Top
Image Alt

معنى الدية، ومشروعيتها، ومقدارها

  /  معنى الدية، ومشروعيتها، ومقدارها

معنى الدية، ومشروعيتها، ومقدارها

نتحدث -بمشيئة الله- عن الديات في النفوس، ومن خلال ذلك نقف على مفهوم الدية، وحكمها، والقتل الذي تجب به الدية، واختلاف أنواع الديات باختلاف أنواع القتل، وعلى من تجب الدية؟

ولبيان ذلك نقول: الديات جمع، ومفرده دِية بالكسر، وهي حق القتيل، والفعل وَدَى يَدِي، نقول: وداه، أي: أعطى ديته.

ولا شك أن الدية مشروعة، ومما يدل على مشروعية الدية الكتاب، والسنة، والإجماع.

أما الكتاب: فقول الله تعالى: { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: 92].

وأما السنة: فيستدل منها بأحاديث كثيرة على مشروعية الدية، منها: ما ورد عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل الدية اثنا عشر ألفًا.

كذلك روى صاحب (الموطأ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب لعمرو بن حزم في العقول: ((إن في النفس مائة من الإبل، وفي الجائفة ثلث النفس، وفي المأمومة مثلها، وفي العين خمسين، وفي اليد خمسين، وفي الرجل خمسين، وفي كل أصبع مما هنالك عشرًا من الإبل، وفي السن خمسًا من الإبل، وفي الموضحة خمسًا من الإبل ))، وهذا كتاب مشهور قد استفاض ذكره كثيرًا حتى إنه أشبه المتواتر؛ لوجود معناه في أحاديث كثيرة، نتعرض لها خلال الحديث إن شاء الله.

كذلك مما يدل على مشروعية الديات الإجماع؛ حيث أجمع العلماء على وجوب الدية عن المقتول في الجملة.

دية المسلم:

ما سبق وأن تحدثنا عنه من وجوب الدية على نحوها الكامل، إنما يكون في قتل المسلم الحر، سواء كان القتل خطأً أو شبه عمد عفا فيه الولي عن الدية، ولكن نقول: ما هو الأصل في الدية؟ أو فيما تكون الدية؟ أو في أي مال تكون الدية؟ وهل هي في الإبل خاصة، أو في الإبل، والذهب، والفضة؟ وهل هي في هذا خاصة، أو في البقر والغنم؟

خلاف بين الفقهاء في تحديد ذلك على أربعة أقوال.

القول الأول: الأصل في الدية الإبل فقط، وهذا هو قول الشافعي، والمعتمد عند الحنابلة، وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد.

ودليلهم في ذلك: حديث عمرو بن حزم، وفيه: ((أن في النفس مائة من الإبل))، وكذلك ما أخرجه أبو داود بإسناده عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن من قتل خطأً فديته مائة من الإبل”.

وعلى هذا الأصل سار أصحاب الرأي الأول، وقالوا: الأصل في الدية أن تكون من الإبل دون غيرها من الأموال إلَّا إذا أعوذت الإبل، فإنها حينئذ تُقوَّم بالدنانير أو الدراهم، كما قوَّمها عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

القول الثاني: فيرى أن أصول الدية ثلاثة: الإبل، والذهب، والفضة، وهو قول الإمامين العظيمين: أبي حنيفة، ومالك، ومعهم آخرون من أهل العلم؛ حيث اتفقوا جميعًا على أن موجب القتل الخطأ الدية، وهي ألف دينار على أهل الذهب، واثنا عشر ألف درهم على أهل الورق، يعني: أهل الفضة عند الإمام مالك، خلافًا لأبي حنيفة فهي عنده عشرة آلاف، ومائة من الإبل على أهلها.

أما التقدير بالإبل، فهو معروف بالأخبار والآثار المشهورة، ثم ما روي عن عمررضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدية في قتيل بعشرة آلاف درهم.

القول الثالث: ويرى أن للدية أصولًا خمسة، هي: الإبل، والذهب، والفضة، والبقر، والغنم، وهو ما ذهب إليه أحمد في الرواية الثانية، وهو قول عمر، وعطاء، وفقهاء المدينة.

وحجتهم في ذلك: ما رواه عمرو بن حزم في كتابه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن: ((وأن في النفس مائة من الإبل، وعلى أهل الذهب ألف دينار)).

كذلك ما أخرجه أبو داود، عن ابن عباس: ((أن رجلًا من بني عدي قتل، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ديته اثني عشر ألفًا))، كما أخرج أبو داود عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن عمر قام خطيبًا فقال: “ألا إن الإبل قد غلت فقوم على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألفًا، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاة ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة”.

