Top
Image Alt

مفهوم الترجمة، وأنواعها، وطرائقها

  /  مفهوم الترجمة، وأنواعها، وطرائقها

مفهوم الترجمة، وأنواعها، وطرائقها

تمهيد:

للترجمة تعريفات عدة منها على سبيل المثال: أنها مهارة تتمثل في محاولة إحلال رسالة، أو بيان مكتوب بإحدى اللغات برسالة أو بيان مكتوب بلغة أخرى، كما تعرف بأنها: عملية إحلال النص المكتوب بإحدى اللغات إلى نص يعادله مكتوب بلغة أخرى، كما تعرف بأنها: محاولة نقل رسالة في اللغة المصدر إلى رسالة معادلة لها في اللغة المنقول إليها، بحيث يكون التركيز على نقل جوهر أو معنى الرسالة وليس نصه، وهي مرتبطة بعلوم اللغة المختلفة، ترتبط بعلم اللغة العام، وبعلوم الألفاظ والمعاني، والنحو والصرف والأسلوب، كما ترتبط بعلمي الاجتماع والنفس اللغويين، فالترجمة مصدر مهم من مصادر الدراسات اللغوية في مجال الدراسات المقارنة وازدواجية اللغة وطرق تدريس اللغات.

وقد تردد العلماء في كونها علما أو فنا؛ حيث رأى بعض العلماء أن الترجمة علم قائم بذاته له مادته التي يعالجها بواسطة مناهج نظرية متنوعة، وذلك بناء على تطور الدراسات الأدبية واللغوية في عصرنا الحاضر، هذا التطور هو الذي أدى إلى استقلالية الترجمة وصيرورتها علما، فلم تعد مجالا من مجالات الدراسات الأدبية أو اللغوية أو الدراسات المقارنة، وبعض العلماء يراها فنا، ويعطي الأولوية للموهبة الأدبية على القدرات اللغوية في أثناء العملية التي تحول الرسالة أو النص من لغة إلى أخرى، ومن العلماء من يجمع بين الرأيين، فيراها علما ومهارة وفنا في الوقت نفسه. 

وهناك اتجاهان في دراسة قضايا الترجمة:

الاتجاه الأول: يتناولها من منظور أدبي.

الاتجاه الثاني: يعالج قضاياها على أسس لغوية.

الاتجاه الأول: ويرى أصحابه في الترجمة فنا إبداعيا، ومن ثم، فإن قدرات المترجم الأدبية، وإمكاناته الفنية لها دور مهم في عملية النقل من لغة إلى أخرى، فالمترجم مثله مثل كاتب النص الأصلي ينبغي أن يكون متمتعًا بشخصية منفردة، من حيث أسلوب وطرق الأداء في أثناء الترجمة، والاتجاه الأدبي هذا يركز كل جهده في دائرة ترجمة الآثار الأدبية وحدها.

الاتجاه الثاني: وهو الاتجاه اللغوي، فإنه يراعي اتساع الترجمة لكل مجالات الحياة، وتنوع النصوص بقدر تنوع نتاج الفكر الإنساني الأمر الذي يتطلب وضع أسس عامة لمعالجة الترجمة، ومن هذه الأسس العامة ينطلق علم الترجمة من منظوره اللغوي، فيهتم بدراسة القضايا المشتركة بين مختلف نوعيات الترجمة التحريرية والشفوية، فيما يتعلق بنقاط التلاقي بين اللغات في سبيل نقل المعلومات ووسائل التعبير اللغوي، فالاتجاه اللغوي هذا يحصر قضايا الترجمة في إطار اللغة المنقول منها واللغة المنقول إليها، ومضمون النص وعوامل الزمان والمكان، والخصائص المرتبطة بشخصية المرسل فضلا عن نوعية النص من حيث المجالات التخصصية.

أما بالنسبة لأنواعها فنقول: يرى بعض المؤلفين أن الترجمة تأخذ أشكالا أهمها ما يسمى بالترجمة الكتابية أو التحريرية، والترجمة الشفهية التي تنقسم إلى قسمين:

فورية، وأخرى مباشرة، والفرق بينهما أن الفورية تتم فورا دون كتابة، وبوجود طرفين متحدثين كلاهما يحادث الآخر، وينتظر حتى تتم ترجمة الجملة. 

