معاني صيغة “أَفْعَلَ”
هذا هو المعنى الغالب في: (أَفْعَلَ)؛ والتَّعْدِية -كما قال الرَّضيّ-: “أنْ يُجعَل ما كان فاعلًا للازمٍ مفعولًا، لِمعنى الجَعْل فاعلًا لأصْل الحَدث على ما كان. فمعنى: (أَذْهَبْتُ زيدًا): جعلتُ زيدًا ذاهبًا، فـ(زيد): مفعول لِمعنى الجَعْل الذي استُفيد مِن الهمزة، فاعلٌ للذهاب، كما كان في: ذَهَبَ زيدٌ).
فإنْ كان الفعل الثّلاثي غيْر مُتعدٍّ، صار بالهمزة مُتعدِّيًا إلى واحد، هو: مفعول لمعنى الهمزة، أي: الجَعْل والتّصيِير، كـ(أَذْهَبْتُه).
وإنْ كان مُتعدِّيًا إلى واحد، صار بالهمزة مُتعدِّيًا إلى اثنيْن: أوّلُهما: مفعول الجَعْل، والثاني: لأصْل الفِعل، نحو: (أحْضَرْتُ زيدًا النّهرَ)، أي: جعلْتُه حاضِرًا له.
وإن كان الثلاثي مُتعدِّيًا إلى اثنيْن، صار بالهمزة مُتعدِّيًا إلى ثلاثة: أوّلُها: الجَعْل، والثاني والثالث: لأصْل الفِعل. وهو: فِعلان فقط: (أَعْلَم)، و(أَرَى).
وقد يجيء الثلاثي مُتعدِّيًا ولازمًا في معنًى واحد، نحو: (فَتنَ الرّجلُ)، أي: صار مُفْتَتَنًا، و(فَتَنْتُهُ)، أي: أدخلتُ فيه الفتنة، و(حَزَنَ)، و(حَزَنْتُه)، أي: أدخلت فيه الحزن. ثم تقول: (أَفْتَنْتُه)، و(أحْزَنْتُه) فيهما بِنقْل (فَتَنَ) و(حَزَنَ) اللازِميْن لا المُتعدِّيَيْن.
وقد يجيء الثلاثي والمزيد فيه لازِمَيْن، نحو: (أسْرَعَ) و(سَرُعَ)، و(أبْطَأَ) و(بَطُؤَ)؛ والفَرْق بينهما: أنّ (سَرُعَ) و(بَطُؤَ) أبلغ، كأنهما غريزة، كـ(صغُرَ) و(كَبُرَ). وجعل منه أبو حيان قوله تعالى: {فَإِذَآ أَفَضْتُم مّنْ عَرَفَاتٍ} [البقرة: 198].
وقد يأتي (أفعْلَ) مُطاوِعًا لـ(فَعَلَ) المُتعدِّي، فيكون لازمًا، مثل: (عَرَضْتُ الشّيء): أََظْهَرْتُه، (فأَعْرَضَ)، أي: ظهَر، و(كَبَّهُ الله على وجْهه، فأَكَبَّ).
مِن معاني (أفعَلَ): التّعريض
ومعنى: التّعريض أنّك تُفيد بالهمزة: أنْ تجْعل ما كان مفعولًا مُعرَّضًا لأن يقَع عليه الحدث، سواء صار مفعولًا له أمْ لاَ، نحو: (أقْتَلْتُهُ)، أي: عرَضْتُه لأنْ يكون مقتولًا، قُتِل أوْ لاَ، و(أَبَعْتُ الفَرَسَ)، أي: عرضتُه للبيْع، و(أَسْقَيْتُه)، أي: جعلت له ماء وسُقْيا، شَرِب أوْ لم يَشْرب، و(أَقْبَرْتُهُ)، أي: جعلتُ له قبْرًا، قُبِر أوْ لا، و(قَبَرْتُه): دفنْتُه، و(أشْفَيْتُهُ): عرَضتُه للشِّفاء.
مِن معاني (أفعَلَ): الصَّيْرورة
يُستعمَل (أفعَلََ) لِصيْرورة ما هو فاعل (أَفْعَلَ) صاحبَ شيء؛ وهو على ضَربيْن:
- أنْ يصير صاحبَ ما اشتُقّ منه، نحو: (ألْحَمَ زيدٌ)، أي: صار ذا لحمٍ، و(أطْفَلَتْ)، أي: صارت ذات طِفْل، و(أَعْسَرَ)، و(أيْسَرَ)، و(أَقَلَّ)، أي: صار ذا عُسْرٍ، ويُسْرٍ، وقِلَّة، و(أَغَدَّ البعيرُ): صار ذا غُدّة.
