Top
Image Alt

مصادر المعتقدات الماسونية

  /  مصادر المعتقدات الماسونية

مصادر المعتقدات الماسونية

هذه التنظيمات لا بدّ أن يكون وراءها فكر عقائدي، وكتاب مقدّس، ونصوص يؤمن بها هؤلاء حتى يصدرون عنها؛ لأنّ هذه الأفكار التي نتحدّث عنها الآن أشبه بالعقيدة التي يموت الإنسان من أجْلها؛ فمن أين استمدَّ الماسون هذه الأفكار؟ ما هي المصادر الأساسيَّة التي أمْلت عليهم هذه التنظيمات؟ والغاية والهدف من وراء هذه التنظيمات؟ والخطوات المتّبعة، والأيمان التي يتحالفون بها فيما بينهم، من أين أخذوها؟

تكلّم العلماء كثيرًا في البحث عن المصادر الأساسية لهذا الفكر الماسوني، والذي اتّفق عليه العلماء فيما بينهم حول هذه القضية: أنّ أهمّ مصدريْن أساسيّيْن لهذا الفكر الماسوني يتمثل في: التوراة أولًا، والتلمود ثانيًا؛ التوراة باعتبارها الكتاب المقدس لليهودية، والتلمود باعتباره الشارح الوحيد للتوراة بقسميْها في العصور المتأخرة.

ويضيف البعض: أنّ هناك مصادر أخرى استقَتْ منها الماسونية بعض أفكارها؛ فيرى البعض: أن “هرمس الهرامسة” كان أحد المصادر التي استقى منها الماسون أفكارهم أو بعض أفكارهم. و”هرمس” هذا هو: إدريس النبي عليه السلام وهو المذكور في القرآن الكريم في قوله تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنّهُ كَانَ صِدّيقاً نّبِيّاً}(56) {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} [مريم: 56، 57].

زعم بعض العلماء: أنّ معظم العلوم التي استقاها هؤلاء الماسون أخذوها من بعض تنظيمات في مصر القديمة، وخاصةً من “هرمس” هذا. والبعض يشير إلى “هرمس الثاني”، وهو أوّل مَن بَنَى مدينة بابل التي سُبي فيها اليهود فيما بعد في عصر السّبْي البابلي. والبعض يشير إلى “هرمس الثالث”، وهو مصري، ويسمّى: “المثلث بالحكمة”؛ لأنه جاء ثالث الهرامسة الثلاثة الذين هم “هرمس الهرامسة”، و”هرمس البابلي”، و”هرمس المصري القديم”. والبعض يشير إلى “أبذقليس” الذي هو حكيم من حكماء اليونان.

هؤلاء جميعًا وضَعهم المؤرخون في مقدّمة المصادر التاريخية التي استقى منها الماسون عقائدهم.

لكن التلمود والتوراة محلّ اتّفاق بين جميع المؤرِّخين؛ لأنّ الدارس لمصادر العقيدة الإسرائيلية اليهودية، والمتتبِّع للفكر الماسوني والفكر الصهيوني عبْر مراحل التاريخ، يَلْحظ بوضوح فكرًا واعتقادًا دينيًّا، وسلوكًا تطبيقيًّا في الحياة العامة، عند اليهود وعند الصهاينة وعند الماسون، وهذا الفكر وهذا السلوك يرتبط بمصدر دينيّ مكتوب ومقدّس عندهم، يُسمّى بالعهد القديم. وأيضًا من المصادر المضافة إلى ذلك: مصدر التلمود.

وينبغي أن نأخذ فكرة عن هذيْن المصدريْن لأهميتهما في تاريخ الحركة الماسونية والحركة الصهيونية العالمية؛ لأن التلمود أصبح عند الصهاينة وعند الماسون أهمّ من التوراة، وأكثر قداسة من التوراة. وتعاظمت التعاليم المبثوثة في التلمود، وطغَتْ على تعاليم التوراة؛ بحيث وجدْنا أن كلّ عبارات التلمود تتكرّر كثيرًا على ألْسنة الحاخامات ورؤساء المحافل الماسونية. ولمّا تعاظم شأن التلمود في نفوس الجماعات الإسرائيلية واليهودية على طول امتداد التاريخ؛ بحيث شملت كلّ تاريخ اليهود، وعقيدة اليهود، ومستقبل الجماعات الصهيونية، قرّر كبار الحاخامات اليهود من رجال العقيدة اليهودية: أن يسجِّلوا وصاياهم وتعاليمهم في سجلات يحتفظون بها. وبدأت عملية التسجيل والتدوين لهذه الوصايا وهذه الخُطب التي كان يردِّدها الحاخامات في مواقع متعدّدة، وتركّزت عملية التسجيل والتدوين في مكان مهمّ جدًّا، في بابل أولًا، وفي فلسطين ثانيًا، وخاصة في أورشليم.

