(مسند أبي داود الطيالسي)
فنقول: (مسند الطيالسي) هو معنون بعنوان (مسند أبي داود الطيالسي).
اسمه: سليمان بن داود بن الجارود، المتوفى سنة 204 هجرية. هذا الكتاب طبع وحققه الدكتور محمد عبد المحسن التركي، بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات العربية والإسلامية بدار هَجَر، وجاء الكتاب في مجلدين كبيرين، المجلد الأول عدد صفحاته بالفهارس 523 صفحة، والمجلد الثاني عدد صفحاته بالفهارس 739 صفحة، ينتهي المجلد الثاني عند صفحة 485، ومن 486 إلى آخر الكتاب فهارس في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، والرواة الذين رووا تلك الأحاديث.
هذا الكتاب -كتاب (مسند الطيالسي)- تحدث عن المسانيد وعن أهميتها، ولأهمية هذا الكتاب صدرت به خطة الجامعة الدراسة لهذا الكتاب كنوع أو ككتاب يمثل الطريقة الأولى من التخريج.
اسم المصنف، ونسبته، وكنيته:
هو سليمان بن داود بن الجارود، وأمه مولاة لبني نصر بن معاوية، يكنى أبا داود وهو بها أشهر، ويشاركه هذه الكنية من طبقته أبو داود الحفري، ويشترك معه في كثير من شيوخه، وإذا أُطلق أبو داود ضمن أسانيد كتب الحديث -وكان في طبقة الطيالسي- فالذي يظهر أنهم يعنون الطيالسي.
وهو ينسب إلى أكثر من نسبة بحسب مهنته وولائه وأصله وبلده، فيقال في نسبته: الطيالسي وصاحب الطيالسة والزبيري والأسدي والقرشي والفارسي والبصري، فالطيالسي وصاحب الطيالسة نسبةً إلى الطيالسة، وهي التي تكون فوق العمامة. قال في (اللسان): “الطيْلَس والطيلسان ضرب من الأكسية، وهو فارسي معرب”. ويشاركه في هذه النسبة معاصريه منهم أبو الوليد الطيالسي هشام بن عبد الملك، غير أن المصنف أشهر منه. والزبيري والأسدي والقرشي لأن ولاءه لآل الزبير بن العوام رضي الله عنه والزبير من بني أسد من قريش، والفارسي لأن أصله فارسي، والبصري نسبة إلى بلدة البصرة.
مولده ونشأته:
اتفق المترجمون على أن ولادته سنة 123 هجرية، وقد رحل الطيالسي مبكرًا في طلب العلم. جاء في ترجمة عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي أن الطيالسي قد سمع منه سنة 157 هجرية ببغداد. وقال الخطيب: وقدم بغداد، وشعبة والمسعودي بها فسمع منهما، كما أنه قد رحل إلى الكوفة ورحل إلى المدينة، فقد سمع من فُلَيْح بن سليمان الخزاعي، وهو مدني لم يرحل، وكذلك سمع من الإمام مالك بن أنس وغيره من مشايخ المدينة.
ومما لا ريبَ فيه أن أبا داود قد جَدَّ في الطلب مبكرًا، ورحل من أجله وأفنى عمره في سبيل خدمته والعناية به، وانقطع له، وإلا لما وصل إلى ما وصل إليه، وأصبح أحفظ أهل البصرة في وقته، وقد قال عن نفسه أنه كتب عن ألف شيخ، وحدّث بخراسان بمائة ألف حديث من حفظه -رحمه الله تعالى-.
أبرز شيوخ الطيالسي:
شيوخه كثيرون، كتب عن أكثر من ألف شيخ أو ألف شيخ كما قال، وقد روى في هذا الكتاب عن قريب من مائتين وخمسين شيخًا، وأبرز شيوخه شعبة بن الحجاج بن الوَرْد، المعروف بأمير المؤمنين. قال الثوري: “شعبة أمير المؤمنين في الحديث”. وقال الشافعي: “لولا شعبة لما عُرف الحديث بالعراق”. وقال أحمد: “كان شعبة أمة وحدَه في هذا الشأن” يعني: في علم الحديث. ولد الإمام شعبة في سنة 82 هجرية، ومات في سنة 160 هجرية، ولقي خلقًا لا يحصون.
