Top
Image Alt

مسائل تتعلق بالحديث المرسل والمرسلين، وأشهر المؤلفات في المراسيل

  /  مسائل تتعلق بالحديث المرسل والمرسلين، وأشهر المؤلفات في المراسيل

مسائل تتعلق بالحديث المرسل والمرسلين، وأشهر المؤلفات في المراسيل

المسألة الأولى: يُلحق بمرسل الصحابي في الحكم ما إذا قال أحد التابعين الثقات: حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال كذا، أو فعل كذا، ولم يسمّ هذا الصحابي. فمع أن هذا الصحابي مجهول العين إلا أنه معروف الحال؛ لأن الصحابة جميعًا عدول بتعديل الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ويكون هذا الحديث صحيحًا إذا استكمل باقي شروط الصحة، فلا يؤثر في صحة الحديث الجهالة العينية للصحابي.

قال الحافظ السخاوي: “إذا قال التابعي عن رجل فلا يخلو إما أن يصفه بالصحبة أم لا، فإن لم يصفه بالصحبة فلا يكون ذلك متصلًا؛ لاحتمال أن يكون تابعيًّا آخر، بل هو مرسل على بابه، وإن وصف الرجل بالصحبة؛ فقد وقع في أماكن من السنن وغيرها للبيهقي تسميته أيضًا مرسلًا، ومراده مجرد التسمية فلا يجري عليه حكم الإرسال في نفي الاحتجاج به، كما صرَّح بذلك في القراءة خلف الإمام من معرفته عقب حديث رواه عن محمد بن أبي عائشة، عن رجل من الصحابة، فإنه قال: وهذا إسناد صحيح وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم ثقات؛ فترك ذكر أسمائهم في الإسناد لا يضر إذا لم يعارضه ما هو أصح منه”.

وبهذا القيد ونحوه يُجاب عما توقف عن الاحتجاج به من ذلك لا لكونه لم يسمّ ولو لم يصرح به، ويتأيد كون مثل ذلك حجة بما روى البخاري عن الحميدي قال: “إذا صح الإسناد عن الثقات إلى رجل من الصحابة فهو حجة، وإن لم يذكر اسمه”.

وكذا قال الأثرم: “قلت لأحمد: إذا قال رجل من التابعين: حدثني رجل من الصحابة ولم يذكر اسمه فالحديث صحيح؟ قال: نعم”.

المسألة الثانية: مرسل مَن توفي عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم دون التمييز كعبيد الله بن عدي بن الخيار وغيره من الصحابة، فإن هؤلاء يُنظر إليهم من حيث الفضل والشرف على أنهم صحابة، أما مراسيلهم -وإن أطلق عليها أنها مراسيل الصحابة- فإنها لا تأخذ حكم مراسيل الصحابة من حيث الصحة، بل يُعامل مراسيل هؤلاء كمراسيل التابعين؛ لأن معظم رواية هؤلاء الصحابة الذين توفي عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم وهم دون التمييز عن التابعين، فإذا أرسلوا الحديث فيُحمل أن يكون الذي سقط من الإسناد تابعي، وهذا احتمال قوي جدًّا.

قال الحافظ السخاوي: “أما من أحضر إلى النبي صلى الله عليه وسلم غير مرة كعبيد الله بن عدي بن الخيار، فإنه ليس له سوى رؤيا كما قاله ابن حبان ونحوه قول البغوي: بلغني أنه ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم”.

فهذا مرسل لكن لا يقال: إنه مقبول كمراسيل الصحابة؛ لأنها إما أن تكون عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن صحابي آخر، والكل مقبول، واحتمال كون الصحابي الذي أدرك وسمع يروي عن التابعين بعيد جدًّا بخلاف مراسيل هؤلاء فإنها عن التابعين بكثرة، فقوي احتمال أن يكون الساقط غير الصحابي، وجاء احتمال كونه غير ثقة.

المسألة الثالثة: مراتب المراسيل، مما سبق اتضح أن المرسل ليس في مرتبة واحدة، بل هو في مراتب بعضها محتجّ به وبعضها غير محتج به، وسنذكرها مرتَّبة ترتيبًا تنازليًّا:

المرتبة الأولى: ما أرسله صحابي ثبت سماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كمراسيل أبي هريرة، وعبد الله بن عباس وغيرهما، وهذا النوع صحيح لا غُبار عليه، كما سبق ذلك.

المرتبة الثانية: ما أرسله صحابي له رؤية فقط ولم يثبت سماعه، وذلك كمراسيل من تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم وهم دون التمييز، فهذا النوع من المراسيل حُكمه حكم مرسل التابعين.

المرتبة الثالثة: ما أرسله المخضرمون.

المرتبة الرابعة: ما أرسله من كبار التابعين المتقنين كسعيد بن المسيب .

