معنى الحديث والسنة والخبر والأثر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومَن اتّبع هداه إلى يوم الدِّين، وبعد:
1. تعريف “الحديث”:
أ. “الحديث” في اللغة: ضدّ القديم.
ويُطلق أيضًا على قليل الكلام وكثيره، قال الله تعالى: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِين} [الطور: 34]. وإطلاق الحديث على الكلام؛ لأنه يَحدُث ويَجدّ شيئًا فشيئًا.
ب. في اصطلاح المُحدِّثين:
هو: أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله، وتقريراته، وصفاته الخَلْقية والخُلُقية، مِثْل: كوْنهصلى الله عليه وسلم أبيض اللّون مُشرَبًا بحُمرة، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، إلى غير ذلك من الصفات، ومِثْل: كوْنه صلى الله عليه وسلم أشْجع الناس، وأشدَّهم حياءً، وتواضعًا، وجودًا، وعطفًا على الفقراء والمساكين والأرامل واليتامى، وأعفاهم عند المقدرة، إلى غير ذلك من غُرَر الأخلاق… ويدخل في ذلك أيضًا: سِيرتُه صلى الله عليه وسلم وغزواتُه.
ج. معنى “التقرير”:
أن يفعل أحَدٌ من الصحابة فِعْلًا أو يقول قوْلًا أمام النبي صلى الله عليه وسلم ولا يُنكِره، أو لا يكون أمامه ولكن يَبلُغه صلى الله عليه وسلم ويَسكت عنه؛ فعَدم إنكاره صلى الله عليه وسلم وسكوتُه يُعتبَر تقريرًا له؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لا يُقِرّ أمرًا غيرَ مشروع.
د. “القول”:
– إمّا صريح، كـ”قال رسول الله صلى الله عليه وسلم”، أو “حدّثَنا”، أو “سمعتُ منه كذا”.
– وإمّا حُكميّ، كقول الصّحابي الذي لم يَأخُذ عن الإسرائيليات فيما لا مجال للرأي فيه.
وكذلك “الفعْل”: إمّا صريح، وإمّا حُكميّ، و”التقرير”: إمّا صريح، وإمّا حُكمي.
ومن العلماء مَن يزيد في تعريف “الحديث”: “وأقوال الصّحابة والتابعين، وأفعالهم”؛ وهو اصطلاح آخَر. ويشهد له صنيع كثير مِن المُحدِّثين في كُتبهم؛ حيث لا يقتصرون على المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنّما يذكرون الموقوف والمقطوع.
2. تعريف “السُّنّة”:
أ. في اللغة: الطريقة والسِّيرة. والسُّنّة: السِّيرة حميدة كانت أو ذميمة؛ لكنّها عندما تُطلق تنصرف إلى الحميدة.
ب. في اصطلاح المُحدِّثين: أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله، وتقريراته، وصفاته، الخَلْقية والخُلُقية.
وزاد بعضُهم: وأقوال الصحابة والتابعين، وأفعالهم.
وعلى هذا، فهي مُرادِفة للحديث في اصطلاح السّابقين.
ويرى بعض العلماء: أنّ الحديث خاصّ بقوله صلى الله عليه وسلم وفِعْله، وأنّ السُّنّة تشمل الأقوال، والأفعال، والتقريراتِ، والصّفات، والسّكنات والحركات، في اليقظة والمنام، وكذلك الهَمّ أيضًا. وعلى هذا، فالسُّنّة أعمّ من الحديث.
ج. للسُّنّة اصطلاحات أُخَر: فهي عند الشّرعيِّين: تقابل “البدعة”، وعند الفقهاء: تُطلَق على ما يُقابل “الفرض” و”الواجب”، كقولهم: “سُنّة الصلاة كذا”.
3. تعريف “الخَبَر”:
أمّا “الخبر”، فقيل: هو والحديث مُترادفان؛ وعليه فيكون تعريف “الخبر” هو ما ذكرناه في تعريف “الحديث”.
وقيل: إنّ الحديث والخَبَر متباينان. فـ”الحديث”: ما صدَر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله، وفعْله… إلى آخِر التعريف.
و”الخَبَر”: ما جاء عن غيره موقوفًا عليه.
ومِن ثَمّ قيل لِمَن يشتغل بالتواريخ: “إخباريّ”، ولِمَن يشتغل بالحديث: “مُحدِّث”.
وقيل: إن “الخَبَر” أعمّ من “الحديث”. فـ”الحديث” خاص بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم و”الخبَر” يشمل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة، وعن التابعين، ومَن بَعْدَهم. فكل حديث خبَر ولا عكس. فعلى هذا، يكون بينهما عموم وخصوص مُطلق، يتجمّعان، وينفرد الأعمّ منهما.
4. تعريف “الأثَر”:
أمّا “الأثَر”، فمِن العلماء مَن يَجعله مُرادفًا للحديث، فيكون تعريفهما واحدًا.
ومنه: ما في مقدّمة (صحيح مسلم) مِن تسمية الأحاديث بـ”الآثار”.
ومنه: ما جاء عند الإمام الطحاوي في كتابه (مُشكل الآثار).
ومِن العلماء من يقول: “الأثر” أعمّ من “الحديث”. فـ”الحديث” خاص بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم و”الأثر” يشمل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن غيره من الصحابة والتابعين.
وقيل: إنهما متباينان، فـ”الحديث”: ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم و”الأثَر”: ما جاء عن الصحابة.
وإلى هذا ذهب فقهاء خراسان، حيث يقولون: “الخَبَر: ما يُروى عن النبي، صلى الله عليه وسلم والأثَر: ما يُروى عن الصحابة”.
وفي (نخبة ابن حجر): “ويقال للموقوف والمقطوع: الأثَر”.