Top
Image Alt

مراحل تدوين السُّنة، والأدوار التي مر بها وأشهر الكتب المؤلفة في هذه الأدوار

  /  مراحل تدوين السُّنة، والأدوار التي مر بها وأشهر الكتب المؤلفة في هذه الأدوار

مراحل تدوين السُّنة، والأدوار التي مر بها وأشهر الكتب المؤلفة في هذه الأدوار

. مراحل تدوين السُّنّة:

أمّا عن مراحل تدوين السُّنّة، فقد كان عصر الصحابة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبَعْده، وعصر كبار التّابعين أوّلَ هذه الأدوار. ثم تلاهم في نقْل السُّنّة عن طريق الرواية أو التدوين، جمْعًا، أو ترتيبًا، وتهذيبًا، أو اختصارًا، أو تقريبًا، على النحو التالي:

الدّوْر الأوّل: عصر الرواية المتثبّتة، ومنهجهم فيه:

لم تكن السُّنّة في القرن الأوّل مُدوَّنة في كتب، ولا مسطورة في أوراق؛ وإنما كانت مُسجّلة على صفحات القلوب. وكانت صدور الصحابة, وكبار التابعين هي مهد التشريع، ومصدر الفُتيا، ومبعث الحِكم والأخلاق؛ فقد عرف الصحابة. والتّابعون نهْي الرسول صلى الله عليه وسلم عن كتابة شيء غير القرآن الكريم، فيما رواه أبو سعيد الخدري, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تكتبوا عنِّي، ومَن كَتَب عنِّي غيرَ القرآن فلْيَمْحُه، وحدِّثوا عنِّي ولا حرَج، ومَن كذَب عليّ مُتعمِّدًا فلْيتبوَّأْ مقْعدَه من النّار)) رواه مسلم.

فكان القرآن ينزل، وكان كُتّاب الوحي يكتبونه، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتلو على أصحابه كتاب الله، ويُحدِّثهم بالبيان عنه والتفسير لما جاء فيه. ولو أنه صرّح لهم بالكتابة لكتبوا عنه كما يقول، وفيما يقوله قرآن وغير قرآن، فيختلط بالقرآن غيرُه، ويصعب التّمييز بينهما في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلَّا على حُفّاظ كتاب الله. ولا يُؤمَن بَعْد ذلك العهد أن يختلط القرآنُ بالسُّنّة، ويلتبسَ بها، وتكون فتنة كبرى لا يَعلم مداها إلَّا الله تعالى.

فهِم الصحابةُ هذا المعنى الذي أشرْتُ إليه، والذي رجّحه كثير من العلماء، فكان امتناعُهم عن تدوين السُّنّة، واعتمادُهم على حِفظها في الصدور.

وحين كتب الصحابي عبد الله بن عمرو بن العاص, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنّه لم يكتب إلَّا بإذْنٍ منه صلى الله عليه وسلم وكان مِن بيْن ما كتَبه: صحيفته (الصّادقة)، التي رواها حفيدُه عمرو بن شعيب، عن أبيه، عنه, وهي عنده مِن أصحّ الأحاديث. وعَدَّها بعضُ أئمة الحديث في درجة: أيوب عن نافع، عن ابن عمر. واحتج بها الأئمة الأربعة.

فعبد الله بن عمرو، حين كتَب عن النبي صلى الله عليه وسلم هذه الصحيفة وغيرها ممّا رواه، قد أمِن على نفْسه وعلى ما يَكتُبه مِن تحقّق علّة النهي فيما فهِمه الصحابة من الحديث الشريف.

لقد أذِن النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة قُبيْل مَرضِه الذي مات فيه: أن يكتبوا، وذلك بعد أن كاد يتمّ نزولُ القرآن، وأمِن عليه مِن اللّبْس بالحديث، وكان إذْنُه صلى الله عليه وسلم خاصًّا ببعض الصحابة؛ ولكنّهم وجّهوا اهتمامَهم إلى ما كُتب من القرآن بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فبادروا إلى جمْعه في موضع واحد، وسَمَّوْا ذلك المصحف، واقتصروا عليه، ولم يفعلوا بالحديث مثلما فعَلوا بالقرآن الكريم، بل صرفوا هِمَمهم إلى نشْره بالرواية، إمّا بنفس الألفاظ التي سمعوها من النبي صلى الله عليه وسلم إن كانت لا تزال باقية في أذهانهم، أو بما يُؤدِّي معناها إن غابت عنهم، مع التنبيه إليه أحيانًا؛ فإن المقصودَ بالحديث هو المعنى غالبًا، أمّا القرآن فمقصودٌ معناه ومبناه، لِتعلّق الإعجاز بألفاظه؛ ولذلك استحقّ أن يُسجَّل بالكتابة، خشْيَة أن تُنسى الألفاظ مع بُعْد العهد وطول الزمان. وتقييد السُّنّة مباحٌ ما أُمن الاختلاط.

إنّ القرآن الكريم، وإن كان بِدْعًا في أسلوبه، فريدًا في نظْمه يمتاز على غيره بكونه مُعجزًا، إلَّا أنّ المسلمين في بداية عهْدهم لم يكونوا قد مَرنوا عليه. وقد كان النّازل منه يسيرًا، ولم تكُن ملَكة التّفرقة بينه وبين غيره قد تربّتْ لدَيْهم بَعْدُ، فكان مِن المُمكن أن يشتبه عندهم بغيره، ويختلط وحْي يُتلى بوحْي لا يُتلى؛ فكان لا بدّ من تمييز الوحي المتلُوّ بالكتابة، حتى إذا مَرن المسلمون على أسلوب القرآن الكريم، وطال عهدُهم بسماعه وتلاوته في الصلاة وفي غير الصلاة، أذن لبعضهم في كتابة الحديث لأمْن اللّبْس.

ولعلّ مِن دواعي النّهي عن كتابة الحديث ثم الإذْن فيها: ما كان مِن قِلّة العارفين بالكتابة حينذاك؛ فاقتضت الحِكمة قَصْرَهم على كتابة القرآن الكريم. فلمّا توافر عددُهم؛ أذِن صلى الله عليه وسلم في كتابة الحديث.

ولهذه الدواعي أو لبعْضها، لم يتّجه الصحابة إلى كتابة الحديث -كما ذكَرْنا- بل جعلوا أفئدتهم أوعيةً له، وألسنَتهم أدواتٍ لنقْله وروايته، وكان علْم الصحابةِ وكبار التابعين في الصّدر الأول بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وائتمارهم بأمْره وانتهاؤهم بنَهْيه أكبرَ من أن يَسمح لمجموعهم بالنسيان بعد الحفظ، أو يَندسّ بين المسلمين مَن يتقوّل على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.