ووجدنا أنّ التعاليم التي سُجِّلت في أورشليم أَطلق عليها اليهود اسم: “المشناة”، وهي تمثل قسمًا مهمًّا جدًّا من التوراة. وقام بها علماء من أحبار اليهود كانوا يسمّوْن: “التنائي”. كان أوّلهم “شمعون الصدّيق”. وقد قام هؤلاء العلماء بعد رجال المجمع الأكبر ابتداء من سنة عشر إلى 220 ميلادية، بدءوا بتأسيس نصوص يُضفون عليها شيئًا من القداسة؛ ولذلك سُمِّيت بالتعاليم الشفوية. وأطلقوا عليها اسم: “المشناة” التي هي المصطلح الفني لجزء كبير من التوراة، وهي خلاصة عن تعاليم شفوية ومجموعة من قوانين اليهود السياسية والدينية، أقرّها العلماء اليهود الكبار، والتي بدأها الحبر “شمعون الأول”، نسّقها ورتّبها وعاونه في عملية التنسيق مجموعة من الأحبار اليهود. وظلّت عملية التدوين والإضافات التي بدأت من سنة 166م حتى جاء القرن السادس الميلادي، فاكتملت تعاليم “المشناة”، وأصبحت مقسّمة إلى عدّة أقسام وعدة بحوث، يختص كلّ بحث وكلّ قسم منها بفكرة معيّنة بالزراعة، والخروج، وسفر كذا، وسفر كذا … إلى آخره.

أما القسم الثاني أو الشّق الثاني من مجموعة القواعد والآداب والتعاليم والتفاسير: سمّوْها: “الجمارة”. وهذا القسم من بين معانيه: إتمام الشيء، أو التكميل، أو الإكمال. وهي تقوم في مجموعها على جملة من الروايات والأحاديث الشفوية المسموعة من الحاخامات على مدى أجيال متعاقبة. وهي أيضًا عبارة عن توضيح وشرح وتفسير لأجزاء من “المشناة”.

هذان القسمان: “المشناة” و”الجمارة” يُمثّلان دائرة المعارف اليهوديَّة، أو دائرة المعارف المقدَّسة، أو الكتاب المقدس، أو العهد القديم. ومن مجموع ما تحتويه “المشناة” وما تشتمل عليه “الجمارة” يتكوّن المصدر الديني المقدّس الرئيس عند الماسون، وعند الصَّهاينة، وعند اليهود عمومًا، وهو المُسمى بالتّلمود، الذي أصبح بين أيدينا الآن بعدَ مراحل طويلة مرَّ بها، منذ ابتدأ تدوين الجزء الأول في أورشليم وفي بابل، الذي هو “المشناة”، ثم الجزء الثاني الذي هو “الجمارة”، ثم التعليقات التي أضيفت إليهما ليأخذ اسمه الحديث: التلمود.

وطُبع التلمود عدّة طبعات، وانتشر في بعض المؤسسات العلمية. وبدأ اليهود يتحفّظون عليه في كثير من الأوقات؛ لأنه يشتمل على تعاليم ومبادئ مُخزية، حتى إن بعض الأحبار سمَح لنفسه أن يمدّ يديه إلى تعاليم التلمود ويحذف منها ما يراه مُخلًّا بالآداب العامة، وبالذوق العام، وبالأخلاق، وبالأديان الوضعية والسماوية، ممّا يتصل بالأنبياء وبِذات الله سبحانه وتعالى وبالأخلاق العامة.

وينبغي أن نعلم: أن التلمود يُمثِّل عند اليهود وعند الماسون عمومًا: الكتاب المقدس، لا أقول الوحيد وإنما أقول الأهمّ؛ لأنه يفوق في أهمّيّته وقداسته والتعلق به: المصدر الديني الأمّ الذي هو التوراة. ذلك يبيِّن لنا أهمية التلمود بالنسبة للتوراة، مع أن التوراة هي الكتاب المقدس الذي نزل على موسى عليه السلام يُعتبر في المرتبة التالية بعد التلمود الذي يُخفونه ويُخفون تعاليمه عن كثير من الناس، مع أن التوراة هي التي نزلت على موسى عليه السلاموالذي يقرأ بعض نصوص التلمود، يُدرك مدى التحريف الذي نال العقيدة اليهودية على يد أحبارها، وصدَق الله العظيم حين يقول عن اليهود بأنهم يحرِّفون الكلِم عن مواضعه، ويقول: {فَوَيْلٌ لّلّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمّ يَقُولُونَ هَـَذَا مِنْ عِنْدِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً} [البقرة: 79]؛ وهذا هو ديدن اليهود وطابَعهم العام.

وسوف أقرأ بعض النصوص العقائدية التي ورَدت في التلمود، والتي هي عبارة عن أمور مُخجلة، امتدّت يد بعض الحاخامات إلى بعض الطبعات للتّلمود فحذفتها منه؛ لكنها موجودة في بعض الطبعات؛ لأن التلمود قد طُبع أكثر من مرّة؛ فطبع في سنة 1590م طبعة، وطبع في سنة 1644م، وطبع في سنة 1799م. وعلى سبيل العلم، فإنه يوجد طبعة من هذا الكتاب في مكتبة جامعة عين شمس بجمهورية مصر العربية.