قال الحاكم: “إمام الأئمة في معرفة الحديث في البصرة، رأى أنس بن مالك وعمرو بن سلمة الصحابيين، وسمع ربعمائة من التابعين، وحدّث عن أمم لا يحصون، آخرهم موتًا علي بن الجعد، وكان أبو داود من أخص أصحاب شعبة، وأكثر عنه إكثارًا لم يكثره غيره، ولم يكثره هو عن غيره”. قال أبو داود: “سمعت من شعبة سبعة آلاف حديث، وسمع منه غَنْدر مثلها، أغربت عليه ألفًا، وأغرب هو علي ألفًا”.
وقال أبو داود: “كنت يومًا بباب شعبة، وكان المسجد مليئًا، فخرج فاتكأ عليَّ وقال: يا سليمان ترى هؤلاء كلهم يخرجون محدِّثين؟ قلت: لا. قال: صدقت، ولا خمسة، يكتب أحدهم في صغره ثم إذا كبر تركه أو يشتغل بالفساد. قال: ثم نظرت بعد ذلك فما خرج منهم خمسة”.
وقال أبو داود: “قال لي شعبة: عليك بورقاء فإنك لا تلقَى مثله حتى ترجع” أعني: في الخير. وقال أحمد بن سعيد الدارمي: “سألت أحمد بن حنبل عمن أكتب حديث شعبة. قال: كنا نقول وأبو داود حي: يُكتب عن أبي داود”.
الشيخ الثاني من مشايخ الطيالسي: حماد بن سلمة بن دينار، أبو سلمة البصري الخرقي مولى آل ربيعة بن مالك. قال أحمد: “حماد بن سلمة من الثقات، ما نزداد فيه كل يوم إلا بصيرة”. وقال يحيى: “إذا رأيتَ إنسانًا يقع في عِكرمة وحماد بن سلمة فاتهمه على الإسلام، وكان عابدًا فاضلًا مجابَ الدعوة”.
قال ابن مهدي: “لو قيل لحماد بن سلمة: إنك تموت غدًا، ما قدر أن يزيد في العمل شيئًا، وهو أثبت الناس في ثابت وحميد الطويل وعمار بن أبي عمار وعلي بن زيد بن جدعان، وقد تغير حفظه لما كبر ووقع منه بعض الأوهام، ومن ذا يُعْصَم من الوقوع في الخطأ والوهم إلا سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم. توفي في ذي الحجة سنة 167 هجرية، وقد أكثر عنه أبو داود الطيالسي صاحبنا”.
قال أبو داود: “لم يكن لحماد بن سلمة كتاب غير كتاب قيس بن سعد. وقال: وقَوْلٌ بمثل هذا الجزم لا يكون إلا قريب منه، مطلع على خصائصه، وقد ضاع كتاب حماد هذا كما ذكر ذلك أحمد، وحدَّث به مِن حفظه، فتكلم بعض الأئمة في حديثه عن قيس بن سعد”.
الشيخ الثالث للطيالسي هو: الوضَّاح بن عبد الله أبو عوانة، مولى يزيد بن عطاء اليشكري الواسطي البزاز. ثقة ثبت إمام. قال عفان: “أبو عوانة أصح حديثًا عندنا من شعبة”. وقال يحيى القطان: “ما أشبه حديثه بحديث سفيان وشعبة”. وقال شعبة: “إن حدّثكم أبو عَوانة عن أبي هريرة فصدقوه”. توفي في سنة 176 هجرية.
الشيخ الرابع للطيالسي: هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب، أحد الأعلام. قال أحمد: “كان يُشبَّه بسعيد بن المسيب، فقيل لأحمد: خَلَّف مِثْلَه؟ قال: لا، ثم قال: كان أفضل من مالك، إلا أن مالكًا أشد تنقيةً للرجال منه”. وقال مصعب الزبيري: “كان ابن أبي ذئب فقيه المدينة”. وقال الشافعي: “ما فاتني أحد فأسفت عليه ما أسفت على الليث بن سعد وابن أبي ذئب”. وكان قوالًا بالحق، وله مواقف مشهودة في ذلك، توفي في سنة 159 هجرية.
