Top
Image Alt

مفهوم الأدب والشعر عند العرب قبل الإسلام

  /  مفهوم الأدب والشعر عند العرب قبل الإسلام

مفهوم الأدب والشعر عند العرب قبل الإسلام

لا جدال في أن أعظم معارف العرب كان متمثلًا في إجادتهم لفنون القول، ومعرفتهم للأشعار والأخبار، وإجادتهم للبلاغة والبيان؛ فقد كانوا مفطورين على البيان والإعراب عما في النفس بكلام بليغ مؤثر؛ ولذلك تحداهم القرآن الكريم أن يأتوا بسورة من مثله، وكانت معجزة سيدنا محمد صلى الله عليه  وسلم هي القرآن الكريم؛ لأنهم يعجَزون عن مجاراته في بلاغته، وعلو فصاحته.

نعم، لقد شهد العصر الجاهلي حركةً أدبيةً رائجةً كانت لها عوامل ومظاهر، فلقد عني العرب بالشعر وتجويده وروايته وحفظه، كما تفننوا في الخطابة وجَوَّدُوهَا، وضمنوا شعرهم وخطبهم ووصاياهم وأمثالهم علمًا كثيرًا وحكمة.

ومن أبرز مظاهر الحياة الأدبية عند العرب في الجاهلية: عنايتهم بالأدب في أسواقهم ومجالسهم، وعظم تأثير البيت من الشعر أو الكلمة البليغة أو الخطبة المؤثرة في نفس الواحد منهم، وكثرة الشعراء والخطباء فيهم كثرةً مفرطةً حتى قال ابن سلام: “إنه لا يحاط بشعر قبيلة واحدة من قبائل العرب”.

وقال ابن قتيبة: “والشعراء المعروفون بالشعر عند عشائرهم وقبائلهم في الجاهلية والإسلام أكثر من أن يحيط بهم محيط، أو يقف أو من وراء عددهم واقف، ولو أنفد عمره في التنقير عنهم، واستفرغ مجهوده في البحث والسؤال، ولا أحسب أحدًا من علمائنا استغرق شعر قبيلة حتى لم يفته من تلك القبيلة شاعر إلا عرفه ولا قصيدة إلا رواها”.

وقال الجاحظ: “إن الكلام لمَّا كان سهلًا على العرب، وكان كل واحد في نفسه أنطق، ومكانه من البيان أرفع؛ لم يحتج أحدهم إلى تَحَفُّظِ كلام غيره”.

فهذه الأقوال وغيرها تدل على كثرة الشعر والشعراء في العرب، واكتمال قدرتهم على البيان، والعبارة عما في النفس.

مظاهر قوة الحياة الأدبية وازدهارها عند الجاهليين:

  1. كثرة الشعراء فيهم، وكثرة الشعر الذي أبدعوه.
  2. جودة ما بقي لنا من هذا الشعر، وما بقي لنا من خطبهم ووصاياهم، وعلو منزلته في البلاغة والبيان.
  3. عظم تأثير البيت من الشعر أو الجملة من النثر أو الخطبة في نفس الواحد منهم؛ لقد كان البيت من الشعر أحيانًا يرفع قوم ويضع آخرين.
  4. عنايتهم بالأدب في أسواقهم ومجالسهم.

عوامل ازدهار الأدب في العصر الجاهلي:

  1. طبيعة النفس البشرية العربية التي طبعها الله سبحانه وتعالى على البيان وجعلها مهيئة لاستقبال أشرف كلام، وهو القرآن الكريم.
  2. ثم طبيعة اللغة العربية التي جعلها الله سبحانه وتعالى أقدر اللغات على الإبانة عن سرائر النفس، وخفايا الضمائر، والتعامل مع الحياة في كل زمانٍ ومكانٍ.
  3. كذلك البيئة العربية: صحراؤها الممتدة، وأجواؤها المتنوعة، وما يطير في جوها من طير، وما يسرح فيها من حيوان كل ذلك جعل الأدب عند الجاهليين يزدهر.
  4. كما كانت الأسواق العربية التي يعقدونها في مواسم الحج؛ لتبادل المنافع والتعارف، والمنافرة والمفاخرة، كانت هذه الأسواق ميدانًا يَتَبَارَى فيه الشعراء والخطباء، يلقي كلٌّ منهم أجودَ ما عنده، ولقد تعددت أسواقهم، وذكر التاريخ أسماء كثيرٍ منها. منها: سوق دومة الجندل، ومنها سوق هجر، وسوق الرابية، وسوق صنعاء، وسوق المُشَقَّر، وسوق ذي المجاز، وسوق عكاظ، وقد كان هذا الأخير أشهر أسواقهم وأعظمها ذكرًا.

وقد وردت أخبار كثيرة تدل على أن العرب اتخذوا من عكاظ في الجاهلية سوقًا أدبيًّا رائجًا، وأنهم كانوا يتناشدون فيه خير ما قالوا من الشعر في رحالهم وقبائلهم طوال العام؛ ومما يؤكد ذلك الروايات التي تواترت تَحكي أنهم كانوا يتحاكمون إلى أكبر شعرائهم في هذا السوق؛ ليحكم لبعضهم على بعض: أيهم أشعر؟ ذكروا أن العرب نصبوا للنابغة الذبياني خيمةً، وأتاه الشعراء ينشدون أمامه، فما استجاد من الشعر فهو الجيد المقبول، وما رده فهو المعيب المطروح، وكان ممن أنشده: الأعشى، وحسان بن ثابت، ولبيد بن ربيعة، وقيس بن الخطيم، والخنساء.

  • 5.   المجالس والأندية: والمجالس والأندية شيء غير الأسواق. الأسواق منديات عامة يأتي إليها الشعراء والخطباء من شتى القبائل، أما المجالس والأندية: فقد كانت مجالسَ وأنديةًَ خاصةً بكلِّ قبيلةٍ، فلكلِّ قبيلة نادٍ يجتمع فيه وجهاؤها وكبراؤها؛ يناقشون فيه أمر القبيلة، ويتناشدون الأشعار، ويتبادلون الأخبار. والذي يشهد هذا النادي يعد ذلك من مناقبه ومفاخره عندهم.

هذه العوامل كلُّها أدت إلى ازدهار الحياة الأدبية عند الجاهليين.

– كما كان للخصومات والمنافرات أثرها في ازدهار الأدب؛ لأنهم كانوا يُعدون البيان والشعر من أهم ما يتفاخرون به. ومن أهم ما يُذْكَرُ للواحد منهم في مجال التفاخر على غيره من الناس، وكانت القبيلة إذا نبغ فيها شاعر احتفلت به لأهمية الشعر عندهم.

error: النص محمي !!