وقد علِموا ما أوعد الله به كاتِمَ العلْم، وما هدّد به الرسولُ صلى الله عليه وسلم مَن تَقَوّل عليه بما لم يَقُل، فبادروا إلى تبليغ ما عَرفوه من حديثه، ابتغاءً للرحمة وخروجًا من التّبِعة، وسرعان ما كان ينتشر بين الجماهير ما بلّغوه، فإنْ نسي بعضُهم بعضًا منه، فرُبّ مُبلَّغٍ أوعى من سامع. وما دام العهد قريبًا، وصوتُ النبي صلى الله عليه وسلم ما يزال صَداه يَرنّ في آذانهم، وصورتُه الكريمة ماثلَةً أمامهم، فإنّ مِن البعيد في ذلك الوقت أن يضيع شيء من السُّنّة، أو يَخفَى على جمهرة المسلمين.

لقد كان الصحابة  يَتثبّتون في رواية الحديث؛ فقد علِموا: أنّ من الحديث ما يُحلِّل وما يُحرِّم، وما يُخطِّئ وما يُصوِّب، وأنَ سبيلَ ذلك هو اليقينُ أو غلبةُ الظّنّ. وكانتذ لهم نظرة فاحصة في الراوي والمرويّ. وكان بعضُهم لا يَقبل من الحديث إلَّا ما عليه شاهد مُعضِّد، أو يمينٌ حاسمة، تُميط لثام الشّكّ عن وجْه اليقين. كان الخليفة الأوّل أبو بكر الصديق  أوّلَ المتثبِّتين في رواية الحديث، وكان أوّلُ مَن سَنّ للمُحدِّثين التّثبّتَ في النقل.

روى ابن شهاب عن قبيصة: “أنّ الجَدّة جاءت إلى أبي بكر تلتمس أن تورَّث؛ فقال: ما أجِد لكِ في كتاب الله شيئًا، ثم سأل الناس، فقال المغيرة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعطيها السّدس، فقال له: هل معك أحد؟ فشهد محمد بن مسلمة بذلك، فأنفذه لها أبو بكر “.

وتبِعه أيضًا على التّثبّت في النّقْل: عمرُ بن الخطاب,  وربما كان يتوقّف في خبَر الواحد إذا ارتاب. روي عن أبي سعيد: “أنّ أبا موسى سلّم على عمر من وراء الباب ثلاث مرّات، فلم يُؤذَن له؛ فرجَع، فأرسل عمر في أثَره؛ فقال: لِمَ رجعْتَ؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا سلّم أحَدُكم ثلاثًا فلَم يُجَبْ، فلْيرجِعْ)). قال: لتأتيَنِّي على ذلك بِبيِّنةٍ أو لأفعَلنّ بك؛ فجاء أبو موسى ممتقعَ اللّون ونحن جلوس، فقلنا: ما شأنك؟ فأخبرَنا وقال: فهل سمِع أحدٌ منكم؟ فقلنا: نعم. كلّنا سَمِعَه. فأرسلوا معه رجلًا منهم، حتى أتى عُمر فأخبره”.

وهذا عليّ  أيضًا يقول: “كنت إذا سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا، نفعني الله بما شاء منه، وإذا حدّثني عنه مُحدِّث استحْلفْتُه؛ فإن حلَف لي صدّقْتُه. وإنّ أبا بكر الصِّدّيق  حدّثني، وصَدَق أبو بكر”.

ومن هنا، كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقلّون من الرواية عنه، خَشْيَةَ أنْ يُدخلوا في الحديث ما ليس منه، سهوًا منهم أو خطأً، فيتعرّضوا لشيء من وعيد الكذِب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومِن أولئك: الزّبير، وأبو عبيدة، والعباس بن عبد المطّلب. وكانوا يُنكرون على مَن يُكثر من الرواية؛ فالإكثار مَظِنّة الخطأ، والخطأ في الدِّين عظيم الخطر، ولما أنكروا على أبي هريرة إكثارَه من الرواية، اضطرّ لتَبرئة ساحتِه أن يُبيِّن السّبب الذي حمَله على الإكثار، فقال: “إنّ الناس يقولون: أكثَرَ أبو هريرة، ولولا آيتان من كتاب الله ما حدّثتُ حديثًا”. ثم يتلو قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُون * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيم} [البقرة: 159، 160]. ويقول أبو هريرة: “وإنّ إخوانَنا من المهاجرين كان يَشغَلُهم الصّفْق في الأسواق، وإنّ إخواننا من الأنصار كان يَشْغلُهم العمل في أموالهم، وإنّ أبا هريرة كان يَلْزَم رسول الله صلى الله عليه وسلم بِشِبَع بطْنه، ويَحضُر ما لا يحضرون، ويحفَظ ما لا يحفظون”.                                                                   

الدّوْر الثّاني: عصر تدوين الحديث مختلطًا بغيره، وأشهر الكتب المؤلّفة -القرن الثاني-:

أ. عصر تدوين الحديث مختلطًا بغيره ومنهج العلماء فيه:

أما عن عصر تدوين الحديث مختلِطًا بغيره، ومنهج العلماء فيه، فقد انتشر الإسلام، وتفرّقت الصحابة في الأمصار، ومات كثيرٌ منهم، وقلّ الضبطُ، وكثُر الابتداع؛ فاشتدّت الحاجة إلى تدوين الحديث وتقييده بالكتابة.

وكتب عمر بن عبد العزيز -أمير المؤمنين على رأس المائة- إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عاملِه وقاضيه على المدينة: “انظُرْ ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتُبْه! فإني خِفْتُ دروسَ العلْم وذهابَ العلماء”. وأوصاه أن يكتب ما عند عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية، والقاسم بن محمد بن أبي بكر. كما كَتب إلى عُمّاله في أمّهات المُدن الإسلامية، يأمُرهم بجمْع الحديث الشريف. ومِن أبرز مَن كَتب إليه: محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب الزهري المدني، أحَد الأئمة الأعلام، وعالم أهل الحجاز والشام.

ثم شاع التدوين في الطبقة التي تَلي الزّهري، فكان أوّل مَن جَمَعه: ابن جريج بمكة، وابن إسحاق ومالك بالمدينة، والربيع بن صبيح، وسعيد بن أبي عروبة، وحمّاد بن سلمة بالبصرة، وسفيان الثوري بالكوفة، والأوزاعي بالشام، وهشيم بواسط، ومعمر بن راشد باليمن، وجرير بن عبد الحميد بالرّيّ، وابن المبارك بخراسان؛ وكل هؤلاء من أهل القرن الثاني الهجري.