القول الرابع: وهو قول الصاحبان؛ أبو يوسف، ومحمد بن الحسن، أن أصول الدية ستة أنواع: الإبل، والذهب، والورق، والبقر، والغنم، والحلل، وبذلك فأصول الدية عندهما: من الإبل مائة، ومن الذهب ألف دينار، ومن الفضة عشرة آلاف درهم، ومن البقر مائتا بقرة، ومن الغنم ألف شاة، ومن الحلل مائتا حلة.

واستدلوا لذلك: بأن عمر رضي الله عنه هكذا جعل على أهل كل مال منها.

إذًا لا خلاف بين العلماء بناءً على ما تقدم في أن مقدار الدية مائة من الإبل؛ وذلك لما أخرجه النسائي عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن رسول اللهصلى الله عليه وسلم قال: ((من قتل خطأً فديته مائة من الإبل)).

ولا خلاف كذلك في أن الدية من الذهب مقدرة بألف دينار؛ لما رواه أبو داود، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: “كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينار، أو ثمانية آلاف درهم، ودية أهل الكتاب يومئذ النصف من دية المسلمين، فكان ذلك حتى استخلف عمر، فقام خطيبًا فقال: ألا إن الإبل قد غلت ففرضها على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألفًا”.

على أنه مما ينبغي التنبيه عليه، أن ما ذهب إليه عامة أهل العلم باستثناء الشافعي في الجديد، فإن الدية عندهم متعينة في الإبل خاصة، فإن أعوزت دفعت قيمتها من الذهب بالغة ما بلغت، مع أنه في القديم متفق مع أهل العلم على أنها محددة بألف من الدنانير، أو اثني عشر ألفًا من الدراهم.

أما مقدار الدية من الفضة، فهو موضع خلاف، فثمة قولان في المسألة:

الأول: إن الدية من الفضة مقدرة بعشرة آلاف درهم، وهو قول الحنيفة؛ استدلالًا بما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قضى في الدية من الدراهم بعشرة آلاف، ومن الدنانير بألف، ومن الإبل بمائة، ومن البقر بمائتين، ومن الشياة بألفين، ومن الحلل بمائتين.

ومن جملة استدلالهم كذلك أنهم قالوا: “إن الدينار معدول بعشرة دراهم”، بدليل أن نصاب الذهب عشرون مثقالًا، ونصاب الفضة مائتا درهم، فكان مقدار المثقال من الدراهم عشرة.

القول الثاني: إن الدية من الفضة مقدرة باثني عشر ألفًا من الدراهم، وهو قول المالكية، والحنابلة، والشافعي في القديم.

واحتجوا لذلك، بما أخرجه النسائي عن ابن عباس قال: “قتل رجل رجلًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ديته اثني عشر ألفًا”، كما أخرج ابن ماجه، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم “أنه جعل الدية اثني عشر ألفًا”.

أسنان عن دية الخطأ:

اتفقت كلمة العلماء، على أن دية الخطأ من الإبل تكون أخماسًا، وثمة رواية أخرى عن علي أنه جعلها أرباعًا، والصحيح أن دية الخطأ من الإبل تكون أخماسًا.

لكن مع ذلك اختلف الفقهاء في أسنان هذه الإبل المقدرة للدية، فعلى سبيل المثال؛ لأن المقام لا يتسع للحصر، قال مالك، والشافعي: هي أخماس؛ وهي على النحو التالي: عشرون ابنتا مخاض، وابن المخاض: هو الفصيل إذا لقحت أمه، وهو ما دخل في السنة الثانية، وسمي بذلك؛ لأن أمه لحقت بالمخاض، أي: الحوامل.

وعشرون بنت لبون، وابن اللبون: ولد الناقة إذا استكمل العام الثاني ودخل في الثالث، وعشرون ابن لبون، وعشرون حقة، والحقة: الصغير من الإبل دخل في السنة الرابعة، وعشرون جزعة، والجزعة: ما استكمل أربعة أعوام، ودخل في السنة الخامسة، ومن الخيل، والبقر ما استكمل سنتين ودخل في الثالثة، ومن الضأن ما بلغ ثمانية أشهر أو تسع، هذا ما ذهب إليه المالكية، والشافعية.

لكنها عند الحنفية، والحنابلة، على هذا النحو: عشرون بنت مخاض، وعشرون ابن مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة.