الشيخ الخامس للطيالسي: هو ورقاء بن عمر بن كُليب أبو بشر اليشكري، ويقال: الشيباني الكوفي، نزيل المدائن الإمام الثقة. قال أحمد: “ثقة صاحب سُنة”. ولما حضرته الوفاة جعل يهلل ويكبر ويذكر اللهَ، وقال لابنه: “أكفني رد السلام على هؤلاء، لا يشغلوني عن ربي عز وجل”. وتقدم قول شعبة لأبي داود: “عليك بورقاء؛ فإنك لا تلقى بعده مثله حتى ترجع”. فقيل لأبي داود: “ما يعني بقوله؟ قال: أفضل وأورع وخير منه”.
مكانة الطيالسي:
حَظِيَ الإمام أبو داود الطيالسي بمكانة علمية عالية، تتجلى في الأمور الآتية:
1. توثيقه وثناء الأئمة عليه:
اتفق جمهور العلماء على توثيقه والثناء عليه، ووصفه بأعلى درجات التوثيق، وعابه البعض بأشياء.
أولًا: أقوال العلماء في الثناء عليه:
قال عمرو بن علي الفَلَّاس: “ما رأيت في المحدِّثين أحفظ من أبي داود”. قال الذهبي عقب هذا: “قلت: قال هذا وقد صحب يحيى القطان وابن مهدي ورافق بن المديني”. وقال ابن المديني: “ما رأيت أحفظ من أبي داود”. وقال وكيع: “ما بقي أحد أحفظ لحديث طويل من أبي داود”. قال: “فذُكر ذلك لأبي داود فقال: قل له: ولا قصير” يعني: أحفظ الحديث الطويل والقصير.
وقال وكيع: “أبو داود جبل العلم”. وقال بِندار: “ما بكيت على أحد من المحدثين ما بكيت على أبي داود الطيالسي. قيل له: كيف؟ قال: لِما كان من حفظه ومعرفته وحسن مذاكرته”. وقال ابن مهدي: “أبو داود أصدقُ الناس”. وقدَّمه ابن معين في شعبة على ابن مهدي. وقال سليمان بن حرب: “كان شعبة يُحدِّث، فإذا قام قعد أبو داود وأملى من حفظه ما مر في المجلس”. وقال النسائي: “هو ثقة مِن أصدق الناس لهجةً”. وقال يونس بن حبيب: “قدم علينا أبو داود، وأملى علينا من حفظه مائة ألف حديث، أخطأ في سبعين موضعًا، فلما رجع إلى البصرة كَتب إلينا بأني أخطأت في سبعين موضعًا فأصلحوه” وهذه هي أمانة العلم والعلماء.
قال أبو داود عن نفسه: “أسرد ثلاثين ألف حديث ولا فخر، وفي صدري اثنا عشر ألفًا لعثمان البُرِّي، ما سألني عنها أحد من أهل البصرة، فخرجت إلى أصبهان فبثَثْتها فيهم”. وقال العجلي: “هو بصري ثقة، وكان كثير الحفظ رحلت إليه فأصبته، مات قبل قدومي بيوم”. وروى ابن أبي حاتم عن يونس بن حبيب قال: “قال أبو داود: كنا ببغداد وكان شعبة وابن إدريس يجتمعون بعد العصر يتذاكرون، فذكروا باب المجذوم، وذكر شعبة ما عنده فقلت: حدثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد قال: كان مُعَيْقِيد يُحْضِر طعام عمر فقال له عمر: يا مُعَيْقِيد: كل مما يليك… الحديث، فقال لي شعبة: يا أبا داود لَم تجئ بشيء أحسن مما جئت به”.
