مشروعية الكفالة
الكفالة مشروعة في الجملة بكتاب الله تعالى، والسنة النبوية، والإجماع.
أما الكتاب الكريم, فقد وردت فيه مادة الكفالة بالفعل “يكفل” في عدة مواضع, لتدل على معنى تعهد الصغير ورعاية شئونه، وذلك في قوله تعالى {وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} [آل عمران: 44]، وفي الآية: {إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ} [طه: 40]، وفي قوله تعالى: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: 37] أو “وكفَلها زكريا”، فلم ترد المادة دالة في هذه الآيات على الضمان، ولكن جاء المعنى أو دلالة الكلمة على الضمان من كلمة أخرى هي مادة زعم، وذلك في قوله تعالى في سورة “يوسف”: {قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيم} [يوسف: 72], قال ابن عباس: والزعيم هنا هو الكفيل الضامن. هذا بالنسبة للكتاب الكريم، وما ورد فيه من مادة الكفالة، أو معنى الكفالة.
ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: ((الزعيم غارم)), فهذا الحديث يدل على أن الكفالة من عقود التبرع، وأن الأصل فيها الغرم لا الغنم، أي: ليس فيها مكسب يعود على الكفيل، وأن الأصل فيها الغرامة؛ لأنه سوف يدفع، أو يشترك في الدفع والمطالبة مع الأصيل، وهو المدين، هذا الحديث وهو ((الزعيم غارم)) جاء في أبي داود، والترمذي، وجاء في (صحيح البخاري): ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بجنازة رجل ليصلي عليه؛ فقال: هل ترك شيئًا؟ قالوا: لا، قال: هل عليه دين؟ قالوا: نعم ديناران؛ فقال: صلوا على صاحبكم، قال أبو قتادة: هما -أي الديناران- علي يا رسول الله, فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم)).
وكذلك في السنة ما رواه أبو سعيد الخدري في نفس المعنى, قال: ((((كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة فلما وضعت قال: هل على صاحبكم من دين؟ قالوا: نعم درهمان، قال: صلوا على صاحبكم)) فقال علي بن أبي طالب: هما -أي: الدرهمان- علي يا رسول الله، وأنا لهما ضامن؛ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليه)).
هذا المعنى هنا في الحديثين واضح, وفيه دلالة السنة على الضمان أو الكفالة من ضمان أبي قتادة، وضمان علي لدفع ما على الميت المدين.
أما الإجماع, فقد أجمع المسلمون على جواز الكفالة أو الضمان في الجملة، لا أن هذه الكفالة أو هذا العقد الناس محتاجون إليه في كل العصور لدفع الضرر على المدين، كما أنها -أي: الكفالة- من عقود التبرعات، أي: لا يلزم شخص عليها ولا يكره عليها، فإذا كانت بنية حسنة تكون طاعة يثاب فاعلها عليها، فلو تطوع شخص فكفل مدينًا أو ضمنه تطوعًا إذا كانت نيته حسنة في ذلك؛ يثاب على هذا العمل.