- أنْ يصير صاحبَ شيء هو صاحبُ ما اشتُقّ منه، نحو: (أَجْرَبَ الرّجُلُ)، أي: صار ذا إبِلٍ ذات جرَب، و(أَخْبَثَ)، أي: صار ذا أصحابٍ خُبثاء.
ومِن القِسْم الأوّل: (أحْصَدَ الزّرعُ)، أي: صار الزرعُ ذا حصاد. وبعضهم جعَل هذا قِسْمًا آخَر، فقال: يجيء (أَفْعَلَ) بمعنى: حان وقتٌ يستحِقّ فيه فاعلُ (أفْعَلَ) أنْ يوقَع عليه أصْلُ الفعل.
ومثل ذلك: (أحْصَدَ الزَّرعُ)، (أجَدَّ النّخلُ)، أي: حان له أنْ يُجَدَّ، أي: يُقطَع ثمرُه، و(أَقْطَعَ النّخلُ): حان قطاعه.
ومِن هذا النوع، أي: صيرورته ذا كذا: دخول الفاعل في الوقت المُشتقّ منه (أفعل)، نحو: (أَصْبَحَ) و(أَمْسَى)، و(أفْجَرَ)، و(أَشْهَرَ)، أي: دخل في الصباح، والمساء، والفجر، والشّهر.
ومنه: الدخول في المكان الذي هو أصله، والوصول إليه، نحو: (أَنْجَدَ)، أي: وصَل إلى نجد، و(أَجْبَلَ)، أي: وصل إلى الجبل.
ومنه: الوصول إلى العَدَد الذي هو أصْله، كـ(أَعْشَرَ) ، و(أَتْسَعَ)، أي: وصل إلى العَشَرة، والتِّسْعة.
ومِن شواهد هذا النوع في القرآن الكريم:
- {وَآيَةٌ لّهُمُ الْلّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النّهَارَ فَإِذَا هُم مّظْلِمُونَ} [يس: 37]، أي: داخلون في الظلام، كما تقول: (أَعْتَمْنَا)، و(أَسْحَرْنَا)، أي: دخلنا في العَتمة والسّحَر.
- قوله تعالى: {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ} [الصافات: 142] آتٍ بما يُلام عليه، يُقال: (أَلاَمَ فلانٌ)، إذا فعل ما يُلام عليه.
وفي البيضاوي: {وَهُوَ مُلِيمٌ}، أي: داخل في الملامة، يعني: أنّ بناء (أَفْعَلَ) للدّخول في الشيء، نحو: (أَحْرَمَ)، إذا دخل في الحَرَم.
وجود مفعول (أَفْعَلَ) على صِفة، وهي: كوْنه فاعلًا أو مفعولًا لأصْل الفِعل يأتي (أَفْعَلَ) لوجودك مفعولَه على صِفة، وهي: كوْنه فاعلًا لأصل الفعل، ومثال ذلك: (أََْسْمَنْتُهُ)، أي: وجدْتُه سمينًا، و(أَبْخَلْتُهُ)، أي: وجدْتُه بخيلًا، أو كوْنه مفعولًا لأصل الفعل، نحو: (أََْحْمَدْتُهُ)، أي: وجدتُه محمودًا.
وشاهد هذا مِن القرآن الكريم: قوله تعالى: {وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا} [الكهف: 28]، ومعنى {أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ}: وجدْناه غافلًا.
مِن معاني (أَفْعَلَ): السّلْب والإزالة
يجيء (أَفعَلَ) لِسَلْبِك عن مفعولِه ما اشتُقَّ منه، نحو: (أََشْكَيْتُهُ)، أي: أزلْتُ شَكْواه، و(أَعْجَمْتُ الكتابَ)، أي: أزَلْتُ عُجْمَته.
وقد يكون لِسَلْب الفِعل عن الفاعل إذا كان لازمًا، كقولهم: (أَقْسِطْ!)، أي: أزِلْ عنه القِسْط!، وهو: الجَوْر. ويحتمل هذا المعنى قوله تعالى: {إِنّ السّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه: 15]، فـ {أُخْفِيهَا}: مضارع (أَخْفَى) بمعنى: سَتَرَ، والهمزة هنا للإزالة، أي: أزلتُ الخفاء، وهو: الظهور. فالخفاء من الأضداد، يُقال: (أَخفَيْتُ الشيء): أظهرْتُه، وإذا أزلتَ الظهور صار للسّتر، كقولك: (أَعْجَمْتُ الكتابَ): أزلْتُ عُجْمتَه.