قال ابن أبي حاتم بعده: “هذا يدل على أن أبا داود كان محله أن يذاكر شعبة”. وقال عمر بن شَبَّة: “كتبوا عن أبي داود بأصبهان أربعين ألف حديث، وليس معه كتاب” يعني: يُحدِّث من حفظه. وقال الخطيب: “كان حافظًا مكثرًا ثقة ثبتًا”. ووثقه أحمد وابن سعد والنعمان بن عبد السلام وابن حبان. وقال النعمان: “ثقة مأمون”. وانتُقد عليه بعض النقاط، إلا أنه بريء من كل ما نسب إليه من كل هذه النقود، وردها العلماء من قديم الزمان.
آراء الطيالسي في الرجال:
هو غير مكثر من أقوال الجرح والتعديل، ولم يشتهر بهذا، بل اشتهر بنقل أقوال الجرح والتعديل الصادرة من شيوخه وأبرزهم شعبة، ومع هذا فقد وُجد له كلام يسير فيهم، وسنذكر بعض الأمثلة لأقواله في الرجال؛ لعلها تعطي تصورًا عن مذهبه في الجرح والتعديل، ومعرفته بهذا الفن، وسنقارن أقواله بأقوال أئمة هذا الشأن، ونرجح ما يحتاج إلى ترجيح منها، ثم نستخلص أهم النتائج، من ذلك:
1. السَّرِي بن يحيى بن إياس الشيباني أبو الهيثم البصري. قال أبو داود: “حدثنا السري بن يحيى، وكان ثقة” الجرح والتعديل 4/ 283. ووافقه على هذا أئمة الجرح والتعديل، فقد وثقه أحمد ويحيى بن سعيد وابن معين وأبو زرعة والنسائي وابن حبان، وخالف هؤلاء الأزدي فذكره في (الضعفاء). قال ابن عبد البر: “هو أوثق من الأزدي بمائة مرة”. وقال الحافظ: “ثقة، أخطأ الأزدي في تضعيفه، وفي سهل بن أسلم العدوي، مولاهم أبو سعيد البصري”. قال عنه أبو داود: “حدثنا سهل العدوي، وكان ثقة”. ووافقه ابن المديني وأبو داود السجستاني وابن حبان فوثقوه، كما وثقه الطيالسي. وقال أبو حاتم: “لا بأس به”. وقال ابن حجر: “صدوق، ولم أر مَن جرحه”. وأبو حاتم متشدد فلا ينزل عن الثقة.
وتحدث عن زياد بن ميمون فقال: “أخرج مسلم في مقدمة صحيحه ص24 عن محمود بن غيلان. قال: قلت لأبي داود: قد أكثرت عن عباد بن منصور، فما لك لَم تسمع منه حديث العطارة الذي روى لنا النضر بن شميل. قال لي: اسكت، فأَنَا لقيت زياد بن ميمون وعبد الرحمن بن مهدي فسألناه، فقلنا له: هذه الأحاديث التي ترويها عن أنس فقال: أرأيتما رجلًا يذنب فيتوب أليس يتوب الله عليه؟ قال: قلنا: نعم. قال: ما سمعت من أنس من ذا قليلًا ولا كثيرًا، إن كان لا يعلَمُ الناس، فأنتما تعلمان أني لم ألق أنسًا”.
قال أبو داود: “فبلغنا بعد أنه يروي، فأتيناه أنا وعبد الرحمن فقلنا: أتوب، ثم كان بعد يحدِّث فتركناه”. هذا يبين لنا أن الطيالسي كان يبحث عن الرجال. وعمن يروي حديثه: الزهري وقتادة والأعمش وأبو إسحاق، هؤلاء الأربعة. قال أبو داود: “وجدنا الحديث عند أربعة: الزهري وقتادة والأعمش وأبي إسحاق. قال: وكان الزهري أعلمهم بالإسناد، وكان قتادة أعلمهم بالاختلاف، وكان أبو إسحاق أعلمهم بحديث عليّ وعبد الله، وكان عند الأعمش من كل هذا”.
نستنتج مما تقدم ما يأتي:
أولًا: أن الطيالسي لم يكن مكثرًا من أقوال الجرح والتعديل.