أما الترجمة المباشرة، فهي: ترجمة حديث شخص في مؤتمر عام أو محاضرة أو خطبة سواء على الملأ أو في أماكن الإذاعة، وترجمة ذلك مباشرة إلى لغة أخرى في الوقت نفسه للمستمع، وفي هذا الشكل من الترجمة لا يوجد متحدثان، ولا ينتظر أحدهما الآخر؛ لذلك فعلى المترجم أن يساير هذا المتحدث أو المحاضرة تماما، وهذا التقسيم للترجمة إلى شفوية وكتابية، هو تقسيم من حيث شكل الأداء فالترجمة الشفوية هي: الترجمة التي يتلقى المترجم في أثنائها النص الأصلي عن طريق السماع، فيخرج هذا النص بلغة الترجمة شفاهة؛ ليصل إلى المتلقي عن طريق السماع أيضا.

أما الأخرى التحريرية فهي الترجمة التي يتلقى في أثنائها المترجم النص مكتوبا، فيخرجه مكتوبا ليقرأ، فالترجمة الشفوية يمكن أن تكون ترجمة لرسالة كلامية شفوية يستوعبها المترجم سماعا، كما يمكن أن تكون ترجمة لرسالة كلامية مكتوبة يستوعبها المترجم بالنظر، وهو ما يعرف بالترجمة المنظورة، إذن؛ هذان النوعان ينقسمان بدورهما إلى نوعيات أخرى وفق شكل الرسالة الكلامية بلغة النص الأصلي، فيمكن أن تؤدى عملية الترجمة التحريرية من نص شفوي مسجل أو عن طريق الإملاء، فضلا عن النقل من نصوص مكتوبة إلى أخرى مكتوبة.

ويلعب الزمن دورا مهما في تحديد نوعيات الترجمة الشفوية، فالترجمة الشفوية إما أن تؤدى في وقت متزامن مع وقت إخراج الرسالة الكلامية أعني: الترجمة الفورية، وإما أن تؤدى عقب إخراج الرسالة الكلامية ببعض من الوقت، وهو ما يسمى بالترجمة التتبعية، والترجمة الفورية تتم شفاهة دوما، أما الترجمة التتبعية فهي تؤدى شفاهة أو تحريرا حيث يسجل المترجم ما يقال كتابة، ثم ينطلق منه في ترجمته بعد ذلك، والترجمة المنظورة إما أن تكون دون إعداد سابق، فيقوم المترجم بترجمة النص متزامنا مع إلقاء المتحدث، وإما أن تكون بإعداد سابق حيث يقوم المترجم بترجمة النص مسبقا، ثم يقرؤه متزامنا مع إلقاء المتحدث.

إذن، الترجمة تنقسم إلى قسمين: شفوية وتحريرية، والشفوية قد تكون ترجمة لرسالة كلامية شفوية أو ترجمة لرسالة كلامية تحريرية، وحينما تكون ترجمة شفوية لرسالة كلامية شفوية قد تكون فورية أو تتبعية، وحينما تكون الترجمة شفوية لرسالة كلامية تحريرية في هذه الحالة تكون ترجمة منظورة، وتتشعب إلى شعبتين: فقد تكون بإعداد مسبق أو دون إعداد، وأما الترجمة التحريرية فقد تكون ترجمة تحريرية لنص مكتوب أو ترجمة تحريرية لنص شفوي، وبعض العلماء يوجز أقسام الترجمة في قسمين أساسين: تحريرية لا تتقيد بزمن، وأخرى شفهية أو شفوية تتقيد بزمن معين، وهو الزمن الذي تقال فيه الرسالة الأصلية؛ حيث يكون على المترجم أن يكتفي بنقل محتوى الرسالة فقط دون الالتزام بأسلوب النص الأصلي نفسه، ثم يقسمها إلى أنواع، فقد تكون منظورة بمجرد النظر بالعين، ثم يترجمها في عقله؛ ليبدأ الترجمة إلى اللغة الأخرى بشفتيه.

