Top
Image Alt

(مسند الطيالسي)

  /  (مسند الطيالسي)

(مسند الطيالسي)

وهو: سليمان بن داود بن الجارود، أثنى عليه العلماء بالحفظ وقالوا: حفظ أربعين ألف حديث، وكان في أيامه أحفظ من بالبصرة، مقدمًا على أقرانه بحفظه ومعرفته، قال ابن فلاس: إذا جاوزت في أصحاب شعبة معاذَ بن معاذ وخالدَ بن الحارث ويحيى القطان وغندرًا، فأبو داود خامسهم، وله أحاديث يرفعها، وليس بعجب ممن يحدث بأربعين ألف حديث من حِفظه مِن أن يخطئ في أحاديث يسيرة؛ يرفع أحاديث يوقفها غيرُه، ويوصل أحاديث يرسلها غيره، وإنما أتي ذلك من حفظه، وما أبو داود عندي وعند غيري إلا متيقظ ثبت.

ومن شيوخ أبي داود الطيالسي في مسنده: عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة المسعودي, أحد الثقات المشهورين والكبار من المحدثين، صرح باختلاطه غير واحد، وممن سمع منه قديمًا الفضل بن دكين ووكيع، وممن سمع منه حديثًا أبو داود الطيالسي، فروايته عنه بعد الاختلاط. وقد تتبعنا ما رواه عنه أبو داود في مسنده، فروى له إلى تمام سبعة وخمسين حديثًا، شاركه شعبة في رواية بعضها، وما رواه له يدل على أن سماع من سمع من المختلط بعد الاختلاط ليس مختلطًا كله؛ فقد يكون اختلاط الراوي غير متتابع يختلط حينًا ويعي حينًا آخر. ويظهر من هذه الأحاديث أن أبا داود حملها عن المسعودي في زمن اختلاطه؛ لكن أثناء وعيه وتيقظه، لا في حالة اهتزازه وعدم ضبطه.

و(المسند) ليس من تأليف أبي داود الطيالسي، قال أبو نعيم: صنف أبو مسعود الرازي ليونس بن حبيب (مسند أبي داود), وقال الزركشي: ليس (المسند) له؛ وإنما ليونس بن حبيب.

وقال السيوطي ما يدل على أن (مسند أبي داود) ليس أول المسانيد وليس هو الذي صنفه؛ وإنما هو من جَمْع بعض الحفاظ الخُراسانيين, جمع فيه ما رواه يونس بن حبيب خاصةً عن أبي داود، وشذ عنه كثير منه.

قال السخاوي: وهذا (المسند) يسير بالنسبة لما كان عند أبي داود؛ فقد كان يحفظ أربعين ألف حديث، والسبب في ذلك عدم تصنيفه هو له؛ إنما تولى جمعه بعض حفاظ الأصبهانيين -أي: أبو مسعود الرازي كما قال أبو نعيم- من حديث يونس بن حبيب عنه.

ويونس بن حبيب قال: قدم علينا أبو داود وأملى علينا من حفظه مائة ألف حديث, أخطأ في سبعين موضعًا، فلما رجع إلى البصرة كتب إلينا بأني أخطأت في سبعين موضعًا فأصلحوها، وكان يونس ثقةً وكان صدوقًا مسلمًا، وقد ذكر عن أبي داود توثيق سهل العدوي والمغيرة بن مسلم والسري بن يحيى؛ مما يدل على أن أبا داود الطيالسي حكم على بعض الرواة الذين روى عنهم أو روى لهم.

وقال أبو محمد بن أبي حاتم: كتبت عنه -أي: عن يونس بن حبيب- وهو ثقة، قال الذهبي: قال بعضهم: كان يونس محتشمًا عظيمَ القدر بأصبهان، موصوفًا بالدين والصيانة والصلاح.

أما أبو مسعود فهو أحمد بن الفرات الضبي الرازي, حفظ كثيرًا وكتب عن ألف وسبعمائة شيخ، وقال: كتبت ألف ألف حديث وخمسمائة ألف حديث، وكان أحمد يثني عليه وله منزلة كبيرة.