ثانيًا: أنه لم يقتصر على أقوال الجرح والتعديل، بل تكلم فيما يتعلق باتصال الأسانيد وانقطاعها.
ثالثًا: أنه مما يُعتمد قوله في الجرح والتعديل، ولذلك نقلوا أقواله كما سبق، وأثبتوها في تراجم الرجال وأيدوها. وقد ذكر الحافظ الذهبي في كتابه ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل، وكذا ذكره السخاوي في كتابه (المتكلمون في الرجال) تحت عنوان: ثم كان بعدهم ممن إذا قال سُمع منه.
رابعًا: أن مذهبه -أي: مذهب الطيالسي- معتدل في الجرح والتعديل، وذلك من خلال موافقة الجمهور له فيما سبق من أقواله.
خامسًا: أنه لم يَخرج عن عبارات أئمة الجرح والتعديل في التوثيق أو التجريح، بل نفس العبارات وصيغ التعديل والتجريح هي نفس الصيغ التي كان يستعملها الطيالسي.
سادسًا: أنه ذو معتقد سليم عري من البدع، وإلا لما حدثه زائدة بن قدامة الذي لا يُحدِّث قدريًّا ولا صاحبَ بدعة.
سابعًا: كان معتنيًا كل العناية بالسنة وحريصًا على سلامتها، وكان هو وابن مهدي زميلين في الطلب صغارًا، والتعليم والإملاء والذب عن السنة كبارًا.
أخيرًا نستنتج أنه كان ذا مرويات كثيرة، وكان عاليًا في علمه ومعارفه، فإن قوله الأخير لا يقوله إلا من أحاط بجل مرويات السنة في عصره وجدها -أي: أكثرها وأصحها- عند أولئك الأربعة الذين مر ذكرهم، وهم: الزهري وقتادة والأعمش وأبو إسحاق.
الرحلة في طلب الحديث:
رَحَل أبو داود من أجل الحديث ورحل الناس إليه؛ ليأخذوا منه الحديث بعد ذلك، والرحلة في طلب الحديث لها شأن رفيع عند المحدثين، يرحل أحدهم في صغره لسماع الحديث وجمعه، فإذا تميز بكثرة حفظه وجودة مروياته رحل الناس إليه ليأخذوا ما عنده، والطيالسي أحد مَن تفرد في هذا الباب وذاع صيته، واحتاج الناس إلى ما عنده من حديث. روى الخطيب بإسناده إلى العجلي الحافظ قال: “أبو داود الطيالسي ثقة كثير الحديث، رحلت إليه فأصبته قد مات قبل قدومي بأيام”. وقد رحل أبو داود إلى خراسان للإملاء. قال يونس بن حبيب: “قدم علينا أبو داود وأملى علينا من حفظه مائة ألف حديث، فلما رجع إلى البصرة كتب إلينا بأني أخطأت في سبعين موضعًا فأصلحوه”.
تلاميذ الطيالسي:
كان له رحمه الله تعالى من التلاميذ الكثير والكثير، وصاروا علماء ونفعوا الأمة، وحفظوا لها أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
التلميذ الأول: وهو من أبرز تلاميذ الإمام الطيالسي: يونس بن حبيب بن عبد القاهر بن عبد العزيز بن عمر بن قيس العجلي، أبو بشر الأصبهاني. قال ابن أبي حاتم: “كتبت عنه بأصبهان وهو ثقة”. وقيل لمسعود بن الفرات: “عمن نكتب؟ فقال: عن يونس بن حبيب”. وقال أبو نعيم: “وكان عظيم القدر خطيرًا معروفًا بالستر والصلاح، وكان أروَى الناس عن أبي داود”.
قال عنه الذهبي: “المحدث الحجة، وهو راوي المسند عن أبي داود”. هذا المسند المعروف بمسند الطيالسي، رواه أشهر تلاميذه يونس بن حبيب، ويُعَرِّفه المترجمون له بصاحب الطيالسي، أو راوي مسند الطيالسي، توفي في سنة 267 هجرية -رحمه الله تعالى-.
