Top
Image Alt

معركة أجنادين

  /  معركة أجنادين

معركة أجنادين

. ضبط اسم المعركة، وتحديد توقيتها:

حقيقة عندما عدت إلى ياقوت الحموي في (معجم البلدان)، وجدت أن هذه الكلمة تنطق بفتح الدال وبكسرها: أجنادَين، و أجنادِين. وإن كان الأكثر والأغلب فيها أن تنطق أجنادَين بلفظ المثنى، وأميل أن ننطقها بهذه الصورة.

في الحقيقة هناك خلاف كبير بين المؤرخين حول توقيت هذه المعركة؛ لأن البعض يعتبر أن هذه الموقعة حدثت في حياة الصديق رضي الله  عنه وقبل وفاته رضي الله  عنه وابن الأثير يذهب هذا المذهب؛ بينما إذا عدت إلى ابن كثير في (البداية والنهاية)، فسوف تجد أن ابن كثير يذكرها من الأحداث التي تمت في عصر الفاروق عمر رضي الله  عنه.

هذا خلاف بين المؤرخين وهو لا يعنينا كثيرًا، وللأمانة التاريخية أيضًا أقول: إن كثيرًا من هذه المعارك والمواقع التي ذكرتها لكم هناك خلاف كبير بين المؤرخين في مواقيتها -يعني: التوقيت التي حدثت فيه- وهذا الخلاف لا يؤثر على حقيقة وقوع هذه الأحداث وتطورات الأحداث العسكرية.

التوقيت الزمني لن يغير في حقيقة وقوع الأحداث، وتقلبات وتحركات الجيوش العسكرية؛ ومن ثم فنحن لم نوجه لها الأنظار ولم نلقِ لها بالًا كثيرًا؛ لأنها لن تغير من حقيقة الأحداث.

2. حصار بصرى وفلسطين، وتحرك القوات مددًا لعمرو بن العاص:

سار خالد بن الوليد من “مرج راهط” إلى “بصرى”، وكان عليها في تلك المرحلة أبو عبيدة بن الجراح وكذلك شرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان؛ فاجتمعوا عليها، ورابطوها فصالحهم أهل هذه المناطق على الجزية، ومعنى ذلك: أن هذه المنطقة كانت من أول المدن التي فتحت بالشام والتي تدفع الجزية للمسلمين -وأقصد بذلك: بصرى- فهذه تعد أول جزية يحصل عليها المسلمون في عصر الصديق من هذه المناطق في خلافة أبي بكر.

ثم سارت هذه القوات جميعًا تحت هذه القيادات العظيمة، التي ذكرتها لكم إلى فلسطين مددًا لعمرو بن العاص، وهو مقيم بمنطقة تسمى العربة، من غور فلسطين؛ قوات الروم اجتمعوا بأجنادَين، وكان عليهم قائد يسمى “تذارق” هو أخو هرقل لأبويه. والمصادر تقول: أن أجنادَين عند الرملة من أرض فلسطين، يعني: هي قريبة من بلدة تسمى الرملة.

سار عمرو بن العاص حين سمع بالمسلمين، فلقيهم ونزلوا بأجنادَين وعسكروا عليهم، وبعث قائد الروم برجل عربي إلى المسلمين حتى يأتيه بخبرهم، استطاع هذا العربي أن يدخل بين جنود المسلمين وأقام يومًا وليلة دون أن يشعر به أحد، ثم عاد إلى قائد الروم فسأله قال له: ما وراءك؟ فقال: على جنود المسلمين، هم بالليل رهبان، وبالنهار فرسان، ولو سرق ابن ملكهم قطعوه، ولو زنى رجموه؛ لإقامة الحق فيهم… هذه كانت صفات المسلمين في هذا العصر، ومن ثم حقق الله لهم النصر، هذه الحقيقة لا تنكر.

فقال قائد الروم: إن كنت صدقتني؛ لبطن الأرض خير لي من لقاء هؤلاء على ظهرها… تخوف منهم؛ العدل أساس الملك، والحق أساس الملك، فعندما شعر هذا القائد بأن العدل يقام بين المسلمين فتخوف من لقائهم؛ وتمنى أن تكون بطن الأرض هي مكانه خير من أن يكون ظهر الأرض حتى لا يلقى المسلمين. وهذا إن دل فإنما يدل على مدى تمسك المسلمين بقيمهم وبشرائع دينهم، والحرص عليها والقيام بها.

أكمل هذا القائد وقال: وددت أن حظي من الله أن يخلي بيني وبينهم… هو لا يطلب من الله أكثر من ذلك: أن يخلي بينه وبين المسلمين فلا ينتصروا هم عليه ولا ينتصر هو عليهم؛ بل يتركونه في حاله ويتركهم في حالهم.

لكن على أي حال: التقوا وحدث اللقاء العسكري بين هؤلاء القوات وهذه الجنود، وبين الروم وقائدهم هذا، وكان هذا اللقاء يوم السبت لليلتين بقيتا من جمادى الأولى، كان هذا سنة ثلاث عشرة من الهجرة النبوية.

وفق الله جموع المسلمين بالنصر، وتم النصر للمسلمين والقوات المسلمة، وهُزم المشركون، وقتل قائدهم “تذارق”، واستشهد رجال من المسلمين، تقول بعض المصادر: من أهم هؤلاء الرجال الذين استشهدوا في هذه المعركة: سلمة بن هشام بن المغيرة، وهبّار بن الأسود، ونعيم بن عبد الله، وهشام بن العاص بن وائل -وتقول بعض الروايات: بل إن هشام هذا قتل باليرموك- وجماعة غيرهم.

ثم جمع هرقل للمسلمين، يعني استطاع أن يجمع قوات الروم الهاربة، والتي فرت من زحف المسلمين ومن أمام صفوف المسلمين وهجوم المسلمين… استطاع أن يجمع هذه القوات وبدأ الأعداد لليرموك، هكذا ذهبت رواية ابن الأثير في (الكامل)؛ وكما ذكرت لكم فإن روايات ابن الأثير في (الكامل) فيها بعض الخلاف والبعد مع روايات ابن كثير في (البداية والنهاية)، والله أعلم بأي الروايات أصح.

لكن على أية حال: في هذه الأثناء مرض أبو بكر الصديق رضي الله  عنه وكانت وفاة أبي بكر الصديق، وتوقفت الأمور في هذه المرحلة حتى تمت البيعة للفاروق عمر بن الخطاب، ثم عادت مرة ثانية الفتوحات لسابق عهدها؛ بل وأكثر من ذلك لأن الفاروق بذل جهدًا كبيرًا فيها.

error: النص محمي !!