مِن معاني (أَفْعَلَ): الدّعاء
يجىء (أفْعَلَ) للدّعاء، نحو: (أَسْقَيْتُه)، أي: دعوتُ له بالسُقْيا. والأكثر في الدّعاء: (فَعَّلَ)، نحو: (جَدَّعَهُ)، و(عَقَّرَهُ)، أي: قال: جدَعَه اللهُ وعَقَرَهُ.
مِن معاني (أَفْعَلَ): الإعانة
ويجيء (أَفْعَلَ) للإعانة، كـ(أحْلَبْتُ فلانًا)، أي: أعَنْتُه على الحلْب، و(أََرْعَيْتُهُ)، أي: أعنْتُه على الرَّعْي.
مِن معاني (أَفْعَلَ): المُطاوعة
قد يجيء (أَفْعَلَ) مُطاوِعًا لـ(فَعَّلَ)، نحو: (فطََّرْتُهُ فَأََفْطَرَ)، و(بَشَّرْتُهُ فأََبْشَرَ).
مِن معاني (أَفْعَلَ): أن تأتي بمعنى: (فعَلَ)
قد يجيء (أفعَلَ) بمعنى: (فعَلَ)، نحو: (شَغَلْتُه) و(أشْغَلْتُهُ)، و(سَرَى) و(أَسْرَى)؛ وهو كثير في اللغة. والأصل اختلاف معنَيَيْهما؛ وقد أُلِّفتْ كُتب كثيرة تحمل اسم: (فَعَلْتُ) و(أفْعَلْتُ)، أو (فعَلَ) و(أفْعَلَ).
ومن ذلك: الآية الكريمة: {سُبْحَانَ الّذِي أَسْرَىَ بِعَبْدِهِ لَيْلاً} [الإسراء: 1]، قالوا: {أَسْرَىَ} بمعنى: (سَرَى).
مجيء (أفْعَلَ) لِغيْر هذه المعاني المذكورة:
يجيء (أَفْعَلَ) بغير هذه المعاني المذكوة، ممّا ليس له ضابط، نحو: (أبْصَرَهُ)، إذا رآه، و(أَوْعَزْتُ إليه)، أي: تقدّمْتُ. وقد يكون بمعنى: التّمكين، نحو: (أَحْفَرْتُه البئرَ)، أي: مكَّنتُهُ مِن حفْرها. وقد يكون للاستحقاق، نحو: (أََحْصَدَ الزرْعُ)، أي: استحقّ الحصاد، و(أَزْوَجَتْ هندُ): استحقّت الزّواج.
وقد يأتي بمعنى: (اسْتَفْعَلَ)، نحو: (أَعْظَمْتُه)، أي: استَعْظمتُهُ وأكبرْتُه.
وقد يأتي بمعنى: الوصول إلى المكان، نحو: (أََْجْبَلَ)، أي: وصَل إلى الجبل، و(أَشْأَمَ)، أي: دخل في الشّام.
ونستطيع إجمال معاني (أفْعَلََ) فيما يلي:
- التَّعْدية، مثل: (أحْرَجَ)، (أجْلَسَ)، (أضَاعَ).
- التّعريض، مثل: (أبَعْتُ الفَرسَ)، أي: عرضْتُه للبيْع، و(أَرْهَنْتُ المتاعَ): عرضْتُه للرّهْن.
- المُطاوعة، مثل: (فَطَّرْتُهُ فأفْطر)، (بَشَّرْتُه فأبْشَرَ).
- صيرورة ما هو فاعل (أَفْعَلَ) صاحبَ ما اشتُقّ منه، مثل: (أوْرَقَ الشّجرُ)، أي: صار ذا ورَق، و(أثْمَرَ)، و(أفْلَسَ)، أي: صار ذا ثمَر وفلوس.
- دخول الفاعل في الوقت المُشتقّ منه (أفعَلَ)، نحو: (أَصْبَحَ) و(أَمْسَى)، أي: دخل في وقت الصّباح والمساء.
- الوصول إلى المكان، مثل: (أجْبَلَ)، أي: صار إلى الجبل، و(أعْرَقَ)، أي: دخل في العِراق.
- السّلْب والإزالة، مثل: (أشْكَيْتُ فُلاَنًا)، أي: أزلْتُ شكواه.
- التّمكين، مثل: (أَحْفرْتُهُ البئرَ)، أي: مكّنتُه مِن حفْرها.
- استحقاق الفِعل، مثل: (أحْصَدَ الزرعُ)، أي: استحقّ الحصادَ.
- أن يكون بمعنى: (اسْتَفْعَلَ)، مثل: (أَعْظَمْتُهُ)، أي: استعْظمْتُه وأكْبَرْتُه.
- أن يكون بمعنى: (فَعَلَ)، مثل: (سَرَى)، و(أسْرَى).