المرتبة الخامسة: ما أرسله من كبار التابعين، وكان يتحرَّى في شيوخه فلا يُرسل عن كل أحد كعامر بن شرحبيل الشعبي، ومجاهد بن جبر.

المرتبة السادسة: ما أرسله رجل من كبار التابعين غير أنه لا يتحرَّى في شيوخه، بل كان يرسل ويأخذ عن كل أحد كالحسن البصري.

المرتبة السابعة: ما أرسله صغار التابعين كقتادة والزهري وحميد الطويل، فإن غالب رواية هؤلاء عن التابعين.

المسألة الرابعة: هل يجوز للراوي أن يتعمَّد الإرسال؟ إن هذا الحكم يختلف باختلاف من يُسقطه الراوي من الإسناد:

أولًا: إن كان الراوي لا يسقط من الإسناد إلا المتفق على عدالته عنده وعند غيره فهذا جائز بلا خلاف، كمراسيل الصحابة، فإن الساقط من الإسناد صحابي، والصحابة جميعًا عدول بتعديل الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لهم.

ثانيًا: إن كان الراوي لا يسقط من الإسناد إلا ما كان عدلًا عنده فقط، أو عدلًا عند غيره فقط؛ فالجواز فيهما محتمل بحسب الأسباب الحاملة عليه.

ثالثًا: إن كان الراوي يُسقط من الإسناد ما ليس بعدل عنده وعند غيره، فهذا ممنوع بلا خلاف.

المسألة الخامسة: الأسباب الحاملة على الإرسال:

لإرسال الحديث أسباب متعددة نُوجزها فيما يلي:

أولًا: أسباب سياسية: فقد لا يستطيع الراوي أن يذكر اسم من سمع منه الحديث؛ خوفًا على نفسه من الضرر لخلاف بين السلطة القائمة وشيخ الراوي الذي سمع منه الحديث، فيرسل الحديث لذلك.

مثال ذلك أن الحسن البصري رضي الله عنه كان يُرسل الأحاديث التي سمعها من علي بن أبي طالب رضي الله عنه خوفًا على نفسه من الحجاج بن يوسف الثقفي.

قال الحافظ السيوطي: “قال يونس بن عبيد: سألت الحسن قلت: يا أبا سعيد إنك تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنك لم تدركه؟ فقال: يا ابن أخي لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك، ولولا منزلتك مني ما أخبرتك، إني في زمان كما ترى وكان في زمن الحجاج بن يوسف كل شيء سمعتني أقوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو عن علي بن أبي طالب، غير أني في زمان لا أستطيع أن أذكر عليًّا رضي الله عنه.

ثانيًا: أن يكون الراوي سمع الحديث من أكثر من راوٍ عن الذي أرسل الحديث عنه، فلثقته وتحققه من هؤلاء الذين حدَّثوه عن هذا الشيخ لكثرتهم؛ فإنه يُرسل الحديث عنه، ولا يذكر من حدثوه عنه لثقته بهم.

مثال ذلك قال السخاوي: “إن الشافعي -رحمه الله- قال في حديث لطاوس عن معاذ: طاوس لم يلقَ معاذًا، لكنه عالم بأمر معاذ وإن لم يلقه؛ لكثرة من لقيه ممن أخذ عن معاذ، وهذا لا أعلم من أحد فيه خلاف وتبعه البيهقي وغيره”.

ومثل ذلك يقال في رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، فإنه وإن كان لم يسمع من أبيه إلا أنه سمع حديث أبيه من أصحاب أبيه.

ثالثًا: قد يريد الإمام أن يستدلّ على ما يقول فيذكر المتن ولا يذكر من حدثه به؛ اختصارًا وتقريبًا على المتعلم كما فعل الفقهاء.

رابعًا: اختبار طلاب العلم ليقف الشيخ على مدى معرفتهم.

خامسًا: قد يتعمَّد الراوي الإرسال لأن شيخه الذي سمع منه الحديث ضعيف.

المسألة السادسة: المراسيل في (صحيح الإمام مسلم): وقع في (صحيح الإمام مسلم) عشرة أحاديث مرسلة فانتُقدت عليه، وقد سبق أن الإمام مسلم يرى أن الحديث المرسل حديث ضعيف لا يُحتج به فكيف خرَّج هذه الأحاديث في صحيحه، وقد شرط ألا يُخرِّج فيه إلا الصحيح من الحديث؟

والجواب عن هذا الانتقاد: أن هذا الانتقاد ليس في موضعه بل هو مردود على صاحبه، وذلك لأن الإمام مسلم وإن روى هذه الأحاديث المرسلة في صحيحه إلا أنه وصلها في نفس الصحيح، فهو يروي الحديث بإسناد متصل ثم يأتي له بإسناد آخر مرسلًا، أو يروي الحديث بإسناد مرسل ثم يأتي له بإسناد آخر متصلًا، والاعتماد إنما هو على المسند المتصل وليس على المرسل.