ب. أشهر الكتب المؤلَّفة في القرن الثاني:

ومِن أشهر الكتب المؤلّفة في القرن الثاني: (مُوطأ الإمام مالك)، و(مسند الإمام الشافعي)، و(مختلف الحديث) للإمام الشافعي أيضًا، و(مسند عبد الرزاق بن همام الصنعاني)، و(مصنّف شعبة بن الحجّاج)، و(مصنّف سفيان بن عيينة)، و(مصنّف الليث بن سعد)، ومجموعات مَن عاصرهم من الحُفّاظ، كالأوزاعي، والحميدي، وغيرهم… سأذْكر مؤلّفاتهم بعد ذلك -إن شاء الله.

وقد اتّسم طابع التدوين في القرن الثاني بجمْع الحديث الشريف مختلِطًا بغيره، مِن أقوال الصحابة، وفتاوى التّابعين.      

الدّوْر الثالث: عصر التّدوين مفروزًا، وأشهر الكتب المؤلّفة -القرن الثالث-:

أ. عصر التّدوين مفروزًا، منهج العلماء فيه:

أمّا عن عصر التّدوين مفروزًا ومنهج العلماء فيه، فقد كان القرن الثالث الهجري تختلف فيه طريقةُ الجمْع عنها في القرن الثّاني. وبدأ رواة الحديث وأئمّته يُفردونه بالجمْع والتدوين عن أقوال الصحابة وفتاوى التابعين. وكان من هؤلاء الأئمة مَن جمَع كلّ ما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث، من غير تمييز بين صحيح وسقيم.

ومنهم مَن أفرد الصحيح وخصّه بالجمع دون سواه، ليُخلِّص طالبَ الحديث من عناء البحث ومشقّة السؤال. وكان أول من راد هذا الطريق الصّعب هو: شيخ المحدِّثين: الإمام محمد بن إسماعيل البخاري -رحمه الله تعالى- فجَمَع في كتابه (الجامع الصحيح) ما ثبتَتْ لديْه صحّتُه من الأحاديث.

واقتفى أثرَه الإمام مسلم بن الحجاج القشيْري، وكان مِن الآخذين عن الإمام البخاري.

ثم تبِعهما على خُطّتهما كثير من الأئمّة والحُفّاظ.

ويمتاز الإمام البخاري بأنه كان ربّما أورد بعضَ الآثار قبْل إيراد الحديث، تعزيزًا لِما يرمي إليه في تراجمه التي يَذكرها قبْلها، دالّة على فِقْهه فيما يذكُر بعدها من أحاديث.

لقد كان القرن الثالث أجلَّ عصور الحديث وأسعدَها بخدمة السُّنّة المطهّرة؛ فقد ظهر فيه كبار المُحدِّثين وجهابذة المُؤلِّفين وحُذّاق الناقدين. وأشرقت على أمّة الإسلام شموس الكتب السِّتّة التي كادت تستوعب الحديث الصحيح، والتي يُعتمد عليها في السُّنّة منذ ذلك الحين إلى عصرنا الحاضر.

ويمكن أن يقال: إنه بانتهاء هذا القرن، كاد ينتهي جمْع الحديث وتدوينُه. ويمتاز الجمْعُ في هذا القرن وما قبله، بأوّليّته وعدمِ تعويل العلماء على سابقة لهم فيه. ويبدأ بعد ذلك عهد ترتيبه وتهذيبه وتيسيره للدّارسين والعاملين.

ب. مِن أشهر الكُتب المؤلَّفة في القرن الثالث:

(صحيح البخاري)، المتوفَّى سنة (251)، و(صحيح مسلم)، المتوفّى سنة (261)، و(سُنن أبي داود)، المتوفّى سنة (275)، و(سُنن النسائي)، المتوفّى سنة (303)، و(جامع الترمذي)، المتوفّى سنة (279)، و(سنن ابن ماجه)، المتوفّى سنة (273)، و(مسند الإمام أحمد)، المتوفّى سنة (241)، و(المنتقى في الأحكام) لابن الجارود، المتوفّى سنة (307)، و(مصنّف ابن أبي شيبة)، المتوفّى سنة (235)، و(تهذيب الآثار) للطّبري، المتوفّى سنة (310)، و(قطعة مِن “مسند ابن عباس”) لبقيّ بن مخلد القرطبي، المتوفّى سنة (276)، و(مسند عبيد الله بن موسى)، المتوفّى سنة (213)، و(مسند إسحاق بن راهويه)، المتوفّى سنة (237)، و(مسند عبد بن حميد)، المتوفّى سنة (249)، و(سنن الدارمي)، المتوفّى سنة (205)، و(مسند أبي يعلى الموصلي)، المتوفّى سنة (307)، و(مسند ابن أبي شامة الحارث التميمي)، المتوفّى سنة (282)، و(مسند ابن أبي عاصم)، المتوفّى سنة (287)، وفيه نحو خمسين ألْف حديث، و(مسند أبي عمرو محمد بن يحيى العدني)، المتوفّى سنة (243)، و(مسند أبي هريرة) لإبراهيم بن العسكري، المتوفّى سنة (282)، و(مسند الإمام النسائي)، المتوفّى سنة (303)، و(مسند العنبري إبراهيم بن إسماعيل الطوسي)، المتوفّى سنة (280)، و(المسند الكبير) للبخاري، و(مسند مسدّد بن مسرهد)، المتوفّى سنة (228)، و(مسند محمد بن مهدي)، المتوفّى سنة (272)، و(مسند الحميدي)، المتوفّى سنة (219)، و(مسند إبراهيم بن معقل النسفي)، المتوفّى سنة (295)، و(مسند إبراهيم بن يوسف الهنجابي)، المتوفّى سنة (301)، و(مسند مالك) للنسائي، المتوفّى سنة (303)، و(المسند الكبير) للحسن بن سفيان، المتوفّى سنة (303)، و(المسند المعلّل) لأبي بكر البزار، المتوفّى سنة (292)، و(المسند الكبير) ليعقوب بن شيبة، المتوفّى سنة (262)، ولم يؤلّف أحسن منه لكنه لم يتمّ، و(مسند علي بن المديني)، المتوفّى سنة (234)، و(مسند عثمان بن أبي شيبة)، وغيرها كثير…

ورُتبة كتب “المسانيد” دون كُتب “السُّنن”؛ فقد جرَت عادة مُصنِّفيها: أن يجمعوا في مسند كلِّ صحابيّ ما يقع لهم من حديثه، صحيحًا كان أو سقيمًا؛ ولذلك لا يسوغ الاحتجاج بما فيها إلَّا ما ثبتَتْ صحّتُه. وقد استثنى بعضُ المحدِّثين منها (مسند الإمام أحمد بن حنبل).                                                                                             

الدّوْر الرابع: عصر الترتيب والتهذيب، وأشهر الكتب المؤلّفة -القرن الرابع:

أ. عصر الترتيب والتهذيب، منهج العلماء فيه:

أمّا عن عصر التّرتيب والتّهذيب ومنهج العلماء فيه، فكان في القرن الرّابع، وقد جُمعت السُّنّة ودُوِّنتْ، وكان عمَلُ أهل هذا القرن هو: ترتيب هذه المادّة المجموعة من الحديث، وتهذيب ما جاء فيها، والتّصنيف عليها. وأكثرُ مَن دوّنوا الحديث فيه كانوا عالةً على المُتقدِّمين، ولكنهم امتازوا عليهم بالتّرتيب والتّهذيب والتّصنيف والتّبويب.

