Top
Image Alt

معرفة الشذوذ إلهام من الله تعالى

  /  معرفة الشذوذ إلهام من الله تعالى

معرفة الشذوذ إلهام من الله تعالى

تبين مما سبق أن الحديث الشاذ إسناده متصل ورواته ثقات؛ ولكن لما وقع التعارض بينه وبين ما هو أرجح منه ولم يمكن الجمع بين النصين المتعارضين بوجه من وجوه الجمع المعروفة، ولم يمكن معرفة المتقدم من المتأخر لنصير إلى الناسخ والمنسوخ؛ كان لا بد من الترجيح بين النصين المتعارضين لمعرفة الراجح من المرجوح.

فلم يعرف الشذوذ إلا بظهور التعارض مع تعذر الجمع، وهذا أمر لا يعرفه إلا جهابذة الحديث المتضلعون من الحديث وعلومه الذين أورثهم الله تعالى -ثم كثرة المذاكرة والمدارسة والنظر في المتون والأسانيد- ملكة يستطيعون بها أن يعرفوا الشاذ المردود من الروايات؛ فليس لمعرفة الشذوذ قاعدة مطَّردة أو ضابط يعرف به الشذوذ حتى يستطيع كل من درس الحديث وعلومه أن يعرف الشاذ من الحديث.

حتى ذكر العلماء أن الشاذ أخفى وأدق من المعل؛ حيث إن المعل يعرف سبب إعلاله؛ أما الشاذ؛ فلا يعرف سبب الحكم عليه بالشذوذ.

قال ابن الصلاح -رحمه الله تعالى-: وذكر الحاكم أن الشاذ غير المعلل؛ من حيث أن المعلل وقف على علته الدالة على جهة الوهم فيه، والشاذ لم يوقف فيه على علته كذلك؛ قال أبو عبد الله الحاكم: معرفة الشاذ من الروايات، وهو غير المعلول؛ فإن المعلول ما يوقف على علته: أنه دخل حديث في حديث، أو وهم فيه راوٍ، أو أرسله واحد فوصله واهم، أو أرسله واحد فوصله واهم؛ فأما الشاذ فإنه حديث ينفرد به ثقة من الثقات، وليس للحديث أصل متابع لذلك الثقة.

قال أبو عبد الله الحاكم عقب حديث حكم عليه بالشذوذ: هذا حديث رواته أئمة ثقات، وهو شاذ الإسناد والمتن لا نعرف له علة نعلله بها، قال الحافظ السخاوي عقب قول الحاكم هذا: ويؤخذ منه أنه -أي: الشاذ- يغاير المعلل من حيث أن ذاك -أي: المعلل- وُقف على علته الدالة على جهة الوهم فيه، من إدخال حديث في حديث، أو وصل مرسل أو نحو ذلك والشاذ لم يوقف له علة أي معينة وهذا يشعر باشتراك هذا الحديث المعل مع ذاك -أي: الحديث الشاذ- في كونه ينقدح في نفس الناقد أنه غلط.

وقد تقصر عبارته عن إقامة الحجة على دعواه، وأنه من أغمض الأنواع وأدقها، ولا يقوم به إلا من رزقه الله الفهم الثاقب والحفظ الواسع والمعرفة التامة بمراتب الرواة والملكة القوية بالأسانيد والمتون، وهو كذلك؛ بل الشاذ كما نسب لشيخنا -أي: الحافظ ابن حجر- أدق من المعلل بكثير.

قال الحافظ السيوطي: قال الحاكم: ويغاير الحديث الشاذ الحديث المعلل: بأن المعلل وقف على علته الدالة على جهة الوهم فيه، والشاذ لم يوقف فيه على علة كذلك؛ قال شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر: وبقي من كلام الحاكم، وينقدح في نفس الناقد أنه غلط، ولا يقدر على إقامة الدليل على هذا. قال: وهذا القيد لا بد منه. قال: وإنما يغاير المعلل من هذه الجهة. قال: وهذا على هذا أدق من المعلل بكثير؛ فلا يتمكن من الحكم به إلا من مارس الفن غاية الممارسة وكان في الذروة من الفهم الثاقب ورسوخ القدم في الصناعة، أي: في صناعة الحديث. قال الحافظ السيوطي: ولعسره لم يفرده أحد بالتصنيف.

error: النص محمي !!