 ولعل الفرق بين الفريقين في أسنان الإبل، هو ما يكمن في استبدال ابن المخاض بابن اللبون، ذلك أن الفريق الثاني -الحنفية، والحنابلة- جعلوا ابن المخاض بدلًا من ابن اللبون.

هل تختلف أنواع الديات باختلاف دية المرأة، أو الرجل؟

أجمع العلماء، على أن دية المرأة نصف دية الرجل، وما ثبت من طريق السنة؛ حيث أخرج البيهقي بإسناده عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دية المرأة على النصف من دية الرجل))، كذلك أخرج البيهقي، عن مكحول، وعطاء، وغيرهم، قالوا: “أدركنا الناس على أن دية المسلم الحر على عهد النبيصلى الله عليه وسلم مائة من الإبل، فقوم عمر بن الخطاب تلك الدية على أهل القرى ألف دينار، أو اثني عشر ألف درهم، ودية الحرة المسلمة إذا كانت من أهل القرى خمسمائة دينار، أو ستة آلاف درهم”.

ولكن ما الحكمة في كون دية المرأة المسلمة على النصف من دية الرجل؟ لعل الحكمة، هي الأخذ بعين الاعتبار حجم الضرر المادي الناجم عن موت كل من الرجل والمرأة، فإنه مما لا شك فيه أن حجم الضرر في موت الرجل لهو أكبر منه في موت المرأة، وذلك في ضوء الخسارة الفادحة التي تنتاب الأولاد الصغار، وهم يتركون من غير معيل، علمًا بأن معيلهم الأكبر والرئيس غالبًا الأب، وأنه علاوة على الخسارة النفسية، أو السلوكية المحتملة، لا جرم أن تكون الخسارة مما يصيب الأولاد والأسرة من إعسار وافتقار أشد.

وهم بموت أمهم إنما يفقدون مصدرًا نديًّا وعزيزًا للعاطفة، والحنو، والإشفاق، ولا شك في ذلك، لكن حجم الافتقار أو الابتئاس والإفلاس، سيكون هينًا وبسيطًا إذا ما قيس بالحال لدى موت الأب.

دية الذمي:

الذمي -كما نعلم-: هو المعاهد الذي أعطي عهدًا يأمن به على ماله، وعرضه، ودينه؛ وأهل الذمة: هم المعاهَدون من أهل الكتاب.

والذمة، تعني في اللغة: العهد، والأمان، والكفالة، وعلى هذا فالذمي: اسم يطلق على الكتابي ذي العهد، الذي بات بعهده في رعاية المسلمين وصونهم، وهو بأخذه العهد قد دخل في أمان المسلمين، وفي كفالتهم.

أما عن دية الذمي إذا قُتل خطأً، فإن للعلماء فيه ثلاثة أقوال.

أولها: إن ديته على النصف من دية المسلم؛ ذَكرهم على النصف من دية الذكر، وأُنثاهم على النصف من دية الأنثى المسلمة؛ وهذا قول المالكية، والحنابلة، وبه قال عمر بن عبد العزيز.

واستدلوا لذلك: بما ورد عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبيصلى الله عليه وسلم قال: ((دية المعاهد نصف دية الحر)).

القول الثاني: أن ديته على الثلث من دية المسلم؛ وهو قول الشافعي، وأبي ثور، وإسحاق، وهو مروي عن عمر بن الخطاب، وآخرون.

واستدلوا لذلك: بما أخرجه البيهقي، عن عمرو بن شعيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض على كل مسلم قتل رجلًا من أهل الكتاب، أربعة آلاف، أي: ثلث دية المسلم.

القول الثالث: أن دية أهل الذمة مثل دية المسلمين سواءً بسواء؛ وهو ما ذهب إليه الحنفية، والثوري، وعلقمة، ومجاهد، والشعبي، وآخرون.

والمذهب، أن الدية تجب كاملة في قتل النفس المعصومة خطأً، ويستوي في ذلك ما لو كان القتيل صغيرًا أو كبيرًا، وضيعًا أو شريفًا، مسلمًا أو ذميًّا.

واستدل أصحاب هذا الرأي بجملة أدلة، منها: ما أخرجه البيهقي، عن سعيد بن المسيب مرسلًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دية كل ذي عهد في عهده ألف دينار))، وعن ابن عباس أيضًا قال: “ودى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين من المشركين -وكانا معه في عهد- دية الحرين المسلمين”.

وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((دية ذمي دية مسلم)). وعن ابن مسعود قال: ((من كان له عهد أو ذمة فديته دية المسلم)).

error: النص محمي !!