Top
Image Alt

مفهوم البغي، وأصناف البغاة

  /  مفهوم البغي، وأصناف البغاة

مفهوم البغي، وأصناف البغاة

البُغاة، جمع، ومفرده: الباغي، وهو من البغي، ويعني: الظلم والعدوان، ومنه: الفئة الباغية، أي: الخارجة عن طاعة الإمام، وعلى هذا فيمكننا أن نقف على معنى البغاة، ونحدد أهل البغي: بأنهم هم الخارجون على الإمام يبغون خلَعه، أو يمتنعون عن الدخول في طاعته، على سبيل التأويل لا الجحود.

إذن هم جماعة خرجوا على الإمام المسلم؛ بُغية خلعه، أو بغية الامتناع عن الدخول في طاعته، وعندهم تأويل يبيح لهم ذلك.

ومن هذا المنطلق، قاتل أبو بكر رضي الله عنه البغاةَ والمرتدين، فأما البغاة: فهم الذين منعوا الزكاة بتأويل منهم؛ ظنًّا أنها سقطت بموت النبي صلى الله عليه وسلم وأما المرتدون: فهم الذين أنكروا وجوبَ الزكاة، وخرجوا عن دين الإسلام، بدعوى نبوة غير محمدصلى الله عليه وسلم من هنا تعامل الصديق رضي الله عنه مع هؤلاء الذين خرجوا على إمام المسلمين وقاتلهم، ويتمثل ذلك في طائفة منعت إخراجَ الزكاة بتأويل غير صحيح منهم، وفَهْم للنصوص فهمًا غيرَ صحيحٍ، أدَّى بهم الفهم المغلوط إلى امتناعهم عن فرض من فروض الإسلام، ألا وهو الزكاة، ناسين -أو متناسين- أن ركن الإسلام المتمثل في الزكاة أو غيره من سائر الأركان، لا عَلاقةَ لها بوجود رسول الله صلى الله عليه وسلم على الساحة، أو عدم وجوده، وهنا قاتلهم الصدِّيق، وبين لهم أن هذا الركن لا علاقة له بوجود رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بموته، ومن ثم فإنه رأى أنهم يستحقون القتال.

وكذلك فإن عليًّا رضي الله عنه أيضًا على هذا الأساس، قاتل طائفة أبوا الدخول في بيعته، وهم أهل الشام، وقاتل طائفة أخرى أعلنت خلعه، وهم أهل النهروان، ولما لَمْ يستمعوا للرشد والنصيحة أو للترشيد، ولم يستجيبوا لصوت الشرع ومقالة الحق، وأبوا إلا الإدبار والتمرد، فخرجوا عليه في عصيان، هنا قاتلهم إيمانًا وقناعةً منه بأنهم إذا وصلوا إلى هذا الحد فإنه لا بد أن يقاتلوا، إذ من الأصول الثابتة التي يرسخها الإسلام في ضمائر المسلمين وفي واقعهم حيثما كانوا، أن يلتئموا ويجتمعوا على كلمةٍ ثابتةٍ واحدةٍ، ألا وهي كلمة التوحيد الخالص، وما ينبثق عن ذلك من التئام في الصف، ووحدة في التصور والفكر، واجتماع محكم متماسك حول إمام يحكم بين الناس بشريعة الله -تبارك وتعالى- ويقضي بينهم بما أنزل الله.

ويستوي في ذلك الكلام المعجز من الكتاب الحكيم، وما أُدليَ به النبي صلى الله عليه وسلم من السنة المطهرة.

ومن أظهر الملامح في وحدة المسلمين، أن يلتحم المسلمون في بنيان راسخ حول الإمام بعد أن يبادروه البيعة على السمع والطاعة، وأن لا يشقوا بعدها عليه عصا الطاعة، وأن لا يخرجوا عليه في أمر يدعوهم إليه ما أقام فيهم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم امتثالًا لقول الله تعالى: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59].