ب. أشهر الكُتب المؤلّفة في القرن الرابع الهجري:

مِن أشهر الكتب المؤلَّفة في القرن الرابع الهجري: المعاجم الثلاثة: (الكبير)، و(الصغير)، و(الأوسط)، للإمام الطبراني، المتوفّى سنة (360)، و(سُنن الدارقطني)، المتوفّى سنة (385)، و(صحيح ابن حبّان)، المتوفّى سنة (354)، و(صحيح أبي عوانة يعقوب بن إسحاق)، المتوفّى سنة (316)، و(صحيح ابن خزيمة محمد بن إسحاق)، المتوفّى سنة (311)، و(صحيح المنتقَى) لابن السّكن سعيد بن عثمان البغدادي، المتوفى سنة (353)، و(المنتقَى) لقاسم بن أصبغ، المتوفّى سنة (340)، و(مصنّف الطحاوي)، المتوفّى سنة (321)، و(مسند ابن جميع محمد بن أحمد)، المتوفّى سنة (402)، و(مسند ابن إسحاق)، المتوفّى سنة (313)، و(مسند الخوارزمي)، المتوفّى سنة (435)، و(مسند أبي إسحاق بن نصر المروزي)، المتوفّى سنة (385).                  

الدّوْر الخامس: عصر التّقليد والاختصار والتقريب، ومنهج العلماء فيه -القرن الخامس-:

أمّا عن عصر التقليد والاختصار والتّقريب ومنهج العلماء فيه، فبَعْد القرن الرابع الهجري كاد ينتهي عصر الاجتهاد في جمْع السُّنن من أفواه الرواة، والنظر في رجال الأسانيد، وإنزال كلٍّ منهم منزلَته، وبيان صحيح الحديث وسليمه من عليلِه ومن سقيمِه، ورَكَن الناس إلى التقليد؛ ولهذا نجِد أكثرَ الكتب المؤلّفة بعد هذا القرن سلكَت مسلك التهذيب والترتيب، أو جمْع الشّتات وبيان الغريب، أو لجأتْ إلى الاختصار والتقريب. وأغلبُ مَن تكلّموا على الأسانيد بعد المائة الرابعة، كانوا عِيالًا على ما دوَّنَه أئمّة الحديث فيما سَبَقَهم من القرون.

وإلى جانب العناية بِمتْن الحديث، كانت العناية موجّهة أيضًا إلى تاريخ الحديث وعلومه الأخرى؛ فكان التأليف في الغريب، والناسخ والمنسوخ، وإظهار حال الرِّجال، والكشف عن علوم الحديث، ومصطلحاته، وغير ذلك من الأغراض الجليلة والأقسام المتنوِّعة.

وظلّ علماء السُّنّة في سائر بلاد العالَم الإسلامي في الحجاز والعراق، والشّام ومصر، يلتزمون هذا المنهج، يطوفون حول ما جمَع السّابقون من حديث، وما ألّفوا من علومه، بالترتيب والتهذيب، والاختصار والتبويب، والشّرح والتقريب، واستنباط الفوائد واقتناص الشوارد، ومحاولة إضافة الجديد إلى علوم الأوّلين، والانتفاع بذلك كلِّه في الدراسة والتعليم، وإفادة الأمّة به في شؤون الدنيا والدِّين.

وقد الْتزم كلّ من العلماء منهجًا عامًا، باختياره نوعًا معيَّنًا من علوم الحديث، يتناوله بالدِّراسة والعَرْض في كتابه، ومنهجًا خاصًّا يلتزم به في عَرْضه لهذا الكتاب. وقد أكثر العلماء من التأليف في تلك العلوم المتعدِّدة: فمنهم مَن كَتَب في نوعٍ من هذه العلوم، ومنهم مَن كتَب في أكثر مِن نوعٍ منها.

فأوّل مَن جمَع في ذلك: الرّبيع بن صبيح، وسعيد بن أبي عروبة، وغيرهما… وكانوا يُصنِّفون كلّ باب على حِدة، إلى أن قام كِبار الطّبقة الثانية في منتصف القرن الثاني، فدَوَّنوا الأحكام. فصنّف ابن أبي ذئب بالمدينة (موطّأ)، وصنّف الإمام مالك (مُوطّأه) بالمدينة، مُتوخِّيًا فيه القوِيّ من حديث أهل الحجاز، ومَزَجه بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين ومَن بَعْدَهم. كما صنّف ابن جريج بمكة، والأوزاعي بالشام، وسفيان بالكوفة، وحمّاد بن سلمة بالبصرة، ومعمر بن راشد، وخالد بن جميل باليمن، وجميل بن عبد الحميد بالرِّيِّ، وابن المبارك بخراسان.

ثم تلاهم كثير مِن أهل عصرهم في النّسج على منوالهم في جمْع الأحاديث مختلطة بغيرها من الآثار والفتاوى.

ثم رأى بعض الأئمة أن يُفرد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصّة، وكان ذلك على رأس المائتيْن؛ فصنّف عبيد الله بن موسى العبسي الكوفي “مسندًا”، وصنّف مسدّد بن مسرهد البصري “مسندًا”، وصنّف أسد بن موسى الأموي “مسندًا”، وصنّف نعيم بن حماد الخزاعي نزيل مصر “مسندًا”.

ثم اقتفى الأئمة أثَر هؤلاء السّابقين في التّصنيف على “المسانيد”، فكان (مسند الإمام أحمد بن حنبل)، و(مسند إسحاق بن راهويه)، و(مسند عثمان بن أبي شيبة)، وغيرهم…

ومن العلماء: مَن صنّف على المسانيد والأبواب معًا، كأبي بكر بن أبي شيْبة.

ومنهم: مَن رتّب على العلَل، بأن جمَع في متْن كلِّ حديث طُرُقه، وجمَع اختلاف الرّواة فيه، بحيث يتّضح إرسال ما يكون متّصلًا، أو وقْف ما يكون مرفوعًا، أو غيرُ ذلك…

ومنهم: مَن رتّب على الأبواب الفقهيّة وغيرها، ونوّعه أنواعًا، وجمع ما ورد في كلّ نوع، وفي كلّ حُكم، إثباتًا أو نفْيًا في كلّ باب، بحيث تتميّز أحكام الصّوم عن أحكام الصّلاة. ومِن أهل هذه الطريقة مَن الْتزم الصحيح، كالشيْخيْن الجليليْن: البخاري ومسلم.

