعبد القائم، وهو الهادي سبحانه والعبد المهتدي، وأنه المطعم والعبد الطاعم، وهو المحيي المميت والعبد الذي يحيا ويموت، ويثبتون مع ذلك قدرة العبد وإرادته واختياره وفعله حقيقةً لا مجازًا. فالله  عز وجل خلق الفعل في العبد، وأقدره عليه، وشاءه منه، وأراده، والعبد يقوم بفعل ما شاءه الله وأرادَه، وكلٌّ على حقيقته، ففعل الله على الحقيقة، وفعل العبد واقع منه على الحقيقة، وهذا تفصيل جيد في هذه المسألة الدقيقة. وبهذا ظهر لنا فساد قول هذه الطوائف كلها -الجبرية والقدرية- وأن المنهج الوسط الحق, هو منهج أهل السنة والجماعة.

error: النص محمي !!