التلميذ الثاني: إمام الأئمة أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الذهلي الشيباني، أبو عبد الله البغدادي، إمام أهل السنة، ذو الفضائل المشهورة، والمحامد المذخورة، أحد مَن حفظ الله بهم الدين -رحمه الله ورضي الله عنه توفي الإمام أحمد سنة 241 هجرية.
وكفى بأبي داود شرفًا وعلوًّا أن يكون الإمام أحمد أحد تلاميذه، وممن رضيه ووثقه وأكثر من الرواية عنه، وتلاميذه كثيرون، سنكملهم في الدرس القادم إن شاء الله.
التلميذ الثالث: هو محمد بن بشار بن عثمان بن داود بن كيسان أبو بكر العبدي البصري، بندار، لقب به؛ لأنه كان بندار الحديث في عصره ببلده، والبندار: هو الحافظ، وهو إمام حافظ مشهور، كان بارًّا بأُمِه؛ فلما ماتت رحل من أجل العلم، ولم يرحل وهي موجودة لطلب العلم وطلب الحديث بِرًّا بها؛ لأنها كانت في حاجة إليه، توفي في رجب سنة 252 هجرية، روى عن أبي داود فأكثر، وروى مسلم والأربعة في كتبهم بواسطته عن أبي داود، ولحبه لشيخه الطيالسي وعلمه؛ تأثر لوفاته كثيرًا، يقول: ما بكيت على أحد من المحدثين ما بكيت على أبي داود، قيل له: كيف؟ قال: لما كان من حفظه ومعرفته وحسن مذاكرته.
التلميذ الرابع: محمد بن غيلان العدوي، مولاهم أبو أحمد المروزي، أحد أئمة الأثر، قال الذهبي عنه: إمام حافظ حجة، ثم قال الذهبي: لقد أكثر وجوَّدَ، وكان من فرسان الحديث، وهو ممن أكثر عن أبي داود، وروى الأئمة بواسطته عن أبي داود، وتقدم ذكر قوله لأبي داود: قد أكثرت عن عباد بن منصور؛ فما لك لم تسمع منه حديث العطار؟!. فهذا يدل على إلمامه بجميع ما رواه عن عباد، وأن هذا الحديث ليس عنده، وذلك منبئ عن قُربه من الشيخ واختصاصه به.
وممن روى عن أبي داود الطيالسي غير من سبق: إبراهيم بن محمد أبو إسحاق الحلبي، وإبراهيم بن مرزوق البصري، وأحمد بن إبراهيم الدورقي، وأحمد بن عصام الأصبهاني، وأبو مسعود أحمد بن فرات، وإسحاق بن منصور الكوسج، وبشار بن سمير بن بشار العجلي، وبكار بن قتيبة، وسليمان بن داود القزاز، وسليمان بن عبد الله الغيلاني، وسهل بن صالح الأنطاكي، وغير ذلك كثيرون.
وفاته -رحمه الله تعالى-:
قال عمرو بن علي، وخليفة بن خياط، وأبو نعيم، ومحمد بن عبد الله الحضرمي: توفي الطيالسي سنة 204 هجرية، قال خليفة بن خياط: في ربيع الأول منها، يعني: في ربيع الأول سنة 204 هجرية، وقال أبو نعيم: في سفر، قال أبو نعيم: وهو ابن إحدى وسبعين سنة، وقال أبو موسى محمد بن المثنى: مات سنة 203 أو 204 هجرية وهو ابن 72 سنة، وقال ابن سعد: توفي بالبصرة سنة 203 هجرية وهو يومئذٍ ابن اثنتين وتسعين، هكذا في المطبوعة، والذي في كتب التراجم نقلًا عن ابن سعد: اثنتين وسبعين سنة لم يستكملها، وصلى عليه يحيى بن عبد الله بن عمر بن الحسن بن سهل، وهو يومئذ والي البصرة.
وقال محمد بن يونس القرشي: مات سنة أربع عشرة ومائتين. قال الخطيب: وهذا خطأ لا شك فيه.
أقول: إن أرجح الأقوال: إنه توفي سنة 204 هجرية، وكان عمره إحدى وسبعين سنة.