وإذا أردنا هنا أن نصنِّف البغاة، نجد في هذا المعنى العلامة ابن قدامة، يقسم الخارجين على الإمام إلى أصناف أربعة:

أحدها: قوم امتنعوا وخرجوا عن طاعته بغير تأويل، فهؤلاء قطاع طريق، ساعون في الأرض بالفساد، وقد وردت العقوبة المقررة لأمثال هؤلاء، وتتمثل تلك العقوبة في حد الحرابة.

والصنف الثاني: قوم لهم تأويل، أي: لهم فكر يسوغ لهم الخروج به على الإمام، إلا أنهم نفر يسير لا منعةَ لهم كالواحد، والاثنين، والعشرة، ونحو ذلك، فهؤلاء أيضًا قطاع طريق في قول أكثر الفقهاء، ويستشهَد بذلك بأن عليًّارضي الله عنه لما ضربه ابن ملجم، لم يُثْبِتْ له حكم البغاة، ولأننا لو أثبتنا حكم البغاة للعدد اليسير في سقوط ضمان ما أتلفوه، أفضَى ذلك إلى إتلاف أموال الناس.

على أن هناك قولًا آخرَ لا يفرق بين العدد الكثير واليسير في إعطائهم حكم البغاة إذا خرجوا عن قبضة الإمام.

والصنف الثالث: الخوارج الذين يكفرون بالذنب، ويكفرون عثمانَ، وعليًّا، وطلحةَ، والزبيرَ، وكثيرًا من الصحابة، ويستحلون دماءَ المسلمين وأموالَ المسلمين إلا مَن خرج معهم، وظاهر قول الفقهاء أنهم بُغاةٌ يعامَلون بأحكامهم، وهذا قول لأبي حنيفة، والشافعي، وجمهور الفقهاء، وكثيرٍ من أهل الحديث، إلا أن الإمامَ مالكًا يرى استتابتهم حين يقدر الإمام عليهم، فإن تابوا، وإلا قُتِلوا على إفسادهم في الأرض لا على كفرهم.

وذهبت طائفة من أهل الحديث، إلى أنهم بهذا المعنى وبتلك الأوصاف كفار مرتدون، حكمهم حكم سائر المرتدين، ومن ثم فتُباح أموالهم ودماؤهم، فإن تحيزوا في مكان وكانت لهم منعة وشوكة صاروا أهلَ حربٍ كسائر الكفار. أما إن وقعوا في قبضة الإمام، استتابهم كاستتابة المرتدين، بمعنى: أن الإمام مالكًا يعطي هؤلاء الفرصة المتمثلة في الاستتابة، ويحاول الإمام في تلك الفترة أن يزيل ما عندهم من شبهة، أو يصحح ما عندهم من مفاهيم غير صحيحة، أدت بهم إلى الخروج على الإمام بهذا النحو المعروف عندنا، فإن تابوا بعد الاستتابة وإلا ضُربت أعناقهم، وكانت أموالهم فيئًا لا يرثهم ورثتهم المسلمون.

أما الصنف الرابع من الخارجين على الإمام: فهم قوم من أهل الحق يخرجون عن قبضة الإمام، ويرون خلعه بتأويل سائغ، وفيهم منعة يحتاج في كفهم إلى جمع الجيش لرد عدوانهم، فلا شك أن هؤلاء بتلك المواصفات هم البغاة الذين يجب قتالهم، ويجب على المسلمين معونة الإمام في قتالهم؛ كي لا ينتصر أهل البغي، ويظهر الفساد في الأرض. لكن لنا تحفظ عند القول بقتالهم، ويكمن هذا التحفظ في أنه لا يجوز قتالهم حتى يبعث الإمام لهم مَن يسألهم، ويكشف لهم الصواب في تأويلهم، فإن أمكن ذلك وعرَّفهم الإمام الدين الحق، وأزال هذا الفكر الخاطئ، وأزال ما عندهم من حجج، ومع ذلك استمروا فيما هم عليه، فإنه في تلك الحالة لا مَناص من أنهم يستحقون من الإمام القتال.

error: النص محمي !!