ومن العلماء: مَن لم يتقيّد بذلك، كباقي الكتب السِّتّة.

ومنهم: مَن اقتصر على الأحاديث المُتضمِّنة للترغيب والترهيب.

ومنهم: مَن حذف الإسناد واقتصر على المتْن، كالبغوي في (مصابيحه)، واللؤلؤي في (مشكاته).

وأوّل مَن صنّف في الصحيح المُجرّد هو: الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- وهو أصحّ كتاب عندنا بعد كتاب الله عز وجل- ثم (صحيح الإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري) -رحمه الله تعالى- ثم (مسند أبي داود)، و(جامع الترمذي)، و(سُنن النسائي)، و(سنن ابن ماجه) -رحمهم الله تعالى جميعًا-: وهذه هي الكتب السِّتّة الأصول، وأشهر أمّهات كتب الحديث.

ومن الكُتب ما التزم مؤلِّفوها الصّحّة على حسب قولهم، كـ(صحيح ابن خزيْمة)، و(صحيح ابن حبّان)، و(صحيح الحاكم)، و(صحيح الحافظ النيسابوري) -وهو من تلاميذ الإمام مسلم- وكتاب (الأحاديث الجياد المختارة ممّا ليس في “الصحيحيْن”) للضياء المقدسي مِن المتأخِّرين، وقد التزم فيه الصّحّة، وذكَر أحاديث لم يُسبقْ إلى تصحيحها، وسُلِّمت له إلَّا اليسير ممّا تُعُقِّب عليه فيه، وكذلك أيضًا كتاب (المنتقَى) لابن الجارود، و(المنتقَى) لقاسم بن أصبغ، و(الصحيح المنتقَى) لابن السكن البغدادي المصري.

ومن العلماء: مَن خرّج كُتبًا على الصّحيحيْن أو أحدِهما، وهي كثيرة، كـ(مستخرَجات): الحافظ الجرجاني، والغطريفي، وابن أبي ذهل، وابن مردويه -وهي “مستخرَجات” على (صحيح الإمام البخاري)- و(مستخرجات): الحافظ أبي عوانة، وقاسم بن أصبغ، والحافظ أبي جعفر أحمد بن سنان، والحافظ أبي بكر محمد بن رجاء النيسابوري، والجوزقي، وأبي نعيم الأصفهاني، والخَلاّل، وأبي ذر الهروي، وغير هؤلاء كثير…

ومنها كتب الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبوعة: مالك بن أنس في (الموطأ)، وأبي حنيفة النعمان، ومحمد بن إدريس الشافعي، وأحمد بن حنبل الشيباني في (مسانيدهم).

ومن العلماء: مَن جمَع (السّنن)، وهي في اصطلاحهم: الكتب التي رُتِّبتْ على أبواب الفقه، من الإيمان، والطهارة، والصلاة، والزكاة، إلى آخرها… وليس فيها شيء من الموقوف؛ لأن الموقوف لا يُسمَّى في اصطلاحهم: سُنّة، ويُسمَّى: حديثًا. وأوّلها: (سُنن ابن جريج المكي)، أول المؤلفين في الإسلام. ومنها -زيادة على ما تقدّم من (السّنن الأربعة الأصول)-: (سُنن الإمام الشافعي)، و(سُنن النسائي الكبرى)، وهي التي لخّص منها (السُّنن الصغرى)، التي تُعدّ من كتب الأصول، وهي التي يُسمِّيها المحدِّثون: (المُجتبَى)، و(سنن الدارمي)، و(سنن البيهقي)، و(سنن سعيد بن منصور)، و(سنن أبي مسلم الكشّي)، و(سنن الدارقطني)، و(سنن أبي جعفر الدولابي)، و(سنن موسى بن طارق)، و(سنن أبي بكر أحمد بن محمد الأثرم)، و(سنن الخَلاّل)، و(سنن أبي عمرو زنجلة)، و(سنن الصّفّار)، و(سنن أبي بكر الهمداني)، و(سنن أبي بكر بن لال)، و(سنن أبي بكر أحمد بن نجّاد)، و(سنن أبي إسحاق إسماعيل القاضي)، و(سنن أبي محمد يوسف بن يعقوب القاضي الأزدي)، و(سنن أبي القاسم بن هبة الله اللالكائي).

ومن العلماء: مَن جمَع كتب السُّنّة، وهي: الكتب التي تحثّ على اتّباع السُّنَة وتَرْك البِدعة، منها: كتاب (السُّنّة) للإمام أحمد، ولأبي داود، ولأبي بكر بن الأثرم، ولعبد الله بن أحمد، ولأبي القاسم، ولحنبل بن إسحاق بن حنبل، ابن عم الإمام أحمد وتلميذه، ولأبي بكر أحمد بن محمد بن هارون البغدادي، المعروف بالخّلاّل، ولأبي القاسم الطبراني، ولابن منده، والدارمي، وابن أبي حاتم، وأبي الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي. ومنها: كتاب (الإبانة عن أصول الدِّيانة) لأبي نصر عبيد الله بن سعيد بن حاتم السّجزي.

ومن العلماء: مَن رتّب الكتب على أبواب الفقه، مشتملة على السُّنن وما هو في حيِّز السُّنن أو له تعلّق بها، وسمّى بعضّها: “مُصنَّفًا”، وبعضَها: “جامِعًا”، منها: (مُصنَّفات) وكيع بن الجرّاح، وحمّاد بن سلمة بن دينار، وأبي الربيع سليمان بن داود، وأبي بكر بن أبي شيْبة، وعبد الرزاق بن همام الصنعاني، وبقيّ بن مخلد، و(جوامع) سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وأبي عروة معمر بن راشد، وأبي بكر الخَلاّل، و(الجامعان): (الكبير) و(الصغير)، كلاهما للإمام البخاري، و(جامع مسلم)، وكتاب (الآثار) لمحمد بن الحسن الشيباني، و(شرح السُّنّة) للبغوي، وكتاب (الشريعة في السُّنّة) لأبي بكر الآجرّي، وغيرها كثير…

ومِن العلماء: مَن ألّف كُتبًا مفرَدة في أبواب مخصوصة، كالآجرّي في كتابه (التصديق بالنظر لله)، وأبي نعيم الأصبهاني في كتابه (تثبيت الرؤية لله)، وأبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قيس، المعروف بابن أبي الدنيا، في كتابه (الإخلاص).