فإذا نظرنا إلى (مسند أبي داود الطيالسي) من ناحية أحاديثه فقد رواها أبو داود الطيالسي بلا خلاف، وحملها عنه يونس بن حبيب، وفي (تهذيب ابن حجر) أنه سمع من أبي داود أحاديث كثيرة ذكرناها. وقد انتقى أبو مسعود هذا (المسند) من حديث يونس بن حبيب, ونسبه إلى أبي داود لاقتصار أحاديث (المسند) على الرواية عنه، وانتقائها من حديثه الذي حمله عنه يونس خاصة، فالأحاديث لأبي داود والترتيب والتبويب والانتقاء لأبي مسعود الدمشقي، وهو ما رفع درجة أحاديث أبي داود وأعطاها مزيدًا من الاعتبار.

وبدأ بحديث العشرة المبشرين بالجنة، ثم بما أسند عبد الله بن مسعود، ثم أحاديث عبد الله بن الزبير، ثم أبي جحيفة، ثم أبي بردة وليس بابن أبي موسى، ثم أسانيد النساء، ثم أحاديث المكثرين.

ويظهر من متابعة (مسند الطيالسي) أن أحاديثه منتقاة، وأنها تتناول أحكامًا مهمة وتتعرض لبعض العلل من غير كشف لها؛ اعتمادًا على متابعة الباحث ومقارنته لهذه الأحاديث المعللة، والاطلاع على ما كشف أئمة محدثون عن علته، ومحاولة اكتشاف العلة التي إن ظهرت له، كما أن بعضها يتناول مسائل خلافيةً صال فيها مَن صال، وجال فيها مَن جال، وفصل فيها من فصل.

وكان الطيالسي -رحمه الله- حافظًا للحديث مستوفيًا لشروط الرواية، وظهر ذلك في روايته عن شيوخه؛ حيث وثق مَن رأى الحاجة إلى توثيقه، وسكت عمن ثبتت إمامته، وانتقى من حديث المختلط ما لا اختلاطَ فيه.

أما فقهه, فلم يظهر له أثر في روايته.

وأحاديث (المسند) من غير أحاديث أهل المدينة؛ بل من حديث الكوفيين والبصريين وغيرهم، وندر فيه حديث أهل الحجاز، ومقارنة ما رواه بما رواه غيره تدل على مكانته، وعلى منزلته، وعلى أنه إذا روى حديثًا فإنه ينتقيه، أو أن أبا مسعود انتقاه من عيون حديثه.

ومن أمثلة الأحاديث فيه: ما رواه أبو داود قال: حدثنا الربيع بن صبيح قال: سمعت عطاء بن أبي رباح يقول: بينما ابن الزبير يخطبنا إذ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام تفضل بمائة)) قال عطاء: فكأنه مائة ألف، قال: قلت: يا أبا محمد، هذا الفضل الذي يذكر في المسجد الحرام وحده أو في الحرم؟ قال: لا، بل في الحرم؛ فإن الحرم كله مسجد.

وقد روي هذا الحديث بعدة روايات؛ عن الشريد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة في مصنفه، ورواه عبد الرزاق من طريق عطاء قال: جاء الشريد إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر الحديث. ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه أيضًا، وروى الحميدي في مسنده، قال: حدثنا سفيان بسنده إلى سليمان بن عتيق قال: سمعت ابن الزبير على المنبر يقول: “صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة فيما سواه من المساجد”. قال الحميدي: قال سفيان: فيرون أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الرسول؛ فإنما فضله عليه بمائة صلاة. ويطول بنا المقام لو تتبعنا الروايات في ذلك. وروى أبو داود قال: حدثنا سلام عن سِماك بن حرب عن القاسم بن عبد الرحمن, عن أبيه عن أبي بردة وليس بابن أبي موسى، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اشربوا ولا تسكروا)) وعلله النسائي في (الكبرى), وتكلم عليه البيهقي وغيره.

error: النص محمي !!