وقد تكون تتبعية بأن يجتمع مجموعتان لكل مجموعة لغة، ويكون بينهما المترجم الذي ينقل رسالة المجموعة الأولى إلى الأخرى لترد عليها، وهكذا يتم الأخذ والرد، وهذه تحتاج من المترجم أن يكون مستمعا يقظا فاهما جيدا للنص، وهناك نوع ثالث للترجمة الشفهية، وهو ما يسمى بالفورية، وهي تكون في المؤتمرات، وعلى المترجم في الترجمة الشفوية الفورية أن يتمتع بالقدرة على سرعة الرد، وبالقدرة على التركيز وهدوء الأعصاب، والاستمرار في الترجمة لمدة طويلة والإلمام بحصيلة كبيرة من المفردات علاوة على ثقته بنفسه، فالثقة بالنفس تحقق ثلث الترجمة الفورية، هذا بالنسبة لأنواع الترجمة أما بالنسبة لطرائقها فلها في الإسلام مذهبان:

المذهب الأول: هو طريق يوحنا البطريق، ومن تبعه، ويعتمد نهجه على النظر إلى كل كلمة مفردة من الكلمات اليونانية، وما تحمله من معنى، فيأتي الناقل بلفظة مفردة من الكلمات العربية ترادفها في الدلالة على ذلك المعنى، فيثبتها أو ينتقل إلى أخرى حتى يأتي على ما يريد تعريبه، وهذه الطريقة رآها بعض العلماء رديئة لسببين: الأول: أنه لا يوجد في الكلمات العربية كلمات تقابل كل كلمات اليونانية؛ ولهذا بقي الكثير من الكلمات اليونانية على حاله في أثناء التعريب.

الثاني: يرجع إلى اختلاف خواص التراكيب والنسب الإسنادية من لغة إلى أخرى، ولهذا يقع الخلل من جهة استعمال المجازات، وهي كثيرة في جميع اللغات.

المذهب الثاني: فهو نهج حنين بن إسحاق ومن نهج نهجه ويقوم على استيعاب الناقل لجملة في ذهنه، ثم يعبر عنها من اللغة الأخرى بجملة تطابقها سواء ساوت الألفاظ أو خالفتها، وهذه الطريقة رآها بعض العلماء أجود من الطريقة الأولى، ونرى بعض العلماء يوفق بين المذهبين، فيجمع ما فيهما من المحاسن، ولما كانت عملية الترجمة تنقسم إلى مرحلتين رئيستين هما التحليل والتركيب، فإن عملية التحليل تمثل أولى مراحل هذه العملية؛ إذ لابد للمترجم من نقطة انطلاق تحدد له مسار عمله إلى أن يصل إلى إخراج النص بلغة الترجمة، ويستخدم المترجم في أدائه للترجمة عددًا من الطرق والوسائل بهدف تحقيق التطابق بين النصين المنقول منه والمنقول إليه، وقد حصرها بعض العلماء في سبع طرق وأدرجها تحت أسلوبين:

الأول: أسلوب الترجمة المباشر أو ما يسمى بالترجمة الحرفية.

الثاني: أسلوب الترجمة غير المباشر، ووضع طرائق ثلاثا لأسلوب الترجمة، وهي المسماة بالاقتباس والنَّحل والترجمة كلمة كلمة، كما وضع طرائق أربعا تحت النوع الآخر غير المباشر وهي: الإبدال، بمعنى تغيير قسم من أقسام الكلام بقسم آخر دون الإخلال بالمعنى الكلي للرسالة الكلامية، والقياس، أي: الانتقال من شكل إلى آخر، فالرسالة الكلامية في أثناء الترجمة على أساس القياس والتكافؤ، وهو يعني: إمكانية وصف نصين لموقف واحد بوسائل أسلوبية مختلفة، والطريقة الأخيرة هي: التكييف وتستخدم حيث لا يجد المترجم في لغة الترجمة الموقف الوارد في لغة الأصل، فيقدم بدلا منه موقفا آخر على أساس تطابق المواقف، هذه الطرق السبع الموزعة على هذين الصنفين المباشر وغير المباشر تستخدم بدرجات متفاوتة، وعلى مستويات الألفاظ.

error: النص محمي !!