وهناك كُتب ليست على الأبواب؛ ولكنها على المسانيد، وهي الكتب التي موضوعها: جعْل أحاديث كلِّ صحابيّ على حِدة، صحيحًا كان أو حَسَنًا أو ضعيفًا، مُرتّبين على حروف الهجاء في أسماء الصحابة، كما فعَله غير واحد -وهو أسهل تناولًا- أو على القبائل، أو السّابقة في الإسلام، أو شرَف النّسبة، أو غير ذلك…

وقد يقتصر في بعضها على أحاديث صحابيّ واحد، كـ(مسند أبي بكر )، أو أحاديث جماعة منهم كـ(مسند) الأربعة، أو العشرة، أو طائفة مخصوصة جَمَعها وصفٌ واحد، كـ(مسند المُقِلِّين)، و(مسند الصحابة الذين نزلوا مصر)، إلى غير ذلك… والمسانيد كثيرة جدًّا، منها: (مسند الإمام أحمد)، وهو أعلاها، وهو عند الإطلاق يكون المراد.

ذكر صاحب (الرّسالة المستطرفة في مشهور كتب السُّنّة المُشرّفة): أنّ من المصنَّفات الحديثية كُتبًا في التفسير، ذُكرت فيها أحاديث وآثار بأسانيدها، كـ(تفسير عبد الرحمن بن أبي حاتم) -هو في أربع مجلدات، عامّتُه آثارٌ مُسنَدة- وإسحاق بن راهويه أيضًا، وابن جرير الطبري الذي قال النووي فيه: “أجمعت الأمّة على أنه لم يُصنَّفْ مثلُ (تفسيره).

وقال السّيوطي: “مِن أجَلِّ التفاسير وأعظمِها”.

ومِن العلماء: مَن ألّف في الأحاديث القدسية الرّبانية، وهي المُسندة إلى الله سبحانه وتعالى بأن أضيفت إليه عز وجل ولكن لم يُقصد منها الإعجاز، كـ(الأربعين الإلهية) لأبي الحسن بن المفضل المقدسي، وكتاب (مشكاة الأنوار) لابن العربي.

ومن العلماء أيضًا: مَن ألّف في الأحاديث المسلسَلة وهي: التي تتابع رجالُ إسنادها على صفة أو حالة، كـ(المُسلسَل بالأوّلية) لأبي طاهر عماد الدِّين بن أحمد بن محمد بن إبراهيم، وللحافظ الذهبي كتاب يُسمَّى بـ(العذْب السّلسَل في الحديث المسلسَل). ومِن هذا النوع أيضًا كتاب لِتقيّ الدِّين السّبكي.

وهناك مؤلّفات في المراسيل، ككتاب (المراسيل) لأبي داود، صاحب (السّنن)، وضَعه في جزء لطيف مُرتّب على الأبواب. ومِن بين ما ذكر في هذه الأبواب: باب ما ذُكر في الأسانيد المُرسَلة أنّها لا تثبت بها حجّة.

وهناك “أجزاء حديثيّة”، ومصطلح “الجُزء” عند العلماء يرجع إلى: تأليف الأحاديث المرويّة عند رجُل واحد من الصحابة أو مَن بَعْدَهم. ومنها: (جزء الحسن بن أبي سفيان الشيباني النسائي)، صاحب (المسند)، وكتاب (الوحدان)، والمراد بها: مَن لم يَرْوِ عنه إلَّا راوٍ واحد مِن الصحابة أو التّابعين فمَن بَعْدهم. وقد صنّف في ذلك: الإمام مسلم وغيره… ومنها: (جزء أبي عاصم الضحاك بن مخلد)، و(جزء أبي علي الحسن بن عرفة)، و(جزء أبي مسعود أحمد بن الفرات)، وغيرها كثير جدًّا…

ومنها: كُتب أُلِّفت في الفوائد، كـ(فوائد تمّام بن محمد بن عبد الله بن جعفر الرازي).

ومِن المؤلّفات الحديثيّة: كُتب تَجمع طُرق بعض الأحاديث، كـ(طُرق حديث: ((إنّ لله تِسعةً وتِسعين اسمًا))) لأبي نعيم الأصفهاني، و(طُرق حديث الحوض) للمقدسي، و(طرق حديث قبْض العلْم) للطّوسي، إلى غير ذلك…

ومنها: كُتب في رُواة بعض الأئمة المشهورين، أو في غرائب أحاديثهم، ككتاب (تراجم رواة مالك) للخطيب البغدادي، ذكَر فيه مَن روى عن مالك، فبلَغ بهم ألْفًا إلَّا سبْعة، ومثْل: كتاب (التمهيد لِما في “الموطأ” من المعاني والأسانيد) للحافظ ابن عبد البّر القرطبي؛ فإنّه ترجم فيه لرواة مالك في (الموطأ) على حروف المعجم، مع الكلام على متونها، وإخراج الأحاديث المتعلّقة بها بأسانيده.

ومنها: كُتب أيضًا في الأحاديث الأفراد، وهي: جمْع فرْد، والفَرْدُ قسمان:

فَرْد مُطلق، وهو: ما تفرّد به راويه عن كلِّ أحد من الثقات وغيرهم، بأنْ لم يَرْوه أحدٌ من الرواة مُطلقًا إلا هو.

وفَرْد نِسبيّ، وهو: ما تفرّد به ثقة، بأن لم يروه أحدٌ من الثقات إلَّا هو، أو تفرّد به أهلُ بلد بأن لم يرْوِه إلَّا أهلُ بلدة كذا، كأهل البصرة مثلًا، أو تفَرّد به راويه عن راوٍ مخصوص، بأن لم يرْوِه عن فلان إلَّا فلان، وإن كان مَرويًا من وجوه عن غيره.

ومِن الكتب المصنَّفة فيها: كتاب “الأفراد” للإمام الدارقطني، وهو كتاب حافل في مائة جزء حديثية، وعمل أطرافه أبو الفضل ابن طاهر، وكذلك أيضًا كتاب (الأفراد) لأبي حفص ابن شاهين.

وأيضًا هناك كُتب في المُتّفِق لفظًا وخَطًّا من الأسماء والألقاب والأنساب ونحوها، وهو مُفترِق معنى.

وهناك أيضًا كُتب في المؤتلِف -أي: المُتّفِق- خطًّا منها، وهو مُختلِف لفظًا.

وكذلك أيضًا في المتشابِه المُركّب من النّوعيْن وهو: المتّفِق لفظًا وخطًّا من اسميْن أو نحوهما، مع اختلاف اسم أبيهما لفظًا لا خطًّا، أو العكس. فمِن الأوّل: كتاب الخطيب البغدادي (المتّفِق والمُفترِق)، وهو كتاب نفيس في مجلّد كبير، وأيضًا كتاب (المتّفِق والمُفترِق) لأبي عبد الله محمد بن النّجاد البغدادي.