ممّا جاء في هذا الكتاب، توثيقًا لأهمية أقوال الحاخامات ممّا يدل على أنها أكثر قداسة من التوراة نفسها ومن أقوال الأنبياء، ما يلي. وهذا النص موجود في الطبعة التي هي 1590م الذي أشار إليه أكثر من باحث. فأشار إليه الدكتور هلال فارحي في كتابه: (أساس الدين)، وأشار إليه أسعد زروق في كتابه: (التلمود والصهيونية) صادر عن مركز الأبحاث التابع لمنظمة الأمم المتحدة، وأشارت إليه مطبوعات كثيرة صادرة عن المنظمة الفلسطينية.

جاء فيه ما يلي:

 “اعلم: أنّ أقوال الحاخامات أفضل من أقوال الأنبياء”. ومِن قبْله في طبعة حوالي 1500م قال أحد الحاخامات: “إنّ من يقرأ التوراة بدون “المشناة” و”الجمارة” فليس له إله”. جاء ذلك في كتاب أسعد زروق وفي كتاب (الماسونية ذلك العالم المجهول) في صفحة 170.

ولقد بلغ الغباء الديني والتعصّب العنصري عند هؤلاء الماسون وهم يسجِّلون تفاسير دينهم ومعتقداتهم: أنهم اختاروا نماذج لنوع من الأساطير الخرافية، وحاولوا أن يدسّوها على هذا الكتاب. فمِن الأخبار التي احتواها التلمود عن قداسة وعظمة الحاخامات اليهود ما يلي:

“إن تعاليم الحاخامات لا يمكن نقضُها، ولا تغييرها ولو بأمْر الله. وقد وقع الاختلاف يومًا بين الله وبين علماء اليهود في مسألةٍ ما، وبعد أن طال الجدل تقرّرت إحالة المشكلة إلى أحد الحاخامات الربِّيِّين، واضطر الله أن يعترف بخطئه بعد حُكم الحاخام المذكور لصالح زميله!!!”. أرأيتم هذا العبث؟!!!!

وأكثر من هذا، يقول “المناحم الرّبّي”، وهو من كبار الحاخامات: “إنّ الله -تعالى عمّا يقولون علوًّا كبيرًا- يستشير الحاخامات على الأرض عندما توجد مسألة عويصة لا يمكن حلّها في السماء، وإنه يجب الالتفات إلى أقوال الحاخامات أكثر من الالتفات إلى شريعة موسى”.

وبقدر ما في تعاليم التلمود من حثٍّ على التعصب ودعوى العنصرية اليهودية، والقول بأفضلية الشعب اليهودي، فإنّ فكرة الخرافة والأسطورة تشعّ بين جنبات هذا الكتاب. فنرى فيه عن مذلّة اليهود وضياعهم، وتفتّتهم وتشعّبهم بين الأجناس والشعوب: أنّ الله يندم على ترْكه اليهود في حالة التّعاسة التي يعيشون فيها؛ حتى إنه يلطم ويبكي كلّ يوم، فتسقط من عينيه دمعتان في البحر، فيسمع دويّهما مِن بدء العالَم إلى نهايته، وتضطرب الأرض في أغلب الأوقات فتحصل الزلازل والبراكين. هكذا يؤمن الماسون والصهاينة واليهود بنصوص موجودة في التلمود.

ثم ماذا؟ وأمّا عن نظرتهم لتعاليم الله سبحانه وتعالى ونظرة التلمود للحق سبحانه، ولصفاته وبما يجب له من صفات الكمال، وما ينزَّه عنه من صفات النقص، ففي التلمود: أنّ الله يخطئ ويصيب؛ لا بل إنه كثير الخطإ، وكثيرًا ما يطلب إلى القائمين على أمر التلمود أن يغفروا له أخطاءه!!! وليست أخطاء الله تقع بينه وبين الذين اصطفاهم فقط، وبيْنه وبين الذين جعلهم أكثر عصمةً من خلْقه كالأنبياء؛ بل إنّ أخطاء الله في التلمود قد وقعت منه في الكون الكبير حين خلقه!!! فهو مثلًا كما تقول آيات التلمود: قد أخطأ لكونه جعل القمر أصغر من الشمس. وعن هذه الخطيئة تسجّل آيات التلمود أنّ حوارًا حدث بين الله والقمر، وأنّ القمر قال لله: أخطأتَ حيث خلقْتني أصغرَ من الشمس، فأذعن الله لذلك واعترف بخطئه، وقال: اذبحوا إليّ ذبيحة أكفِّر بها عن ذنبي؛ لأني خلقْتُ القمر أصغر من الشمس … إلى آخِر هذه الخرافات التي امتلأت بها نصوص التلمود!!!

error: النص محمي !!