الحِكمة في إيراد الإمام مسلم للأحاديث المتصلة الأسانيد بأسانيد مرسلة:

أراد الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- أن يبيِّن الاختلاف الواقع في رواية الحديث، وأنه مروي من طريقين: أحدهما مسند متصل، والآخر مرسل؛ حتى لا يحتجّ عليه محتج إن روى الحديث من الطريق المسند المتصل مقتصرًا عليه قائلًا: إن هذا الحديث مروي بإسناد مرسل، وقد يُشكّك في المسند بهذا المرسل مدَّعيًا أن الإمام مسلم لم يَفْطَن إلى ذلك.

ويجعل الإرسال علة يُعلّ بها الوصل، فأراد الإمام مسلم بإخراجه للحديث من الطريقين؛ ليبين أن الإرسال ليس علة في الاتصال، وأنه وقف على الطريقين، وذلك لأن وصل الحديث زيادة وهي من الثقة مقبولة كما هو معلوم.

السبب الثاني: الحديث وإن رُوي بإسنادين أو من طريقين أحدهما صحيح متصل والآخر مرسل، فهو أقوى من حديث آخر ليس له إلا إسناد واحد صحيح متصل؛ لأن كثرة الطرق يقوِّي بعضها بعضًا ويعطي الحديث قوة.

المسألة السابعة: الأسباب التي جعلت العلماء يهتمُّون بالمراسيل ويكتبونها في مصنفاتهم:

فقد اهتم العلماء بالأحاديث المرسلة وكتبوها في مصنفاتهم، بل وأفردوها بالتصنيف للأسباب الآتية:

أولًا: استنباط الأحكام منها عند من يقبلها، ويوجب العمل بها مع إجماعهم على الفرق بينها وبين الأحاديث المسندة في الصحة والثبات.

ثانيًا: معرفة علل الحديث؛ لأن الحديث وإن روي من طريقين أحدهما مسند والآخر مرسل، وكان الذي أرسل الحديث أضبط وأحفظ ممن أسنده؛ فالحكم لمن أرسل الحديث، ويكون الإرسال في هذه الحالة علة في الإسناد المتصل، وقد ذكر الخطيب البغدادي بإسناده إلى الميموني قال: “تعجب إليَّ أبو عبد الله -يعني: الإمام أحمد بن حنبل- ممن يكتب الإسناد المتصل، ويدع المنقطع، ثم قال: وربما كان المنقطع أقوى إسنادًا أو أكثر، قلت: بينه لي كيف؟ قال: يكتب الإسناد متصلًا وهو ضعيف، يكون المنقطع أقوى إسنادًا منه وهو يرفعه، ثم يُسنده وقد كتبه هو على أنه متصل، وهو يزعم أنه لا يكتب إلا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم”. معناه لو كتب الإسنادين جميعًا عرف المتصل من المنقطع يعني ضعف ذا وقوة ذا.

ثالثًا: من العلماء من يكتب الأحاديث مسندة ويرويها مرسلة على معنى المذاكرة والتنبيه؛ ليُطلب إسنادها المتصل ويسأل عنه، وربما أرسلوها اقتصارًا وتقريبًا على المتعلم لمعرفة أحكامها، كما يفعل الفقهاء في تدريسهم، فإذا أريد الاستعمال احتاج إلى بيان الإسناد.

ملحوظة: أطلق بعض الأئمة المرسل على المنقطع:

قال الحافظ السخاوي: “وممن أطلق المرسل على المنقطع من أئمتنا أبو زرعة وأبو حاتم، ثم الدارقطني ثم البيهقي، بل صرَّح البخاري في حديث لإبراهيم بن يزيد النخعي عن أبي سعيد الخدري بأنه مرسل؛ لكون إبراهيم لم يسمع من أبي سعيد”.

المؤلفات في المراسيل:

من أشهر الكتب التي صنفت في المراسيل:

أولًا: (المراسيل) للإمام أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني صاحب السنن، المتوفى في سنة خمس وسبعين ومائتين من الهجرة.

ثانيًا: (المراسيل) للإمام أبي محمد عبد الرحمن الرازي الحافظ ابن الإمام الجليل أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر، المتوفى في سنة سبع وعشرين وثلاثمائة من الهجرة.

ثالثًا: (جامع التحصيل في أحكام المراسيل) للإمام أبي سعيد العلائي، ذكر الإمام العلائي بعض المسائل المتعلقة بالحديث المرسل كالفرق بينه وبين غيره من المعضل، كما أضاف كثيرًا من الفوائد والتنبيهات والمقارنات بين المرسلين، وختم كتابه بسرد أسماء المرسلين من الرُّواة؛ فذكر ألفًا وتسعة وثلاثين رجلًا، وذكر من هذا العدد عشرة من النساء، وترجم لكل واحد منهم ترجمة موجزة تتناسب مع موضوع المرسل.

error: النص محمي !!