من العلماء أيضًا: مَن ألّف في معرفة الأسماء والكُنَى والألقاب، أي: أسماء مَن اشتُهر بكُنْيتِه وكُنى مَن اشتُهر باسمه، وألقاب المُحدِّثين، ونحو ذلك… ككتاب (الأسماء والكُنى) للإمام أحمد بن حنبل، ومثله لأبي بشر الدولابي.

ومن العلماء أيضًا: مَن ألّف في تواريخ الرِّجال وأحوالهم، كـ(تاريخ البخاري الكبير)، و(تاريخ) ابن معين، و(تاريخ) صاحبه: محمد بن حاتم الهاشمي الدوري، و(تاريخ) العجلي، و(تاريخ) ابن أبي شيْبة، و(تاريخ) أبي عمرو خليفة بن خياط، و(تاريخ) محمد بن سعد الواقدي، و(تاريخ) محمد بن سعد كاتب الواقدي.

ومن العلماء أيضًا: مَن ألّف “المعاجم”، و”المعاجم”: كُتب تُجمَع فيها الأحاديث على ترتيب الصّحابة، أو الشيوخ، أو البلدان، أو غير ذلك…

ويغلُب ترتيب هذه الكتب على حروف الهجاء، وذلك كـ(معجم الطبراني الكبير)، رتّبه على حروف المعجم في ما عدا مسند أبي هريرة، فقد أفرده في مصنّف، و(المعجم الأوسط) أيضًا في أسماء شيوخه، وهُم كثير. وأكثَر فيه من غرائب حديثهم. وهو في ستة مجلّدات كبار، و(المعجم الصغير)، وهو في مجلّد، خرّج فيه عن ألْف شيخ، يقتصر فيه على حديث واحد غالبًا عن كلّ واحد من شيوخه.

ومِن العلماء: مَن كَتَب في الطّبقات، وهي: الكتب التي تشتمل على ذِكْر الشيوخ وأحوالهم ورواياتهم، طَبَقة بَعْد طَبقة، وعصرًا بَعْد عصر إلى زمن المؤلِّف.

ومنها: كتاب (الطبقات) لمسلم بن الحجاج، ومثْله للنّسائي، و(الطّبقات الكبرى) لابن سعد كاتب الواقدي، في نحو من خمسة عشَر مجلدًا، وله (طبقات) أخرى صغرى ثانية وثالثة، و(طبقات التّابعين) لأبي حاتم محمد بن إدريس الرازي، من أقران الإمام البخاري ومسلم.

ومن العلماء أيضًا: مَن ألّف كُتبًا في الضعفاء والمجروحين مِن الرواة، أو في الثِّقات منهم، أو فيهما معًا، ككتاب (الضعفاء) لكلٍّ من الأئمة: البخاري، والنّسائي، وأبي حاتم ابن حبّان، وأبي عبد الله محمد بن عبد الرحيم البرقي، وأبي بشر الدّولابي، وغيرهم…

ومن العلماء أيضًا: مَن ألّف في العِلَل، والعِلَل: عبارة عن الأسباب الخفيّة الغامضة التي تَقدح في صحّة الحديث، مع أنّ الظّاهر سلامته منها، ككتاب (العِلَل) للإمام البخاري، ومثْله للإماميْن: مسلم والترمذي. وممّن ألّفوا في العِلَل أيضًا: الإمام أحمد بن حنبل.

ومن العلماء: مَن ألّف في الموضوعات، كأبي عبد الله الجوزقي، في كتابه (الموضوعات من الأحاديث المرفوعات)، وابن الجوزي في كتابه (الموضوعات الكبرى)، وأبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي في كتابه (تذكرة الموضوعات).

ومِن المؤلِّفين أيضًا مَن كَتَب في غريب الحديث، ككتاب (غريب الحديث والآثار) لأبي عبيد القاسم بن سلام البغدادي، الذي يقال: إنّه أوّل مَن ألّف في غريب الحديث على سبيل الاستقصاء. وإلاّ فإنّ أوّل مَن ألّف فيه على الصحيح هو: النّضر بن شميل المازني، وذيّل عليه أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، وذيّل على ابن قتيبة: أبو محمد قاسم بن ثابت بن حزم العوفي السرقسطي في كتابه الذي سمّاه: (الدلائل في شرح ما أغفله أبو عبيد وابن قتيبة من غريب الحديث). ومات -رحمه الله تعالى- عنه ولم يُكمِله، فأتمّه أبوه: أبو القاسم ثابت بن حزم السرقسطي، الحافظ المشهور. وأيضًا كتاب (غريب الحديث) لأبي سليمان حمد الخطابي البستي. فهذه هي أمّهات كُتب الغريب المتداوَلة في الحديث.

ومِِن العلماء: مَن ألّف في اختلاف الحديث، أو في تأويل مختلف الحديث، كالإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- في كتابه (اختلاف الحديث)، وأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة في كتابه (تأويل مختلِف الحديث)، وأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي في كتابه (مشكِل الآثار).

ومِن المؤلّفات أيضًا: كتب (الأمالي)؛ وقد كان الإملاء مِن وظائف الحُفّاظ من المُحدِّثين في القديم. كان الحافظ يُخصِّص لتلاميذه يومًا من أيام الأسبوع -الثلاثاء أو الجمعة غالبًا- يلتقي بهم في المسجد، ويُدوِّن المُستملِي عن شيخه ما يُمليه عليه في المجلس. ويبدأ تَدوينَه بِبَيانٍ عن زمان المجلس، ومكانه، وشيخِه فيه، بأن يقول: “هذا مجلسٌ أملاه شيخُنا فلان، بجامع كذا، في يوم كذا”، ويَذكر التاريخ. ثم يورد المُملِي بأسانيده إلى الشيوخ أحاديثَ أو آثارًا يُفسِّر غريبَها، ويورِد من الفوائد المتعلِّقة بها، بإسناد أو بدونه، ما يختاره ويتيسّر له.

وقد كان الإملاء شائعًا في الصدر الأوّل، ثم قَلّ الإملاء بموت الحُفّاظ. وأحياه بعضُ الأعلام المتأخِّرين في مصر، كالعراقي، وابن حجر، والسّيوطي.

ومِن كُتب الإملاء الكثيرة: كُتب (الأمالي) لأبي القاسم ابن عساكر، ولولَده أبي محمد قاسم، ولأبي زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن منده، ولجَدّه أبي عبد الله محمد بن إسحاق بن منده، ولأبي بكر الخطيب، ولأبي طاهر المخلص، ولأبي محمد الحسن الخلال، ولأبي عبد الله الحاكم، ولعبد الغفار الفارسي، ولأبي حفص ابن شاهين، ولكثير جدًّا غير هؤلاء…

ومِن العلماء: مَن ألّف في رواية الأكابر عن الأصاغر، والآباء عن الأبناء، وعكس ذلك…

وهي أنواع مهمّة، ولها فوائد. والأصل في النوع الأوّل: رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن تميم الدّاري خبَر الجَسّاسة. ومنها: كتاب (ما رواه الكبار عن الصغار والآباء عن الأبناء) للحافظ أبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم المنجنيقي، نزيل مصر، وكتاب (رواية الصحابة عن التابعين)، وكتاب (رواية الآباء عن الأبناء) كلاهما للخطيب البغدادي، وكتاب (رواية الأبناء عن آبائهم) لأبي نصر عبيد الله بن سعيد السجزي، وكتاب (مَن روى عن أبيه من الصحابة والتابعين) لأبي حفص ابن شاهين، و(جزء مَن روى عن أبيه عن جَدّه) لابن أبي خيثمة، وغير ذلك مِن المؤلّفات…

ومنها أيضًا: كُتب في آداب الرواية وقوانينها، منها: كتاب (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع) للخطيب البغدادي، وكتاب (الكفاية في معرفة أحوال علْم الرواية) للخطيب البغدادي أيضًا، وكتاب (أدب إملاء الحديث) لأبي سعد بن السمعاني، وكتاب (سُنن التحديث) للحافظ الثقة: صالح بن أحمد الهمداني.

ومنها أيضًا: كُتب في عوالي بعض المحدِّثين، وهي كثيرة، منها: كتاب (عوالي الأعمش) لأبي الحجّاج يوسف بن خليل، و(عوالي عبد الرزاق) للضياء المقدسي، في ستّة أجزاء، و(عوالي سفيان بن عيينة) لابن منده، و(عوالي مالك) لأبي عبد الله الحاكم، و(عوالي مالك) أيضًا لأبي الفتح سليم بن أيوب، وغير ذلك كثير…

ومنها: كُتب في التّصوف وطريق القوم، وذُكرت فيها أحاديث بأسانيد، ككتاب (أدب النّفوس) لأبي بكر الآجري، وكتاب (المجالسة) لأبي بكر الدينوري، وكتاب (الأولياء) لابن أبي الدنيا، و(كرامات الأولياء) لأبي محمد الحسن الخلال البغدادي، وكتاب (الجليس والأنيس) لأبي الفرَج المعافى بن زكريا النهرواني، و(رياضة النّفس) للحكيم الترمذي، و(الرسالة القشيرية) لأبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري، و(عوارف المعارف للسّهروردي)، و(الفتوحات المكية) لابن عربي، وغير ذلك…

ومنها: كتب (الأطراف)، وهي التي يُقتصر فيها على ذِكر طَرف الحديث الدّالِّ على بقيّته، مع الجمع لأسانيده، إما على سبيل الاستيعاب أو على جهة التّقيّد بكتب مخصوصة، كـ(أطراف الصحيحيْن) لأبي مسعود إبراهيم بن محمد بن عبيد الدمشقي، ومثْله لأبي محمد خلَف بن محمد بن حمدون الواسطي، ولأبي نعيم الأصبهاني، و(أطراف الكتب الخمسة: البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي) لأبي العباس أحمد بن ثابت الطرقي، و(أطراف الكتب السّتّة) أيضًا -وهي: الخمسة المتقدمة مُضافًا إليها (مسند ابن ماجه)- لأبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي، و(أطرافها) كذلك لجمال الدين يوسف بن عبد الرحمن الحلبي، وكتاب (الكشاف في معرفة الأطراف) لابن حمزة الحسيني، و(أطراف الأحاديث المختارة) للضياء المقدسي، و(أطراف الفردوس) له أيضًا، و(أطراف الغرائب والأفراد) للدارقطني.

ومنها: كُتب (الزوائد) وهي: الأحاديث الزائدة في بعض كتب الحديث على بعْض آخَر منها.

ومنها: كُتب في الجمع بين بعض الكتب الحديثية، كـ (الجمع بين “الصحيحيْن”) للصاغاني، وهو المسمّى: (مشارق الأنوار النبوية من صحاح الأخبار المُصطفويّة)، و(الجمع بين الأصول السِّتّة: “البخاري”، و”مسلم”، و”الموطأ”، و”السّنن الثلاثة”: لأبي داود، والترمذي، والنسائي) لأبي الحسن رزين العبدري، وهو المسمّى بـ(التجريد للصّحاح والسّنن)، و(جامع الأصول) لأبي السعادات المبارك بن الأثير الجزري، وغير ذلك…

ومنها: كُتب أيضًا مجرّدة أو منتقاة مِن كُتب الأحاديث المسندة خصوصًا أو عمومًا، كـ(مصابيح السّنّة) للبغوي، وقسّمها إلى صحاح وحِسان، وأراد بالصِّحاح: ما أخرجه الشيخان أو أحدُهما، وبالحسان: ما أخرجه أرباب (السّنن) الأربعة مع الدارمي أو بعضُهم؛ وهو منهجه واصطلاحه. ومِن منهجه: أنه لا يُعيِّن مَن أخرج كلّ حديث على انفراده، ولا الصحابي الذي رواه، وكتاب (الأحكام الشرعية الكبرى) لابن خراط، في ستّة مجلدات، انتقاها مِن كُتب الأحاديث.

ومنها أيضًا: كُتب في أسماء الصحابة من غير ما مضى، كـ(ذيول الاستيعاب في معرفة الأصحاب) لأبي عمر ابن عبد البَر،  و(مختصراته). ومنها: كتاب (أُسْد الغابة) و(مختصراته).

ومنها: كُتب في بيان حال الرواة من غير ما تقدّم، وضبْط أسمائهم وأسماء بلدانهم، ككتاب أبي نصر الكلاباذي في رجال البخاري، سمّاه: (الهداية والإرشاد)، وكتاب (التعديل والتخريج لمن روى عنه البخاري في “الصحيح”) لأبي الوليد سليمان بن خلَف الباجي، وكتاب (معجم البلدان) لياقوت الحموي، وغير ذلك كثير…

ومِن العلماء: مَن ألّف في المشْيَخات، وهي: كتب تشتمل على ذِكْر الشيوخ الذين لقِيَهم المؤلِّف وأخَذ عنهم، أو أجازوه وإن لم يَلْقَهم، كـ(مشْيَخة الحافظ أبي يعلى الخليلي)، و(مشْيَخة أبي يوسف بن جوان)، و(مشْيَخة أبي الحسن بن المهدي)، وغير ذلك…

فهذه أشهر العلوم الحديثية التي تناولها الأقدمون بالتدوين، خِدمةً للسُّنّة، وفي كلٍّ منها مؤلّفات كثيرة وضخمة، وُضعت في دقّة وأمانة، تشهد لأصحابها بِعلوِّ الهمّة وصدْق العزم.

error: النص محمي !!